هل جعلنا أفيخاي أدرعي "أنانيين".. أم هو طبعنا؟

هل اكتشفنا أنانيتنا في الحرب فقط، أم كنا نربيها داخلنا في زمن "السلم"، كي نستسلم لطبعها في وقت الحرب؟

اكتشفتُ، خلال الحرب الإسرائيلية علينا في لبنان، أن الطبع الغالب لدى الإنسان هو: "أنا ومن بَعدي الطوفان".

كانت عيوننا، كلّنا، معلقة بشاشات هواتفنا، وكنا مضطرين، كلنا، إلى أن نعمل "follow" لسيئ الذكر، وجه الشؤم، أفيخاي أدرعي!

هل يعمل إنسان طبيعي follow لعدوّه؟

نحن، لأننا نؤمن بقاعدة "أنا ومن بعدي الطوفان"، عملنا "follow extra" لعدوّنا، كي نعرف إذا كان "زمط" من التدمير جنى العُمر، الذي تركناه خلفنا، غصباً عنا، وهججنا منه بسبب الحرب، التي دمرت كل شيء حلو في أرواحنا، قبل أن تهدم الأحياء التي نعيش فيها.

وكلما "نَفَدَت" من التدمير البناية، التي لنا فيها بيت تركناه، حتى لو رأينا بعيوننا، التي سيأكلها الدود يوماً ما، أن بناية جيراننا هُدِّمت على كل ما فيها من جنى أعمارهم وذكرياتهم، ترتسم على وجوهنا ابتسامةُ فرح موقّت لنجاة بنايتنا، في انتظار الجولة الثانية، والقريبة جداً، من جولات القصف الهمجي للبيوت والأحياء المدنية.

هل اكتشفنا أنانيتنا في الحرب فقط، أم كنا نربّيها داخلنا في زمن "السلم"، كي نستسلم لطبعها في وقت الحرب؟

علينا أن نعترف بخبث هذه الابتسامات، التي كانت ترتسم على وجوهنا كلما نجت البناية، التي ينتظر فيها بيتنا، الذي اشتاق إلى رائحتنا و"حِسّنّا" فيه، إما عودتَنا إليه وضجتنا فيه، وإما أن يضعه أفيخاي في رسوم خرائطه المشؤومه ويقصفه، ويرتاح من نقمة الانتظار. فالانتظار، في قاموس الأماكن، كما في قاموس البشر، أقسى من الموت !

كيف صرنا، في الحرب، أنانيين هكذا؟ كيف لم تنزل دمعة واحدة من عيوننا، التي كانت تبحلق في خرائط أفيخاي، فتبتسم دواخلنا ابتسامةً "خبيثة"، وربما نقهقه، كلما "زمطت" بنايتنا من صواريخ الاحتلال، ولا تنهمر دمعة واحدة، أو نصف دمعة، ونحن نرى أن بنايات كثيرة حولنا، وُلد فيها أطفال جيراننا، وكنا نسمع فيها قهقهاتهم وبكاءهم، وشهدنا فيها، مع آبائهم وأمهاتهم، شيطنات طفولتهم.

هل نحن أنانييون في الفطرة، منذ أن خرجنا من أرحام أمهاتنا، ونكتشف هذا الطبع "الخبيث" فينا عندما تحزّ حزّة الأزمات والمصائب؟

كيف احتملنا أن تفرقع في دواخلِنا تنهيدةُ فرح واطمئنان عندما تخطئ الصواريخ البناية التي تسكن فيها. والصواريخُ نفسها، التي "عَفَت" عن بيوتنا، هذه المرةَ، أحرقت بيوت جيران لنا، وأقرباء لنا، لبنانيين مثلنا، فنسينا، وربما تعمّدنا أن نتناسى، في زحمة تدفق إحساس "النجاة" المخادع، أن نحزن على بيوت هؤلاء الجيران، هؤلاء الأقرباء، هؤلاء اللبنانيين، ولو قليلاً، ولو دقيقة، ولو لحظة!

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.