الفعل الجمعي السلبي وآثاره المدمرة: غزة نموذجاً
الدرس الأهم من غزة هو أنّ السلبية الجماعية تُشكّل تواطؤاً مع الجلّاد، بينما الفعل الجمعي الإيجابي – مهما كان صغيراً – يصنع الفرق بين الحياة والموت.
-
تتعرّض غزة لحرب إبادة جماعية منذ العام 2023
الفعل الجمعي، بوصفه ظاهرة اجتماعية، يُعبِّر عن تفاعل الأفراد لتحقيق هدف مشترك، سواء أكان إيجابياً كالثورات السلمية، أم سلبياً كالسكوت عن الظلم.
لكنّ الفعل الجمعي السلبي، الذي يتجسّد في الانكفاء والقعود وعدم المبادرة، يُمثّل تهديداً وجودياً للمجتمعات، خاصة عندما يتعلّق الأمر بقضايا إنسانية كالإبادة الجماعية في غزة. هذا المقال يستعرض السياق التاريخي لنظرية الفعل الجمعي، ويحلّل كيف تحوَّلت السلبية الجماعية إلى أداة لتكريس الظلم، مع التركيز على حالة الصمت الدولي والمحلي تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية في فلسطين.
تعود جذور مفهوم الفعل الجمعي إلى عصر التنوير، حين ربط الفلاسفة مثل جان جاك روسو بين "الإرادة العامّة" والتضامن الاجتماعي. في القرن العشرين، قدّم مانكور أولسون (1965) تحليلاً بارزاً في كتابه "منطق الفعل الجمعي"، مشيراً إلى أنّ الأفراد قد يمتنعون عن المشاركة إذا اعتقدوا أنّ غيرهم سيتحمّل العبء (مشكلة الراكب الحرّ). أما إلينور أوستروم، الحائزة على جائزة نوبل في الاقتصاد، فأكدت أنّ نجاح الفعل الجمعي يعتمد على الثقة المتبادلة وقدرة المجتمعات على التنظيم الذاتي.
الفعل الجمعي السلبي: من الانكفاء إلى التخاذل عن نصرة الحقّ
يتخذ الفعل الجمعي السلبي أشكالاً متعدّدة، أبرزها:
- القعود وعدم المبادرة: أي تجنّب تحمّل المسؤولية الفردية والجماعية، كما في حالات العنف السياسي حيث يرفض الأفراد التضامن مع الضحايا خوفاً من الانتقام.
- الرضوخ والقبول بالظلم: كما يحدث في المجتمعات التي تُطبِّع مع أنظمة قمعية، وفقاً لتحليل إريك فروم في كتابه "الهروب من الحرية".
- التخاذل عن نصرة غزة: تُعدّ الحالة الفلسطينية نموذجاً صارخاً للفعل الجمعي السلبي على المستويين الدولي والمحلي. فبالرغم من توثيق المنظّمات الحقوقية (مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي) لجرائم حرب إسرائيلية متكرّرة منذ عام 2023، إلا أنّ المجتمع الدولي – بما فيه دول عربية – يتبنّى موقفاً سلبياً، يتجنّب فرض عقوبات حقيقية أو حتى إدانة علنية. هذا الصمت يُعزى إلى:
- مشكلة الراكب الحرّ: اعتقاد الدول بأنّ غيرها سيتدخّل (كالولايات المتحدة أو الأمم المتحدة).
- اللامبالاة المعمّمة: نتيجة التضليل الإعلامي أو التطبيع مع العنف.
- مصالح سياسية واقتصادية: تدفع بعض الحكومات لتجاهل الانتهاكات لتحقيق مكاسب قصيرة المدى.
الآثار السلبية: من غزة إلى العالم
- تكريس الإبادة الجماعية: وفقاً لتقرير الأمم المتحدة (2023)، فإنّ صمت المجتمع الدولي شجَّع "إسرائيل" على تصعيد عمليات التهجير القسري والاستهداف الممنهج للمدنيين في غزة.
- تفكّك التضامن الإنساني: تُظهر دراسة نُشرت في "مجلة علم النفس السياسي" (2022) أنّ التطبيع مع انتهاكات حقوق الإنسان يُضعف القيم الأخلاقية العالمية، ويُعمّق الشعور بالعجز لدى الأفراد.
- تداعيات اقتصادية واجتماعية: وفقاً للبنك الدولي (2023)، فإن الحصار المفروض على غزة أدى إلى انهيار البنية التحتية وارتفاع معدلات الفقر إلى 80%، وهو نتيجة مباشرة لغياب ضغط جمعي دولي لوقف العدوان.
إذاً، ليس الفعل الجمعي السلبي ظاهرة محايدة، بل خيار يُعمّق الأزمات الإنسانية، كما في حالة غزة التي كشفت فشل الآليات الدولية في مواجهة الاستعمار الحديث. وعليه، من أجل تحويل السلبية إلى فعل إيجابي، يجب:
-تفكيك ثقافة الصمت عبر تعليم الأفراد أنّ التضامن مسؤولية أخلاقية، كما يؤكّد الفيلسوف نعوم تشومسكي.
- الضغط الشعبي المنظّم كما فعلت حملات المقاطعة العالمية.
- إصلاح المؤسسات الدولية، مثل إعادة هيكلة مجلس الأمن لمنع انحيازه، وفقاً لتوصيات تقرير هيئة الأمم المتحدة للعدالة الدولية عام 2024.
أما الدرس الأهم من غزة فهو أنّ السلبية الجماعية تُشكّل تواطؤاً مع الجلّاد، بينما الفعل الجمعي الإيجابي – مهما كان صغيراً – يصنع الفرق بين الحياة والموت.