الثورة الكوبية - الجزء الرابع
الروح التحررية لتشي بذاتها هبت بقوة على القارة مع حلول الألفية الجديدة. أميركا اللاتينية التي أدارت ظهرها لكوبا عندما قررت بناء نظام اشتراكي في النصف الغربي للكرة الأرضية، باستثناء المكسيك، ستعيش سنوات من ازدهار الأفكار الأكثر تقدمية في العالم بقيادة رجال ونساء يستمدون الإلهام من أبطال الاستقلال في القارة الأمريكية.
نص الحلقة
<p> </p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>في 25 كانون الأول/ديسمبر 1991، أنزل عن مبنى الكرملين علم المطرقة والمنجل، ورفع علم القياصرة القديم.. انتهى الاتحاد السوفيتي. العالم المعروف حتى ذلك الحين تحول إلى شيء مختلف تماماً. فبعد سقوط جدار برلين واختفاء المعسكر الاشتراكي وتفكك اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، بدت نهاية الثورة الكوبية بالنسبة لكثيرين أمراً منطقياً وحتمياً. لكن أولئك الذين اعتقدوا ذلك، سيضطرون للعدول عن رأيهم، حيث أن هافانا مضت قدماً، وهذه قطعة أخرى تضاف إلى هذا اللغز. </p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>نحن الكوبيون نتذكر فترة التسعينيات على أنها مرحلة صعبة جداً من حياتنا. فأمام المشهد المعقد في مواجهة السياسة العدائية للولايات المتحدة منذ انتصار الثورة، كان على كوبا أن تعتمد بشكل كبيرعلى المعسكر الاشتراكي من أجل الشروع في مسيرة تطورها، ومن أجل القيام بالتحولات الضرورية في كل من المجالات الاقتصادية والمالية والعلمية والتكنولوجية. الاتحاد السوفيتي ودول اشتراكية أخرى ساهمت في ذلك. التبادل التجاري مع الاتحاد السوفيتي فقط، وصل في الثلاثين سنة الأولى من الثورة وحتى عام 1989 إلى 63٪، لكن الأمور كانت على وشك أن تتغيّر</p>
<p>إغناسيو رامونيت: </p>
<p>سلسلة من الأحداث الكبرى أثارت المخاوف من أن الثورة الكوبية قد لا تستمر لأنه إذا انهارت الصين، وانهار الاتحاد السوفيتي، كما كان متوقعاً بعد سقوط جدار برلين، وإذا كانت الولايات المتحدة عدائية للغاية لدرجة أن تتدخل عسكرياً في بلد مثل بنما، فمن البديهي ألا يعطي المحللون الدوليون في نهاية عام 1989 أملاً كبيراً لجهة استمرار الثورة الكوبية. لكن المعجزة كانت بالمرصاد لكل تلك التوقعات التي لم تتحقق</p>
<p>صوتية فيدل:</p>
<p> إذا ما استيقظنا غداً أو في أي يوم آخر على نبأ نشوب حرب أهلية شاملة في الاتحاد السوفيتي أو حتى اذا استيقظنا على نبأ تفكك الاتحاد السوفيتي، وهو أمر نأمل ألا يحدث أبداً، حتى في هذه الظروف كوبا والثورة الكوبية ستواصلان النضال وستواصلان الصمود</p>
<p>إغناسيو رامونيت: </p>
<p>جوهر الثورة الكوبية هو إرادتها بسيادة واستقلال كوبا، مما يعني أن هذه الثورة لا تدين بهويتها للدبابات السوفيتية.. </p>
<p>الراوي: </p>
<p>لقد بدأت الفترة الحرجة في كوبا قبل عام وخمسة أشهر من زوال الاتحاد السوفيتي، أي منذ أن تم الإعلان عن بداية هذه المرحلة في 29 آب 1990 ، حيث باتت القرارات السوفيتية لا تحتمل بالنسبة لكوبا. على سبيل المثال، فمنذ عام 1991، بدأت العلاقات الاقتصادية للاتحاد السوفيتي مع مجلس التعاضد الاقتصادي للدول الاشتراكية (CAME) تعتمد أسعار السوق العالمية وتتعامل بالعملة الصعبة. كما تم إلغاء اتفاق التعامل بالمقايضة، وانتهت الاتفاقيات التفضيلية التي بموجبها كانت كوبا تشارك في مجلس (CAME). عندها اعتبرت كوبا أن الأزمة قد بدأت. وفي السنوات الثلاث الأولى من ذلك العقد، تدهور إجمالي الناتج المحلي للجزيرة بنسبة 35 ٪ تقريباً وانخفضت الواردات بنسبة 75 ٪. وبدأ الاقتصاد الكوبي يتهاوى</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>نحن في مبنى إحدى مؤسسات الاقتصاد الكوبي ، مركز الدراسات الاقتصادية الكوبية ، الذي حظي بمكانة مرموقة خلال السنوات الأخيرة في كوبا ، أتحدث عن مركز أبحاث الاقتصاد العالمي وهنا سنتحدث مع رجل كان يضطلع بمهمة ... أو بالأحرى مهمتان بالغتا الأهمية في فترة التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفية الثانية ، هوسيه لويس رودريغيز ، عضو ومستشار في مركز أبحاث الاقتصاد العالمي وشغل لعدة سنوات منصب وزير المالية ووزير الاقتصاد في كوبا ، شغلها في أصعب السنوات وأكثرها دراماتيكية لما كان يُعرف بالمرحلة الخاصة أو الفترة الحرجة في زمن السلم في بلدنا. سنتحدث معه عن الوضع خلال سنوات الارتباك الصعب تلك، حيث كان النظام الاشتراكي العالمي ينهار، وكان على كوبا أن تنهض بمجهودها الذاتي..</p>
<p>هوسيه لويس رودريغيز: </p>
