هل سينسحب نتنياهو من لبنان إن سلم الحزب سلاحه؟
الإجراءات الإسرائيلية تقوّض بشكل مباشر مطلب الدولة اللبنانية نرع السلاح من يد المقاومة وتؤكد لبيئة حزب الله، بأن الدولة اللبنانية لا يمكنها أن تضمن أمنهم من خلال الدبلوماسية.
-
هل سينسحب نتنياهو من لبنان إن سلّم الحزب سلاحه؟
لا شك في أن حزب الله قد تلقى ضربة قاسية في قيادته وفي العديد من مقاتليه وفي جزء كبير من مخزون أسلحته الثقيلة، صيف 2024 وذهب الى تطبيق القرار 1701 وسحب قواته من جنوب نهر الليطاني في خريف العام نفسه، في المقابل لم تلتزم "إسرائيل" بتطبيق القرار الأممي وما زالت تمارس الاغتيالات والقصف في الجنوب والبقاع وحتى في داخل الضاحية، فيما تطالب عبر الأميركي بتجريد الحزب مما تبقى من السلاح تنفيذاً للبنود المتبقية في الاتفاق الأممي.
"إسرائيل" ما زالت تخشى حزب الله الذي ابتعد عن الحدود الجنوبية، ادعت أن أهالي الشمال لا يزالون خائفين من العودة إلى منازلهم وفيما بعد أصرت على البقاء في التلال الخمس و13 نقطة في الجنوب اللبناني، أما اللجنة المؤلفة من الأميركي والفرنسي فهي لا تضغط إلا على الدولة اللبنانية من أجل نزع سلاح حزب الله وتتعامل مع الجيش وكأن واجبه تنفيذ إراداتها وإلا تهديد "إسرائيل" بحرب شعواء.
يكمن التحدي في أن الإجراءات الإسرائيلية تقوض بشكل مباشر مطلب الدولة اللبنانية نرع السلاح من يد المقاومة وتؤكد لبيئة حزب الله، بأن الدولة اللبنانية لا يمكنها أن تضمن أمنهم من خلال الدبلوماسية ووجود الجيش اللبناني.
انتهاك "إسرائيل" للاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة يصب في منطق حزب الله بأن الدولة اللبنانية عاجزة عن ضمان أمن وسلامة الجنوب وكل لبنان، لذلك هو مضطر للاحتفاظ بأسلحته، على الأقل شمال الليطاني.
لقد تم تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف الأعمال العدائية، واستبدال حزب الله بالجيش اللبناني واليونيفيل في المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني، إلا أن تمكين المدنيين من العودة إلى بلداتهم وقراهم الحدودية لم يحصل، ومن دون تنفيذ "إسرائيل" قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 لا يمكن منطقياً العودة الآمنة. تحتاج الدولة اللبنانية إلى استراتيجية جادة لتحقيق احتكارها لاستخدام القوة.
سقوط رهان حرب الـ 12 يوماً على إيران من أجل نزع سلاح الحزب
كانت الأوساط السياسية اللبنانية قد توقعت بأن الحرب الإسرائيلية الأميركية على إيران التي استمرت 12 يوماً ستؤثر على وضع المقاومة في لبنان، لكن على العكس من ذلك، بقي موقف حزب الله من نزع سلاحه كما هو، أضيف هذا الرهان إلى الرهان السابق الذي افترض أن الخسائر الكبيرة التي تلقاها الحزب في عام 2024 وخسارته الاستراتيجية لسوريا، ستسهمان في تقويض وجوده، إلا أنه لا يزال يمثل بالنسبة إلى "إسرائيل" وأميركا وحلفائهما عقدة رئيسية.
حزب الله يتمتع باستقلالية تكتيكية عن إيران، لكن الأميركي يعتبر أن إيران تسعى لعرقلة نفوذه في لبنان. يرفض الحزب التخلي عن أسلحته بسبب استمرار العدوان وعدم التزام "إسرائيل" ببنود القرار بهذا الخصوص، في الوقت عينه تتصدى قوى سياسية داخلية تتناغم مع الأميركي والإسرائيلي في اتهام الحزب بأنه السبب في إدخال لبنان بحرب مع "إسرائيل" إلى نهاية المعزوفة المنتشرة في وسائل التواصل وفي الإعلام العربي وفي محطات التلفزة المعادية للحزب، التي تحمّل المقاومة مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي والأمني، وهي اتهامات يُراد منها كسر الحزب وحمله على الاستسلام لإرادة الأميركي وبشروطه.
