دور نشر لبنانية: عائدون رغم الدمار!
لم تسلم دور نشر في لبنان من العدوان الإسرائيلي الأخير وتعرض بعضها لخسائر فادحة، فماذا يقول أصحابها لـ "الميادين الثقافية"؟
تتوالى رسائل التحدّي والإصرار على مواصلة الكفاح واستعادة الحياة الطبيعية، التي يبثّها يومياً اللبنانيون في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية ممن أصابهم العدوان الإسرائيلي الأخير بشكل مباشر ومكثف.
وإذ لم يسلم قطاعٌ في هذه المناطق من همجية الاحتلال، فإن بين المؤسسات التي تعرضت لخسائر فادحة، دور نشرٍ تعرضت للتدمير الكامل، فماذا يقول أصحابها لـ "الميادين الثقافية"؟
**
لا يمكن التعامل مع خبر استهداف مكتبة أو دار نشرٍ أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزّة ولبنان، بوصفه مفاجئاً أو مستغرباً أو من خارج السياق، فالعدوان الهمجي لم يستثنِ المستشفيات والطواقم الطبية، وأصاب كل عناصر الحياة ومقوماتها ومظاهرها، والكتاب ليس استثناءً.
في لبنان، ربما لم يجرِ بعد إحصاء المكتبات التي تعرّضت للتدمير الكامل أو الجزئي من جراء الغارات الإسرائيلية على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، ولكن ما لا شكّ فيه أنّ أقسى الضربات أصابت "دار الولاء لصناعة النشر" و"دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع"، حيث تعرّض المقر الأساسي لـ"دار الرافدين" ومستودعات "دار الولاء" في الضاحية الجنوبية للتدمير الكامل.
في حديث لـ"الميادين الثقافية" مع مدير "دار الرافدين"، محمد هادي، ومدير "دار الولاء"، حسين خليفة، تبرز إرادة الصمود والتحدي لديهما، بصورة لا تختلف أبداً عما أظهرته عودة أهل القرى الأمامية في الجنوب إلى منازلهم رغم أنف الاحتلال، مطيحةً بأوهام الاحتلال بشأن كسر عزيمة أهل الأرض.
محمد هادي: لا خيار إلا الاستمرار.. وبرنامج إصداراتنا واعد
محمد هادي، مدير "دار الرافدين"، وهي دار نشر لبنانية – عراقية تأسست عام 2004، والمسجَّلة رسمياً في البلدَين، والحاضرة في لبنان من خلال فرعَين، الأول في حارة حريك في ضاحية بيروت الجنوبية ويضمّ المكتبة الأساسية والمكاتب الإدارية والأرشيف، والثاني عبارة عن مكتبة في شارع الحمراء في بيروت، حدثنا عن خسارة الدار لفرعها الأساسي قبل تمكنه من إفراغ محتوياته من إصدارات الدار.
وأشار هادي، اللبناني من أصول عراقية، إلى فقدان جزء كبير من الأرشيف الخاص بالتصاميم والمحاسبة وسواها، لافتاً إلى حسن الحظّ الذي تجلى في إخراج الكتب المخصّصة لمشاركة الدار في 3 معارض عربية رئيسة (الجزائر والشارقة والكويت) قبل ساعاتٍ قليلة من دخول الضاحية الجنوبية بشكل واسع إلى دائرة الاستهداف وتعذّر الدخول إليها من شركات الشحن أو سواها.
ونوَّه هادي بالهمة العالية لدى جميع أفراد فريق الدار، الذين يمارسون مهامهم من منازلهم حاليّاً بسبب تأخر إيجاد مقرّ بديل ومؤقت حتى اليوم، متحدثاً عن العودة بشكل أقوى مع برنامج إصدارات واعد جداً في العام 2025، الذي سيكون "عام أدب الكتابة والقراءة"، جرياً على عادة الدار في اعتماد تيمة وشعار سنويين، حيث ستتمحور مواضيع معظم الإصدارات حول ما كُتِبَ عن القراءة والكتابة، وسيزيّن الغلاف الخلفي للكتب وسمٌ يحمل ذلك الشعار.
ومن إصدارات الدار التي يجري العمل عليها وستصدر قريباً، بحسب هادي، "رسائل إلى شاعرة" للروائي الفرنسي غوستاف فلوبير (ترجمة سلمى الغزاوي)، و"سوانح القراءة" للكاتب العماني نعيم بن محمد الفارسي، و"غابر الأندلس وحاضرها" للمفكر السوري محمد كرد علي، و"الديانة السومرية" للدكتور خزعل الماجدي، و"المناطيد" للكاتبة البلجيكية إيميلي نوتومب (ترجمة إينانة الصالح)، و"الرجل في الرداء الأحمر" للروائي الإنكليزي جوليان بارنز (ترجمة فَيّ ناصر)، و"أفكار نيتشه حول الموسيقى" لبيار لاسير (ترجمة علي شمس الدين).
وأكد هادي، أنه بالإضافة إلى الإصدارات الجديدة، ستقوم الدار باستعادة بعض العناوين الهامة من إصداراتها السابقة من خلال طبعات جديدة.
حسين خليفة: سنكمل الطريق.. وعزيمتنا ثابتة رغم التحديات
في حديثه مع "الميادين الثقافية"، يصف حسين خليفة، المدير العام لـ"دار الولاء" التي تأسست عام 2000، مؤسسته بأنها منارة للعلم، ومنبر لنشر الفكر العقيدي والفقهي والأخلاقي وتبليغ الرسالة إلى الأجيال الجديدة.
ويتحدث خليفة عن نظرته إلى أهمية النشر بوصفه أداة مواجهة ثقافية تؤدي إلى تعزيز الهوية، وعنصراً حيوياً في الجبهة الثقافية يسهم في تشكيل الرأي العام، مؤكداً أن "دار الولاء"، ورغم التحديات الكبيرة التي واجهتها من دمار وحرق مخازنها جراء العدوان الاسرائيلي، تظل عزيمتها ثابتة على طريق استعادة مكانتها ودورها الهام.
ويلفت خليفة إلى الخسارة الكبيرة التي تعرَّضت لها الدار، حيث سلم المبنى الذي يضمّ مكاتبها الإدارية من آثار العدوان، لكنها خسرت مخازنها التي تضمّ عدداً هائلاً من الكتب، ومن بينها عناوين هامة قد يتعذّر إعادة طباعتها، خصوصاً أنّ بعضها يتعلق بطبعات مشتركة مع جهات أخرى أُنجِزَت وفق عقود محدَّدة، وبينها موسوعات ضخمة ونادرة.
في المقابل، يطمئننا خليفة إلى انتظام العمل مجدّداً في الدار، وإلى نيتها استعادة ما تيسّر من إصداراتها الأخيرة، التي لا تزال أصولها محفوظة في أرشيفها، تباعاً، بطبعاتٍ جديدة، رغم التحدّيات المادية الكبيرة وصعوبة تعويض الجزء الأكبر من الخسائر المادية.
وإذ يوجّه خليفة من خلال "الميادين الثقافية" نداءً إلى المؤسسات التي تتشارك مع "دار الولاء" القيم ذاتها، للتضامن والمشاركة الفعّالة من أجل إعادة الدار إلى سابق عهدها، فإنه يرى في ختام حديثه معنا، أن عودة الدار هي إعادة بناء لرسالة ثقافية وفكرية سامية، لا لمبنىً مادي، واستعادة لدور ريادي في نشر الوعي والمفاهيم الأصيلة التي تساهم في بناء الأجيال القادمة وتعزيز قيم العدالة والرحمة والمحبّة.