<p>السبب الرئيسي في تراجع الاقتصاد الكوبي في ذلك الوقت يكمن في انهيار المعسكر الاشتراكي. ودون أدنى شك، نحن فقدنا بذلك 85٪ من تجارتنا الخارجية واضطرت كوبا عملياً في تلك السنوات إلى إعادة تكوين نفسها من جديد. هذا الوضع كان له بعض المسببات السابقة، فلقد اعترضتنا بالفعل منذ عام 1986 بعض التعقيدات في العلاقات مع الاتحاد السوفيتي الذي كان لا يزال قائماً، وكانت هناك خلافات فيما يتعلق بالأسعار التي كانوا يسددونها مقابل صادراتنا. كان هناك اتفاق منذ عام 1976 يقضي أنه إذا ارتفعت أسعار المنتجات السوفيتية، فيجب أيضاً زيادة أسعارالمنتجات الكوبية التي يتم تصديرها الى هناك، وهذا الاتفاق تم نقضه في عام 1986، حيث قام السوفييت بتخفيض أسعار منتجاتنا لعدة أسباب ساقوها في حينه دون التشاور مع الجانب الكوبي، هذه هي الحقيقة. </p>
<p>وفي صيف عام 1990، اتخذ السوفييت أيضاً قراراً أحادي الجانب، نظراً لوضعهم الاقتصادي، الذي كان خطيراً للغاية في ذلك الوقت، بأن تتم كل المعاملات التجارية الخارجية للاتحاد السوفيتي بأسعار السوق العالمية وبالعملة القابلة للتحويل دون قيود، وألغى بذلك الأسعار التفضيلية لـمجلس التعاضد الاقتصادي التبادلي وآلية المقايضة التي كانت هي عملة التحويل في المجلس المذكور. هذا الأمر أحدث صدمة، فقد خيّب هذا القرار أمل كوبا ولاحقاً شرح فيدل الأمر في المؤتمر الرابع للحزب، حيث أرسل كتاباً إلى غورباتشوف، الذي كان الأمين العام للحزب الشيوعي الشوفييتي في ذلك الوقت، شرح فيه عواقب ذلك القرارعلى كوبا لأنه عملياً يضعنا في نفس الظروف التي نواجهها في السوق العالمية مثل أي دولة نامية أخرى. وفي 29 آب/أغسطس 1990، تم نشر مقال في صحيفة غرانما يشرح مدى التعقيد الذي يشهده الوضع الاقتصادي الدولي وأنه يتعين علينا التكيّف معها من خلال تطبيق سلسلة من التدابير الاستثنائية لما عرف بالمرحلة الخاصة أو الحرجة في زمن السلم</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>عندها ظهر هذا المصطلح ، للمرة الأولى ، كإستراتيجية للمقاومة</p>
<p>هوسيه لويس رودريغيز: </p>
<p>عندها تم الإعلان عن تلك المرحلة بصفتها استراتيجية للمقاومة. في الواقع هناك خطابات سابقة تحدث فيها منذ عام 1989 عن استراتيجية المقاومة الكوبية، وعن مرحلة تصبح فيها كوبا محاصرة من جميع الجهات، وقد سميت بالفترة الحرجة، وهي مرحلة مقاومة داخلية، والجديد في هذه الحالة هو أنها لم تعد استراتيجية عسكرية بل أصبحت إستراتيجية عمل وتضحية لإنقاذ البلاد، ولهذا تم تسميتها "الفترة الحرجة في زمن السلم". ومنذ تلك اللحظة، بدأت عملية اتخاذ الإجراءات بسرعة، من تقنين الوقود، وإعادة سلسلة من المنتجات التي كان يتم بيعها بحرية إلى لائحة البيع المقنن، وتقليص عدد صفحات الصحف والمجلات المطبوعة، وتخفيض الأنشطة الثقافية، وصولاً الى تقنين الكهرباء وما إلى ذلك من إجراءات ملحّة، بحيث كان من الواضح حينها أن البلد مقبل على وضع أكثر تعقيداً . وعلى أي حال، كان الاتحاد السوفيتي، حتى ذلك الوقت، لا يزال قائماً .</p>
<p>الراوي: </p>
<p>وبين 1990 و1991 تراجعت التجارة بين كوبا والاتحاد السوفيتي بنسبة 48٪. .. ومن سجل هذا التبادل التجاري إنخفاضاً بنسبة 94٪ في ظل حكومة بوريس يلتسين في الاتحاد الروسي. وانغمست روسيا في مرحلة الانتقال إلى الرأسمالية حيث تم تطبيق طريقة المعالجة بالصدمات من قبل المحكمة النيوليبرالية الأكثر تشدداً.</p>
<p>هوسيه لويس رودريغيز: </p>
<p>بعد ذلك التاريخ، استمرت المفاوضات، ولو بصعوبة وضبابية ، وبالرغم من ذلك تم الاتفاق على إجراء سلسلة من عمليات الإمداد لكوبا في عام 1991، وخاصة بالوقود.. ولكن كانت كوبا في عام 1989 قد وصلها من الاتحاد السوفيتي ما يعادل ثلاثة عشر ملايين طن من النفط.</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>ثلاثة عشر مليون طن.</p>
<p>هوسيه لويس رودريغيز: </p>
<p>ثلاثة عشر مليون طن وهذا ما سمح لنا، بالتصرف بشكل أراحنا قليلاً حتى أننا استطعنا أن نعيد تصدير كمية محددة تمكنا من توفيرها من خلال التقنين ، وكان ذلك مسموحاً به في الاتفاقات الموقعة من قبلنا، وفي بعض السنوات كان الكمية المدخرة أكبر بفضل ما توفره كوبابكل ما أوتيت من قدرة على التحمل والتقنين من استهلاكها. كان ذلك في عام 1989، وفي عام 1990 تم الاتفاق على عشرة ملايين طن، وفي عام 1991 على ثمانية ملايين طن. بعبارة أخرى، في غضون ما يزيد قليلاً عن عامين، انخفضت إمداداتنا من الوقود بمقدار خمسة ملايين طن. الاقتصاد الكوبي في ذلك الوقت وحتى يومنا هذا الى حد أدنى يحتاج كي يعمل الى حوالي ثمانية ملايين طن من النفط، بينما كنا عملياً عند المستوى الأدنى من تلك الكمية برغم ما وصلنا من النفط عام 1991، وكانت كوبا في تلك الأثناء مستعدة للفترة الحرجة، حيث بدأت بالفعل تشهد بعض التفاوت في مستويات الواردات وعندما كان سيتم التفاوض بشأن ما سيتبع لاحقاً على صعيد العلاقة التجارية مع الاتحاد السوفيتي للعام 1992 ، وإذ انهار الاتحاد السوفيتي في 25 كانون الأول/ديسمبر 1991. وبالتالي اختفى كيان اقتصادي واحد كنا نتعامل معه، وظهر مكانه خمسة عشر كياناً اقتصادياً، هي الجمهوريات السوفيتية الخمس عشرة سابقاً.</p>
