"العصيان المعرفي".. كيف نعيد كتابة التاريخ من هامش العالم؟

ما الذي يعنيه "العصيان المعرفي" في مواجهة السردية الغربية؟ وهل تستطيع فلسفة التحرر أن تُقدّم بدائل معرفية عادلة؟

أدركت الصفوة الفكرية في "العالم الثالث" وفي أميركا اللاتينية سريعاً، أن الاستقلال المادي ورفع راياته عالياً لم يكن ناجزاً. إذ أخذ الاستعمار الغربي لبوساً أخرى منها التبعية الاقتصادية والفكرية والعلمية. كما أدركت أن التخلص من الهيمنة يقتضي التحرر من الربقة المعرفية الغربية أيضاً. 

وكما توصل الباحث الأميركي، صموئيل هنتنغتون، (1927 - 2008) صاحب مقولة "صراع الحضارات" (1996) إلى أن "الغرب فريد لكنه ليس كونياً" (1997)، تبحث هذه المادة في بعض تجارب التحرر من السرديّة الغربية والعصيان المعرفي بإزائها، وتتوقف عند شخصيتين بارزتين هما: الأرجنتينيان والتر ميغنولو، وإنريكي دوسيل.

التاريخ المسروق

  • تؤكد فلسفة التحرر على التنوع الثقافي والمساواة بين الجنسين والمساواة العرقية والسيادة السياسية
    تؤكد فلسفة التحرر التنوع الثقافي والمساواة بين الجنسين والمساواة العرقية والسيادة السياسية

يرى عالم الاجتماع البريطاني، جاك غودي (1919 - 2015)، بأن تعميمات العلوم الاجتماعية تضع الغرب في الموقع الطليعي في بناء المعرفة العامة، والفروع المعرفية على أنواعها تم تصورها في الأصل على أساس من الخبرة التاريخية الغربية. ويعد الإذعان للهيمنة الأوروبية الأميركية على المعرفة العالمية قد يكون مقبولاً في الوقت الراهن "بوصفها النظير سيئ الحظ، ولكنه النظير الذي لا مناص منه للتطور الموازي للقوة المادية والموارد الفكرية للعالم الغربي". لكن، يجب أن تُعرف، في رأيه، مخاطر هذه الهيمنة وأن تُبذل المحاولات المستمرة لتجاوز تلك المخاطر[1].

هكذا يعترض صاحب "الشرق في الغرب" (الترجمة العربية، 2008) على هيمنة أوروبا على روايات تاريخ العالم، وعلى فرض المفاهيم وغائيتها، ومشكلته مع الغرب المتفوق أنه "يُسقط ذلك التفوق ويمده إلى الوراء في الزمان، خالقاً بذلك تاريخاً غائياً"[2]، يُستخدم لتبرير الطريقة التي يُعامل بها العوالم الأخرى، ولكن التاريخ يعلمنا، في زعم غودي، أن أي تفوق يكون عاملاً مؤقتاً، وعلينا أن نبحث عن التناوب[3].

ما بعد الاستعمار

  • إدوار] سعيد
    إدوارد سعيد

تبحث نظرية ما بعد الاستعمار في الفكر الغربي وكيفية تعامله مع الشرق، من خلال مقاربة نقدية بأبعادها الثقافية والسياسية والتاريخية. فتحلل الخطاب الاستعماري في مكوناته الذهنية والمنهجية والمقصدية تفكيكاً وتركيباً وتقويضاً، بغية استكشاف الأنساق الثقافية المؤسساتية المُضمرة التي تتحكم في هذا الخطاب المركزي [4]. وأهم مرتكزاتها: فهم ثنائية الشرق والغرب (الأنا والآخر)، مواجهة التغريب، تفكيك الخطاب الاستعماري، الدفاع عن الهوية الوطنية والقومية، الدعوة إلى علم الاستغراب، المقاومة المادية والثقافية، التعددية الثقافية [5]. 

ومن أبرز الأعلام إدوار سعيد وكتابه الرائد "الاستشراق" (1978) الناقد لخطاب المركزية الغربية [6]، وأبناء الهند هومي بابا (1949) في "أماكن الثقافة" (1994)، وغاياتري سبيفاك [7] (1942) في "عوالم أخرى: أبحاث في السياسة الثقافية" (1987)، وفرانز فانون (1925- 1961) في "المعذبون في الأرض" (1961)[8]، والأميركي ذو الأصول الإيرانية، حميد دباشي (1951)، كاتب "ما بعد الاستشراق، المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب" (2009) [9].

وتكمن أهمية ما يُطلق عليه الدراسات الثقافية[10] في إنجازها تأملات عميقة حول الاستعمار وما بعد الاستعمار، من خلال متابعة مشروع واعد وطموح في الوقت نفسه، مهمته تفكيك مسألة "المركز" و"المحيط"، بكل ما تحمله من مفاهيم متناقضة: الثقافة البيضاء والثقافة السوداء، والأسس المثالية المنطقية الزائفة للغرب، والمركزية الغربية، ومظاهر السلطة السياسية، والتراث المُهيمن للمستعمِر بنماذجه المنتشرة، والتمثيلات غير العقلانية المنبثقة عن الأدب الاستعماري.

العصيان المعرفي

  • والتر ميغنولو
    والتر ميغنولو

لا يرفض والتر ميغنولو (1941)، المفكر الأرجنتيني المعاصر [11]، الكونية كما بنتها الفكرة الغربية منذ اليونان حتى تيار الوضعية المنطقية، وما أتاحته من العمليات الفكرية والعملية، وسمحت بدعم نمط لتطور العقل التكنولوجي العلمي القادر على فرض نفسه على الأديان والسلطة الملكية. لكنه يرفض ما يُصاحبه من اعتقاد زائف يزعم فرض هذا النظام كنهاية للتاريخ، والإنجاز الضروري والأحادي للعقل البشري، والأمثل لطريقة العيش معاً للبشر. 

يصل هذا الاعتقاد إلى حدِّ اعتبار قدرته على تحمل الاعتراضات الداخلية والتنديدات بتحيزاته كدليل على النضج والكمال، وشكل من أشكال الانفتاح المتشكك الذي يُبقي قوته على التجاوز الذاتي حية. لكن حدود هذا الاعتقاد تقف عند عدم قدرته قبول أي منظور مُختزِل، يُشكِّك في تفوقه ويُشير إلى تثبيته المتكرر في نمط تنظيم خاص يضمن قوته.

هنا، يأتي دور "العصيان المعرفي"[12] لكسر قيود النمط الفكري المهيمن. إذ لا بد من خلق مسافة مع الإيمان المصاحب له، وتجاوز قوانينه لاختبار بدايات مختلفة. وهذا يتطلب تعلُّم منظور جديد عبر حوار مع أصوات أخرى تُغيِّر أواليات التحقق من الحقائق المكرسة. يضع ميغنولو معرفته في مواجهة "المطرقة الاستعمارية" التي شكّلت رؤية الغرب للعقل[13].

على عكس فلسفة التاريخ الهيغيلية التي تعد منظورها الإقليمي للعالم حقيقةً نابعة من روحها الداخلية، يحاول ميغنولو إعادة وصف تجربة "الروح الكونية" كشكل من الخارجية المُفروضة عالمياً على داخليات مُجبَرة على لامركزة ذاتها للمساهمة - رغماً عنها - في تنويع الروح داخلياً. بينما لا يزال "الروح التبشيري" الموروث من القرن الــ 16 مندهشاً بالاختلاف الثقافي الذي يكتشفه، ومتسائلاً عن مكانته في الإنسانية، فإن "الروح العقلاني" للقرن الــ 17 سيبدأ تدريجياً في إنكار "الاختلاف الكولونيالي" والتوفيق بينه وبين مثال "الروح المُنوَّر" الذي لا معنى لحكمته سوى تجاوز بربرية العالم لاستعادة توازن القاعدة واعتدالها. 

لا تكمن أهمية "الخيار اللاكولونيالي" (المُضاد للاستعمار والعامل على تصفيته) في مجرد تأكيد تعدّدية العقل، حيث تقدم الاحتمال وسط احتمالات أخرى. فـ"اللاكولونيالي" لا يمتلك، مثل غيره، حقيقة نهائية قادرة على تعليق النقاش اللامتناهي، لكنها، كجزء من حقيقة يتوجب بناؤها جمعياً، تتطلب القبول بمركز فارغ لكل التبادلات الممكنة، يُوزع منه الكلام والادعاء بمعنى جزئي بعدالة. بل قد نذهب أبعد في فكرة "الخيار"، لندرك فيها شرطاً أخلاقياً مسبقاً يُمَكّن من الوصول إلى أي ادعاء بالعقلانية، ويتمثل في تطوير أواليات لتكثير الخيارات وتماثلها، بما في ذلك قبول مبادئ التمييز الإيجابي لصالح الخيارات المُهيمَن عليها. فالعقل ليس وحدة عالمية مجردة ومثالية يُنتجها تماسك إدراكه الذاتي كنظام يقيني، بل يُتحقق كمعرفة خاصة، وكمعرفة قيد البناء والتفكيك.   

وفاقاً لميغنولو، يجب كسر التبعية الضمنية بين نظام الفكر ونظام الوجود عبر تبنّي معايير أخرى عملياً – معايير لا تُصمَّم باستمرار بالاستناد إلى مثال الأداء والعلمية، بل تنطلق بداية من الفهم الأصيل لأشكال الحياة وتقاليدها الخاصة. إنها المطالبة المادية والرمزية معاً بسلطة تنظيم العلاقات الاجتماعية بحسب معايير مختلفة عن تلك التي تحكم العقل الاستعماري الحداثي. يطرح ميغنولو رؤيته في "الخيار اللاكولونيالي" (1995) فيستحضر نماذج كغاندي أو الحركة الزاباتية، وخصوصاً فرانز فانون

سياسة التحرر وفلسفتها 

  • إنريكي دوسيل
    إنريكي دوسيل

يعدّ المفكر الراحل الأرجنتيني الأصل، المكسيكي الجنسية، إنريكي دوسيل (1934 - 2023)، أحد أشهر مفكري أميركا اللاتينية، أدى دوراً أساسياً في الفكر النقدي لهذه القارة. وهو لاهوتي أيضاً، وضع فلسفة التحرير (1977)، بالاشتراك مع مفكرين آخرين مثل مواطنه خوان كارلوس سكانوني (1931 - 2019)، حيث يحضر فيها نهجه المسيحي كما بحوثه في خصوصيات فلسفة أميركا اللاتينية.

كان في أصل نشأة مشروع الحداثة/الاستعمار، في تسعينيات القرن الماضي، مع مثقفين مثل والتر ميغنولو، وقد شكك في فكرة "الاكتشاف" باعتبارها "لقاء"، التي أطلقها المفكر المكسيكي، ليون بورتيلا (L. Portilla) (2019 - 1926) في الذكرى المئوية الخامسة لوصول كريستوفر كولومبوس (1492). 

الغزو في تصوره الخاص هو عملية تغييب، ويعد مؤلفه "تغييب الآخر" كتاباً بارزاً في التاريخ الفكري للقارة لأن المؤلف يعرض، لأول مرة، فكرته عن الروح الغربية الحديثة القائمة على غزو الآخر وإبادته لأغراض شخصية، ويوضح إن هذه العملية هي لحظة أخرى أكبر: لحظة الخطاب الذي تنتجه الحداثة عن نفسها[14]. اهتمامه بالأسس المعرفية التي نشأت مع الاستعمار هو جزء من تفكير نقدي حول المركزية الأوروبية واعتماد أميركا اللاتينية على الغرب. سعى لفلسفة خاصة بالقارة. ومن خلال صوغه فلسفته للتحرر، فإنه يشكك في "الأنطولوجيا الأحادية" للحداثة ويطرح طريقة جديدة للتفكير النقدي المتكامل حول الواقع الإنساني. 

