موت وقبر: غزة في أدب العالم

كيف وجدت غزة طريقها إلى الأدب العالمي وأجبرت مفكّرين وكتّاباً كباراً على أن يتخذوا موقفاً؟

تحيي غزة، بينما الاحتلال يقتلها، أنواعاً من الأدب، تعود إليه كثيمة رئيسية، وتبعث الروح من جديد في أدب المقاومة أو أدب الحرب والحصار، كما يشير نقّاد وأدباء.

وتحضر غزة في الرواية، ثيمةً وموضوعاً وهدفاً، لا في الرواية العربية أو الفلسطينية وحدها، والأمثلة على ذلك كثيرة: سواء في رواية "نبوءات" للفلسطيني مصطفى النبيه، أو "غزة تحت الجلد" للبريطانية من أصول فلسطينية سلمى الدباغ، وقد ترجمت عام 2015، أو في "يا فلسطين" الرواية التي تقع في 12 جزءاً للكاتبة البوسنية ملكة صالح بك بوسناوي. هذا عن الأدب الذي يتناول غزة كثيمة، أو تحضر على هامش مسرح أحداثه، أما الأدب الذي يصدر من غزة نفسها، فهو كثير، وعصيّ على الحصر.

مع ذلك، فقد وجدت غزة طريقها إلى الأدب العالمي، وأجبرت مفكّرين وكتّاباً كباراً على أن يتخذوا موقفاً، بدءاً بجان بول سارتر، فيلسوف القرن العشرين، وزيارته إلى هناك بعيد هزيمة حزيران 1967، إلى الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، الذي كتب قبل سنوات لصحيفة "البايس" الإسبانية "الموت في غزة" ويتحدّث فيه عن تجربته الذاتية هناك.

أما الرواية الأكثر شهرة، والتي أخذت من غزة موضوعاً لها، فهي "قبر في غزة"، للبريطاني مات بينون ريس.

كتب ربعي المدهون قبل زمن في "الرواية في غزة وعنها" تحت عنوان فرعي دقيق هو: "نضالية توثيقية متهمة بالضعف لا يقترب منها الناشرون ولا تحظى بالانتشار، لكنها بخير"، أنه باستثناء 3 روايات كانت غزة مسرح أحداثها، لا تتوفّر في الخارج روايات عن غزة. والروايات الثلاث هذه كتب اثنتين منها كاتبان فلسطينيا الأصل، أما الثالثة فلكاتب إنكليزي.

الأولى هي "out of it" أو "خارجها" أي غزة، لسلمى الدباغ، عام 2011. أما "السيدة من تل أبيب" فهي لربعي المدهون، وهي الرواية الفلسطينية الوحيدة عن غزة المترجمة إلى الإنكليزية. أما الرواية الثالثة فهي "قبر في غزة" لمات بينون ريس، الذي كتب 3 روايات "فلسطينية بوليسية، تدور أحداث اثنتين منها في الضفة، وواحدة في غزة"، وكان قد فاجأ الفلسطينيين قبل أن يفاجئ الغرب برواياته تلك.

كذلك فقد صدر عام 2013 عن دار "كومابرس" بالإنكليزية كتاب "ذا بوك أوف غازا" وضمّ 10 قصص قصيرة مترجمة لكتّاب من غزة من أجيال مختلفة.

"قبر في غزة"

  • سلمى الدباغ
    سلمى الدباغ

"قبر في غزة" هي الجزء الثاني من ثلاثيّة ريس البوليسية، بالنسبة لقارئ بريطاني لا يعرف تماماً مجازر الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في المدينة المحاصرة، تبدو الرواية المكتوبة سنة 2008 لغزاً بوليسياً جيداً جداً. كذلك وفقاً لريس، فإنّ الرواية مستوحاة من أحداث حقيقية، وفي الحقيقة، فإنه يستطيع أن يوصّف بدقة مخيمات اللاجئين في غزة، والسجون، والعواصف الرمليّة. ولغزه، جريمة القتل، متقن، وأدلة حلّه متناثرة في جميع أنحاء قطاع غزة، إذ يقول إنّ جميع الجرائم في القطاع مترابطة.

تدور الرواية حول عمر يوسف (وهو بطل ريس)، الذي يسافر إلى القطاع مع رئيسه ماغنوس فالندر لإجراء تفتيش روتيني لمدارس الأمم المتحدة في مخيمات اللاجئين، عندما يصلان يلتقيان بجيمس كري، ضابط أمن الأمم المتحدة في غزة، الذي يخبرهما أنّ أحد المعلمين، وهو إياد مشهراوي، قد سجن بتهمة التجسس. 

