بيار مكرزل - أستاذ جامعي

من القرون الوسطى إلى عصر الإفرنج والمماليك.. حديث في التاريخ مع الأستاذ الجامعي بيار مكرزل.

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أهلاً بكم في برنامج Vodcast.</p> <p>ضيفنا اليوم هو الدكتور بيار مكرزل.</p> <p>بيار مكرزل أستاذ جامعي مُتخصّص في تاريخ المماليك وفي العلاقات بين أوروبا والشرق في القرون الوسطى وفي تاريخ لبنان في القرون الوسطى.</p> <p>حائِز &nbsp;شهادة دكتوراه في التاريخ من جامعة بواتييه في فرنسا.&nbsp;</p> <p>هو باحِث مُتعاقِد في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا.</p> <p>عضو في المُختبر البَحْثي لمركز الدراسات العليا لحضارات القرون الوسطى في جامعة بواتييه منذ عام 2022.</p> <p>نائب رئيس الجمعية اللبنانية التاريخية منذ عام 2023.</p> <p>حائز &nbsp;وسام المُؤرّخ العربي عام 2023.</p> <p>عضو في اتحاد المُؤرَخين العرب في بغداد.</p> <p>دكتور مكرزل، هذا كثير.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: أشكرك على المُقدّمة. شكرًا جزيلاً على هذه المُقدّمة أستاذ غسان.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ما الذي أخذك إلى القرون الوسطى؟ لماذا ذهبت إلى التخصّص في القرون الوسطى؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لأنها مرحلة مهمّة جدًا، هناك قسم كبير منها له علاقة بلبنان لم يكن مدروسًا بعد، فكنت أنا من الأوائل استطعت الدخول إلى أرشيف المدن الأوروبية، خاصة في إيطاليا، في البندقية، فلورنسا، في إسبانيا، في برشلونة، وفي جنوب فرنسا، في مرسيليا، فاستطعت أن أُغطّي قسمًا من النَقْص في تاريخ هذه المنطقة، ولبنان تحديدًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: نعم، يُقال وهذا أمر يذكره المُؤرّخون، أنّ أوروبا في القرون الوسطى أو في العصور الوسطى كانت غارِقة في الظلام. هل هذا صحيح أولاً؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صحيح، إلى حُقْبةٍ محدودةٍ جدًا، بمعنى لدينا منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية في الغرب سنة 476، حتى القرن الثامن ميلادي، نعم، كانت مرحلة بالفعل ينطبق عليها القول، عصر الظُلُمات، لأنه قامت بدل الإمبراطورية الرومانية في الغرب 5 ممالك من قبائل الجِرمان، وهذه القبائل كلها كانت تتقاتل مع بعضها البعض. سنقطع مرحلة من الهدوء والاستقرار في فترة الحُكم الشارلماني، الملك الشهير الذي أصبح إمبراطورًا. بعد شارلمان ستعود الأوضاع لتتراجع قليلاً في أوروبا، إلى القرن العاشر. مع القرن العاشر، ستعود أوروبا تنطلق من جديدٍ، لأنه ستحصل غزوات جديدة لأوروبا، الفايكينغ من الشمال اجتاحوها، المسلمون من الجنوب، أي من شمال إفريقيا اجتاحوا جنوب إيطاليا ومن الأندلس دخلوا إلى جنوب فرنسا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لذلك درست في بواتييه؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، بواتييه فيها مركز.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: فيها معركة بلاط الشهداء.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: فمنذ القرن العاشر، أوروبا، لأنه عندما انتهت من هذه الغزوات، بدأت مرحلة جديدة، وكانت مرحلة من التقدُّم والتطوُّر، هذه لا يعرفها الناس كثيرًا، أن النهضة الأوروبية الحقيقية بدأت من هذه الفترة، من القرن العاشر وصعودًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: الشيء بالشيء يُذْكَر. أنا أيضًا زرت بواتييه. ماذا رأيت في بواتييه له علاقة بنا في الشرق؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا يوجد شيء مُحدّد حتى نربطها، باستثناء هذه المعركة التي جرت، وهي حصلت خارج المدينة، منطقة بعيدة عن المدينة. غير ذلك، لا يوجد شيء.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ألا يوجد أيّ تأثير؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنا وجدت مثلاً، هناك شيء بالمفروشات، ما يُسمّونه البروتون، فيه هذا الخيط العربي، هل هو من ذلك التأثير؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، هذا تأثير، ليس من التأثير الذي نتحدّث عنه، معركة بواتييه.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: وصول العرب إلى هناك.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، هذا مع الوقت، واليوم سنتحدَّث بالقرن الرابع عشر والخامس عشر، مع ازدهار التجارة بين الشرق والغرب، بدأ يظهر في إيطاليا أولاً ومن ثم تعمَّم في أوروبا، بدأ هذا الفن الشرقي يدخل، بدأ يُطعِّم الفن الغربي، سواء في العُمران أو في الأقمشة أو في المفروشات.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أو في الخشب.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: حتى الرسومات في إيطاليا بدأت ترسُم أشياء شرقية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنا وجدت طاولات عليها القيشاني أي البلاط، ليس قيشاني قيشاني، ولكن نوع البلاط مأخوذ من بلاط القيشاني.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: هذا تأثير الحركة الاقتصادية الناشِطة التي كانت قائمة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: نعم. ما أهمية ذلك الوقت، كوننا نتكلَّم عن بواتييه، هذه المعركة ماذا تعني في التاريخ ما بين دخول العصر الوسيط وما بعده؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: معركة بواتييه أهمّيتها أن عبد الرحمن الغافقي الذي كان قائد هذه الحملة، عندما فشلت هذه الحملة وهو مات في أرض المعركة، كانت وَقْفًا للمدّ الإسلامي في فرنسا، كانت أول مرة ينتصر جيش من الفرنج على جيشٍ إسلامي. من هنا أخذت هذه الضجّة الكبيرة، لأنهم اعتبروا أن معركة بواتييه كانت فاصِلة في وَقْف المدّ الإسلامي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: من هنا جاء هذا التبجيل لشارلمان؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: شارلمان هو حفيد شارل مارتيل الذي قاد المعركة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: إذا كانت أوروبا موسومة بعصر الظُلُمات في العصور الوسطى، المشرق، لبنان، ما هي صفاته في تلك العصور؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: في المرحلة التي كنّا نتحدَّث عنها، عصر الظُلُمات في أوروبا، الشرق كان في مرحلةٍ مُتقدّمةٍ، مزدهرة. لبنان، لا نستطيع أن نتحدَّث أنه كان فيه هذا التطوّر والازدهار الكبير، لأن الازدهار أين عُرِف؟ بعواصم الدول الإسلامية، أكان في دمشق سابقًا مع الأمويين ومن ثم بغداد مع العباسيين. في لبنان، إذا أردنا أن نأخذ كمدنٍ كانت مُزدهرة، لا يوجد سوى بعلبك كانت نوعًا ما مهمّة. في القرن التاسع بدأت مدن الساحل تزدهر.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لماذا؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: القرن التاسع، لأنه توقّفت الأعمال العسكرية في الحوض الشرقي للمتوسّط، وبات المسلمون يبسطون سلطتهم على الحوض الشرقي للمتوسّط، ولم يعد هناك الخطر البيزنطي، ونتيجة ذلك عمّ الأمان والسلام فعادت الحركة التجارية إلى الازدهار، وهذا الذي سمح للسفن أكان من أوروبا أو من بيزنطيا أو غيرها، أتحدّث عن السفن التجارية، تؤمُّ هذه الموانئ مُجدّدًا من صور حتى أنطاكيا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دكتور مكرزل، هناك ثلاث مدن لبنانية على هذا الساحل الشرقي للمتوسّط، في العصور الوسطى، نحن نتحدَّث عن عصر الفرنجة وعن عصر المماليك.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: هذا أواخر القرون الوسطى.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ولكن بما نأتي لاختصاصك، قبل أن نتكلّم عن العصر المملوكي، لنتكلم إذا سمحت عن عصر الفرنجة. لنأخذ بيروت. كيف كانت بيروت في عصر الفرنجة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: بيروت مع الفرنج بدأت مرحلة جديدة من تاريخها، أكيد بيروت مدينة عريقة، وتاريخها غنيّ جدًا، وتعاقبت حضارات كثيرة على بيروت، مثلما قلت سابقًا، منذ القرن التاسع، العاشر، الحادي عشر، هذه المدن وتحديدًا بيروت، مدن الساحل اللبناني حاليًا وتحديدًا بيروت كانت مزدهرة جدًا وناشِطة. عندما جاء الفرنج، الفرنج احتلّوها في 13 أيار 1110، احتلّوا بيروت، بداية الحُكم الفرنجي لبيروت لم يكن مُستقرّاً كثيرًا، نرى حتى على صعيد السلطة السياسية، لم يكن هناك هذا التوالي المُستقرّ للحُكّام. لذلك نرى أنّ أول حاكِم فرنجي لبيروت، فولك دوجين، استلم عام 1110، توفّى سنة 1117، بيروت لم تعد مُستقلّة كحُكمٍ ذاتي، صار ملك القدس بدوان الأول هو مُشْرِف عليها تمامًا. هذا الأمر انعكس على وضع المدينة، هذه الحركة التجارية الاقتصادية التي كانت بيروت تشتهر بها، بدأت تتراجع، وفي هذه الفترة كان الفاطميون في مصر لا يزالون يشنّون بين الفينة والأخرى يشنّون هجمات على الساحل وتحديدًا على بيروت. لماذا بيروت؟ بيروت تقع على أطراف مملكة القدس اللاتينية، على حدود كونتيه طرابلس، احتلالها يُقسّم مملكة القدس اللاتينية ويفصلها عن كونتية طرابلس، لا يعود هناك تواصُل بين طرابلس والأجزاء الجنوبية من مملكة القدس اللاتينية. من هنا كان التركيز على بيروت.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أليس الفصل كان جغرافيًا، كانت بيروت هي ممرّاً للفرنجة وصولاً إلى القدس؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: ليس فقط ممرّ برّي. بيروت موقعها، بحيث تطلُّ على البحر، بيروت ميناؤها كان مهمّاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: مرسى لسفن الفرنجة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، وخاصة أنه عند مصبّ نهر بيروت، كانت هناك جزيرتان، سقطتا في زلزال حصل بحدود 1200، هاتان الجزيرتان كانتا قاعدة عسكرية، كان المسلمون يستخدمونها قبل الفرنجة، واستخدمها الفرنجة كذلك قاعدة عسكرية. كانوا ينصبون كمائن للسفن التي تتنقل بمُحاذاة الساحل، شمالاً باتجاه الجنوب.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنت كيف قرأت دور بيروت في العهد الفرنجي؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: بيروت مثلما قلت لك، في القرن الثاني عشر، لا نستطيع الحديث عن دورٍ تجاري فيها أو دور مُهمّ، لأنها كانت إما تتعرَّض لأعمالٍ عسكريةٍ، أو لا يوجد استقرار على صعيد السلطة السياسية. ولا ننسى أنه بين 1187 و1197 استرجعها الأيوبيون، صلاح الدين استرجعها وحكمها الأيوبيون حتى سنة 1197. بيروت ابتداء من سنة 1210 مع جان ديبلان، الذي هو حاكمها، هنا ستشهد ازدهارًا اقتصاديًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: كيف حدث ذلك؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: ماذا فعل؟ أولاً عندما استلم جان ديبلان بيروت، أعاد إعمارها، ومَنَحَ امتيازات وتسهيلات تجارية لتجّار الجنوى والبنادقة ولتجّار مدينة مرسيليا. بوجود هؤلاء التجّار في بيروت، أحيوا من جديدٍ الحركة الاقتصادية للمدينة، وهذا ما جعلها تأخذ من جديدٍ مكانة لها على الخريطة التجارية البحرية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل هذا أعطى طابعًا اجتماعيًا مُعيّنًا برأيك لمدينة بيروت في هذه الفترة وجعلها تتميَّز عن غيرها من مدن الساحل الشرقي للمتوسّط؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: دعني أقول لك أمرًا. بيروت، نعم، إذا عدنا للمصادر اللاتينية، وحتى لإشارات في المصادر العربية، على الصعيد الاجتماعي، المجتمع البيروتي كان نسيجًا فيه من الفرنج، فيه من السكان المحلّيين المسلمين، وفيه من السكان المحلّيين المسيحيين، بقي فيه حيّ للمسلمين مع مسجد لهم داخل بيروت. الفرنج كانوا يحتلّون بيروت، وكان فيها مسلمون. المسلمون لم يكونوا فقط في المناطق المجاورة لها، في المناطق الجبلية، لا، أتحدّث في قلب المدينة، وكانوا يتعايَشون مع بعضهم، وهذا يُعْرَف من خلال المعلومات بالمصادر، أنه كان هناك ناس يتعاطون تجارة من المسلمين، يتعاطون الصناعات الحِرَفية. علاقة السلطة الحاكِمة مع المسلمين كانت جيّدة، لم تكن. وهناك أيضًا أمر، الفرنجية طبّقوا نفس ما كان يُطبّقه المسلمون في مناطقهم، بمعنى الذِمّي بالمناطق عند المسلمين كان تحت حماية المسلم، لا يشارك في القتال ولكن كان تحت حماية المسلم. نفس الأمر طبَّقه الفرنج، المسلمون الذين كانوا داخل المدن كانوا تحت حماية الحُكّام الفرنج، لا يشارك بالقتال لكن يدفع مقابل هذا الشيء ضريبة للدولة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لدينا صورة مَلْمَح عن عدد سكان بيروت في تلك الفترة، وما النسبة للسكان.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا توجد أعداد. في كل القرون الوسطى لا توجد لدينا أعداد للمدن. أعداد المدن ستبدأ بالظهور مع الفترة العثمانية، عندما ستبدأ الإحصاءات الرسمية. في هذه المرحلة التي نتحدّث عنها لا يوجد، لكنّ المُؤرّخين يرجّحون أن عدد السكان في بيروت لا يتجاوز الخمسة آلاف.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: خمسة آلاف.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: خمسة آلاف، نعم، لا يوجد أكثر.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: خمسة آلاف، هل خمسة آلاف تعطي صيغة مدينة في ذلك العصر؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: هي مدينة صغيرة، لا يجب أن نُفكّرها مدينة كبيرة. بيروت أهميّتها ليست بحجمها أو بعدد سكّانها، أهميّتها في موقعها الجغرافي وفي الدور التجاري الذي استطاعت أن تلعبه.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لماذا أقول ذلك؟ لأنه مثلاً أفاميا التي كانت عاصمة سوريا الثانية في القرون الأولى كان عدد سكانها 105 آلاف، أنطاكيا كان عدد سكانها 300 ألف، عندما تقول خمسة آلاف، نحن أمام صيغة قروية في القرون الوسطى.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: أستاذ غسان، الفرنج، إحدى المشاكل الأساسية التي كانت تواجههم هي العدد. لا يجب أن نعتقد أنه كان هناك عدد فرنج كبير جدًا في الشرق. أضخم مدينة كانت القدس، كانت تعدّ 40 ألف، عكا 30 ألف، صور 30 ألف، وبقيّة المدن، خمسة آلاف، 8 آلاف. طرابلس التي كانت تُعْتَبَر مركزًا للكونتية، وكونتية مهمّة، 8 آلاف، 10 آلاف، ليس أكثر. لم يكن هناك هذا العدد الكبير للفرنج.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ما دمنا جئنا هكذا، دعنا نذهب إلى كونتية طرابلس، إلى طرابلس. أولاً الإسم فرنجي، tripoli، المدينة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: يوناني قديم، المدن الثلاث، تريبوليس.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: في هذه المدينة، التي امتصّت أول هجمات باتجاه لبنان، الأول أعتقد في عَرَقَة، وعَرَقَة بجانب طرابلس، وكانت مملكة قديمة عَرَقَة، في طرابلس هذه الكونتية منها انطلقت حملات الفرنجة باتجاه فلسطين. كيف تصف طرابلس في تلك الفترة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نحن لدينا وصف لطرابلس قبل مجيء الفرنجة، ناصر خصرو يتحدّث عن مدينة غنيّة جدًا، فيها حركة عُمرانية كبيرة، عدد سكّانها، فيها مركز للعلوم، مدينة مهمّة جدًا كانت طرابلس. في عام 1099، لم تتعرَّض طرابلس لهجومٍ، لأن الفرنج قطعوا، مرّوا. إبن عمّار أعطاهم ما يحتاجونه من مؤن وأموال، وأكملوا طريقهم. هم احتلّوها عام 1109، طبعًا عندما احتلّها الفرنج، تراجع دورها لفترةٍ، أكيد، لأن عددًا كبيرًا من السكّان غادر، وسكّان جُدُد أتوا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: مَن كان يسكنها في تلك الفترة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: كان فيها مسلمون وكان فيها مسيحيون.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل هؤلاء المسلمون الذين أتوا هم الذين جاء بهم الأمويون ليسكنوا في الثغور؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: طرابلس أول ما أخذها المسلمون سنة 645 عندما انتهوا من الخطر البيزنطي وسقط، نعم، وضعوا في طرابلس سكانًا، لكن مع الوقت جاء كثير من أماكن أخرى، ومكثوا فيها، ليس فقط مَن وضعهم معاوية، لا، هؤلاء كانوا من الأوائل الذين أقاموا في طرابلس، لكن هناك كثيرون غيرهم أتوا من مناطق مختلفة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هذا النسيج السكّاني، قلت إنّه يُعدّ 8 آلاف. =لماذا أخذت كونتية طرابلس هذا الصيت خلال العصر الفرنجي؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نحن نتحدّث كمدينةٍ، هي مركز الكونتية، الكونتية هي مُمتدّة على مسافةٍ كبيرةٍ، هي من المعاملتين تقريبًا حتى جنوب بانياس، وإلى الداخل، تصل لستين كيلومترًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أي تابعة لقلعة المَرْقب.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: وصولاً إلى قلعة المَرْقب. قلعة المَرْقب هي الحدود لكونتية طرابلس.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: قلعة الحصن.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: داخلة في كونتية طرابلس، هي منطقة واسعة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: صافيتا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صحيح، فيها السهول القريبة، المحيطة بطرابلس، فيها سهل البقيعة، فيها سهول عكار وسهول منطقة صافيتا وهذه المنطقة كلها، هي منطقة غنيّة جدًا، وفيها الكثير من السكّان أيضًا، منطقة غنيّة بالسكّان، لكن نحن نقول 8000 ضمن المدينة، كمدينة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: صِفات هذا المجتمع المديني في طرابلس، في عصر الفرنجة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: هذا المجتمع كان فيه من الفرنج، وكان فيه من المسيحيين المحلّيين، الملكّيين والسِريان الأرثوذكس، كان فيه حتى أرمن، وكذلك نساطرة، وفي مرحلةٍ لاحقةٍ انضمّ لهم موارنة أيضًا أصبحوا موجودين في طرابلس، وبالتأكيد كان هناك مسلمون، ظلّ هناك حيّ للمسلمين داخل طرابلس. بالعودة للمصادر، أكانت مصادر لاتينية، أم من خلال الرحّالة الذين كانوا يزورون طرابلس في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، نرى أنه كان هناك تعيش بين كل هذه الطوائف.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: كيف؟ أمثلة إذا سمحت.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: أكيد، أقول لك مُجدّدًا، المعلومات لدينا محدودة، لكن من خلال المعلومات نستطيع أن نستنتج. أولاً هناك مسلمون يتعاطون مثلاً تجارة، هذا يدلّ أنّ السلطة الحاكِمة كانت تسمح لهم بمُمارسة أعمالهم العادية، هناك ايضًا في الزراعة، في هذه السهول والأراضي المُحيطة بطرابلس، لأنهم يزرعون وينقلون المواد داخل المدينة، هناك من خلال الحِرَفيين الذين يعملون في طرابلس، كانت مشهورة بالنسيج، أكثر شيء بالنسيج، بصناعة الفخّار، بصناعة السكّر، هؤلاء كلهم الذين كانوا يعملون بها من المسلمين، وبالتالي هذا يدلّ أنّ الدولة الحاكِمة كانت تعامُل رعاياها معاملة جيّدة، لا نرى أية عملية ضدّ، مثلاً عملية هجومية أو عدائية ضدّ السلطة الحاكِمة، في طرابلس كان وضعها مُستقرّاً أكثر من بيروت وصيدا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل مثلاً نحن الآن، تعرف، نذكر طرابلس مدينة حاليًا ذات طابع إسلامي، ولكن إذا عدنا إلى ثبت العائلات الطرابلسية، نجد أسماء فرنجية، شرمان، شيرمون، بيت بردويل، بجانبهم بيت الصليبي، وبعضها صار مسيحيًا. هل بقيت عائلات الفرنجة في تلك المدينة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: عندما السلطان قلاوون، نحن ننتقل من مرحلةٍ إلى مرحلة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: التأثير الفرنجي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: هناك شيء في طرابلس، أن كل المنطقة الجبلية المُحيطة بها، معظم سكّانها من المسيحيين، وبالتالي حصل اختلاط مع الفرنج، هناك كثير من العائلات فرنج، استقرّت، إنْ لم يكن في قلب مدينة طرابلس، في مُحيطها، وعندما أعيد بناء مدينة طرابلس بمرحلةٍ لاحِقةٍ مع السلطان قلاوون، هذه العائلات استقرّت مُجدَّدا في المدينة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: مثل البلمند مثلاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: ولكن هناك عائلات، هذه العائلات حتى لو نزحت عن طرابلس في الفترة التي سقطت مع قلاوون، ولكن تمّ تدمير المدينة البحرية، وتمّ إنشاء المدينة نحو الداخل بجوار القلعة، هذه العائلات استقرّت من جديدٍ. من هنا هناك بعض العائلات من أصلٍ فرنجي، لأنهم عاشوا مع المسيحيين في الجوار أكانوا سريان أرثوذكس أم من الملكّيين أم من الموارنة، إلى آخره، عائلات مختلفة، ومنهم يحمل أسماء فرنجية، استقرّوا مُجدّدا في المدينة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: إذا انتقلنا إلى صيدا، أنا بدأت ببيروت كونها عاصمة، انتقلت إلى طرابلس التي هي العاصمة الثانية، سأذهب إلى صيدا وصور. صيدا ما صِفاتها في فترة الفرنجي؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: في فترة الفرنجة، دور صيدا على الصعيد التجاري كان محدودًا، لأنّ ميناءها صغير، والدور الكبير، لأنها بجوار صور، الدور التجاري الكبير كان لصور، وثمّة مسألة، حيث يستقرّ التجّار الإيطاليون، ويكون عددهم كبيرًا، تزدهر التجارة. في صيدا كان عددها قليلاً.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لماذا؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لأنهم كانوا يمسكون الحركة التجارية في البحر المُتوسّط، وبالتالي هم كانوا يؤمّنون التواصُل بين ضفّتي المُتوسّط. كلّ ما يحتاجه الشرق من بضائع غربية، هم ينقلونها.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: كيف توصِّف العلاقة التاريخية حتى اللحظة بين صيدا ومصر، بين مرفأ صيدا ومرفأ الإسكندرية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: العلاقة قديمة، لأنّه في فترة الفرنج، كان كثير من التجّار يحملون بضاعة من صيدا، وينطلقون بها إلى مصر. حتى في فترة المماليك نفس الأمر. في الوقت الذي تغيَّرت فيه الخريطة التجارية البحرية، صحيح أنّ صيدا لم تكن لديها مكانة على الخريطة التجارية الدولية، ولكن عمليًا كان هناك خط تجاري يربط صيدا بمصر، ينقل المُنتجات الزراعية، ينقل القطن، ينقل حتى الثلج، الثلج الذي كان من جبال لبنان، كان يوضَّب في صناديق مُعيّنة ويُنْقَل إلى البحر من طرابلس ومن صيدا. لا، هناك علاقة قوية كانت بين صيدا وطرابلس، وهذا الذي جعل مع الوقت التجّار يأتون من مصر ويمكثون في صيدا، وحتى تجّار من شمال أفريقيا جاؤوا إلى صيدا، لكن هذا في مرحلةٍ لاحقة، وليس المرحلة التي نتحدّث عنها، لكن العلاقة تاريخية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: نحن نكتشفها من الفترة الفينيقية، هناك علاقة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: أكيد، كلما عدت إلى الوراء، أكيد.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: وصور، كيف كانت في فترة الفرنجة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صور خلال حُكم الفرنج كانت بين مدن الساحل اللبناني في المُقدّمة من حيث الحركة التجارية ومن حيث الكِبَر ومن حيث عدد السكّان.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ربما كان بحجم كل المدن، عدد سكانها؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صور مُهمّة جدّاً كمدينةٍ، وكالمنطقة المحيطة بها. عندها كلّ المؤهّلات. أولاً الحُكم في صور كان مُستقرّاً دائمًا، لم نرَ هذه المشاكل التي ظهرت مثلاً في بيروت أو في صيدا، لا توجد مشاكل. ثانيًا، مُحاطة بمناطق زراعية كبيرة من قَصَب السُكّر وغيره، التي كان عليها طلب كبير في أوروبا، هذا الذي جعل الكثير من التجّار الأوروبيّين يستقرّون في صور. ثالثًا، أصبح لدى الفرنجة وجود قوي جدًا، وخاصة البنادِقة. إذا عدنا، هناك سجّل يعود إلى سنة 1244، فقط لأعطي مثلاً، للقنصل البُندقي في صور، أكثر من 40 قرية في قضاء صور، إمّا مِلْك البنادِقة، إما لهم حصّة فيها، تخيّل لأية درجة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل لديك أمثلة عندك؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، معظم القرى التي نعرفها اليوم، معظمها، هناك لائحة بها، وضعها القنصل البندقي في السجّل، فهذه كلها أضافت من غنى صور، وجعلها تلعب دورًا مُهمّاً جدّاً. إذا رأينا في عقود البيع والشراء المحفوظة في سجّلات مدينة البندقية، نجد أنّ معظم العمليات التجارية تتمّ في صور. أولاً هناك عكّا، وثانيًا هناك صور، هاتان أكثر مدينتين في فترة الفرنج استقطبتا القسم الأكبر من التجّار ومن الحركة التجارية في البحر المُتوسّط. ولكن الخريطة ستتغيّر كلها في فترة المماليك. هذه العَظَمَة التي عرفتها صور في فترة الفرنج ستذهب نهائيًا في فترة المماليك.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دكتور مكرزل، ذكرت العلاقة أو شيء ما بين عكّا وصور. هل كانت صور هي المعبر خلال فترة الفرنجة تجاه فلسطين؟ ما العلاقة التي ربطت بين هذه، كانت دوقية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، سينيورية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: سينيورية، بينها وبين فلسطين في الفترة =الفرنجية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: فقط لأشرح مسألة، عكّا أصبحت مركز الفرنج بعد سقوط القدس سنة 1187، وبالتالي الملك اللاتيني بات مُقيمًا في عكّا. صور كانت تابعة لعكّا، ولكن أهمية صور ليست فقط أنّها معبر تجاري، أيضًا الداعِم العسكري لعكّا، مَن يحمي عكّا هو صور، من حيث القوّة الفرنجية التي كانت موجودة فيها. الآن، صور، بحُكم وجود التجّار الإيطاليين تحديدًا الذين كانوا موجودين فيها، أقاموا شبكة من العلاقات التجارية مع عكّا. كان هناك بنادقيون وجنويون في صور، وقسم منهم في عكّا، وكان هناك غيرهم في عكّا، التبادُل التجاري الذي كان قائمًا، أول روابِط بين المدينتين، لم يعد فقط رابطًا سياسيًا، أن هناك ملكًا وهناك مَن هو تابع له، وليس لأنه فقط عسكري، تؤمّن حماية وتؤمّن عددًا من الفُرسان المطلوبين في حال حصلت حرب، أو حصل أيّ عمل. أيضًا هناك علاقات تجارية قوية. هذا الذي جعلها تلعب هذا الدور الكبير، وأهميّة صور، عندما سقطت كل مملكة القدس اللاتينية على يد صلاح الدين الأيوّبي سنة 1187، صور الوحيدة التي لم تسقط، هرب كل الفرنج، واختبأوا فيها. هذا يدلّ كم كانت مُهمّة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنت خلال بحثك في الوثائق، وتحديدًا أغلب الوثائق أعتقد في تلك الفترة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: باللاتيني.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أين ذهبت لمُتابعة هذه الوثائق؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: هذه الوثائق هناك منها في فرنسا، وهناك منها في إيطاليا. القسم الأكبر في إيطاليا، لأنّ معظم هذه الوثائق في سجّلات مدينة البندقية. إذا أردنا أن نعرف عن الحركة التجارية لصور، يجب أن نعود إلى سجّلات.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ذهبت أنت ورأيتها؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، أنا ذهبت، أنا بقيت أربع سنوات أتجوّل بين مراكز الأرشيف في أوروبا. كنت أدرس في بواتييه لكن كنت أتنقّل بين فنيز وفلورانس وجنوا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: غير التجارة، ماذا لاحظت في هذه الوثائق؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: تتحدّث مثلاً عن مشاكل يواجهها التجّار. هم لا يدخلون في تفاصيل أكثر من ذلك، لأن هذه عمليات بيع وشراء، تتحدّث عن مشاكل التجّار، وعمّا اشتروا هم وماذا باعوا. الآن، هناك وثائق أخرى، وثائق غير تجارية، وثائق كتبها مؤرّخون، مؤرّخون كانوا في تلك الفترة، في القرن الثالث عشر، مثل غيوم دو تير، جاك دو فيتري، فوشيه دو شارك، ومؤرّخين آخرين، هؤلاء يعطوننا أخبارًا كثيرة، على صعيد الحُكم، على صعيد المجتمع، ماذا كان يحصل فيه من مشاكل، الأحداث التي كانت تحصل، العلاقة بين المدينة والريف المُحيط بها، من خلالهم عرفنا أن النظام الفيودالي الذي كان مُطبّقا في أوروبا طُبِّق في المشرق هنا، وفي صور تحديدًا، بما أننا كنا نتحدّث عن صور، ولدينا سجّلات مُفصّلة أكثر من غيرها، نرى أنه في القرى التي كان سكّانها من المسلمين، كانوا يتعاونون مع الفرنج، وكان هناك في كل قرية شخص هو يُمثّل القرية، يُطْلَق عليه لقب "ريّس"، وهو يكون.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: "ريّس" أتت من هنا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: هذه كلمة عربية، ولكن استُخْدِمت باللاتيني. باللاتيني كلمة ريّس موجودة، استخدمها الفرنج أيضًا في سجّلاتهم. هذا يكون صِلة الوَصْل بين الشعب والسلطة الحاكِمة، وهذا يُدلّ كم كان هناك تعاون، ولكن كلّ ذلك كان يتغيّر مع تبدُّل موازين القوى.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: تبدّلت موازين القوى، ورحل الفرنجة عبر هذه الموانئ.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صحيح.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: الفقراء بقوا هنا، لم يكن معهم ليدفعوا حتى يغادروا، والدليل في صور، وفي طرابلس، هناك أسماء فرنجية، في اللاذقية هناك حيّ إسمه حيّ الصليبي، في طرطوس أيضًا. المهمّ، جاء العصر المملوكي، وهو هذا الاختصاص الذي تخصَّصت به. ذهبت إلى أين في العصر المملوكي، إلى أين غرقت، وما صفات هذا العصر؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: العصر المملوكي على عكس ما يُفكّر كثير من المُؤرّخين والناس، كان العصر الذهبي لمدن الساحل اللبناني، وتحديدًا لبيروت وطرابلس، كان العصر الذهبي. كلّ هذه الحركة التجارية، كل هذا النشاط الذي عرفه البحر المُتوسّط.