ورغم أن فلسفة التحرر [15] تُعَرِّف نفسها باعتبارها نقداً للنزعة المركزية الأوروبية وهيمنة الفلسفة الأوروبية، فقد تطورت من تياراتها وحركاتها ومفاهيمها ومناظراتها الفلسفية واستفادت منها. وكانت ولا تزال منذ البداية حركة غير متجانسة داخلياً، لأن الكثير من فلاسفتها خرجوا من هذه التقاليد المختلفة. وقد ازداد هذا التباين مع انخراط بعضهم في ما سمّاه دوسيل "الحوار بين الجنوب والجنوب"، حيث تخاطب الفلسفات من ما يسمى "الجنوب العالمي" بعضها البعض في شكل مباشر من دون الخضوع لسلطة الفلسفة الأوروبية الأميركية المهيمنة.

والحال، تهدف فلسفة التحرر إلى التفكير في المكانة والدور المتميزين لأميركا اللاتينية في تاريخ العالم باستخدام ما يُقال إنه موارد ثقافية وفكرية محلية، من منطلق حالة من التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية والفلسفية. ولديها هدف عملي: التحرر. 

وبعبارات عامة للغاية، تُعرِّف فلسفة التحرر نفسها بأنها مضادة لخطاب الفلسفة، وتعبر عن نفسها في: نقد الاستعمار والإمبريالية والعولمة والعنصرية والتمييز على أساس الجنس، ويتم التعبير عن ذلك من خلال تجربة الاستغلال والحرمان والاغتراب والتشيؤ، باسم مشاريع التحرر والاستقلال والأصالة.

وهذا يعني أن فلسفة التحرر قدمت نفسها باعتبارها "قطيعة معرفية" تهدف إلى نقد وتحدي، لا الافتراضات والموضوعات الأساسية للفلسفة الأوروبية الأميركية فحسب، بل وأيضاً إلى جعل الفلسفة أكثر استجابة ومسؤولية عن الوضع الاجتماعي والسياسي الذي تجد نفسها فيه دائماً. 

وبالتالي، فإن فلاسفة التحرر من خلال "الخطاب المضاد للفلسفة" لم يقصدوا أنه "مناهض للفلسفة". بدلاً من ذلك، كانوا يقصدون التأكيد على درجة متزايدة من الوعي الذاتي في نظرياتهم. 

إيجابياً، تؤكد فلسفة التحرر التنوع الثقافي، والمساواة بين الجنسين والمساواة العرقية، والسيادة السياسية. وفي السنوات الأخيرة، استخدم بعض فلاسفة التحرر لغة "التعددية العالمية"، بدلاً من "العالمية"، للإشارة إلى هذا التأكيد الأساسي والاحتفال بالتنوع الثقافي العالمي. 

إن المدار الفلسفي لها يتحدد بمحاور النقد والالتزام والمشاركة والتحرر. وتعد نفسها نقداً لجميع أشكال التبعية الفلسفية والزيف، وهي، من بين أمور أخرى، وجهة نظر حول ما يعد فلسفة وكيف ينبغي متابعتها.

وضع دوسيل السياسة في قلب اهتماماته واعتبرها الفلسفة الأولى. لقد أراد في وقت مبكر جداً أن يفكر في ما وراء الفئات الطبقية، ليشمل فئات أخرى لتتوافق مع حركات التحرر في عصره، وللتفكير في أسس النضال ضد الهيمنة. ومن بين كتابات دوسيل السياسية الأكثر تنويراً، نجد الأطروحات العشرين في السياسة[16]، بعد الحدث الاستثنائي المتمثل في انتخاب رئيس هندي في بوليفيا. يتناول في هذا العمل فكرة مألوفة لديه، وهي فكرة فساد النخب الوطنية في القارة. إذ لا يمكن لهذه الأخيرة أن تمارس السلطة بطريقة ديمقراطية لأن دورها، منذ الاستعمار، يتمثل في كونها تابعاً للمراكز الاستعمارية ومن ثم الاستعمار الجديد.

