"في الإمكان" مع حمدين صباحي.. المقاومة تبدأ بالكلمة

في برنامجه الشيّق والممتع، يسعى صباحي إلى تحفيز العقل العربي على التفكير في مستقبل مختلف، من خلال عرض معلومات وبناء تاريخي، ومعطيات وأرقام وشواهد تاريخية وتجارب ذاتية ومواد معرفية وبصرية تؤكّد أنّ الأمة العربية تملك قدرات هائلة لترسيخ هويتها الحضارية.

  • "في الإمكان" مع حمدين صباحي

بلغة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، مستلهماً مفردات الخطاب القومي العربي، استعرض السياسي المصري البارز، حمدين صباحي، 6 قضايا أساسية في الوطن العربي. خلال أولى حلقات برنامجه "في الإمكان" الذي يُعرض أسبوعياً على شاشة الميادين، ويمثّل منبراً لمناقشة القضايا المحورية للأمة، كالمقاومة، والنهضة الحضارية، والديمقراطية، يسعى صباحي، بجرأته المعهودة وخطابه الشجاع، وبحضور مؤثّر يعكس عمق خبرته السياسية وشغفه بالقضايا العربية، إلى إلهام الأمل لدى الشعوب العربية المقهورة، وتعزيز الوعي بإمكانيات العرب في مواجهة التحدّيات الوجودية، خاصة في ظل الصراع مع المشروع الصهيوني، ولا سيما القضية الفلسطينية. 

كما يفكّك، بأسلوب واثق مدعوم بالحجج، تعقيدات هذا الصراع وإشكاليات أزمة الهيمنة الغربية، محاولاً الإجابة عن تساؤلات مثل: كيف نواجه التهديد الوجودي لأمتنا العربية حالياً؟ وكيف ننجو مما يُراد بنا من الأعداء؟ وكيف نحقّق ما نريد كأمّة جديرة بالحرية والكرامة؟

على وقع موسيقى تحمل طابعاً درامياً يعكس صمود أهل غزة ولبنان ويعزّز الجو الوطني والمقاوم، يطلّ علينا حمدين صباحي (1954) في "في الإمكان" مستلهماً من عصارة مسيرته الذاتية وتجربته السياسية التي تعكس التزامه القومي العربي، هادفاً إلى تجديد اليقين بالأمة العربية التي تكابد اليأس، آملاً في بناء مشروع نهضوي وإقليم حضاري يصون الحقوق ويحفظ حرية مواطنيه تتعاون فيه كلّ مكوّنات المنطقة.

صباحي، المعروف بتاريخه في الدفاع عن حقوق المصريين والعدالة الاجتماعية ومناصرة القضايا الوطنية والعربية، بدأ نشاطه منذ التحاقه في سبعينيات القرن الماضي بكلية الإعلام بجامعة القاهرة. شارك في تظاهرات طالبيّة تطالب ببدء الحرب ضدّ الاحتلال الإسرائيلي لسيناء المصرية، وفي أعقاب نصر أكتوبر عام 1973، بدأ مع مجموعة من رفاقه تأسيس "نادي الفكر الناصري" بالجامعات المصرية، وصولاً إلى تأسيس اتحاد أندية الفكر الناصري المعارض للسادات وسياساته. كما انتُخب رئيساً لاتحاد طلاب كلية الإعلام بين عامي 1975 و1976، وسُجن مرتين، إحداهما عام 1977 عقب "انتفاضة الخبز" الشهيرة بمصر، وهو معروف بانتقاده لسياسات الرئيس المصري الأسبق، محمد أنور السادات، ومواقفه من قضية العلاقات مع كيان الاحتلال بعد حرب أكتوبر.

