رواية "الجذر التربيعي": أساليب المكر الصهيوني

رواية "الجذر الربيعي" تتحدث عن الرعاية البريطانية ل"الفيلق اليهودي" لاستعادة "مملكة أورشليم وبناء الوطن اليهودي".

  •  رواية
    رواية"الجذر التربيعي " لمحمد نعمة فقيه

"الجذر التربيعي" حكاية عن أصل الحكاية، عن الجذور، عن الصراع بين قوة الحق وحق القوة، بين فلسطين أرض كنعان والمسجد الأقصى والإسراء والمعراج، وكنيسة القيامة و"إسرائيل". لمن الأرض؟

السماء؟ في الصراع الإسماعيلي -الإسحاقي (الإبراهيمي)؟

هل فلسطين أرض بلا شعب ليقطنها شعب بلا أرض؟! وهل اليهودية ديانة أم قومية؟

فلاديمير جابوتنسكي وُلد في أوديسا (أوكرانيا) يا للتاريخ الذي يعيد نفسه، مرة بصورة ملهاوية، ومرة بصورة مأساوية؟!،وهو يهودي غير متدين، ولكنه شديد التعصب للفكر الصهيوني، -كه‍رتزل صاحب كتاب"دولة اليهود"- أصبح منذ عشرينات القرن العشرين قيادياً "بارزاً" في الحركة الصهيونية، ويصنف بأنه القائد العملي للاتجاه القومي في الحركة، وملهم المتشددين القوميين بين اليهود، الذين ارتكبوا أبشع المجازر ضد الشعب الفلسطيني تحت الانتداب البريطاني - والتاريخ يعيد نفسه في غزة والجوار مع نتن ياهو - حالياً".

 كانت أوضاع  جماعة جابوتنسكي القائد تنبئ بأنها على وشك تلقي هزيمة الجيش الأحمر السوفياتي. فتخابر جابوتنسكي، كما تقول الحكاية بجهاز لاسلكي مع ضابط الاستخبارات الإنكليزية الذي يخدم تحت إمرته قائلاً:

-إن الجماعات المعادية تحاصر المدينة من كل الجهات، وقد اخترقت صفوفنا من أكثر من موقع، والقتال ههنا أصبح بلا معنى.

أجابه الضابط الإنكليزي، الموجود على سطح باخرة حربية في البحر الأسود:

-نحن نعلم بما هو الوضع عندكم. ما زال البحر مفتوحاً أمامكم للانسحاب بحرية، اجمع جنودك الليلة وأعدّوا العدة للانسحاب باتجاه ميناء المدينة، وسنرسل مراكب صغيرة لسحبكم من هناك مع ساعات الفجر الأولى. وماذا عن عائلاتنا وعائلات جنودنا؟ إذا تركناهم هنا فسوف يذبحهم الجيش الأحمر انتقاماً" لما فعلناه بعائلاتهم.

-هذا الأمر موجّه لك ولجنودك ولعائلاتهم جميعاً"... الجميع يتجه نحو البحر قبل الفجر..هذه العملية ستتم لمرة واحدة، فلا تتركوا شيئاً وراءكم (ص 21).

 ليل أوديسا في أواخر كانون الأول طويل جداً، قياساً" بغيره من أيام السنة، كما تقول الحكاية، ولكنه كان تلك الليلة من أطول الليالي التي عاشتها دونسكا في لملمة أشيائها، وفي مساعدة العائلات التي كلفتها بها الجماعة، لإبلاغها بقرار المغادرة وتوجيهها نحو ميناء المدينة، حيث التقطوا هناك الإشارات المتفق عليها مع المراكب التي بدأت ترسو تباعاً" لتحميل مئات

 الأشخاص من جنود جابوتنسكي وعائلاتهم لنقلهم إلى الباخرة الراسية في البحر الأسود، وعندما اكتملت مهمة نقل الأشخاص من ميناء أوديسا، وأصبح الجميع على ظهر الباخرة وجه أحد الضباط الإنكليز أمراً للجميع بأن يتأهّبوا لسماع التوجيهات من الضابط المسؤول عن هذه المهمة.

بعد لحظات يطل الضابط المسؤول، ويلقي نظرة متفحصة على الجموع قبل أن يقول لهم:

باسم حكومة جلالة الملك، أهنئكم على السلامة، وأتمنى لكم رحلة سعيدة مع بحريتنا التي ستقودكم إلى "أرض الميعاد" تنفيذاً للوعد الذي أطلقه السير بلفور منذ أقل من شهرين. سيتم تقسيمكم هنا إلى قسمين: القسم الأول ويضم المدنيين من أطفال ونساء ومسنّين ومرضى وجرحى الحرب. وهذا القسم سيتم نقله من هذه الباخرة إلى باخرة تجارية ترسو الآن بانتظاركم في ميناء سالونيك في اليونان، وعلى الباخرة التي ستنقلكم إلى الإسكندرية في مصر سيتم إعلامكم بأن حكومة جلالة الملك قد تكرّمت على زعيمكم زئيف فلاديمير جابوتنسكي ومنحته رتبة عقيد. فصفقوا له وتمنوا له التوفيق في هذه الرتبة ومهامها.

توقف الضابط عن الكلام قليلًا ليفسح في المجال أمام المصفقين والمهنئين لجابوتنسكي الذي كان يتقبل التهاني... ثم بدأ يطلب من الجمهور الصمت والإنصات لما سيقوله: 

الآن أيها العقيد جابوتنسكي أعيّنك قائداً" على "الفيلق اليهودي" في جيش جلالة الملك، وعليك أن تبدأ مهامك من هذه اللحظة لإعادة تنظيم جنودك حسب أنظمة وتقاليد جيش إنكلترا العظيم. وقبل أن ترسو هذه الباخرة في ميناء جدة يجب أن تكون اللوائح التنظيمية لهذا الفيلق قد أُنجزت، وتم فيها تسمية ضباط ورتباء الفيلق والمهام الموكلة إلى كل منهم للقيام بواجبهم لاستعادة مملكة أورشليم وبناء الوطن اليهودي هناك. (ص23).

وما إن صعد صموئيل ودونسكا على سطح الباخرة التجارية التي ستنقلهما إلى الإسكندرية، مع غيرهما من المدنيين وجرحى الحرب، حتى جاءت امرأة غريبة عنهما فعرفتهما عن نفسها بأنها مندوبة المنظمة الصهيونية وأنها جاءت لتساعدهما على الحياة في مصر، حتى يتم انتقالهما إلى فلسطين، وأعطتهما بطاقة، وأوصتهما بأن يقصدا في الإسكندرية حانة مكتوب عنوانها على البطاقة، وصاحبة الحانة هي التي ستتولى ترتيب أمورهما في الإسكندرية. وحذرتهما "إياكما أن يعرف أحد ما أنكما يهوديان، حتى السلطات في الميناء، قولا إنكما من الأرثوذكس فررتم من الحرب ومن البلاشفة في بلادكم، وهذا ما ستقولانه لحوذي العربة إذا سألكما".. وحدها صاحبة الحانة تعرف من أنتما وما عليكما فعله.

وألكسندرا، صاحبة الحانة، يهودية يونانية تخفي هويتها الدينية وتدّعي بأنها مسيحية أورثوذكسية، تحولت إلى الكاثوليكية بناء على طلب زوجها الإيطالي، وقد ورثت الحانة وعقارات أخرى في الإسكندرية من زوجها الذي توفي منذ سنوات هو وابنه الوحيد من زوجته الأولى، في ظروف غامضة، وهي تدير شبكة استخبارات لمصلحة المنظمة الصهيونية العالمية من حانتها.

وإضافة إلى ثرائها الشخصي، فهي كانت تتلقى مبالغ كبيرة من المنظمة الصهيونية العالمية، لإنفاقها على المهاجرين اليهود من أوربا الشرقية إلى مصر، تمهيداً" لانتقالهم تسلّلاً" إلى فلسطين والاستيطان فيها، وتساعد اليهود بانتظار ذلك في كل الأعمال الممكنة من التجارة إلى الدعارة.

بعد عدة سنوات، عمل صموئيل ودونسكا في خدمة المنظمة الصهيونية في مصر، قاما خلالها بالتجسس وجمع المعلومات عن الشخصيات النافذة في البلاد، كما قاما بتنفيذ عدة عمليات اغتيال لشخصيات رأت المنظمة الصهيونية ضرورة التخلص منها لأنها تشكل خطراً" على مشروعها الاستيطاني في فلسطين.

وكانت تتم عمليات الاغتيال تلك بالسم حيناً" أو باستدراج الضحية إلى مكان معزول وذبحه وطعنه بالسكاكين حتى الموت حيناً" آخر، أو بافتعال حريق في غرفة نومه يؤدي إلى موته حرقاً" أو اختناقاً". حيث تقيّد بالقضاء والقدر أو ضد مجهول.

وتأخذنا حبكة الرواية للهجرة إلى فلسطين حين ينتقل صموئيل ودونسكا إلى هناك، ومدينة يافا، في حي يسمّى " تل أبيب" ويؤلف هؤلاء، هناك جمعية تدّعي أنها تشرف على الأيتام، فيما هي عبارة عن جمعية إجرامية تتولى خطف الأطفال الفلسطينيين من أهلهم وحبسهم في هذا الملجأ، ليتمّ بيعهم لعائلات يهودية ﻻ تنجب، أو لعصابات مسلحة تستخدمهم في نشاطها الإرهابي.

ويقوم دونسكا بمهمة خطف طفل رضيع من أهله، بينما كان أهله يفرّان من جحيم القصف، ويضمّه إلى غيره من الأطفال المخطوفين.

وتدور الحبكة، كلها بعد هذه الواقعة، حول الطفل الذي تقوم عائلته، بالتقصي حول مكان وجوده، وصولاً" إلى إعادة خطفه إلى أهله وتحريره من العصابة.

إنها حكاية الإنسان، وهويته، وأرضه، في صراعية الخير والشر، تشبه حكاية " العائد إلى حيفا" وابنه "دوف" والعائلة اليهودية التي ربّته وهوّدته، بعد احتلال منزله، وأرضه، وتغيير هويته.

وهي قصة الصراع بين قوة الحق، وحق القوة في عالم الكون والفساد، والاستعمار والصهيونية و"إسرائيل"...

اخترنا لك