في أطروحاته العشرين، يحلل حال المجال السياسي في المكسيك وأماكن أخرى، ويحدد مفاهيم السلطة والشعب والهيمنة، ويضع أسس "ممارسة" (praxis) قادرة على تحويل المجتمع. إذ يدعو إلى تشكيل حالة "تمرد" على الهيمنة، تتشكل من تبادل المعلومات والحوار والترجمة، وتبادل الخبرات الناشطة. الشعب، بالنسبة إلى دوسيل، ليس ذاتاً، بل فاعلاً، تحالف المضطهدين والمستبعدين.

يعود دوسيل إلى مفهوم السلطة، حيث يشير إلى أنها أولاً وقبل كل شيء إرادة، ويهدف نهجه إلى أن يكون "واقعياً"، بعيداً من أفكار اللاسلطويين أو بعض الحركات المعاصرة وانتقادهم للدولة، فهو يضع الدولة والمؤسسات في قلب البرنامج الثوري، والاستيلاء على المؤسسات لتحويلها. الثورة عنده ليست عملية جدلية تذهب نحو حل التناقضات ولكن عملية يظهر فيها المستبعدين والضحايا، ويقتحمون حقلاً لا مكان لهم فيه.

حاول دوسيل في إيتيقا التحرر (1998) توفير أدوات نظرية لاستبدال المركزية الأوروبية الوجودية الخاصة بالمركزية الهلنستية، بفلسفة عالمية تعطي الأولوية لضحايا الرأسمالية النيوليبرالية والهيمنة الأوروبية. وهو يسعى للتعبير عن وجهة نظر غالبية سكان العالم المحاصرين في أطراف العالم النامي أو المجبرين على البقاء في الهامش في الدول المتقدمة. إنها أخلاق الجياع والعاطلين من العمل، موجهة إلى عائلات المختفين واللاجئين الفارين من الإرهاب الذي ترعاه الدولة والتدهور البيئي. فمحنة هؤلاء المضطهدين والمستبعدين ليست نتيجة للمؤسسات غير الكاملة والقيادة التعيسة، بل هو نتيجة لنظام دولي للإمبريالية والليبرالية الجديدة والهيمنة الأميركية[17].

ومؤلف دوسيل "سياسة التحرر"[18]، عبارة عن تاريخ عالمي ونقدي، عمل تاريخي يدعي تقويض الفلسفة السياسية التقليدية، سواء ما يدرس تقليدياً في المستوى الجامعي أو ما يُناقش في الفلسفة الغربية. يتبع المفكر الأرجنتيني نمطاً مُناهضاً للمركزية الأوروبية، ما يقلل من تاريخ أوروبا إلى مرحلة بسيطة في تاريخ الممارسات السياسية. ويُذكر مراراً وتكراراً أنه حتى القرن الــ 15، قرن غزو أميركا، كانت أوروبا الغربية ركناً من أركان العالم بعيداً من الطرق الرئيسية لحركة التجارة الناشطة آنذاك. 

ويستخدم دوسيل مصطلح التحرر بمعنى محاولة تحرير الفلسفة من الإخفاء النظري الغربي الذي يخفي الثراء التاريخي والثقافي والفكري لفترات مهمة من الماضي، والتعليم السياسي المتميز والانعكاسات المتعددة للسياسة.

والحال، أن اختزال الفكر في رحلة ضيقة من اليونان إلى الولايات المتحدة أو إلى فترة زمنية من العالم القديم إلى ما بعد الحداثة، هي بعض التبسيطات التقليدية التي ما زلنا حتى اليوم نرتكبها ببراءة، وهو يتهمها بالمركزية الهيلينية (تأسيس أصل الفلسفة السياسية في اليونان القديمة)، وبالاستغراب (بتجاهل الأهمية الفلسفية للنصوص الشرقية لأوروبا، مثل بيزنطة)، وبالمركزية الأوروبية (بالنسبة إلى الازدراء المُعمم للآخرين). 