<p>الراوي:</p>
<p> إذاً، حتى عام 1989 كانت واردات النفط إلى كوبا تقدر بحوالي ثلاثة عشر مليون طن، وانخفضت إلى 10 ملايين في عام 1990، وإلى ثمانية ملايين في عام 1991، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي انخفضت إلى مليون و200 ألف في عام 1992 وبعد ذلك انتهى النفط السوفييتي.</p>
<p>هوسيه لويس رودريغيز: </p>
<p>اتخذ البلد قرارات مهمة للغاية، في تلك الفترة، فتم تحديث دستور البلاد ليكون من الممكن العمل بموجبه على نطاق أوسع مع الاستثمارالأجنبي، وتم إلغاء احتكار الدولة للتجارة الخارجية، أي أننا حاولنا البدء بالبحث عن مساحات تمكننا من النجاة.</p>
<p>الراوي: </p>
<p>وصلت الأزمة الاقتصادية إلى مستويات قصوى تجلت آثارها على صعيد الاقتصاد الشامل ولكن أيضاً على دخل العائلات حيث كان على العائلات أن تبتكر أكثر الطرق غرابةً للبقاء على قيد الحياة، فمجرد الحصول على الطعام وطهيه والعناية بالأطفال وتأمين لباسهم وأحذيتهم الضرورية جداً وغسل الملابس والعثور على الصابون أو معجون الأسنان، تحولت جميعها إلى تحديات يومية وأعمال بطولية خلال النصف الأول من عقد التسعينيات، يتم الحديث عنها يومياً بين صفوف الشعب بمرارة ولكن بفخر.</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>ريغلا، كيف تدبرت أمرك؟</p>
<p>ريغلا: </p>
<p>كيف تدبرت أمري؟ حسناً، لقد تدبرت أمري ... كان الأمرصعباً للغاية.. تخيلي نفسك مع فتاة تبلغ من العمر عشر سنوات، حافلات المواصلات، لم يكن هناك حافلات نقل للركاب، وكانت التغذية سيئة جداً، سيئة للغاية، أحياناً كنت أبقى لعدة أيام دون طعام ودون أن أطعم الصغيرة لأنه لم يكن هناك أي شيء لإطعامها، كانت الأشياء باهظة الثمن، رطل الزيت كان يبلغ ثمنه مائة بيزو وقطعة صابون واحدة كانت تساوي أربعين أوستين بيزوس ورطلا واحداً من الأرز كان يكلف كثيراً، كان باهظ الثمن، حسناً وبما أني كنت اتقاضى 108 بيزو فلم أستطع مجاراة ذلك الوضع.</p>
<p>السيدة 1: </p>
<p>المرحلة الخاصة... أستحضرها كمرحلة من الشح والعمل و السعي الشاق ، لكني أتذكرها أيضاً كمرحلة تركت بصمة في مرحلة شبابي بحب كبير لأننا كنا جيلاً ، رغم كل المعوقات ، رغم كل الصعوبات التي كنا نواجهها ذلك الوقت ، على الرغم من أنه كان لدينا ومضات من التيار الكهربائي ولا أقول انقطاعات طويلة لخدمة الكهرباء ، و كنا نغادر المنزل للعمل بدون كهرباء ومن ثم العودة إلى المنزل لمواجهة كل الصعاب، كأم ، وكربة منزل أيضاً بالإضافة إلى كوني موظفة.. أذكرها بكثير من الحب لأن جميع رفيقاتي كنَّ يعانين من الوضع نفسه، كنَّ يواجهنَ نفس الحالة مثلي ومثل كل السيدات ... حتى أننا كنا جميعاً في نفس الوقت نقوم بدراسة الاختصاص وكان هدف كل من كان يعمل في ذلك الوقت هو الاستمرار بالعمل ، العمل دون الالتفات إلى الخلف ، دون أن ننتبه بالكاد لما كان يحدث من حولنا .. فقط العمل والمضي قدماً ، المضي قدماً في الحياة في محاولة لتجاوز تلك المرحلة الصعبة ولكن بتجارب إنسانية جميلة.</p>
<p>ريغلا: </p>
<p>حسناً، لقد تحمل الناس كل ذلك بفضل إيمانهم بفيدل وبالثورة، ومن لم يستطع التحمل، حسناً، فقد رحل، وهنا بقي من قرر البقاء، نحن الثوريون بقينا هنا نقاوم ونمضي قدماً بهذه الثورة.</p>
<p>السيدة 1: </p>
<p>كان هناك الكثير من الحس التضامني بين الجيران من سكان الأحياء، وبعض السكان كانوا يقطنون بعيداً عن العيادة التي كنت أعمل فيها، وأحياناً لم يكن لدينا ماء فكان علينا وضع خابيتين على جانبي ظهر حمار وكنا نذهب إلى نهر قريب من هنا ... لم يعلمني أحد من قبل كل ذلك، فقد تعلمته هناك، كنت أملأ الماء في وعاءين وأنقله إلى المنزل لكي أستطيع الطهي والقيام بالأعمال المنزلية ، ولكن حسناً .. كنت أفعل ذلك.. أجل كان يسود هناك الكثير من التضامن الانساني بين الفلاحين ، ولم ينقصني الشيء الكثير لأنهم كانوا يحضرون لي كل شيء مما كانوا يزرعونه ويحصدونه.</p>
<p>ريغلا: </p>
