حزب الله الفكرة والمسيرة" تجربة ما لها وما عليها
كتاب "حزب الله الفكرة والمسيرة"، يشكل مرجعاً ضرورياً لفهم حزب الله، وهو كتاب يحتاج أن يُقرأ إلى جانب قراءات أخرى تتناول الأثر الاقتصادي، الثقافي، والمجتمعي لهذا المكوّن السياسي – العسكري.
كتاب "حزب الله الفكرة والمسيرة – من الآباء المؤسسين إلى طوفان الأقصى"، يختصر أربعة عقود من المواجهة والتعقيدات التي رافقت تلك المسيرة، لكن الدكتور قاسم قصير، ينطلق من فرضية أن البحث عن حزب الله منذ عام 1982 لم يكن واقعياً، رغم أنه كان العام المفصلي لإنشائه والإعلان عنه، لأن هناك مرحلة سبقته وتمتد لسنوات طويلة، شكلت البيئة الحاضنة للتيار الإسلامي الشيعي، وهي مهدت لنشوء حزب الله لاحقاً، سواء حركة الإمام موسى الصدر والمجلس الإسلامي الشيعي، أو التيارات الإسلامية الشيعية الأخرى، التي تشكلت باللجان والجمعيات الإسلامية قبل عام 1982 والتي لعبت الدور المهم في تأسيس حزب الله لاحقاً.
كتاب "حزب الله الفكرة والمسيرة"، للدكتور قاسم قصير، حرره كاظم عكر، وهو بجهد شخصي للمؤلف.
حزب الدعوة الإسلامية:
في هذه المرحلة، برزت حالة حزبية لم يتم الإعلان عنها، وهي حزب الدعوة الإسلامية، وفي ما بعد كان حزب الله الإطار الجامع لهذه التيارات، وكان في مرحلة البدايات على علاقة مع جمعيات عدة تأسست أو تعاونت فيما بينها سواء باسم حزب الله، أو تجمّع العلماء المسلمين، أو حركة التوحيد الإسلامي، أو المقاومة الإسلامية، وإذ نحدد نقطة بداية تشكل حزب الله، فتلك مرحلة تمهيدية أسست لإنشاء حزب الله، وهي مرحلة اللجان الإسلامية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
زيارة طهران ونشوء حزب الله:
أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 1982، كان يعقد مؤتمر المستضعفين في إيران، وتقرر خلاله مواجهة الاحتلال، وبعد إطلاق العمل المقاوم في لبنان، قامت شخصيات عديدة بزيارة طهران. وبعد هذه الزيارة، تبلورت فكرة حزب الله، أما العلاقة بإيران فمرّت بمرحلتين: مرحلة ما قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ومرحلة ما بعد الاجتياح الإسرائيلي، وفي هذه المرحلة كانت الحالة الإسلامية ناشطة في إطار حزب الدعوة، وبعد انتصار الثورة الإيرانية، كان لا بد من النقاش، وقد حصل داخل حزب الدعوة، أنه بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، ماذا نفعل؟ ويكشف المؤلف، أنه ومنذ لحظة تأسيس حزب الله، بدأت علاقة غير مقيدة، فهو لبناني من جهة، ومتصل بإيران من جهة ثانية، ولا بدّ من الإشارة إلى أن حزب الله عند التأسيس، لم يكن لديه الإطار الفكري أو السياسي، ومشروع وطني تقليدي، أي أنه يريد الوصول إلى السلطة أو أنه حزب يريد إقامة نظام إسلامي، كان العنوان الأساسي لهذه المجموعات الإسلامية هو مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولم تكن هناك رؤية سياسية بالمعنى التفضيلي.
ينطلق الدكتور قاسم قصير في كتابه، من فرضية مركزية، ترى أن فهم حزب الله، يبدأ من بوابة التأثر المباشر بالثورة الإسلامية في إيران، وما رافق ذلك من تشكّل لخطاب عقائدي يلاقي ولاية الفقيه كمرجعية شرعية مطلقة، إلا أن الهدف من العلاقة مع إيران، كان الحصول على الدعم سواء اللوجستي أو التدريبي، لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لكنّ نقاشاً حصل حول "أي نظام نريد؟ " حتى تبلورت ما سمّي لاحقاً "الرسالة المفتوحة"، ويعتقد المؤلف أن العلاقة مع إيران، ما هي إلا علاقة للبحث عن إمكانيات الدعم بكل أشكاله، ما دامت إيران تحمل هم مقاومة الاحتلال، بعدما تبنى الإمام الخميني، الدعوة لتحرير فلسطين ودعم المقاومة الفلسطينية: أما المضمون السياسي والبحث به، فهذا النقاش استمر بالتفاعل مع الإيرانيين للاستفادة من تجاربهم.
