عقاب - عقبة

العُقاب: كوكب. والعُقاب: الراية. وكانت راية النبي محمد تُسمّى العُقاب.

ألا يا عُقابَ الوَكْرِ، وَكْرِ ضَرِيّةٍ
سُقيتِ الغَوادي مِن عُقابٍ على وَكْرِ
أبيني لنا، لا زالَ ريشُكِ ناعِماً
ولا زِلْتِ في صَيدٍ مُخَضَّبةَ الظُّفْرِ
أبيني لنا قد طالَ ما قد تركتِنا
بِعَمْياءَ لا نَدري أنُصبِحُ أم نُسْري

يخاطب الشاعر عُقاباً جاثمة على وَكرِها في مكان يقال له ضَرِيّة في بلاد نجد، داعياً لها أن تُسقى من ماء السحاب وأن تظل مخالبها مخضّبة بدماء الفرائس التي تصطادها، ويسألها أن تهديه إلى سبيل للخروج من المتاهة التي وجد نفسه ضائعاً فيها لا يعرف إلى الخروج منها سبيلاً، وهل يسلكها حين يصبح أم حين يُمسي.

هذا الشاعر التائه هو المعروف بمجنون بني عامر أو مجنون ليلى واسمه قيس بن المُلَوَّح (645 - 688). أحبّ ابنة عمه ليلى العامرية ورفض والدها تزويجه بها فأُصيب بلوثة وهام على وجهه لا يستفيق إلا على ذكرها فينظم فيها الأشعار  إلى أن وجِد مَيتاً ملقى بين أحجار.

وقصة قيس وليلى من أكثر قصص الحب العذري انتشاراً عند العرب ومن أشهر قصص العشاق على المستوى العالمي. ومع ذلك هناك من ينكر وجود قيس في الدنيا أصلاً. من هؤلاء الأصمعي وهو راوية لأشعار العرب مشهور  وكان قريب العهد من الفترة التي ذاع فيها شعر المجنون، وقد نسب إليه صاحب كتاب "الأغاني" قوله: "رجلان ما عُرِفا في الدنيا قطّ إلا باسم المجنون، مجنون بني عامر وابن القرية وإنما وضعهما الرُّواة".

وقال الجاحظ: "ما ترك الناس شعراً مجهول القائل قيل في ليلى إلا نسبوه إلى المجنون، ولا شعراً قيل في لُبْنى إلا نسبوه إلى قيس بن ذريح".

نعود إلى العُقاب التي يناديها المجنون لنقول إنها من سِباع الطير من رُتبة البازيّات مؤنثة لفظاً، إلّا أنها تطلق بهذه الصيغة على الذكر منها كما على الأنثى. وتمتاز العُقاب بسرعة الطيران والتحليق عالياً والانقضاض على الفريسة. لذلك يشبّه ابن عربي (1165 - 1240) نفسه بالعُقاب فيقول بعبارة صوفية:

أنا العُقابُ لي المقامُ الأرفعُ
والحُسنُ والنورُ البَهِيُّ الأسطعُ
أُمضي الأمورَ على مراتِبِ حُكمِها
في العَدوةِ الدُّنيا وعِزّي أمنَعُ

والعُقاب حادّة البصر، ولذلك يقال في من يتمتع بحدّة البصر: أبصرُ مِن عُقاب. وأطلقت العرب على المولود الذكر اسم عُقاب تيمّناً بهذا الطائر الذي تعتبره سيّد الطيور. 

والعُقاب سوداء الريش ويقال لها الخُدارية للونها. قال البهاء زُهَير (1186 - 1258) يصف رجلاً أسود البشرة له لحية وخطها الشيب:

وأسودَ شيخٍ في الثمانينَ سِنُّهُ
غدا وجهُه مِن أبيضِ الشيبِ أبلَقا
لهُ لِحيةٌ مُبيَضّةٌ مُستديرةٌ
أُشَبِّههُ منها عُقاباً مُطَوَّقا

وتّسمّي العرب العُقابَ عَنْقاءَ مُغرِبٍ لأنها تأتي من مكان بعيد. وبهذا فُسّر قول أبي العلاء المعرّي (973 - 1057):

أرى العَنقاءَ تكبرُ أن تُصادا
فعانِدْ مَن تُطيقُ لهُ عِنادا 
وما نهنَهتُ عن طلبٍ ولكنْ
هيَ الأيامُ لا تُعطي قِيادا

وعنقاء مُغرِب طائر مجهول الجسم لم يوجد. ويقال: حلّقت به عنقاءُ مُغرِب، أي هلك. وكان للخليفة العبّاسي محمّد الأمين زَورق سريع اسمه العُقاب وفيه يقول أبو نُواس(762 - 814):

عَجِبَ الناسُ إذ رأَوهُ على
سَوْرَةِ لَيثٍ يَمُرُّ مَرَّ السحابِ
سَبّحوا إذ رَأَوْكَ سِرتَ عليهِ
كيفَ لو أبصروكَ فوقَ العُقابِ
ذاتُ زَوْرٍ ومِنسَرٍ وجناحَينِ
تَشُقُّ العُبابَ بعدَ العُبابِ

وكنَت العربُ العُقابَ الذكر  بكُنى منها: أبو الهَيثم، وأبو الحجّاج، وأبو حسّان، وأبو الدهر، وأبو الأشيَم. وكُنية العُقاب الأنثى: أُمّ الحَوار، وأُمّ الشعر، وأُمّ طلبة، وأُمّ لَوح، وأُمّ الهَيثم.

ويقع اسم العُقاب على أشياء أخرى منها: العُقاب وهو حجر ناريّ في جوف البئر يخرق الدّلو. والعُقاب: مسيل الماء إلى الحوض. والعُقاب: الحجر يقوم عليه الساقي. والعُقاب: صخرة ناتئة في عُرض الجبل. والعُقاب: المكان المرتفع والرابية. قال البهاء زُهَير:

وَطِئتَ بلاداً لم يطأها بِحافِرٍ
سِواكَ ولم تسلَكْ بِخيلٍ وُعورُها
يُكِلّ عُقابَ الجوِّ منها عُقابُها
ولا يهتدي فيها القطا لو يَسيرُها

والعُقاب: كوكب. والعُقاب: الراية. وكانت راية النبيّ محمد تُسمّى العُقاب. والعُقاب لُغةً كلمة مشتقّة من جذر هو العين والقاف والباء وهو أصلان. الأول يدلّ على ارتفاع وشِدّة وصعوبة، ومنه العُقاب للطير المذكور. وإنما سُمّيت بذلك لشدّتها وقوّتها وارتفاعها في الجوّ. ثم شُبّهت الراية بهذه العُقاب كأنها تطير كما تطير. والأصل الآخر يدلّ على تأخير شيء وإتيانه بعد غيره. يقال: عقَبه، يعقبه، عَقباً، إذا خلفه وجاء بعده. ومن هذا اشتقاق اسم عُقبَة، من قولهم: هذا عُقبَة أمرِك، أي مرجعه. وعُقبَة بن نافع الفهري من قادة الفتح في بلاد المغرب.