المسرح اليمني.. هل يعود للحياة؟

رغم المحاولات النادرة لإحيائه وتفعيل دوره التوعوي والتنويري، يبدو أنّ المسرح اليمني يعيش في سبات عميق. لماذا؟

  • المسرح اليمني.. هل يعود للحياة؟
    المسرح اليمني.. هل يعود للحياة؟

 

ربما يكون مرّ زمن طويل على آخر عرض مسرحي شهدته خشبات اليمن. فاليمن منذ أكثر من 10 سنوات، عاش الحرب فيما كان العالم يشهد بدوره على انتشار أوبئة ووقوع الكوارث وتغيّر ملامح ومصير بلدان. علماً أنّ المسرح هو أقل الأدوات حضوراً في المشهد الفني في اليمن، وعلى مدى عقود من الزمن، ظلّ المسرح اليمني يعيش في سبات عميق، رغم المحاولات النادرة لإحيائه وتفعيل دوره التوعوي والتنويري لكن من دون جدوى.

عرف اليمن أول عرض مسرحي عام 1910، عندما قدّم أول فريق للتمثيل العربي في مدينة عدن مسرحية "يوليوس قيصر" لوليام شكسبير على مسرح صغير في ميدان التنس بكريتر، وفي سبعينيات القرن الماضي شهد العمل المسرحي اليمني نمواً ملحوظاً مع محاولات ما يعرف بجيل الروّاد كغيره من جوانب الحياة اليمنية آنذاك، ومن دون ذلك يختلف المؤرّخون في منح صفة "حركة" على تجربته، إذ يرون أنّ ما قدّمه خلال قرن من الزمن ظلّ مجرد إرهاصات لم تُحدِث تجربةَ مسرحٍ حقيقيٍ وفاعل.

ورغم ما يعانيه اليمن بين فترة وأخرى من انقسام سياسي وصراع داخلي وحروب خارجية ونزاعات قبلية وطائفية وعرقية، يمكن أن تشكّل بيئة خصبة للعمل المسرحي، إلا أن افتقار البلد لخشبات العرض الخاصة جعلته يرزح تحت نير الرقابة الحكومية التي تسعى لتحويله إلى أداة ترويج ودعاية لمشاريع النظام الحاكم بكل سرديتها المرفوضة من قبل النخبة المثقفة، خصوصاً أنّ العروض تقدّم في قاعات بديلة وغير مؤهّلة تملكها الحكومة التي تشكّلت في زمن ما بعد وحدة الشطرين من سلطتين إحداهما دينية متشدّدة والأخرى قبلية متعصّبة إلى أفكارها وعاداتها وتقاليدها الخالدة وغير القابلة للمساس.

مشكلة متجذّرة

  • يلفت السماوي إلى افتقار الوسط الفني للكتاب والمخرجين المتخصصين والمبدعين
    يلفت السماوي إلى افتقار الوسط الفني للكتّاب والمخرجين المتخصصين والمبدعين

يلخّص الممثّل والمخرج المسرحي، قيس السماوي، مشكلات تدنّي نشاط المسرح اليمني بما يعانيه من الإهمال في البنية التحتية والجوانب الفنية؛ "فالمشكلة ليست وليدة اليوم أو قبل 10 أو 20 سنة، بل هي منذ نشأته". 

ويضيف في حديث مع "الميادين الثقافية": "لم تكن هناك توجّهات سياسية حقيقية لتبنّي هذه الأعمال وتنميتها وتحفيزها، كما لا توجد معاهد أو أكاديميات متخصصة في مجال المسرح لتأهيل الأجيال الجديدة، بل ثمة محاولات خارجية فقط استفادت منها قلة قليلة جداً من الفنانين".

ويلفت السماوي إلى افتقار الوسط الفني للكتّاب والمخرجين المتخصصين والمبدعين، رغم التجارب المختلفة منذ ظهوره والتي من شأنها الإسهام في تطوير الأداء شكلاً ومضموناً، لكنه يرى أنّ أيّ فنّ يتطلّب الاستمرارية، وليس الانقطاع، ويردف قائلاً: "المسرح كالتنفّس، إذا انقطع عنه الأوكسجين، يموت؛ لذا يحتاج إلى تنفّس مستمر، وتوقّفه يكلّف الكثير لإنعاشه. ولهذا تأخّر النهوض بالمسرح محلياً". 

من جانبه، يرى الممثّل، عبد الرحمن الخالد، أنّ ما عاناه المسرح اليمني من إهمال تامّ طول الفترات الزمنية السابقة قد يكون بشكل مقصود من الحكومة، فالمسؤول الأول عن المسارح هي وزارة الثقافة وهو جوهر عملها قبل أي مؤسسة بحد ذاتها، ويقول في حديث مع "الميادين الثقافية": "كان المسرح الوطني يمثّل أهم المسارح اليمنية وكان يقوم عليه الممثلون الكبار وقد أسسوه بأيديهم ومنهم: علي الكوكباني وعبد الكريم المتوكل وكوادر أخرى بعضها لا يزال بيننا وآخرون رحلوا عنّا، وهؤلاء تغص قلوبهم ألماً كلما تحدّثنا عن المسرح الذي عملوا عليه وكان يمثّل أملاً كبيراً بالنسبة لهم، فهم يرون أنه انتهى تماماً".

أعمال غير مسرحية

  •  لا يوجد أعمال مسرحية حقيقية بل هي (اسكتشات) بسيطة تقدم الكوميديا من أجل الضحك فقط
    لا يوجد أعمال مسرحية حقيقية بل هي (اسكتشات) بسيطة تقدّم الكوميديا من أجل الضحك فقط

خلال فترات النشاط المسرحي كانت العروض في اليمن تقام في المراكز الثقافية، وفي احتفاليات التخرّج في الجامعات والمدارس والمعاهد، وكذا في الحدائق العامة والساحات وفعاليات الأحزاب السياسية، ومناسبات الزفاف. 

وعن ذلك يقول الخالد: "رغم نشاط بعض الممثلين في المسرح السياسي لبعض الأحزاب في السنوات الأخيرة إلا أنه اختفى تدريجياً، ولم يبق سوى مسرح الأعراس وبشكل نادر، بل حتى مع تلك المحاولات يمكن القول إنه لا يوجد أعمال مسرحية حقيقية بل هي (اسكتشات) بسيطة تقدّم الكوميديا من أجل الضحك فقط ولا تسمّى ولا تدخل في إطار الفن المعروف؛ لأنّ هناك جوانب فنية كثيرة مفقودة، فالمسرح ليس خشبة عرض وانتهى، بل يحتاج إلى إضاءة وديكورات ونصّ متميّز، فضلاً عن الكوادر المؤهّلة والاستمرارية".

وفي ما تبدو تلك المعضلات سلاحاً فتّاكاً كافياً لإلغاء "أبو الفنون"، ظل الأمل يحدو الهواة غير المتخصصين للحفاظ عليه من خلال استمرار تقديم الأعمال، لكنهم في الوقت ذاته كانوا يؤدون نوعاً آخر من الفن لا يتقاطع معه. 

ففي أعقاب ما عرف بـ "الربيع العربي" شهد اليمن كغيره من البلدان التي مرت بها موجة التغيير نشاطاً ثقافياً وفنياً كبيراً فتح الطريق أمام مستقبل جديد للمسرح لكن من دون تخطيط هادف، ما ضاعف من مشكلاته؛ لأنهم اعتقدوا أن مهمتهم إضحاك الناس فقط، وبالتالي يفقد المسرح روحه وفاعليته.

ولعل إهمال النقّاد لما يمكن تسميتها بالأعمال الهزيلة واقتصار نقدهم على بعض الأعمال الكبيرة التي تحتاج للتقويم فقط ضاعف في الأثر السلبي. وفي إطار ذلك يقول الخالد إن: "المسرح ليس مجرد تهريج فقط، إنما هي ثقافة ترسلها للمجتمع وتستطيع من خلالها أن تربّي الأجيال وتوجّه الشعوب نحو القضايا القومية والدينية والإنسانية والأخلاقية والوطنية بأقل جهد وإمكانية وبأسلوب شيّق وممتع".

غير أنّ الانقطاع الكبير للعروض تؤثّر سلباً على نجاعة الرسائل المسرحية في إحداث الأثر الموضوع ضمن أهداف العمل، كما يرى المخرج، قيس السماوي، الذي يوضح: "عندما يناقش المسرح القضايا، يحتاج إلى الاستمرار والتجدّد والتحديث، وفقاً للمعطيات والمتغيّرات، لمواكبة نقاط القوة والضعف، وتقديمها للجمهور بأسلوب مبسّط وكوميدي هادف وتوعوي"، أي أنّ الأثر لن يحدث من دون تراكم الرسائل التي تصنع توجّهات الجمهور.

ألف عمل مسرحي بلا خشبة واحدة

  • بلغت عروض المسرح اليمني خلال القرن الماضي نحو 1000 عرض
    بلغت عروض المسرح اليمني خلال القرن الماضي نحو 1000 عرض

مع افتقار البلد إلى خشبة مسرح خاصة، سواء في عدن حيث البدايات أو صنعاء مصدر القرار أو حتى تعز التي هي عاصمة اليمن الثقافية، فقد بلغت عروض المسرح اليمني خلال القرن الماضي نحو 1000 عرض لأكثر من 600 نص محلي، وهو رقم لا يمكن معه إغفال دور الإهمال في إحباط الكوادر المسرحية وانشغالها بالبحث عن لقمة العيش بعيداً عن الوسط الفني.

في الآونة الأخيرة، أظهر وزير الثقافة والسياحة، على اليافعي، اهتمام الوزارة بإحياء وترميم المسرح اليمني من خلال "استكمال مشروع المسرح الشعبي المتعثّر بالمركز الثقافي بصنعاء، ومناقشة تفعيل وتنشيط دور المؤسسة العامة للسينما والمسرح وتحديث برامجها وتطويرها بما يواكب المتغيّرات الراهنة"، بحسب وكالة الأنباء اليمنية (سبأ)، ما يبشّر بعودة النشاط المسرحي الرصين إلى خشبات المسرح في فترة زمنية فارقة، تُشكِّل أحداثها وتحدياتها – والصراعات التي تشهدها المنطقة والتباينات التي لا يلحظها الكثير، بين واقع الكثير من الأنظمة وما تظهره وسائل الإعلام عنها  والمؤامرات وغيرها – بيئة خصبة لأعمالٍ مسرحيةٍ تنهض بالفكر وتشحذ الهمم.

هذه الخطوة قوبلت بتفاؤل الوسط الفني مع شيءٍ من الحذر، خوفاً من أن تكون كغيرها من الخطوات الأولية التي عادة ما تنصدم بتحديات أكبر من قُدرة وهمّة القائمين على تنفيذها، وإن كان ثمّة ما يدعو للتفاؤل أكثر فهو تعليق الأمل على اسم الحكومة المعنية بـ "التغيير والبناء"!

هل يعود المسرح؟

  • أظهرت وزارة الثقافة اهتماماً بإحياء وترميم المسرح اليمني من خلال استكمال مشروع المسرح الشعبي بالمركز الثقافي بصنعاء
    أظهرت وزارة الثقافة اهتماماً بإحياء وترميم المسرح اليمني من خلال استكمال مشروع المسرح الشعبي بالمركز الثقافي بصنعاء

يقول السماوي إن ذلك قد يشكل عبئاً كبيراً على الوزارة في عملية الترميم، كونه لا توجد مسارح مخصصة للعروض. ومع ذلك، تقوم الوزارة بترميم بعض المواقع المخصصة لإقامة الفعاليات وتهيئتها بالشكل المطلوب لتقوم عليها العروض ولحضور الجمهور المتذوق، وتهيئتها بالشكل المطلوب، خصوصاً عند التعاون مع القطاعات الخاصة، الأمر الذي من شأنه إحياء المسرح وإحداث منافسة كبيرة، كظاهرة صحية لانتشار هذا النوع من الأعمال الفنية الجميلة.

ولا يخفي الخالد حذره في قوله: "نحن متفائلون طالما هنالك خطوة للبناء، فذلك يعني أنّ ثمة تفكيراً سليماً للقائمين على الفن، لكن كلنا رجاء ألا ينتهي تفاؤلنا إلى ما كان عليه عقب إقامة المؤتمر الأول للسينما والمسرح الذي ذهبت مخرجاته أدراج المكاتب الرسمية".

ولإحياء مسرح متكامل وفاعل يليق بتاريخ اليمن وفنه وأدبه وشعره ونثره يؤكّد السماوي الحاجة إلى إنشاء معاهد متخصصة للممثّلين والكتّاب والمخرجين، وتجهيز المواقع الحالية للعروض المسرحية وبناء مسارح ذات سعة جماهيرية كبيرة، مع الاهتمام الحكومي بهذا المجال وفتح باب المنافسة في المحافظات، إلى جانب تخصيص مهرجان سنوي ذي عائد مادي قوي وكبير لإتاحة الفرصة لكلّ المبدعين، وإشراك القطاعات الخاصة والشركات في المساهمة بهذه النهضة، مع عدم إهمال التبادل الثقافي مع البلدان العربية وفتح المنح الدراسية الفنية، وكذا إلزام الفنانين القدامى ممن درسوا في الخارج بالمساهمة الفعّالة في هذا المشروع من خلال المعلومات والدراسات والخبرات الميدانية.

اخترنا لك