هل يمكن أن تصبح أذربيجان ساحة بين القوى العظمى؟
للولايات المتحدة مصالح كبيرة في أذربيجان التي تعد حلقة وصل مهمة تربط آسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز بالأسواق الغربية.
-
الولايات المتحدة تعزز الشراكات في أرمينيا وأذربيجان.
شكل جنوب القوقاز، الذي يضم أرمينيا وأذربيجان وجورجيا، نقطة محورية للتوترات الجيوسياسية لسنوات عديدة. لعبت روسيا تاريخياً دوراً قوياً في التأثير على هذه المنطقة. لكن ترى الإدارة الحالية للرئيس دونالد ترامب فرصاً وتحديات في تعميق مشاركة الولايات المتحدة في جنوب القوقاز وفي آسيا الوسطى، حيث تتوفر الطاقة والموارد الحيوية. مع توسع نفوذ الصين وتحركات روسيا وإيران.
تبنت الحكومة الجورجية موقفاً صدامياً مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، عززت علاقاتها مع الصين، على الرغم من تاريخ العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة إلا أن لها مصالح كبيرة في جورجيا. فالبلاد تلعب دوراً حاسماً في الممر الأوسط، الذي يربط آسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز بالبحر الأسود وأوروبا وتركيا.
يعزز تطوير هذه الممرات مرونة سلسلة التوريد العالمية ويحد من فرص التدخل في الصين وإيران وروسيا بالنسبة لها. يمكن لجورجيا كدولة ساحلية أن تساعد على حرية الحفاظ على انفتاح البحر الأسود، تحتل روسيا، منذ غزو جورجيا في عام 2008، 20 في المئة من أراضي البلاد، أي منطقتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. إضافة إلى ذلك، تقوم موسكو ببناء قاعدة بحرية روسية جديدة في أبخازيا.
تورّط الصين في ميناء أناكليا في المياه العميقة في جورجيا الواقع على الطرف الشرقي من البحر الأسود يثير قلق أميركا التي ترى في الأمر تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية. وفي الوقت نفسه، تعمل طهران بنشاط على تطوير ممر بين الشمال والجنوب الذي يربط روسيا بإيران عبر جورجيا، وهو طريق يمكن أن يقلل من تعرض النظام للعزلة الاقتصادية والسياسية عن الولايات المتحدة.
الحكومة الأرمينية الحالية ابتعدت عن تحالفها التاريخي مع موسكو، وسعت إلى إقامة علاقات أوثق مع أوروبا والولايات المتحدة. في أبريل/نيسان سنت الحكومة قانوناً يضع أساساً قانونياً للتقدم نحو عضوية الاتحاد الأوروبي. في أوائل عام 2025 ، وقعت أرمينيا ميثاق شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة.
ومنذ عام 2021 ، أصبح الاتحاد الأوروبي وأرمينيا طرفاً في اتفاقية الشراكة الشاملة والمعززة، في الوقت الذي تحافظ فيه البلاد على العلاقات التجارية والدبلوماسية مع موسكو وطهران، وهي سعت جاهدة لإعادة فتح حدودها المغلقة مع أذربيجان وتركيا.
وتتمتع أرمينيا أيضاً بعلاقات ودية مع جورجيا، الأولوية القصوى ليريفان كانت في تأمين معاهدة سلام مع باكو في أعقاب الحرب الطويلة على إقليم ناغورني كاراباخ الذي كان متنازعاً عليه. وقد أعربت تركيا بالفعل عن نيتها تطبيع العلاقات مع أرمينيا بمجرد الانتهاء من اتفاق السلام.
وكان هذا أمراً بالغ الأهمية لتطوير الممر الأوسط المعروف أيضاً باسم طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين أو ممر آسيا الوسطى - بحر قزوين - القوقاز ، يعزز أهداف الولايات المتحدة التي تريد تقديم بديل تجاري لدول المنطقة عن الممر بين الشمال والجنوب من روسيا إلى إيران. يمكن لهذا المسار أن يعزز سلاسل التوريد المتنوعة، ويفتح أسواقا جديدة، ويؤمن الوصول إلى الطاقة والموارد للدول الغربية، مع الحد من نفوذ روسيا وإيران.
علاوة على ذلك، بالتوازي مع اتفاقية المعادن الحيوية الجديدة مع كييف، تسعى الولايات المتحدة أيضاً إلى إبرام اتفاقيات التعدين والمعالجة في أرمينيا ، كجزء من استراتيجيتها العالمية لمواجهة هيمنة الصين على إنتاج المعادن النادرة والمعادن الحرجة.
بذلت الحكومة في باكو جهوداً كبيرة لتعزيز علاقاتها مع الدول الغربية، لتحقيق التوازن بين المصالح الروسية والصينية. وفي الوقت نفسه، تحتفظ أذربيجان بعلاقات قوية وطويلة الأمد مع تركيا ودول آسيا الوسطى ، وهي برزت كشريك مهم للطاقة لأوروبا من خلال مشاريع مثل خط أنابيب جنوب القوقاز وخط أنابيب عبر الأناضول وخط أنابيب عبر البحر الأدرياتيكي. كذلك تعمق علاقتها كحليف إقليمي لـ"إسرائيل".
باكو أرادت تسريع التعاون مع واشنطن في ظل إدارة ترامب. وفي خطاب ألقاه الرئيس الأذربيجاني علييف في يوليو 2024 اعتبر ان تطور علاقة بلاده مع الولايات المتحدة، ستكون منتجة ومثمرة، وكانت "تل أبيب" أعلنت في مارس عن خطط لبدء حوار ثلاثي تشارك فيه الولايات المتحدة وأذربيجان و "إسرائيل"، وتعزيز إدراج باكو في اتفاقيات إبراهيم.
للولايات المتحدة مصالح كبيرة في أذربيجان التي تعد حلقة وصل مهمة تربط آسيا الوسطى وبحر قزوين والقوقاز بالأسواق الغربية. علاوة على ذلك، فإن التعاون الأميركي الإسرائيلي الأذربيجاني فيما يتعلق بإيران سيفيد بشكل كبير مصالح واشنطن الاستراتيجية. سعى هذان البلدان إلى إقامة علاقات تجارية أكبر مع أوروبا. وهذا يخلق أيضاً فرصة لزيادة المشاركة الأميركية، حيث تسعى هذه الدول إلى الاستثمار الأجنبي المباشر ومع ذلك، من المرجح أن يظل نفوذ موسكو في تبليسي قوياً.
الولايات المتحدة تعزز الشراكات في أرمينيا وأذربيجان
الولايات المتحدة ستدير الممر الذي يمر عبر جنوب أرمينيا أذربيجان بمنطقة ناختشيفان تحت السيادة الأرمينية بعقد إيجار لمدة 99 عاماً، ما يغير ميزان القوى في المنطقة. وكانت السيطرة على الممر الذي يمتد على طول الحدود بين أرمينيا وشمال إيران وأكبر عقبة أمام اتفاق سلام بين البلدين كما تراه أذربيجان.. بعض المحللين الإيرانيين رأوا أن الاتفاق يرقى إلى "الاختناق الجيوسياسي الإيراني في المنطقة".
يمثل الأمر ضربة أخرى لنفوذ روسيا في المنطقة، حيث يقود رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، بلاده نحو الغرب، ومن شأن فتح الحدود مع تركيا أن يدمج أرمينيا في مشروع الممر الأوسط، وهو الطريق التجاري الاقتصادي بين أوروبا والصين وهو يتجاوز روسيا وإيران.
الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في هذا المشروع التنموي هو الحد من نفوذ إيران وروسيا والصين في منطقة جنوب القوقاز. أثار إعلان السلام الأخير بين أرمينيا وأذربيجان في 8 أغسطس اهتماماً كبيراً في جورجيا ، لأنه يشير إلى زيادة الوجود الغربي في جنوب القوقاز.
سعى حزب الحلم الجورجي الحاكم إلى إقناع الغرب بأنه على الرغم من موقف الولايات المتحدة من سياسات الحكم في جورجيا وعلاقاته الأقوى مع روسيا وجمهورية الصين الشعبية، يجب على الغرب قبول بلاده كما هي. خلاف ذلك، ستتحول جورجيا بالكامل إلى الشرق على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كانت جورجيا الدولة الوحيدة في جنوب القوقاز التي عملت كشريك مستقر للغرب،حين كانت أرمينيا حليفاً لروسيا، بينما سعت أذربيجان إلى تحقيق التوازن بين الاثنين. ومع ذلك، تظهر هذه الأحداث الأخيرة كيف أن الاصطفاف الجيوسياسي يشهد تغييرات كبيرة في المنطقة. بدأت أرمينيا وأذربيجان في التحول بسرعة نحو الغرب ، بينما تبتعد جورجيا عن الغرب وتقترب من روسيا وجمهورية الصين.
ترى جورجيا أنه من غير المرجح أن يبدأ تشغيل ممر زانغيزور - الذي سيربط أذربيجان وتركيا عبر الأراضي الأرمينية لمدة خمس إلى سبع سنوات على الأقل. في غضون ذلك ، على جورجيا تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية الرئيسية لتعزيز قدرتها التنافسية كمركز للممر الأوسط، من المتوقع أن يكتمل بناء الطريق السريع بحلول عام 2032 .
من غير المرجح أن يدعم المستثمرون تطوير خطوط أنابيب جديدة تتجاوز جورجيا لأسباب اقتصادية ولوجستية حتى مع وجود ممرات جديدة، تسعى جورجيا إلى إقناع الغرب بأنه يجب عليه قبول جورجيا كما هي. خلاف ذلك، فإن الشرق مستعد لاحتضان جورجيا (هذا التلميح أتى بعد أيام قليلة من لقاء ترامب مع قادة من جنوب القوقاز).
اتفاق السلام لعام 2025 بين أرمينيا وأذربيجان أو طريق ترامب الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، يشكل إذا تطوراً جيوسياسياً مهماً يتحدى النفوذ الروسي في جنوب القوقاز. كان رد فعل الصين أكثر حذراً، ولكن التحرك الأميركي في منطقة كانت روسيا فيها تقليدياً الوسيط القوي الرئيسي يقدم ديناميكيات تنافسية جديدة.
الاتفاق يشكل تحديًا لروسيا والصين، لأكثر من قرن، كانت روسيا قوةً مهيمنةً ووسيطًا رئيسيًا في جنوب القوقاز. الاتفاق سيؤدي إلى تهميش روسيا وآلياتها الدبلوماسية، لمصلحة حلٍ تقوده الولايات المتحدة. يمنح الاتفاق الولايات المتحدة حقوق تطوير حصرية لممر تجاري وعبور جديد يمر جنوب أرمينيا (لتصدير الطاقة والموارد الأخرى، ما يعزز المصالح الاقتصادية الأميركية في المنطقة).
للصين مصالح اقتصادية قائمة في المنطقة وشراكة استراتيجية شاملة مع روسيا، لكنها تجنبت تاريخيًا الانحياز لأي طرف في الصراع الأرمني الأذربيجاني. وينصب تركيزها حاليًا على إدارة علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة، ودراسة تداعيات سياسات ترامب "أميركا أولًاً" ترى موسكو أن الجغرافيا قدر.
ربما تنازل نيكول باشينيان عن ممر زانغيزور للولايات المتحدة، قد حكم على أذربيجان، بتحمل مشكلات حرب النفوذ التي ستدور في المنطقة، حيث تمر أربعة ممرات تجارية عبر أذربيجان، أحد فروع طريق الحرير من الصين إلى أوروبا، والممر الروسي الإيراني، والممر الأميركي إلى آسيا الوسطى، ونظيره التركي إلى آسيا الوسطى. جميع هذه الممرات تتعارض تبعاً للوضع الدولي الراهن، بعد فتح ممر زانغيزور، يمكن أن تصبح أذربيجان ساحة بين القوى العظمى. محاولات تعطيل الممر قد ترفع المخاطر وتؤثر بشكل محتمل على تدفقات التجارة الأوسع.