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: صيدا وصور.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: ذهب دورهم، سأشرح الآن. تغيَّرت الخريطة التجارية كلها، ولكن كان العصر الذهبي للعلاقات بين الشرق وأوروبا، الرابع عشر والخامس عشر، هذه مرحلة ذروة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل ورث المماليك التجارة التي كان يقوم بها الفرنجة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، بالتأكيد، لأنّ هذه التجارة قديمة، حتى قبل الأيوبيين. قبل المماليك جاء الأيوبيون والفاطميون، كلهم كانوا يركّزون على التجارة. التجارة البحرية هي مصدر الثروة، وكان اهتمامهم بأوروبا، لأن الأوروبيين بحاجةٍ للبضائع الشرقية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: بلا فينيقي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، لا علاقة، هذه حُقْبة مختلفة تمامًا، ولكن الإنسان هو ذاته، الإنسان حتى لو تغيَّرت الحُقْبة التاريخية، الإنسان هو ذاته، يسعى وراء الثروة، والثروة تأتي عن طريق البحر.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: مثلما بدأنا هذا بشكلٍ مُمَنْهَج، برأيك كيف كانت بيروت في العصر المملوكي؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: دعني أقول لك فقط لنفهم ما حصل في بيروت، ولماذا تميّزت بيروت عن غيرها في العصر المملوكي، أصبحت في مُقدّمة المدن التجارية، وأصبحت ثاني مدينة في السلطنة بعد الإسكندرية من حيث الأهمية التجارية. المماليك اعتمدوا استراتيجية عسكرية طبَّقها قبلهم صلاح الدين الأيوبي، ألا وهي تدمير المدن الساحلية، منعًا من تمركُز الفرنج فيها، وأخذها نقطة انطلاق لشنّ حرب ضدّ الداخل. ماذا فعلوا هم؟ كل الموانئ القريبة من فلسطين دمّروها، أي من صيدا حتى يافا، لم يتركوا ميناء واحدًا، ولا مدينة، لأنهم يعرفون أنّ الفرنج يريدون التركيز على فلسطين، كونها تضمّ مدينة القدس. بيروت نجت من الخراب الكامل، بيروت اكتفى المماليك بتفكيك تحصيناتها، واختاروها كونها الميناء الأقرب إلى دمشق، أن تكون هي ميناء دمشق، ولكن أخذت معهم وقتًا حتى ازدهرت بيروت فعلاً. لا يجب أن نفكّر أن بيروت ازدهرت بمُجرّد رحيل الفرنج، استغرق ذلك وقتًا، علينا أن ننتظر حتى مُنتصف القرن الرابع عشر، في عهد نائب دمشق تنكيز، سيف الدين تنكيز، حتى بدأ يبني في بيروت. لماذا فعل ذلك؟ ليُشجّع الناس على أن يعودوا ويقطنوا فيها بشكلٍ عادي ويمارسوا أعمالهم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: حتى يصبح ميناء مفتوحة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لكن المشكلة أين؟ أنه لم تنكن هناك حركة تجارية قوية مع أوروبا، ولذلك أسباب. السبب الأول أنّ الكرسي البابوي كان قد فرض حَظْرًا تجاريًا مع كل البلدان التي تخضع لسلطة السلطان. هذه مسألة. ثانيًا، كان الأوروبيون وتحديدًا التجّار الإيطاليون يستطيعون الحصول على كلّ شيء يريدونه من بضائع من دون المرور بالشام وبمصر. من أين؟ عن طريق المناطق المُطلّة على البحر الأسود. من هنا كانت تأتي قوافل من الداخل، من آسيا الوسطى، من بلاد فارس، من هذه المناطق كلها، وتصبّ في البحر الأسود، ويأخذونهم هم من هناك إلى أوروبا. ولذلك لم تكن بيروت بعد، حتى دمشق التي هي كانت السوق الأساسي في بلاد الشام، وبيروت كانت تُعْتَبر ميناء لها، لم تكن تأخذ هذا الدور القوي بعد، لأنّ الأوروبيين لا يقصدونها. ما حصل، حدثان جريا، أدّيا إلى تغيير كل شيء.</p> <p>الحدث الأول سنة 1344، الإيطاليون الذين كانوا موجودين في المناطق المُطلّة على البحر الأسود، حصلت لهم مشكلة مع المغول، تاجر بندقي اختلف مع تاجر مغولي، بدأ الخلاف هكذا، تطوّر، المغول هجموا عليهم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دائمًا عندما يختلف التجّار برأيك يهربون إلى أمكنةٍ أخرى؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، التجّار يذهبون إلى حيث يستطيعون أن يجنوا الأموال. فهؤلاء هربوا من البحر الأسود، فورًا قرّروا العودة إلى الشرق، ليس لديهم مَنْفَذ آخر، عندما طردهم المغول، هنا سمح لهم البابا أكليمندوس السادس، أعطاهم أذونات بمُعاودة التجارة مع السلطنة المملوكية. هنا، بدأت تزدهر من جديد نوعًا ما، الإسكندرية ومدن الساحل اللبناني. ولكن عمليًا، لم يطل هذا الأمر كثيرًا، لأنه سنة 1365، سنرى ملك قبرص بيار الأول، سيشنّ هجومًا على مدينة الإسكندرية وسيحتلّها لثلاثة أيام، وستُقْطَع كل العلاقات التجارية بين أوروبا والسلطنة المملوكية لمدّة خمس سنوات. عام 1370، سيتمّ توقيع اتفاقية سلام بين السلطنة المملوكية من جهةٍ، والقوى الرئيسية في أوروبا. مَن هي القوى الرئيسية؟ البندقية، جنوى، مملكة أراغونا، ومملكة قبرص، وفرسان القدّيس يوحنا في جزيرة رودوس. ابتداءً من 1370، هي المرحلة الجديدة التي ستبدأ في العلاقات.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ما صفات هذه المرحلة؟ كيف كانت بيروت وقتها، قبل الانتقال إلى مكانٍ آخر؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نتيجة هذه المعاهدة، أنشأ البنادقة سنة 1374 خطًا تجاريًا بحريًا يربط مدينة البندقية ببيروت، تعمل عليه السفن بإشراف مجلس الشيوخ البندقي، وفق رزنامة مُحدّدة، وهذه السفن تأتي مرّتين في السنة، في آذار وفي أواخر آب، وبداية أيلول، وتحمل كل البضائع الموجودة في بيروت، وهذه البضائع تكون كلها مُرْسَلة من دمشق، أي أن كل شيء موجود في أسواق دمشق من توابِل، من حرير، من مُنتجات شامية، إلى غيرها، تُرْسَل إلى بيروت، بالإضافة إلى المُنتجات المحلية في بيروت، كلها كانت تتجمّع في بيروت، وتحملها سفن البندقية، إلى البندقية، وهذا الذي جعل بيروت تصبح أهمّ قاعدة اقتصادية في بلاد الشام، وتستطيع بين سنة 1420 تقريبًا، وسنة 1470، سبقت الإسكندرية، خلال 50 سنة كانت بيروت هي الميناء الرقم واحد.