المصادر والمراجع

 
[1] جاك غودي، سرقة التاريخ (المملكة العربية السعودية، مكتبة العبيكان، 2010)، نقله العربية محمد محمود التوبة. ص 9. صدرت النسخة الإنجليزية في العام 2006.
[2] المصدر نفسه، ص 431.
[3] المصدر نفسه، ص 432.
[4] د. جميل حمداوي، "نظرية ما بعد الإستعمار"، مجلة الفكر العربي المعاصر"، العدد 166 – 167، شتاء 2015 (تصدر عن مركز الإنماء القومي في بيروت)، ص 111.
[5] المصدر نفسه، ص  112 وما يتبع.
[6] يعد سعيد الأب المؤسس للمنظريّن ما بعد الكولونياليين (رغماً عنه)، وأصبح أيقونة رمزية لروح الثورة . للتوسع أنظر: ايف كلفارون، إدوارد سعيد، الإنتفاضة الثقافية (دبي، صفحات للدراسات والنشر والتوزيع، 2017). ترجمة د. محمد الجرطي. ص 133.
[7] فازت سبيفاك، الباحثة الهندية البارزة في مجال الدراسات الأدبية والنقدية، بحائزة  هولبرغ لعام 2025، وهي واحدة من أبرز الجوائز الدولية في مجال العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية، تقديراً لإسهاماتها الرائدة في مجالات الدراسات ما بعد الكولونيالية، والنظرية النقدية، والدراسات الثقافية. وهي جائزة دولية تمنح سنوياً من قبل حكومة النرويج إلى العلماء البارزين في مجال الفنون، والعلوم الإنسانية، والعلوم الاجتماعية والقانون واللاهوت، سواء داخل واحد من هذه المجالات أو من خلال العمل المتعدد التخصصات. وقد سُميّت الجائزة على اسم الكاتب والأكاديمي الدنماركي والنرويجي لودفيج هولبرج (1684 -1754).
[8] يعد "معذّبو الأرض" من أكثر كتب فانون راديكالية وتأثيراً، فهو يعبّر عن التناقضات والإمكانات الثورية في مجمل ظروف القضاء على الاستعمار، والتي تشوّهت ما بعده، وأعمت الأنظار عن تحليل فانون للاشتراكية والطبقية. وللتوسع حول فانون، انظر: مقالة الأكاديمي الفلسطيني، بشير أبو منة، "قراءة فرانز فانون في زمن النيوليبرالية"، مجلة بدايات (لبنان)، العدد 34، 2022. 
[9] إضافة إلى نقده للتمثيل الكولونيالي، يتحدّث الكتاب عن آداب المقاومة وأنماطها والتصدي لهذا التمثيل. وفي سعي المفكر الإيراني الأصل للوصول إلى نمط من إنتاج المعرفة دفعة واحدة لما وراء الأسئلة المشروعة التي أثيرت حول موضوع السيادة، ولا تزال حتى الآن مؤثرة وقوية على الصعيد السياسي، فإن التفويض الكولونيالي عنده مسألة مركزية. يقوم الجدل الذي يطرحه دباشي على أن صورة فكر المنفى هي في نهاية المطاف الركيزة الأكثر أهمية لإنتاج التفويض القياسي والأخلاقي بشعور مرده الوجود الدنيوي، وهي القاعدة الأساس أيضاً للوصول إلى نتاج معرفي مضاد في زمن الإرهاب (وفاقاً لتعريف الناشر في الترجمة العربية المنجزة في العام 2015).
[10] تغطي الدراسات الثقافية مجموعة واسعة من المناهج العلمية، والتي يمكن فهمها باستخدام تعريف مزدوج: تعريف إيجابي حيث تعمل الدراسات الثقافية على تجديد المناهج العلمية التقليدية بهدف تسليط الضوء على العلاقات بين الإنسان والثقافة وتحليل الأنماط الثقافية بطريقة أكثر سياقية وواقعية. وتعريف سلبي يرى أن الدراسات الثقافية ليست نظاماً ولا مناهضة للانضباط، ما قد يؤدي إلى استبعاد أي نهج تأديبي، أكثر من كونها تمثل إطاراً مؤسسياً أو مجالاً موحداً للبحث. إنها تتعلق بمشروع علمي له أسسه، وتغطي الممارسات الفكرية التي تشكل جزءاً من دينامية متعددة الفروع المعرفية.
[11] مسار ميغنولو البحثي ذو دلالة خاصة. إذ شهد وصوله إلى جامعة ديوك (Duke) عام 1993 ضمن برنامج الأدب إصدارَ كتابه "الجانب الأكثر عتمة من عصر النهضة: محو الأمية، الأراضي الإقليمية، والإستعمار" (1995)، والذي مثَّل أول عرض منهجي في أعماله لرؤية محلية لتاريخ الكون، تُقدِّم نفسها كمشروع معرفي بين مشاريع أخرى، يستند إلى موقع الإفصاح عنه، ويتشابك مع أنظمة تمثيلات موجَّهة سياسياً. 
[12] Walter D. Mignolo LA DÉSOBÉISSANCE ÉPISTÉMIQUE, RHÉTORIQUE DE LA MODERNITÉ,  LOGIQUE DE LA COLONIALITÉ  ET GRAMMAIRE DE LA DÉCOLONIALITÉ (Bruxelles , P.I.E. Peter Lang. 2015) . Critique sociale et pensée juridique  n° 2 . Traduit par Yasmine Jouhari et Marc Maesschalck .

[13] Marc Maesschalck, Préface, La désobéissance épistémique, comme « contre-poétique » décoloniale. P 11 sq.
[14] يُقدّر دوسيل إن الآخر لم يكتشف بوصفه كذلك، ولكن تم تغييبه وجرت مماهاته بما كانت عليه أوروبا دائماً. بحيث شكل العام 1492 لحظة ولادة الحداثة كتصور صحيح لأصل أسطورة العنف التضحوي المخصوص، وفي الوقت نفسه، كسيرورة تغييب (بل إخفاء) لغير الأوروبي. راجع:Enrique Dussel, 1492 ; L’occultation de l’Autre, (Paris : Éd. Ouvrières, 1992). P 6. 
[15] Enrique Dussel,Philosophy of Liberation (new york, orbis book, 1985). 
[16] Enrique Dussel, Twenty Theses on Politics,(England, Duke University Press, 2008). كتب دوسيل في العام 1999 نصاً بعنوان "ست أطروحات نحو نقد العقل السياسي: المواطن كفاعل سياسي"، تمثل مقدّمات نظرية لفلسفة سياسية للمستقبل، وهي كما يُعبِّر عنها، ست لحظات أو مُحدِّدات تأسيسية لكل فعل سياسي مُمكن: "مهمتها هنا هي فتح مساحة للتفكير في ما سيمثل جزءاً من مشروع نقد العقل السياسي". نشرت ترجمته العربية (2006) في موقع "نظر". ترجمة أحمد جمبي. مراجعة لجين اليماني. وفي هذه المقالة يعيد النظر في معنى وجدوى التفكير والممارسة السياسية العقلانية، كما يحاول إعادة تعريفهما في إطار تحرري ينطلق في تأسيس ذاته من وجهة نظر المستبعدين والمهمّشين.

Dussel, Enrique. “Six Theses toward a Critique of Political Reason.” Radical Philosophy Review 2.2 (1999): 79-95. 

[17] س. اليكس، "فلسفة التحرر في عصر العولمة المتوحشة"، ترجمة زهير الخويلدي، موقع الحوار المتمدن. 18/10/ 2023. النص الأصلي عرض لكتاب:

Enrique Dussel, Ethics of Liberation: in the Age of Globalization and Exclusion, )Duke University Press, Durham NC, 2013(.

[18] Enrique Dussel. 2009. Política de la liberación. Volumen II. La arquitectónica.( Madrid,Editorial  Trotta).

اخترنا لك