أثناء محاولتهما تحرير المعلم المسجون، وتغطية الوضع السياسي المتفجّر، يجرّان إلى مواجهة مع الفصائل في القطاع. إذ يختطف فالندر نفسه من لواء صلاح الدين، ويطالبون بإطلاق سراح بسام عدوان، مقابل إطلاق سراحه. 

وتمضي الرواية هكذا، كلما يزداد الغبار، والعواصف الرملية، يعني أنّ عمر يوسف لا يزال يواجه الأزمان، وحينما تنقشع العاصفة، يكون قد حلّ المعضلة. عندما يكتمل حلّ اللغز، وتتناسب القطع معاً، تشرق السماء وتهدأ العواصف الترابية.

الآن، ونحن نقرأ بعد أكثر من سنتين على مجازر الإبادة، وقد تحوّلت غزة كلّها إلى قبر كبير، يقفز السؤال بنفسه: أين الأمم المتحدة في/ ومِن غزة؟

"الموت في غزة"

  • جنود اللحتلال الإسرائيلي يفحصون جواز سفر ماريو فارغاس يوسا عند نقطة تفتيش عسكرية في مدينة الخليل الفلسطينية عام 2010
    جنود الاحتلال الإسرائيلي يفحصون جواز سفر ماريو فارغاس يوسا عند نقطة تفتيش عسكرية في مدينة الخليل الفلسطينية عام 2010

بدأ الاحتلال واحدة من مجازره الكثيرة التي يرتكبها في غزة يوم السبت في 27 كانون الأول/ديسمبر 2008، وبقيت المجزرة مستمرة حتى يوم الأحد في 18 كانون الثاني/يناير 2009. غزة عرضة للإبادة منذ اخترع العالم "إسرائيل". 

وقال رئيس وزراء الاحتلال الأسبق، إسحاق رابين، من قبل إنه يتمنّى لو يستيقظ فيرى البحر قد ابتلع غزة، بينما شجّع أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير خارجية الاحتلال الأسبق، وهو يحاضر طلبة جامعة "بار إيلان"، على إلقاء قنبلة نووية على القطاع وتدميره بالكامل، مثلما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان، "وبذلك لا يكون هناك داعٍ لاحتلال غزة، ونتخلّص من وصف العالم لنا بأننا قوة احتلال".

هذا كلّه، في حينه، دفع الكاتب البيروفي، ماريو بارغاس يوسا، الذي كان قد زار "دولة" الاحتلال من قبل، إلى كتابة "الموت في غزة": "شاهدت الأمور بأمّ عيني وشعرت بالاشمئزاز والتمرّد على البؤس الفظيع الذي لا يوصف، شاهدت القمع لأناس بلا عمل ولا مستقبل".

رأى يوسا في سكان غزة، حينها، صورةً للمأساة، مجسّدة، ومثلاً عن المجازر الجماعية، المحرقة، الأمر الذي أثار الكاتبة البوسنية، ملكة صالح بك بوسناوي، فكتبت رواية من 12 جزءاً تحت عنوان "يا فلسطين"، ابتداءً من رفض السلطان العثماني عبد الحميد تسليمها منذ مطلع القرن العشرين، حتى نهاية الانتفاضة الأولى سنة 1987، وظلت تندّد بصمت المجتمع الدولي على جرائم الاحتلال في غزة، وطالبت بجرّ قادتهم إلى المحاكمات بوصفهم مجرمي حرب.

مع مجازر الإبادة التي يرتكبها الاحتلال منذ 7 أكتوبر 2023 في غزة، سمعنا ألبرتو مانغويل يقف إلى جانب غزة، ومثله فعل عدة كتّاب وكاتبات حول العالم، وقد قدّم مانغويل، رفقة جوديث بتلر، لكتاب "الوصايا.. شهادات مبدعات ومبدعين من غزة في مواجهة الموت" الذي صدر عن "دار مرفأ" في بيروت، وحرّرته الشاعرة الفلسطينية، ريم غنايم، ولا يزال مانغويل يكتب عن الإبادة، والأمم المتحدة مشغولة بتفتيش المدارس في مخيمات اللاجئين، إلا في غزة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك