صيف غزة.. وصيفكم أيها الناس
هناك مستوى آخر من حرّ الدنيا، يتعرّض له الأطفال الراكضون لأجل لقمة تسدّ جوعهم، أو بضع لترات من الماء.
"اللهم نعوذ بك من حرِّ جهنم، يا رب قِنا منها، وارحمنا، فأنت أرحم الراحمين"، هذا ما قالته معلّمة الفن ونحن في المرسم، بعد الاستراحة. كان يوم خميس في 5 تشرين الأول/أكتوبر من عام 2023. شغّلت المعلمة المراوح وبدأت الحصة بقولها: "هذا حرُّ الدنيا، فما بالكنَّ بحرّ جهنم؟".
اليوم، 22 نيسان/أبريل عام 2025، ونحن على مشارف المئة السادسة من حربٍ أشدّ مرارةً من العلقم سلبت منا كل شيء. حتى المراوح التي كانت تُثبت في الأسقف، وحتى الجدران التي كان الجلوس بينها ألطف من الشارع. حرب سلبت حتى الشجر، الذي كان سيخبرني بتفتّح أزهاره أننا في نيسان/أبريل، ولسنا في حزيران/يونيو!
أيعقل أنّ هذا هو الطبيعي في أبريل؟ أم لأنّ الجدران والسقف القماشيّين اللذين يأوياني، يسمحان لأشعة الشمس بالتسلل من بين مساماتهما، فأشعر أنني داخل فرن وغليان الدم في عروقي يوحي أنّ الطريق إلى الشواء قد بدأ؟
أخرج مترنّحةً من الخيمة على أمل أن يكون الوضع أهون، لأجد الشمس في انتظاري، تلسعني بأسواطها، ومع دخان النار أدوخ. لا أدري هل هي أعراض ضربة شمس، أم نقص في الفيتامينات؟
هذا أنا، ولم أقرب النار، فكيف بالكبار الذين يشعلونها ويجلسون أمامها؟ إنّ مستوى "جهنمية" الدنيا عندهم أعلى... أعانهم الله.
هناك مستوى آخر من حرّ الدنيا، يتعرّض له الأطفال الراكضون لأجل لقمة تسدّ جوعهم، أو بضع لترات من الماء. يخرج الطفل، بحسب دوره بين إخوته، حاملاً طنجرة أو غالون ماء، في الوقت ذاته الذي كان يخرج فيه قبل عامٍ ونصف العام بحقيبته المدرسية.
يخرج لتحمّره الشمس، وتُنهَك قدماه من الوقوف في الطابور، وهو يأمل أن يصل له الدور ويكون له نصيب. ساعاتٌ طويلةٌ من الانتظار، ينتهي فيها دوام المعاناة من أجل البقاء، ويعود إلى "الخيمة" محمّلاً بنصيبه من الطعام أو الماء. يعود في الوقت نفسه الذي كان يعود فيه سابقاً محمّلاً بالواجبات المدرسية، وحلمه أن يحلّها بسرعة ليلعب. أما اليوم، فهو يعود متمنّياً أن يكفي ما جلبه الجميع، ويحلم أن يكون له نصيب جيد من الغذاء.
إلى أولئك الذين يعرفون الصيف بالمسبح والبحر، أودّ أن أخبركم أنّ بحر مدينتنا يقف عليه طرّاد إسرائيلي، يطلق الرصاص بشكل عشوائي، وفي أوقاتٍ عشوائية.