"عمدة المعارضة" يعرض 6 قضايا لنهضة العرب

يركّز صباحي على 6 قضايا أساسية تتوزّع على البلدان العربية كافة، وفق مستجداتها وخصوصياتها الفكرية والسياسية، وهي: الاستقلال، التنمية، العدالة الاجتماعية، الديمقراطية، الوحدة، والتجدّد الحضاري. هذا يجعل إطلالته على الميادين امتداداً لفكره الذي يركّز على تعبئة الوعي العربي ودعم المقاومة ضدّ الاحتلال، ويعكس إيمانه العميق بالنهضة العربية، ما يجعله صوتاً صادحاً يجلّ المقاومة ويوجّه الرأي العام نحو الأمل والتغيير.

في برنامجه الشيّق والممتع، يسعى صباحي إلى تحفيز العقل العربي على التفكير الجماعي في مستقبل مختلف، من خلال عرض معلومات وبناء تاريخي، ومعطيات وأرقام وشواهد تاريخية وتجارب ذاتية ومواد معرفية وبصرية تؤكد أن الأمة العربية تملك قدرات هائلة لترسيخ هويتها الحضارية وتحقيق النصر.

بجدية وهدوء يتسمان بالتحليل العقلاني والحماسة الوطنية، واستحضار إرث الشهداء، يتخذ صباحي، الذي يعدّ "عمدة المعارضة" المصرية، للمرة الأولى دور المحاور، ليضيف رصيداً جديداً لمسيرته المهنية والسياسية المشهود لها بالحيادية والنزاهة والوطنية، والتي تقوم على مبادئ القومية العربية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني.

مستخدماً خطاباً موجّهاً يتحدّث صباحي ويشرح نقاط الضعف والقوة في الأمة العربية، ثم يقدّم حلولاً بديلة، يطلق من خلالها دعوات لوحدة عربية وديمقراطية حقيقية. كما يحلّل قضايا الهوية والصراع العربي الصهيوني وأهمية التنمية وتحقيق الديمقراطية والوحدة كعوامل أساسية لنهضة حضارية عربية جديدة.

هكذا يعدّ برنامج "في الإمكان"، وفق وصف معن بشور، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، "برنامجاً مقاوماً من أجل استعادة أمجاد الأمة وأشواق القومية ونشيد الأمة وصوت العروبة ضد أعداء الأمة وأنذالها وسماسرتها ومرتزقتها".

في الحلقة الأولى، نجح صباحي في ربط المقاومة والديمقراطية مع أهداف المشروع النهضوي الحضاري، كالاستقلال الوطني والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية والتجدّد الحضاري، معتبراً أنّ برنامجه "وقفة مع الحقّ"، وأن المقاومة في الميدان "حقل واسع ممتد على جبهات مترابطة"، تبدأ بالكلمة وتنتهي بطلقة الرصاص، مشيراً إلى أن التحرير والديمقراطية شرط أساسي للمقاومة والنهوض العربي.

وعن قضية الديمقراطية، يقول صباحي إن تجربتنا العربية شهدت خللاً، حيث تبنّى بعض القوميين المقاومة والوحدة دون الديمقراطية، ما خلق انطباعاً خاطئاً بتعارضهما، مضيفاً: "علينا تصحيح هذا الخلل، فلا مستقبل لفكر قومي عربي بدون ديمقراطية كمكوّن أساسي".

المقاومة وتحرير فلسطين

خلال "في الإمكان"، تجلّت غزة والمقاومة بمشهد رمزي، إذ ظهر صباحي وهو يسير بين الركام والحطام في غزة. استندت المشاهد إلى صور أطفال يحملون أعلام فلسطين وسط أنقاض المباني المدمّرة، واحتجاجات تضامنية تندّد بالاحتلال الصهيوني، إلى جانب لقطات أرشيفية من حرب أكتوبر 1973 تبرز انتصارات العرب.

وفي إشارة واضحة إلى رمزية دور فلسطين والجزائر في كفاح الأمّة العربية، ظهر في البرنامج نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر، ورئيس حركة البناء الوطني الجزائرية عبد القادر بن قرينة. كما لم ينسَ صباحي خلال حديثه الإشارة إلى رموز المقاومة العربية، مثل أحمد عرابي ورفيقه الشهيد محمد عبيد من مصر، والشيخ الشهيد عمر المختار من ليبيا، فضلاً عن إشادته الدافئة بقادة المقاومة المعاصرين الشهداء سماحة السيد حسن نصر الله، وإسماعيل هنية، ويحيى السنوار، محيّياً من خلالهم كلّ شهداء الأمة، ولا سيما شهداء "طوفان الأقصى".

في هذا المحور، يعظّم صباحي الشهداء، قائلاً: "تعظيم الشهداء ليس مجرّد واجب، بل سلاح في استمرار المقاومة"، مشيراً إلى قصيدة الشاعر محمود درويش: "أثر الفراشة لا يزول"، متسائلاً: "فكيف بأثر دم الشهيد؟ شهداؤنا، من السيد حسن نصر الله إلى إسماعيل هنية ويحيى السنوار وآلاف الأبطال، خلدوا في ضمائر الأمة".

ويستطرد: "نستذكر عمر المختار الذي قال: سوف أعيش أطول من شانقي، واستمر إلهامه حتى اندحر الاستعمار الإيطالي، كما نستذكر محمد عبيد وأحمد عرابي اللذين قاوما الاحتلال البريطاني في مصر، فألهما حركة الاستقلال"، مشيراً إلى أن تعظيم الشهداء يكون عبر الفنون، لأن "ثقافتنا التي تحتفي بالشهداء كأيام فرح هي سلاحنا في مواجهة الموت بحياة الحرية".

يثري صباحي خطابه مقتبساً من أشعار فؤاد حداد ومحمود درويش، مستحضراً قوة الكلمة العربية في إلهام المقاومة. كما استند إلى كلمات المفكّر عصمت سيف الدولة، مقتبساً جملته: "الحرية أولاً وأخيراً"، ليبرز الديمقراطية كشرط للنهضة، مؤكداً أنّ "المقاومة العظيمة لا تنحصر بالسلاح وحده، بل تشمل كافة جوانب الإبداع والعطاء في حياة الأمم".

غزة وخطط التهجير

وعن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة وخطة التهجير القسري لأهالي القطاع، يقول صباحي إن ما نواجهه "ليس مجرد مشروع تهجير أو إبادة كما نرى في توحّش الاحتلال الصهيوني في غزة الباسلة، بل هو محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية الدالة على الوجود العربي"، مضيفاً أن "القضية أكبر وأوسع، إنها قضية أن نكون أو لا نكون، وطبيعة هذا الصراع صراع وجود لا حدود، وإذا أخطأنا في فهم هذا الصراع، تنساق الأمة إلى حلول مسدودة مثل السلام الوهمي الذي بدأ مع كامب ديفيد منذ قرابة 40 عاماً".

ويشير المرشح الرئاسي الأسبق، إلى أنّ العدو الصهيوني، بطبيعته عدواني، استيطاني، توسّعي، وعنصري، مدعوم من واشنطن التي وصفها برأس الاستعمار والهيمنة، مضيفاً: "هذا العدو يظن أن اللحظة الحالية مواتية لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد، حيث يكون هو السيد والأمة في موقع الخدم، لكن أمتنا قادرة على الردّ إذا امتلكت مشروعاً نهضوياً شاملاً يعتمد على قوتها البشرية والمادية".

طرح صباحي في برنامجه، الذي تزامن مع عودة حرب الإبادة على غزة، تساؤلات مصيرية تتعلّق بالهوية والوحدة والتحرّر، وفي قلبها فلسطين والقدس، ليضيف بُعداً جديداً لمسيرته المهنية والسياسية، التي تركت بصمة واضحة في المشهد السياسي المصري والعربي على مدار عقود، كانت صوتاً للفقراء والمهمّشين.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك