القلق يتزايد.."نهر السلمون" في ألاسكا يتدفق بلونٍ برتقالي

يوضح عالم جيو - كيمياء أنّ "ما نراه يشبه تماماً تصريفات حمض المناجم، لكن من دون وجود مناجم. إنه ذوبان الجليد الدائم الذي يغيّر كيمياء البيئة".

  • نهر السلمون في ألاسكا يتدفق بلونٍ برتقالي صدئ (الصورة: تايلور رودس)
    "نهر السلمون" في ألاسكا يتدفّق بلونٍ برتقالي صدئ (الصورة: Taylor Rhoades)

تشهد الأنهار في سلسلة جبال بروكس بألاسكا،  تحوّلاً مقلقاً من صفائها المعتاد إلى حالة عكرة بلون برتقالي. 

ففي سلسلة جبال بروكس بألاسكا، تحوّلت مياه الأنهار، التي كانت في السابق صافية بما يكفي للشرب، إلى لون برتقالي قاتم مع انتشار المعادن السامة في مياهها. يُذيب الاحتباس الحراري الأرض المتجمّدة منذ زمن طويل، مُطلقاً تفاعلات كيميائية تُلحق الضرر بالأسماك وتُخلّ بأنظمة بيئية بأكملها.

ويعزو العلماء هذه الظاهرة إلى ذوبان الطبقات الجليدية الدائمة (permafrost) بسبب ارتفاع درجات الحرارة، ما يؤدّي إلى تفاعلات كيميائية معقّدة تضرّ بالأسماك وتخلّ بالتوازن البيئي.

ومع استمرار ارتفاع حرارة الكوكب، يذوب الجليد الدائم - التربة القطبية المتجمّدة التي خزّنت المعادن لعصور جيولوجية طويلة. ويتيح هذا الذوبان تسرّب الماء والأكسجين إلى الطبقات الصخرية المكشوفة حديثاً، ما يحفّز تحلّل الصخور الغنية بالكبريتيد. 

وتنتج هذه العملية حمض الكبريتيك الذي يستخلص معادن طبيعية مثل الحديد والكادميوم والألومنيوم من الصخور إلى المجاري المائية.

وعادة ما ترتبط مثل هذه التغيّرات الكيميائية بأنشطة التعدين، لكنّ المفاجئ هنا هو عدم وجود أيّ أنشطة بشرية مسبّبة لهذا التلوّث. 

 تصريفات حمض المناجم

ويوضح البروفيسور تيم ليونز، عالم الجيو - كيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا: "ما نراه يشبه تماماً تصريفات حمض المناجم، لكن من دون وجود مناجم. إنه ذوبان الجليد الدائم الذي يغيّر كيمياء البيئة".

ويكشف بحثٌ جديد نشر في دورية Proceedings of the National Academy of Sciences  عن خطورة هذا التلوّث المتصاعد. ورغم تركيز الدراسة على نهر سلمون، يحذّر العلماء من أنّ تحوّلات مماثلة تجري في العشرات من الأحواض المائية القطبية الأخرى.

ويصف ديفيد كوبر، العالم المشارك في الدراسة من جامعة كولورادو، هذه التغيّرات بأنها "مذهلة حقاً"، مستنداً إلى خبرة تمتد منذ عام 1976 في منطقة "بروكس رينج".

  • القلق يتزايد..
    من روافد أنهار ألاسكا الملوّنة (Manuela Casasoli)

واكتشف عالم البيئة بادي سوليفان من جامعة ألاسكا هذه التغيّرات للمرة الأولى في 2019 أثناء أبحاثه حول تحرّك الغابات القطبية شمالاً - وهي ظاهرة أخرى لتغيّر المناخ. ولاحظ طيّار كان ينقله أنّ نهر سلمون لم يستعد صفاءه بعد ذوبان الجليد وبدا "مثل مياه الصرف الصحي"، ما دفع سوليفان للتعاون مع باحثين آخرين للتحقيق في الأسباب والتداعيات.

 تفاعلات جيو - كيميائية تؤكسد الصخور

وأكدت التحليلات العلمية أنّ ذوبان الجليد الدائم يطلق تفاعلات جيوكيميائية تؤكسد الصخور الغنية بالكبريتيد مثل البيريت، مولّدة حموضة عالية ومحرّرة مجموعة واسعة من المعادن، بما فيها الكادميوم، الذي يتراكم في أعضاء الأسماك وقد ينتقل إلى الحيوانات المفترسة مثل الدببة والطيور.

وفي حين أنّ تراكيز المعادن الصغيرة قد لا تكون سامة بالضرورة، فإنّ الدراسة أظهرت تجاوز مستوياتها عتبات السميّة التي حدّدتها وكالة حماية البيئة الأميركية للحياة المائية. كما أنّ المياه الغائمة بالحدود تقلل الضوء الواصل إلى قاع النهر وتخنق يرقات الحشرات التي تشكّل غذاءً أساسياً لأسماك السلمون وأنواع أخرى من الأسماك.

امتداد عبر القطب الشمالي

ورغم أنّ التركيزات الحالية في أنسجة الأسماك الصالحة للأكل لا تعتبر خطرة على البشر بعد، فإن التغيرات في الأنهار تشكل تهديدات غير مباشرة لكنها جسيمة. فقد تواجه أسماك السلمون Chum salmon، المصدر الغذائي الأساسي للمجتمعات الأصلية، صعوبات في التكاثر بسبب انسداد قيعان الأنهار بالرواسب. كما قد تتأثر أنواع أخرى من الأسماك، ما يؤثر على التوازن البيئي في هذه الأنهار القطبية.

ويحذّر الباحثون من أنّ هذه الظاهرة ليست محصورة بنهر سلمون فقط، بل تمتد عبر القطب الشمالي حيث تتوفّر الظروف الجيولوجية المناسبة وذوبان الجليد الدائم. وعلى عكس مواقع المناجم التي يمكن احتواء التلوّث فيها، فإن هذه المناطق النائية تحتوي على مئات مصادر التلوّث المحتملة من دون أيّ بنية تحتية للتخفيف من آثارها.

ويؤكّد البروفيسور تيم ليونز أنّ هذه العملية "لا رجعة فيها بمجرّد بدئها"، مشيراً إلى أنها تمثّل تحوّلاً بيئياً جديداً تقوده ظاهرة الاحتباس الحراري.

اقرأ أيضاً: يهدّد السكان.. لون غريب يطغى على ممرات ألاسكا المائية

ويختتم ليونز قائلاً: "حتى في هذه المناطق البعيدة عن التأثير البشري المباشر، فإن بصمة الاحتباس الحراري واضحة لا لبس فيها. لم يعد هناك مكان بمنأى عن التغيّر".

اخترنا لك