<p>لقد حظيت بالعديد من الأشخاص الذين كانوا يساعدوني: كنت أعمل وأعتني بابنتي فابنتي كانت في المدرسة. كان الأمر صعباً بالنسبة لي فابنتي قدمها كبيرة جداً، لذلك لم أكن أجد حذاءً يصلح لها في أي مكان، وكان هذا أحد الأمور التي كان تعذبني لأنني كنت اضطر دائماً للخروج والسير لفترة طويلة وبعد كثير من البحث أعود بلا حذاء لابنتي، وكان عليها أن تذهب إلى المدرسة منتعلةً حذاء قديم جداً نصف مهترئ. لقد كانت سنوات صعبة للغاية، صعبة بشكل يفوق التصور، ولكن كان يحذوني الأمل بأننا سوف نتجاوز هذا الوضع يوماً ما.</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>باختصار كانت الإستراتيجية في المرحلة الخاصة عمادها المقاومة.. مقاومة الصعوبات الناجمة عن الحصار المزدوج بأقل تكلفة اجتماعية ممكنة، على عكس الواقع الذي ساد في أماكن أخرى من القارة حيث تم تطبيق إجراءات نيوليبرالية ذات تكلفة اجتماعية عالية جداً بسبب الخصخصة وغيرها... ففي كوبا لم يتم خصخصة أي خدمة عامة تقدم للشعب، ولم يتم خصخصة المؤسسات الإنتاجية، كما تم الحفاظ على الأجور حتى تلك اللحظة وكذلك كل وسائل الحماية الاجتماعية في الجزيرة. تم الحفاظ على المعاشات التقاعدية، وسلة المواد الغذائية الأساسية، والتربية والتعليم والصحة بشكل مجاني وشامل لجميع المواطنين، بالإضافة إلى تهيئة الظروف لتحفيز الاستثمار الأجنبي، وتوسيع الأسواق، والبدء بتداول الدولار والعملات الصعبة الأخرى داخلياً.</p>
<p>صوتية فيدل:</p>
<p>ولكن في بلدنا، الكل يهتم بالسياسة ولديه وعي سياسي عالِ ويهتم بالمشاكل من حوله، ويسجل مواقفه بالتدابير التي تتخذها الدولة للخروج من المرحلة الخاصة، من خلال النقاشات المفتوحة مع كل المواطنين. لا نكتفي بالقول، حسناً لدينا فكرة معينة وسوف نعتمد هذه الفكرة، بل تتم مناقشتها مع الناس، ثم نناقشها في البرلمان، ثم نناقشها مرة أخرى مع الناس ونسعى للحصول على إجماع شعبي عليها. أعتقد أن هذا الأمر يفسر معجزة بقاء كوبا، ، وأن كوبا لا زالت موجودة، بعد خمس سنوات من انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي (تصفيق).</p>
<p>هوسيه لويس رودريغيز: </p>
<p>هنا، يوضح فيدل، في الخطاب الذي ألقاه في 26 تموز/يوليو 1993، اعتماد الإجراءات التي تفضي إلى تغييرات في علاقات الملكية.. كان لا بد من القيام بذلك وقد تم القيام به. ومن أهم التدابير هو إجازة تشكيل التعاونيات في مجال الملكية الزراعية. حينها تقرر تحويل أكبر قدر ممكن من الأراضي الزراعية إلى تعاونيات، وتقليص ملكية الدولة إلى 33٪ تقريباً ، ورفع نسبة التعاونيات إلى 52٪ على أن تبقى الملكية الخاصة بنفس المستوى الذي كانت عليه سابقاً. إنه تغييركلي. فقد تم تشجيع الاستثمار الأجنبي بزخم أكبر. ومنذ عام 1989، تحدث فيدل، في افتتاح أول الفنادق ذات الملكية المختلطة، عن الدور الذي يجب أن يلعبه الاستثمار الأجنبي في تطوير السياحة . </p>
<p>هذا قطاع آخر لم يكن حتى عام 1986 ذو فعالية كبيرة في كوبا، ليس لأننا لم نكن لنرغب في ذلك، بل لأننا كنا نحتاط من المخاطر التي تنجم عن السياحة عامة، لا سيما المخاطر الصحية، والمخاطر السياسية، بحسب اعتقادنا، أو المخاطر الاجتماعية-السياسية مثل انتشار الموبقات كالدعارة والمخدرات، والتي علمنا أنها حتماً ستدخل البلاد في حال فتح الباب للسياحة.. في عام 1992 وصل عدد السواح إلى ثلاثمائة ألف سائح وكان يجب علينا أن نواصل تحفيز تلك السياسة التي تم إقرارها وإطلاقها منذ عام 1986 للحفاظ على بقائنا على قيد الحياة انطلاقاً مما كان متوقعاً للمرحلة الخاصة.</p>
<p>ولكي نوجز قليلاً ، إن الانتعاش المنشود وعملية العودة إلى نقطة البداية مرة أخرى، أي استعادة المستوى العام الذي سُجّل في عام 1989 قد استغرق مدة زمنية استمرت حتى عام 2004: أي أننا استغرقنا خمسة عشر عاماً كي نعود إلى نقطة البداية، وهذا يعطينا فكرة عما خلفته المرحلة الخاصة، فقد أهدرت خمسة عشر عاماً من مسيرة تنمية البلاد. حسناً، المهم أن البطولة تكمن في أننا تمكنا من الخروج من هذا الموقف من خلال إجراءات غير تقليدية ولكن ضمن مبادئ محددة. وفي القناعة الشائعة شعبياً، يُنظر إلى فيدل على أنه صاحب رؤية. أعتقد أن أساس تلك الرؤية هو قدرة فيدل الهائلة على التعلم. وبدون أدنى شك، إن ما تم تحقيقه في تلك السنوات، كان إنجازاً بطولياً ، بالإضافة إلى أن فيدل لم يشعر في أي لحظة بالصدمة من كل يحصل، فقد أعد نفسه جيداً لأزمة المرحلة الخاصة، لا شك لدي في ذلك.</p>
<p>صوتية فيدل</p>
<p>نحن لا نتنازل ولن نتخلى عن تطلعاتنا مهما كانت الانفتاحات والإصلاحات التي نضطر للقيام بها، لأن الأمر الأكثر أهمية هو بإسم منْ تُحكم البلاد ، والمهم هو أن تكون السلطة بيد الشعب. وكما قررنا في بلدنا، إذا انفتحنا وقمنا بإصلاحات لا مفر منها ، فذلك ليس فقط لتحسين نظامنا بل أيضاً لمواجهة التحديات الحالية، وسنواصل الدفاع بثبات عن تطلعاتنا وأهدافنا حتى لو جرت معاقبتنا على ذلك. لقد ثبت أن كل ما فعلناه مع شعبنا، ومن أجل شعبنا، يراه البعض اختناقاً، أو عقاباً، بينما نحن نفهمه بشكل مختلف، إنه دافع للنضال ودافع للمقاومة ودافع لتحقيق النصر .</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>في التسعينيات من القرن العشرين، ولأول مرة في تاريخها، على الأقل منذ عام 1510، كان على كوبا أن تعتمد على نفسها تماماً. خلال ما يقرب من أربعة قرون كانت مستعمرة لإسبانيا، ومنذ عام 1898 أصبحت مستعمرة جديدة للولايات المتحدة، واضطرت الثورة الكوبية منذ عام 1959 إلى الدخول في النظام الاقتصادي للمعسكر الاشتراكي بسبب العداء الذي بلغ حد الهوس لدى الولايات المتحدة ومحيطها. وفجأة وجب عليها أن تندمج في الاقتصاد الدولي في ظل ظروف جديدة لتصبح الأزمة بحد ذاتها فرصة للتحول والتغيير.</p>
<p>كان فيدل دائماً في قلب السياسات الاقتصادية التي يتم تنفيذها دون إهمال المهام الأخرى التي كان يشغلها كرئيس للدولة والحكومة وكان دائماً واضحاً جداً قبل أن يقول إنه يجب تقديم تنازلات معينة حتى يتمكن اقتصاد البلاد من الصمود. كان كذلك أيضاً عندما قال إن هذه التنازلات لا يمكن أن تؤثر أبداً على المبادئ الأساسية للثورة وبأن السيادة الوطنية غير خاضعة أطلاقاً وأبداً للتفاوض.</p>
<p>الراوي: </p>
<p>على الرغم من أن العالم كله قد تغير، إلاّ أن سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا لم تتغير، وإذا كان هناك من تغيير ما فكان مزيد من العداء ضد الدولة الكاريبية. شكّلت الجالية الكوبية في ميامي "لوبي" صاخبا ًوفعالاً قائماً على غرار النموذج الإسرائيلي، بحيث كان يدفع ولا يزال مبالغ كبيرة إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي لضمان استمرار الحصار على كوبا. في الواقع، فإن قانون "هيلمز- بورتون" لعام 1996، الذي تم إقراره تحت إدارة ويليام كلينتون، شدد الحصار حيث أقرّ مصادرة أصول أي شركة أو فرد، حتى من دولة ثالثة تقيم أية علاقة تجارية مع شركة كوبية، تم بناؤها على ممتلكات أمريكية سبق أن جرى تأميمها في كوبا في الستينيات. القانون تسبب بمشاكل كبيرة ليس فقط مع المكسيك أو كندا، أكبر شريكين تجاريين لكوبا منذ عام 1990، ولكن أيضاً مع الاتحاد الأوروبي.</p>
<p>ريكاردو ألاركون: </p>
<p>الرئيس كلينتون سوف يدخل التاريخ أو لقد دخل التاريخ بالفعل، ربما كواحد من أكثر البشر تناقضاً وعدم إتساقاً، فخلال إدارته ، كان الحصار مفروضاً على كوبا منذ قبل وصوله الى السلطة، وقد قام بتطبيقه كما فعل ليبراليون أمريكيون آخرون بدرجة معينة من المرونة تسمح بالسفر وتسمح بالقيام ببعض الأمور بين البلدين ولكن في نفس الوقت كان هو الشخص المسؤول أو أحد المسؤولين عن بلوغ الحصار مرحلته الأشد وهي المرحلة الحالية ،و ذلك عبر تطبيق قانون هيلمز - بورتون الذي أقره هو ووافق عليه، متخلياً بذلك عن احدى صلاحياته الدستورية التي يتمتع بها عادة رؤساء الولايات المتحدة ألا هي رسم وتحديد السياسة الخارجية والتي لازالوا يطبقونها تجاه كل الأمور باستثناء كل ما يتعلق بكوبا. وبحسب هذا القانون ، لا يمكن أن يكون هناك حل بين البلدين، ولن يكون هناك حل ، حتى تعود كوبا إلى ما كانت عليه في الماضي.</p>
<p>لقد تم التأكيد عليه بكل الطرق وتم تكراره حتى يفهمه الجميع، فهو قانون فريد من نوعه، لا يوجد قانون آخر يشبهه، ولم يطرح على مر التاريخ قانون في دولة، لينظم ويحدد مستقبل دولة أخرى.. هذا هو قانون هيلمز-بورتون. على الرغم من كونها الضحية واضطرارها لمواجهة وضع فريد من نوعه كالوضع الذي شرحته سابقاً، كانت كوبا دائماً على استعداد لأن تقيم علاقات مع الولايات المتحدة، هكذا وبكل بساطة ... لاحظي كيف أنه في حالة كوبا، لا يمكن أن يكون الأمر أكثر بساطة من هذا، مستعدة لذلك فقط على أساس الاحترام المتبادل والاعتراف بمساواة الحقوق مع الآخر. لم تسعَ كوبا أبداً على مدى تاريخها لاحتلال أي جزء من الولايات المتحدة، أو الاستيلاء عليها، أو تقرير مصير دولة أمريكا الشمالية. هذا سخيف ولايمكن أن يخطر ببال أحد ولا حتى ببال أي أحمق في هذه البلاد .</p>
<p>الواقع كان مغايراً، وعلى الرغم من ذلك، فقد بذلت كوبا طوال هذه السنوات الستين كل ما في وسعها بشكل إنساني، من أجل إقامة علاقة الاحترام المتبادل مع الولايات المتحدة. قالها أوكتافيو باز، الشاعر المكسيكي العظيم، الحائز على جائزة نوبل في الأداب.. قال إن سياسة أمريكا الشمالية تعرّف بكلمتين: الجهل والغطرسة، عندما تجمع بين الاثنين عليك أن تختبئ، لأن غطرسة لا حدود لها كغطرسة أمريكا الشمالية مع جهل غير محدود يمكن أن يؤدي الى حدوث ما هو الأسوأ.</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>نتيجة للأزمة الاقتصادية الحادة التي عانت منها كوبا في تسعينيات القرن الماضي، حدثت في عام 1994 أزمة الزوارق، وهي إحدى أزمات الهجرة العديدة بين كوبا والولايات المتحدة والتي أجبرت الحكومة الأمريكية على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع كوبا. كانت حلقة أخرى في معركة طويلة سعت فيها كوبا إلى تنظيم الهجرة بينما سعت الولايات المتحدة لاستعمالها كورقة ضغط على الجزيرة. قبل ذلك، في عام 1980 حدث ما عرف بأزمة "شاطيء ماريال" والهجرة الجماعية الأولى عبر كاماريوكا، عبرهذه الشواطئ التي نراها الآن في محافظة ماتانساس، حدث نزوح كاماريوكا. كانت الهجرة لا تزال عاملاً من عوامل الصراع بين البلدين، فبينما حاولت الولايات المتحدة استخدامه كأداة ضغط سياسي ضد الثورة الكوبية، دافعت الدولة الثورية عن هجرة منظمة وآمنة، لا سيما في محاولتها لإقامة علاقة طبيعية وعادية مع المهاجرين الكوبيين إلى مختلف أنحاء العالم.</p>
<p>غراسييلا راميريز: </p>
<p>حسناً، اسمعي، لقد وصلت في 5 آب/أغسطس عام 1994، وأتذكر أنه كان يوم الجمعة. رأيت تجمهراً صاخباً من حولي، لا أعرف كم كان عدد الأشخاص في الشارع ظهيرة يوم الجمعة، حسناً، ظننت أنه بسبب الجو الحار في هافانا كما هو الحال دائماً، وكنا في فصل . وصلت إلى لاوتون. استقبلتني حماتي المحبة بانفعال بالغ، لكنني رأيت أنها كانت أكثر انفعالاً من المعتاد؛ بدأت أرتب حقائبي في غرفة صغيرة كانوا قد أعدوها لي وخلال ذلك عندما عدت إلى غرفة الإستقبال، حيث كان يوجد جهاز تلفزيون وحيد في المنزل، وكان الجميع في تلك اللحظة متسمراً أمام الشاشة ولم أفهم ماذا كان يحدث، ققالت حماتي بأسى، هل تصدقين، بعض المعادين للثورة خرجوا إلى الشوارع ضد فيدل وبدأت بالبكاء بحرقة وبألم.</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>في 5 آب/أغسطس 1994 التقينا في هذه النقطة التي لا تشبه على الإطلاق ما هي عليه اليوم، أصبح فيها فندقان رائعان ولكن ما حدث في 5 آب/أغسطس 1994 هو أن كل أنظار العالم قد تركزت نحو هذه الزاوية.</p>
<p>إيرويل سانشيز: </p>
<p>كانت كوبا تمر بأشد أزمة اقتصادية بعد عام 1959 وحسناً ، من المنطقي، في ظل أزمة اقتصادية حادة، أن نرى الكثير من الأشخاص غير المرتبطين بالسياسة ويريدون أن يهاجروا، أليس كذلك؟ حسناً، ولكن بدأ تحفيزهم أيضاً، وسبق أن حصل أن أشخاصاً ممن ارتكبوا الجرائم في كوبا واختطفوا الزوارق، حتى أنهم عند اختطافهم لتلك الزوارق قاموا بقتل طواقمها.. أي اختطفوها ووصلوا إلى فلوريدا على متنها كالأبطال، أليس كذلك؟ حسناً، بدأوا في حث الناس على القدوم إلى هذه المنطقة، وهي منطقة الميناء، أو الأقرب إلى الميناء، حيث يفترض أن تأتي سفن من الولايات المتحدة، أو يفترض أن طواقم البحارة ستقوم بخطف الزوارق والفرار بها محنلين أشخاصاً على متنها.. وهكذا خلقوا حالة من حمى الهجرة لدى كثير من الناس وبدأ بعض المحرضين بارتكاب أعمال تخريب ضد واجهات المحلات وضد مؤسسات الدولة هنا في هذه المنطقة.</p>
<p>آرلين رودريغيز: </p>
<p>انتشر الخبر في جميع أنحاء العالم، وقبل أن الثورة الكوبية انتهت، حتى أن البعض أعطى البلد دقائق للسقوط ... قالوا إن الثورة كانت ستنتهي بعد ظهر ذلك اليوم ، ولكننا التقينا هنا بفيدل كاسترو... عندما ظهر فيدل كاسترو، كانت كل هذه المنطقة بحالة غليان.</p>
<p>إيرويل سانشيز: </p>
<p>كانت تعج بالناس، كتلة بشرية كبيرة، وفي تلك اللحظة انتشر الخبر بأن فيدل قد وصل وبدأنا نتحرك، بدأ العديد منا في التحرك نحو مصدر الخطر، ثم نتجه نزولاً إلى هناك باتجاه "برادو" وبدأنا نرى حيث كان يسير فيدل، وكانت هناك سيارات الجيب المعروفة في كوبا والتي لم تكن مجزة بالأسلحة ، ولكن فيدل نزل وراح يمشي وسط الحشود فتحول المشهد من حالة من الفوضى إلى حفل موسيقي ينشد ويردد "يحيا فيدل!!". في وسط الحشود، أنا واحد من أولئك الذين تمكنوا من الوصول إلى نفس المسافة التي تفصل بيني وبينك الآن، أي شخص كان يمكن أن يصل الى حيث فيدل، ولو ألقى فقط بزجاجة مولوتوف أو عبوة حارقة على إحدى سيارات الجيب .. كان يمكن لأي شخص أن يصاب، أي شخص كان يمكن أن يرميه بحجر، كانت دقائق طويلة قبل وصوله، وعلى الرغم من ذلك كان مشهد خيّم عليه الإجماع التام ردد فيه الجميع: يحيا فيدل".</p>
<p>غراسييلا راميريز. </p>
<p>حسناً، لقد جئت من مكان ، عند أول مظاهرة يصدونها من على صهوات الخيول ويرمونها بخمسين قنبلة غاز مسيل للدموع ويضربونك بالعصي ولكن أول ما رأيته هنا هو أن رجال الشرطة هم من أصيبوا وهممن اقتلعت إحدى عينيهم.</p>