الرسالة المفتوحة 19 شباط 1985
الرسالة المفتوحة التي أعلنت في 16 شباط 1985، من قِبل السيد إبراهيم أمين السيد، وتضمنت مستوى عالياً من الإيمان بولاية الفقيه ومناهضة النظام السياسي اللبناني، ومواجهة الفرنسيين والأميركيين كونهم داعمين للنظام الصهيوني، والدعوة إلى قيام الدولة الإسلامية ولكن اختياراً، يعني تبني فكرة الدولة الإسلامية لم يكن بالفرض.
انخراط الحزب في السياسة اللبنانية:
كان يوجد تيار على يسار حزب الله متشدّد يدعو إلى قيام الجمهورية الإسلامية، ولكن عملياً لم يكن بالإمكان نظراً للتعددية اللبنانية الطائفية والدينية والمذهبية والسياسية، لذلك كان تركيزه أكثر على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإقامة العدالة أو تحقيق النظام السياسي الأكثر عدالة. أما البيئة اللبنانية فكانت منقسمة تجاه الحالة (الخمينية)، والواقع اللبناني ليس موحداً، ولكن عندما حققت هذه الحالة إنجازات مهمة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، بدأ الاحترام والتقدير لها، واعتبارها تشكل إطاراً يعطي للمقاومة بعداً وطنياً جديداً، وتطور هذه المقاومة جعلها تصبح قوة فاعلة في الواقع اللبناني.
يؤكد المؤلف أن حزب الله اعتمد على علماء الدين، وأن بعضهم لم يكن من خلفية دينية، بل من خلفية أكاديمية وذهب إلى الحوزة الدينية، ومن أبرز رموزهم الأمين العام الحالي لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الذي كان مدرّساً للكيمياء، ثم أصبح عالم دين، وهناك عدد كبير من المهندسين، منهم السيد هاشم صفي الدين الأمين العام الراحل، ترك كلية العلوم وذهب للدراسة في إيران، أما السيد حسن نصر الله، فكان شخصية غير تقليدية في مسيرة حزب الله، له كاريزما خاصّة، بقدرته على التأثير بالجمهور، وتطورت شخصيته، لكن شيئاً فشيئاً بدأت تنمو هذه الشخصية وأصبحت موثوقة، إضافة إلى قدرته على التأثير الخطابي والاستفادة من تجارب غيره، كي يتحوّل من مجرد أمين عام إلى شخصية لها بعدها العربي والإسلامي. يشدد المؤلف، في كتابه، كم نحن بحاجة إلى إعادة مراجعة موضوعية، والحرب ما زالت، ويخوضها حزب الله منذ "طوفان الأقصى".
تجربة "طوفان الأقصى" 2023
معركة "طوفان الأقصى" كانت بالنسبة لنا جميعاً هي الأمل الجديد بتجدد فعل المقاومة، وإنجازاً كبيراً، لأنه لأول مرة منذ قيام الكيان الصهيوني، يستطيع المقاومون اقتحام هذا الكيان والدخول إليه وتوجيه ضربة قاسية إلى "الجيش" الإسرائيلي، ببعده الأمني والعسكري والنفسي والإعلامي، وحزب الله كجزء من هذا المحور خاض معركة الإسناد لأنه لا يمكن أن يكون خارج هذا الصراع، لأن استعادة المشروع الأساسي وهو فلسطين.
الكتاب "حزب الله الفكرة والمسيرة"، يسرد فيه د. قصير، مرحلة التأسيس، وما رافقها من خطوات تنظيمية وهيكلية، وصولاً إلى تشكّل الذراع العسكرية، ثم التحوّل إلى حزب سياسي مشارك في السلطة، ويرصد التحولات الكبرى في المنطقة والعالم، كيف أدار التناقض بين الدور المقاوم والدور المشارك في الدولة؟ يقدّم المؤلف عرضاً دقيقاً وواقعياً للمواجهات العسكرية مع إشارات إلى تماسك الجبهة الداخلية.
في النهاية، يبقى كتاب "حزب الله الفكرة والمسيرة"، مرجعاً ضرورياً لفهم حزب الله، وهو كتاب يحتاج أن يُقرأ إلى جانب قراءات أخرى تتناول الأثر الاقتصادي، الثقافي، والمجتمعي لهذا المكوّن السياسي – العسكري.