شاهد مجرّة "درب التبانة" من محمية "الجورد" اللبنانية!
تم تأهيل محمية "الجورد" بمسارات مخصصة لممارسة رياضة المشي (Hiking) تجمع بين أقضية الهرمل وعكار، حيث يتعرف الزائر على جبل القلّة وغابات العزر وأحد فروع وادي جهنم، والتخييم والتمتع بالمناظر الطبيعية المذهلة نهاراً، أما ليلاً فبإمكانك مشاهدة درب التبانة!
-
محميّة "الجورد": قصة تأسيس محمية بيئية لأجل سياحة مسؤولة (تصوير: نضال صلح)
في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيّر المناخي وهذا ما نعيشه في أيامنا هذه من جفاف في مياه الأنهر نتيجة انعدام المتساقطات خلال فصل الشتاء الماضي، وكيف تتعرّض النظم البيئية لضغوط متزايدة، تبرز المبادرات الفردية الهادفة إلى حماية البيئة كمصابيح أمل تضيء الطريق نحو مستقبل مستدام.
من بين هذه المبادرات الرائدة، تميّزت قصة حسين علّو (أبو غاندي) ابن البقاع الشمالي المحبّ للأرض، الذي قرر أن يحوّل شغفه بالطبيعة منذ أكثر من عقدين من الزمن إلى مشروع ملموس تحوّل إلى وجهة سياحية - بيئية يقصدها اللبنانيون و الأجانب من مختلف بلدان العالم.
انطلاق الفكرة!
انطلقت الفكرة كمشروع في العام 2000، عندما لاحظ التدهور البيئي المتسارع في منطقته، بفعل قطع الاشجار المعمّرة التي يصل عمر بعضها الى 4000 سنة وتحديداً شجر العرعر (اللزاب)، وتحوّلت الفكرة إلى جولات ميدانية في منطقة الهرمل التقى خلالها بفعالياتها وعرض عليهم فكرة المشروع واقامة محمية يمنع فيها الصيد الجائر و قطع الاشجار.
وقد رحّب معظم الذين التقاهم بالفكرة وبدأ بجلب الاشجار من أرز و لزّاب وقام بزراعتها، وتبين لاحقاً أن بعض المستفيدين من قطع الاشجار ابدوا امتعاضهم، فباشروا بحملة تحريضية تحت عناوين مصادرة الأراضي وغيره من التهم الكاذبة وقاموا لاحقاً بقلع معظم الاشجار التي تم غرسها.
خبراء ودراسات شاملة
هذا التصرّف لم يمنعه من الاستمرار بما وضعه من تحديات أمام ما يقوم به فعمل مع المهتمين بالشأن البيئي في المنطقة على تحييد القسم الأكبر من المنطقة عن أعمال قطع الاشجار وغيره.
ولدعم ذلك كان يحضر باستمرار الدكتور يوسف طوق مدير محمية غابة الارز في بشري الذي كان يجلب معه غرسات من "الأرز و اللزاب وعلّو" وفريقه يقومون بغرسها في المحمية. إضافة الى التعاون القائم مع خبراء بيئيين قاموا بالعديد من الدراسات الشاملة للموقع وهو مساحة طبيعية تتميز بتنوع نباتي وحيواني قابل للحماية والتطوير.
-
الجبال تعانق الغيم
وأشار إلى أنه استقدم من فرنسا خلال الفترة الماضية بعض من أنواع الطيور التي تعيش في هذه البيئة كما تم تربية طير الحجل بالمئات ومن ثم افلاتهم في المحمية وقد تكاثروا بشكل كبير. الى ذلك تضم المحمية العديد من الحيوانات البرية كالثعالب والارانب وغيرها.
وحول تسمية المحمية بإسم غاندي و حسام علّو يجيب حسين، في العام 2016 حصل حادث مأساوي أودى بحياة ابني غاندي وابن عمه حسام وتخليداً لذكراهما باتت المحمية تحمل اسم "محمية غاندي و حسام علّو الطبيعية"، والجدير ذكره ان المرحوم غاندي ولد في المحمية. كما أن لها اسم ثان وهو "محمية الجورد الطبيعية".
ويقول علّو ان المحمية تجمع ثلاثة اقضية هي الهرمل، عكار و الضنية، تضم فيها اقدم اشجار العرعر (اللزاب) الذي يصل عمر احداها إلى 4000 سنة الى اشجار اخرى يقدّر عمرها بين 2000 و 3000 سنة، إضافة إلى أشجار الأرز و السنديان و أنواع أخرى.
وقد تم تأهيل المحمية بدروب ومسارات مخصصة لممارسة رياضة المشي الجبلي (Hiking) تجمع بين الأقضية الثلاثة حيث يتعرف الزائر على جبل القلّة وغابات العزر وأحد فروع وادي جهنم، والتخييم والتمتع بالمناظر الطبيعية المذهلة نهاراً، أما ليلاً فبإمكانك مشاهدة مجرة "درب التبانة" في السماء بالعين المجردة!
رسالة خضراء: عندما يتحول الحلم إلى تأثير ملموس
تُثبت هذه المبادرة أن التغيير البيئي لا يحتاج دائماً إلى ميزانيات ضخمة أو دعم سياسي شامل، بل يمكن أن يبدأ من شخص واحد يحمل فكرة، ويتحرك بشغف وعقلانية. إنها دعوة مفتوحة لكل من يهمّه مستقبل الأرض، بأن يبدأ من محيطه، مهما كان بسيطاً، وأن يؤمن بأن الطبيعة حين تُمنح فرصة، قادرة على الشفاء والازدهار.
بيا عبود خبيرة في السياحة وإدارة التراث الثقافي وقد ركزت خلال رحلتها التعليمية على التنمية المستدامة، والحفاظ على التراث. وقد زودتها خلفيتها الأكاديمية الدولية، جنباً إلى جنب مع شهادة في السياحة والجغرافيا، بمنظور متعدد الأبعاد حول المناظر الطبيعية الثقافية والممارسات التجديدية.
-
مشهدية طبيعية فريدة
منذ تأسيس " اكتشاف ما وراء الحدود " في عام 2017، قادت أكثر من 200 رحلة جماعية مسؤولة وتجريبية عبر لبنان وعلى الصعيد الدولي، لتعزيز المفهوم الذي يعطي الأولوية للنزاهة الثقافية والوعي البيئي.
وخلال حياتها المهنية، قامت أيضاً بتنسيق العديد من المشاريع المجتمعية في المناطق المهمشة في العديد من المناطق اللبنانية، وكان تركيزها الاساسي على التنمية السياحية والوعي البيئي ومبادرات الفن الحضري.
خبيرة في السياحة: حققنا انجازات كثيرة مع حسين علّو
تقول بيا، قابلت حسين علّو قبل عامين، خلال إحدى مهامي المعتادة للكشف عن كنوز لبنان الغير معروفة والأقل شهرة. وكنت قد استكشفت منطقة الضنية، على أمل تنظيم رحلة ذات مغزى سياحي بيئي، عندما عثرت على مخيم الجورد. وما وجدته هناك كان أكثر بكثير من مجرد موقع طبيعي جميل.
ذهلت بالمكان، ومكان اطلالته، تعرفت على صاحب الموقع فأحسست بدفء عائلة تحتضنني، شعرت كأنني من هذه الارض ولست بغريبة عنها وهذا ما دفعني الى التعمّق أكثر الدخول بالتفاصيل المتعلقة بالمحمية وما تحتاجه لتطوير انطلاقا من قناعتي بمساعدة المشاريع السياحية البيئية الصغيرة على التطور والازدهار.
-
من النشاطات والجولات داخل المحمية -
من النشاطات والجولات داخل المحمية -
من النشاطات والجولات داخل المحمية
وتضيف، خلال عام ونصف بعد الجهود التي بذلناها سوية مع علّو حققنا انجازات كثيرة أهمها تحويل المحمية من مجرد مكان يلتقي فيه محبي السياحية البيئية الى مكان جاذب لخبراء البيئة خاصة أن المحمية تتضمن تنوع بيولوجي في غاية الاهمية، وبدأنا من خلال التوجيه الاستراتيجي الذي وضعناه بتنظيم رحلات تعريفية للعاملين في مجال السياحة البيئية والإعلام لإعطاء المحمية الرؤية التي تستحقها.
-
الناشط نضال صلح يستكشف أشجار المحمية المعمّرة
وتؤكد على أن أكثر ما يهمها أن هذا المشروع هو مثال حيّ لما يمكن أن تتجذر فيه السياحة الواعية في الحبّ بقيادة المجتمع. هذا هو السبب في اختيارها محمية "الجورد". لأنه في بعض الأحيان، القلب وحده يعرف الاختيار الأصح.