<p>إيرويل سانشيز: </p>
<p>تلك الفكرة التي انتشرت بأن الثورة آيلة للسقوط في ذلك الوقت، قد افتقرت إلى عاملين إثنين فقط: العامل الأول هو الشعب والعامل الثاني هو فيدل.</p>
<p>غراسييلا راميريز: </p>
<p>لم أكن أدري ماذا على أن أفعل لأشرح حقيقة ما يجري الى خارج كوبا، في ذلك الوقت لم يكن هناك سوى وسيلة الفاكس وكان إرسال الفاكس مكلفاً للغاية، وكان عليّ المجيء بالسيارة إلى فندق "هافانا ليبري" لإرساله، باختصار، كنت أكتب رسائل طويلة جداً وأرسلها بالبريد لكنها كانت تصل بعد شهر، وكنت أكتب فقط لكي اوضح أن ما من حرب أهلية هنا.. كنت أعيش في حي حيث يعمل جميع سكانه، يستيقظون باكراً ويأكلون القليل مما تيسر بسبب الحصار، ولطالما عانينا خلال ساعات طويلة من انقطاع التيار الكهربائي، وكنا نصفق عندما كان يعود التيار الكهربائي، كنا نسهر على ضوء مصباح الكاز وعبر الراديو كنت أستمع ليلاً للمسلسلات. أتذكر تلك السنوات التي كنت أتوق فيها كثيراً ، كما كنت أخبر زملائي و زميلاتي، أن أكثر ما كنت أتوق إليه هو تناول فطيرة البطاطس والخبز مع الزبدة وقهوتي مع الحليب التي أحبها كثيراً .. ومع ذلك كنت أقول أيضاً أن لدي كل شيء ، خاصة لدي المثل الأعلى ، وكمنت عندما أقول ذلك، أفكر بما قاله فيدل : أننا هنا حتى لو اضطررنا للكتابة على ورق الأكياس ، فلن يبقى طفل بدون مدرسة ولا مدرسة بدون تلامذتها ؛ وكنت أرى المعلمات كيف كن يرسمن السطور على الدفاتر غير المسطّرة وكيف كن يقمن بلصقها في حال توفرت مادة الغراء وإذا لم تتوفر، كن يقمن بخياطة الأوراق بالقليل المتبقي من الخيوط التي لديهن حتى لا يبقى أي طفل دون أي شيء يكتب عليه فروضه. لقد كنت شاهدة على تلك المقاومة فوق العادة التي انتميت إليها بقرار سياسي غير مباشر وبدافع الحب.</p>
<p>الراوي: </p>
<p>إحدى الحالات التي تصدرت عناوين الصحف في أواخر التسعينيات كانت قضية طفل أخرجته والدته بشكل غير قانوني من كوبا على متن زورق لقي جميع ركابه حتفهم في البحر باستثناء ذاك الطفل الصغير. فرفض أقاربه في ميامي، أعمامه وأبناء عمومته وغيرهم، بتشجيع من المافيا الكوبية الأمريكية في فلوريدا، رفضوا إعادة الصغير إلى والده الذي لم يكن على علم بأن والدته ستغادر ومعها إبنه، وكان يطالب به من كوبا، وقد دعمه في ذلك ملايين الكوبيين الذين تمكنوا في النهاية من إعادة الطفل إليان غونزاليس إلى أبيه وبيته.</p>
<p>غراسييلا راميريز: </p>
<p>كان لاختطاف إليان تأثير سياسي وعاطفي عميق على الناس.</p>
<p>ريكاردو ألاركون: </p>
<p>في تلك المعركة من أجل عودة إليان، تجلى التضامن الجارف بأبهى حلة وأيضاً التفهم الذي يمكن أن يجده المرء في شعب الولايات المتحدة. نحن نعتبر أننا حظينا في معركة عودة الطفل إليان دائماً بدعم وتفهم الشعب الأمريكي.</p>
<p>غراسيلا راميريز: </p>
<p>كتب لي الكثير من الناس يسألونني عما كان يحدث، وما الذي كان يجري، ما هو الوضع وكيف يمكن للناس أن يتجمهروا بهذه الأعداد الضخمة.</p>
<p>ريكاردو ألاركون: </p>
<p>في هذه القضية برز شيء مهم للغاية وهو أن الحكومة أيضاً التي كان يرأسها آنذاك بيل كلينتون، اتخذت موقفاً مؤيداً لما ينص عليه القانون الأمريكي، وهو أن الطفل الذي توفيت والدته يجب أن يبقى مع والده، أي أميركي يفهم ذلك بالإضافة إلى أن الغالبية العظمى من كبرى الصحف الأمريكية كانت تتفق معنا في هذه القضية. وهذا يعني أن هذه القضية ربما كانت أكبر هزيمة تعرضت لها مافيا دعاة الانضمام الى الولايات المتحدة التابعة لباتيستا في ميامي.</p>
<p>غراسييلا راميريز: </p>
<p>تلك المعركة من أجل عودة إليان، لن أنساها، وكيف كان الشعب يرفع الأعلام الصغيرة المصنوعة من الورق، وكنت أقول، ، يا للروعة، أنظروا كيف هذا البلد ليس لديه أي شيء ولكن لدينا هذا النوع من الأعلام والكل كان يخرج إلى الشارع حاملاً علمه.</p>
<p>ريكاردو ألاركون: </p>
<p>شعبنا كان موحداً .. موحداً بقوة... في حراك شعبي وتظاهرات مستمرة، أتذكر تلك المسيرات وكل ما حدث وكيف انعكس هناك في الشمال وساعد على تحفيز تضامن الشعب الأمريكي مع كوبا في ما يخص تلك القضية.</p>
<p>أرلين رودريغيز: </p>
<p>لقد مر النصف الأول من التسعينيات الذي اتسم بالأزمة الاقتصادية الحادة وبتدهور مستوى معيشة الكوبيين بعد سقوط الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية. وفي عام 1997 عاد تشي غيفارا إلى كوبا، جاء لتعزيز صمود ومقاومة أولئك بقيوا في الجزيرة ليحافظوا على الثورة رغم كل الصعاب.</p>
<p>ماريا ديل كارمن أرييت: </p>