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل نستطيع أن نعرف كم كان عدد سكّانها وقتها؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: للأسف ليس لدينا أيضًا، لكن نستطيع أن نُقدّرهم بحدود العشرة آلاف، أو أقلّ بقليل.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أي ضعف ما كان.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل هناك صِفات، هل تغيَّر النسيج الاجتماعي في مدينة بيروت، ما بين العصر الفرنجي والعصر المملوكي؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: بالتأكيد. أولاً العنصر الفرنجي لم يعد هو الأكثريّة، أصبحوا أقلّية نسبة لبعض التجّار المُقيمين. أكثريّة السكان من المسلمين، ولكن كان هناك من المسيحيين المحلّيين. النسيج.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: الأغلبيّة روم أرثوذكس؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل لأنهم روم مثلاً؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لأنهم في الأساس كانوا موجودين في بيروت.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ليست لهم علاقة بالفرنج؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، هم بقوا في المدينة، الفرنج ذهبوا، ولكن هم بقوا في المدينة. المماليك صحيح أنهم ضربوا المدينة، ولكن كان التركيز على الفرنج. السكان المحلّيون لا شيء يدلّ على أنهم تعرّضوا لهم في قلب المدن. كما فعل الفرنج عندما دخلوا إلى المدن، هم يهمّهم أن يسيطروا، وأكيد مَن يبقى هم أقلّية، لكن مع الوقت يزداد عددهم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: في طرابلس دكتور؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: في طرابلس الوضع كان مختلفاً، لأنه عندما أخذ المماليك طرابلس عام 1289، دمّروا طرابلس التي تطّل، طرابلس المينا دُمِّرت كلها. المصادر تقول إنه بقي حيّ واحد للمسيحيين في طرابلس قريب من القلعة، ولكن معظم السكّان أصبحوا من المسلمين. تغيّر النسيج بالمُطْلَق. طرابلس أخذت وقتًا، سننتظر حتى أواخر القرن 15 ومطلع القرن 16، حتى يبدأ عدد العائلات المسيحية بالازدياد في طرابلس، ولكن في هذه الفترة كانت طرابلس تلعب دورًا تجاريًا مهمّاً جدًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: العلاقة في تلك الفترة بين الرُهبان، الفرنسيسكان، والسلطة المملوكية، كيف كانت؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: كانت مُمتازة، لأنهم لعبوا دورًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنت بحثت في هذا الموضوع.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: إلى ماذا وصلت؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: كانت ممتازة لأنه كانت هناك مصالح مشتركة. الفرنسيسكان، حتى نعرف أمرًا، هم كانوا بعد العام 1291، بعد زوال الحُكم الفرنجي، عندما عادوا، الآن سأشرح، لكن سريعًا متى عادوا، أصبحوا المُمثلّين الوحيدين للكنيسة اللاتينية في الشرق. كان دورهم تنظيم حركة الحجّ إلى الشرق. هذا الذي جعل السلطات المملوكية تتّفق معهم، لأنّ لها مردودًا ماليًا. الحجّ تحوّل إلى عاملٍ اقتصادي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: الحجّ كان يأتي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: أقصد الحجّ الغربي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: إلى أنطاكيا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، كان عبر البحر، كان يأتي إلى بيروت، ومن بيروت تتجمّع كل السفن، وتنطلق إلى فلسطين، إلى يافا. من هنا، بيروت، أكرِّر لك، ازدادت أهميّتها أكثر فأكثر، ومن هنا، عندما عاد الفرنسيسكان إلى الشرق، هم عادوا إلى الشرق بعد مفاوضات مُضْنية بين 1300 و1330، خلال 30 سنة، مفاوضات قام بها ملك أراغونا وملك نابولي والكرسي البابوي، خلال هذه السنوات الـ30، حتى اتّفقوا في النهاية، ليست هذه الأمور السهلة. عادوا إلى القدس وإلى بيروت. أنظر، كم كانت بيروت مُهمّة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لم يكن هناك حضور فرنسيسكاني في طرابلس؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أبدًا؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، وحتى رسالتهم عندما عادوا في القرن الرابع =عشر، تختلف تمامًا عمّا كانت عليه في القرن الثالث العشر. في القرن الثالث عشر كان الراهِب الفرنسيسكاني يعتمد على التبشير.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: بات يعتمد على التجارة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، بالعكس، أصبحت لديه فكرة أنني حتى أستطيع العيش مع المسلم، عليّ أن أحترم المسلم، ونجحت كثيرًا هذه السياسة التي انتهجوها.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: وهذا ما حصل في القدس.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: وخصوصًا في بيروت، كل الذين زاروا بيروت في الحُقْبة التي أتحدّث عنها، كانوا يتعجّبون من هذه العلاقة العظيمة بين المسلمين من سكان بيروت والرهبان الفرنسيسكان.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: كيف وجدت الحضور؟ كيف وجدت مدينة صيدا ومدينة صور خلال الفترة المملوكية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: الدور الكبير الذي كان لهما في فترة الفرنج انتهى في فترة المماليك. صور بقيت خرابًا، صور بقيت خرابًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: انتهى نهائيًا الدور بعد فترة الفرنج؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، 1291، المماليك خرّبوها كلها ومنعوا السَكَن فيها. نشأت مدينة ثانية إسمها صور نحو الداخل.