ترى "إسرائيل" أنه إذا تمكّن حزب الله من الصمود في هذه الأزمة العميقة فهو سيحاول بناء قوته من جديد، وفي الانتخابات المحلية 2025، كان واضحاً أن الحزب فاز بكل المقاعد على وجه التقريب مع حليفه حركة أمل، وظهر بأنه الحزب السياسي المهيمن في المنطقة الواقعة جنوبي الليطاني وبين طائفته في كل المناطق اللبنانية.
وهو ما أزعج أعداءه في الداخل والخارج فالمشروع هو ضربه وإقصاؤه، لا عسكرياً فقط وإنما سياسياً أيضاً. ما يطرح اليوم في كواليس السياسة الدولية والإقليمية وفي قرارات الحكومة اللبنانية على الصعيد المحلي يعتبر خطيراً، يبدأ بتقويض مؤسسات حزب الله كمؤسسة القرض الحسن على الصعيد المالي، بما تمثل من بوابة دعم للبنانيين، حيث تعتقد الولايات المتحدة أن المؤسسة تسهم في ضرب المنظومة المصرفية الدولية وتخلق منظومة جديدة في لبنان، يمكن أن تسهم في ظل الأزمة المصرفية والمالية في لبنان بزيادة عدم الثقة بالمصارف اللبنانية المرتبطة بالمؤسسات الدولية الموجودة في وول ستريت.
إنها حرب شعواء يخوضها الأميركي والإسرائيلي، تسانده دولة إقليمية طامعة في استعادة دورها في لبنان، وتعتقد أنه إذا تم ضبط سلاح الحزب فستتم السيطرة على لبنان، وتولي مسألة الإعمار بعد كسر الحزب ومنع إيران من المساعدة في إعادة الإعمار، لعل بيئة الحزب تنفك عنه، ولا سيما أن لبنان مقبل على انتخابات نيابية ستحدد مصير القوى السياسية التي ستقود البرلمان اللبناني الجديد.
من الناحية الواقعية، يتعين على الدولة أن تتجنب مواجهة متسرعة وكاملة يمكن أن تؤدي إلى حرب أهلية أو انهيار مؤسسي. وأن ترسم خارطة طريق ذات مصداقية نحو استعادة السيادة على الأرض اللبنانية المحتلة، هل هناك مشروع استراتيجية دفاعية وبناء جيش لبناني؟ أم أن ما تريده "إسرائيل" هو دول طوق سلاحها فردي أمني وليس دفاعياً؟
لكن هل سينسحب نتنياهو من لبنان إن سلّم الحزب سلاحه؟
هل حزب الله هو العقدة أمام إنهاء الحروب؟ أم أن إيران هي الهاجس؟ أم هي مشاريع نتنياهو التوسعية وحروبه الأبدية لخلق الشرق الأوسط الجديد؟ لا شك بعدم رغبة نتنياهو في إنهاء الحرب في غزة وتوفير الظروف لبناء ترتيبات سلمية وآمنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، الشرق الأوسط الجديد الذي يريده.
فنتنياهو يمارس أبشع حرب إبادة وتجويع في غزة، الحرب التي مضى عليها عامان، لن تنتهي سوى بمزيد من الكراهية والعداء لـ"إسرائيل" وهي حولت جيلاً جديداً في العالم العربي إلى مؤيد متحمس للقضية الفلسطينية.
غزة هي المكان الذي بدأت فيه هذه الحرب واحتلالها هو الهدف والتهجير هو الغاية والقضاء على كل مقاومة تطالب بحقها وحق الدفاع عن النفس.
نتنياهو يريد التوسع تحت شعار الحفاظ على أمن "إسرائيل" ويريد مناطق عازلة، فهل تضمن الحكومة اللبنانية عدم التوسع الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، في الوقت الذي لا الأميركي ولا الإسرائيلي مستعدان لإعطاء أي نوع من الضمانات؟