<p>كل ذلك خلق انطباعاً قوياً جداً أقوى من أن يُواجه، كيف لنا أن نستوعب، حسناً، تلك الصورة الجميلة لذاك الرجل الذي لطالما أثر بنا وقد تحول هكذا، هذا الأمر أثارعواطفنا ولكن في نفس الوقت طمأننا بأننا أكملنا المهمة، إيجاد رفاة من يستحق أن نعثر عليه والتضحية من أجل جمع رفات من أعطى أقصى ما يمكنه ولذلك فيدل بنفسه دعانا فيما بعد قائلاً: أنتم فصيل الدعم، فكان التعبير الأسمى لأنه في ذلك الحين وعندما ظهرت الرفات كانت الصحافة الكاذبة تقول لنا أنه عندما تظهر رفات تشي فسنغادر نحن الكوبيين البلاد. لقد قلت كثيراً لأنني كمؤرخة ، الكل يطرح الأسئلة فقلت، لن نغادر طالما تركتمونا هنا، سنحاول العثور على جميع الرفات وهذا ما حدث بالفعل. لم تظهر جميعها بسبب الطريقة التي دفنوها بها ولأنه من المعروف أيضاً أن البعض كان من الصعب أن يظهروا ولكننا بذلنا قصارى جهدنا للعثور عليها جميعها وكان ذلك اليوم هو الذروة الحقيقية التي حققنا فيها المهمة الموكلة إلينا، المهمة المعطاة لأشخاص ولدوا تقريباً مع الثورة والذين قاموا بتنشئتنا وبأننا اتممنا بالفعل واجبنا تجاه الوطن وأيضاً لأننا ثوار ومتفانين بشكل كاملفي سبيل القضية الأعظم وهي أن نضحي بأرواحنا من أجل الأممية.</p>
<p>كان هذا هو الحال وبدون عبارات منمقة، جميعنا خبرنا ذلك ... لا أحد منا سينسى ذلك الأثر. عندما تم ترتيب هذه الرفات ليتم تجميعها ونقلها إلى سانتا كروز للتعرف عليها، فجأة وقفنا جميعاً باستعداد حتى يتم إخراج تلك الرفات للتعرف عليها وكان هذا هو التكريم المصغر الذي قدمته هذه المجموعة الصغيرة من الكوبيين والأرجنتينيين لأول مرة أمام رفات تشي. لم تكن هناك حاجة لأي شعارات، ولم يكن هناك من داعي لإخبارنا كيف كان علينا أن نتصرف لأن الأمر استحوذ علينا أساساً، ولأننا أيضاً كنا فخورين بإنجاز هذه المهمة.</p>
<p>أرلين رودريغيز:</p>
<p> تم العثور على رفات تشي بعد ثلاثين عاماً تقريباً على استشهاده، في 12 تموز/يوليو 1997 ليلاً، وصل إلى كوبا الصندوق الذي كان يحوي على رفات تشي ورفات ستة من رفاقه الذين سقطوا معه في بوليفيا. في السابع عشر من نفس ذلك الشهر وذاك العام، تم إقامة هذا النصب التذكاري الضخم في سانتا كلارا، حيث استقرت رفات تشي بشكل نهائي في ما يُعرف باسم فصيل الدعم الخاص به.</p>
<p>أليدا غيفارا: </p>
<p>أطفال كوبا كرواد وكشافة يقولون سوف نكون مثلما كان تشي وأنت تراهم يشعرون بذلك، أجمل الأشياء التي تلقيتها في حياتي تلقيتها مع الأطفال الكوبيين. أتذكر ذات يوم أنني ذهبت إلى مدرسة للفنون في غوانتانامو، أليس كذلك؟ كل محافظة كما تعلم ولديها مدرستها وفي ذلك اليوم كنت هناك وذهبنا إلى مدرسة الفنون وأتذكر أن فتاة صغيرة، كانت فتاة صغيرة، سمراء، نحيلة، في أوج المرحلة الخاصة في هذا البلد، أنت تعرفين كم كان صعباً علينا تجاوز تلك المرحلة، وتأتي تلك الفتاة بقلمي رصاص لونهما أصفر ولهما ممحاة وتأتي لتهديني إياهما وأنا أقول، بنيتي أنت بحاجة لهما أكثر مني وهي تقول لا ترفضيهما فأنا لا أملك شيئاً آخر لأهديك إياه. طفلة صغيرة أرادت أن تهديني شيئاً لأنني ابنة تشي</p>
<p>وهذا يجعلك ملتزماً للأبد تجاه أهلك لأنه بطريقة ما عليك حماية تلك الطفولة الجميلة جداً. عندما يكون الطفل قادراً على تقدير رجل لم يلتق به ولكنه يعرفه من خلال صفحات الكتب ومن قصص أقاربه ويحبونه بشغف كبير لدرجة أنهم قادرون على إعطاء شيء لابنة ذلك الرجل، إذن يجب عليك حماية تلك الطفولة، هؤلاء الأطفال رائعون لأنهم يحملون تلك البذرة بداخلهم. قال هوسيه مارتيه، عندما يكون الإنسان قادراً على رؤية فضائل رجل آخر، فهذا لأنه يتمتع بتلك الفضائل.</p>
<p>إغناسيو رامونيت: </p>
<p>ما لا يفهمه كثير من الناس هو أن التجربة الكوبية هي تجربة تقوم على المبادئ وهذه المبادئ تتجاوز ضيق الأيديولوجيا أو العقيدة السياسية. بقيت الثورة الكوبية حية، لاستخدام استعارة معروفة، شعلة، لنقل، شعلة التحرير، شعلة الاستقلال الثاني، شعلة البوليفارية، إلى حد ما، مشروع توحيد أمريكا اللاتينية وبكل بساطة شعلة كرامة أمريكا اللاتينية. وبمعجزة، ولكن ربما نستطيع تحليل المعجزة انطلاقاً من سنوات ... في نهاية التسعينيات ينقلب الوضع</p>
<p>أرلين رودريغيز:</p>
<p> الروح التحررية لتشي بذاتها هبت بقوة على القارة مع حلول الألفية الجديدة. أمريكا اللاتينية التي أدارت ظهرها لكوبا عندما قررت بناء نظام اشتراكي في النصف الغربي للكرة الأرضية، ، باستثناء المكسيك، ستعيش سنوات من ازدهار الأفكار الأكثر تقدمية في العالم بقيادة رجال ونساء يستمدون الإلهام من أبطال الاستقلال في القارة الأمريكية. </p>
<p> </p>
<p> </p>