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: من صور البحرية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: لا، صور نحو الداخل، صور البحرية وقفت كلها، حوّلها المماليك، فقط استفادوا من ميناء صور لتحويله إلى قاعدةٍ بحرية. لكن بقيت خرابًا لفترة طويلة. سننتظر تقريبًا حتى القرن الثامن عشر حتى تزدهر من جديد. كانت هناك محاولة سنة 1421 من أحمد ابن بشارة، الذي كان زعيم المنطقة، حاول أن يُعيد إحياء صور، وأن يأتي بسكان إلى صور، لكنها كانت تجربة محدودة ولم تنجح، بقيت خرابًا. سنة 1480، لدينا مصدر بندقي يقول لنا إن الحكومة البندقية عرضت على السلطان قايتباي أن تشتري صور، وتحوّلها مجدّدًا إلى قاعدة بحرية، رفض السلطان، مع أنهم دفعوا له مبلغًا كبيرًا، 50 ألف، ثمّ ضاعفوا إلى 100 ألف، قطعة ذهبية، مبلغ كبير في تلك الفترة، لم ينجح، فبقيت صور خرابًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: وصيدا؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صيدا استعادت نوعًا ما دورها من بعد الخراب الذي لَحشق بها، لكن لم تستطع أن تلعب دورًا تجاريًا مهمًا. دورها التجاري انحصر في مصر. كانت هناك حركة تجارية بين صيدا ومصر، وهذا سمح لصيدا أن تشهد مُجدّدًا حركة عُمرانية، ويزيد عدد سكانها، لكن لم تستطع أن تلعب دورًا تجاريًا مهمًا على الخريطة الدولية. لم يُقِم فيها تجار أوروبيون أبدًا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دكتور مكرزل، لاحظ، منذ البداية، نحن نرى أنّ في كلّ حادثة أو عمل تجاري، أهل البندقية، البنادقة، حتى في حلب، أهمّ خان هو خان البنادقة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صحيح.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لماذا هذا الحضور الإيطالي في ساحل المتوسّط وفي الداخل أيضًا، تحديدًا في حلب، على طريق الحرير؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: إذا أردنا الحديث بالوجود الإيطالي بشكلٍ عام، إذا أخذنا المدن الإيطالية، مثلاً في هذه الفترة البندقية وفلورنسا وجنوى، قبل أن نتحدّث عن البندقية لوحدها، حتى نستطيع أن نفهم لماذا تميّزت البندقية عن غيرها من هذه المدن الثلاث. هذه المدن الثلاث اعتمدت على التجارة من الأساس، ما ميّزها عن البقيّة ككل، كانت فكرة إنشاء الشركة. أنشأوا شركات، شركة لديها مركز، مثلاً في البندقية أو في جنوى أو في فلورنسا، ولديها عملاء في المدن الأخرى، وثمّة أمر أهمّ، قاموا بالتأمين البحري، أنظر، من أية أيام، التأمين البحري، عندما ننظر القرن الرابع عشر فيه تأمين بحري، هذا أتاح المجال أن تصبح حركة النقل أسهل والكلفة أقلّ، وأيضًا اهتمّوا بصناعة السفن، وبنوا الكثير من السفن. الآن ما ميّز البنادقة عن جنوى وفلورنسا السياسة التي اعتمدتها، السياسة التي اعتمدتها مع الشرق. البندقية اعتمدت سياسة التفاوض، أية مشكلة تحصل، تدخل في مفاوضات مع السلاطين، بينما الجنويون اعتمدوا القوّة، وهذا خسَّرهم كثيراً. من هنا بدأ دور الجنويين يتراجع، ويقوى دور البنادقة أكثر فأكثر. وهناك أمر أهمّ أيضًا، العملة البندقية، الدوقا البندقي، بالإيطالي الدوقاتو، كانت العملة الوحيدة المُسْتَخْدمة في كافة أرجاء البحر المتوسّط، الدول، وحتى في آسيا الوسطى.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دولار تلك الأيام.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: صحيح، مثل الدولار، كان وزنه ثابتًا، لأن العملة كانت معدنية، وزنه ثابت، والكل يستخدمه، حتى في السلطنة المملوكية كانوا يستخدمونه، بدل العملة المحلّية كانوا يستخدمون الدوقاتو، لأنه لا يوجد الزَغَل، كما يقول المصريون.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: قبل أن ننهي، أودّ أن أسألك، بعد كل غرائك في تلك الفترة، هل نستطيع أن نلخّص الصفات العامة للفترة المملوكية في هذه المنطقة من العالم؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: أنظر، الدولة المملوكية، لا ننسى، لعبت دورًا، أولاً دور عسكري، لطرد الفرنج والمغول، ولكن في ما بعد تحوّلت هذه الدولة إلى، إن شئت، صلة الوصل بين الشرق وأوروبا، انفتحوا على الأوروبيين، لأنهم عرفوا أنهم في الحرب لا يستطيعون فعل شيء، ما فعلوه استطاعوا فعله، صار تركيزهم على كيفيّة زيادة مداخيل الدولة والثروات، فمن خلال علاقاتهم مع أوروبا، من خلال انفتاحهم على أوروبا، ومن خلال تساهلهم مع الجماعات داخل السلطنة التي كانت لها علاقة مع أوروبا، هذا الأمر جعل العلاقات بين الشرق والغرب تقوى، تقوى على كافة الأصعدة، السياسية والاقتصادية وحتى الدينية، لأنّ المماليك هم الذين سمحوا أن يحصل تواصُل، يعود التواصُل بين كرسيّ روما والطوائف المسيحية في الشرق.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دكتور مكرزل، في النهاية، هناك رسالة، من خلاصة أبحاثك، نرغب أن توجّهها للمشاهدين.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: أريد أن أقول إنّ تاريخ لبنان تاريخ غنيّ جدًا، تبقى أحيانًا حقبات غامِضة، حقبات ناقِصة، ولكن عمليًا من خلال قراءة مصادر جديدة، وتحليل المعلومات التي فيها، يستطيع المرء أن يصيغ مُجدّدًا التاريخ بشكل صحيح وموضوعي، فتاريخ لبنان تاريخ حافِل وغنيّ، وتدلّ الكثير من الأمور على أنه بعكس ما تقوله بعض الكتابات التاريخية اليوم، هناك الكثير من الأمور غير صحيحة، كان هناك مثلاً، بالرغم من كل ما حصل في فترة المماليك، بما أننا نتحدّث عنها، برغم كل ما يُقال عن المماليك أنهم قاموا بحملاتٍ عسكريةٍ إلى آخره وضدّ الطوائف وغيرها، لا، عمليًا، نرى أنه كان هناك بعد 1370 كما قلت، علاقات عظيمة، وبعد ذلك، كان هناك تقارُب إسلامي مسيحي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: دعوة لتصحيح التاريخ.</p> <p>&nbsp;</p> <p>بيار مكرزل: نعم، دعوة لتصحيح التاريخ وإعادة كتابته بموضوعية، وتسليط الضوء على بعض الأمور المهمّة جدًا، والتي تخدم المستقبل بلبنان.</p> <p>&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: خالص الشكر. شكرًا للدكتور بيار مكرزل على هذه الحلقة، وشكرًا لكلّ مَن استمع إلينا في ..Vodcast.&nbsp;</p>