كيف تمّت "عبرنة" الخريطة الفلسطينية؟

هل ينجو الإنسان من الموت والفقر في بلاد تدمّرها الفوضى؟ ما الروايات والأكاذيب التي سوّقها المشروع الصهيوني وخدع بها العالم؟ حلق تغوص في عالم الصوت والهجرة والحلم، وتستعرض كيف تمّت "عبرنة" الخريطة الفلسطينية.

نص الحلقة

 

لانا مدور: مساء الخير. هل ينجو الإنسان من الموت والفقر في بلادٍ تُدمِّرها الفوضى؟ روايةٌ عن الصوت والهجرة والحلم ترافقنا في الجزء الأوّل من حلقتنا، بينما نسأل عبر السردية الصهيونية عن تحويل أرضنا العربية إلى "حقٍّ تاريخي" لإسرائيل، على أن نختم مع أدب الشباب انطلاقًا من التراث العربي والإسلامي. فأهلًا بكم إلى "بين الكلمات". 

 

 

المحور الأول

 

لانا مدور: لبنان بلد التناقُضات والأحزاب المُتناحِرة؛ بلدُ النسيج الطائفي المتنوّع الغنّي من جهة، والفقر المُدْقع من جهةٍ أخرى. 

الصوت يختفي في حضرة الطوائف والزعامات، ومَن يتجرّأ على مُخالفة السائد، على النقد، على قول الحقيقة، قد لا تكون طريقُه ورديّة وسهلة. 

مستخدمًا "الصوت" عبر ميكروفون عربة الموتى مجازًا للدلالة على الألم الذي يُصاحب أهل بلاده، كتب محمد طرزي روايته "مايكروفون كاتم صوت". 

هذه الرواية تبدأ من حبٍّ مستحيل لتُصدمنا بمصائر لبنانيين حاولوا النجاة من ضيق العيش عبر الحلم؛ منهم مَن نجح في الفرار، ومنهم مَن كان الموتُ له مصيرًا. 

ينضمّ إلينا الآن الكاتب اللبناني محمد طرزي لنفهم أكثر عن الدوافع التي جعلته يكتبُ روايةً ممتعةً جدًّا كـ"مايكروفون كاتم صوت". فأهلًا بك أستاذ محمد. 

أنت معنا من جوبا في جنوب السودان حيث تعيش وتعمل هناك، وأريد أن أبدأ من هذا المكان ومن هذه الجغرافيا: ما الذي يربطك بأفريقيا قبل أن نغوص في الرواية؟

 

محمد طرزي: صحيح، أغلبُ أعمالي كانت عن أفريقيا فعليًّا. السبب أنّني بسبب الإقامة الطويلة، تقريبًا نصف عمري أنا في أفريقيا، ما يعادل عشرين سنة؛ صار هناك رابطٌ بطبيعة الحال. الهويّة تُكتسب؛ فجزءٌ من هويّتي هو الهويّة الأفريقية إلى جانب الهويّة اللبنانية بطبيعة الحال. فأفريقيا جزءٌ من انتمائي.

 

لانا مدور: تقول في روايتك "مايكروفون كاتم صوت": "أولئك المُغتربون يرون الوطن جميلًا فقط لأنهم بعيدون عنه، فمعظم الأشياء تبدو جميلةً بالنظر إليها عن بُعد، حتى وإن كان مكانًا موحِشًا كوطنٍ". هل هذا ينطبق عليك كمُغتربٍ لبنانيٍّ في أفريقيا لأكثر من عشرين عامًا؟

 

محمد طرزي: نعم، ينطبق بطبيعة الحال. ونحن حين نكتب نستخرج الجُمَل والعبارات ممّا نشعر به، حتى وإن وردت على لسان شخصياتٍ أحيانًا غير أساسيّة في النصّ. وأستطيع أن أعتبر أنّ هذا الاقتباس يُمثّلني بطبيعة الحال. بالفعل، حين نكون في الوطن لا نتمنّى إلا الخروج منه، وحين نبتعد عنه ننظر إليه بهذا الحنين ونراه بصورةٍ مختلفة.

 

لانا مدور: سأكون صريحةً معك: أوّل ما قرأتُ الصفحاتِ الأولى فكّرتُ أنّ الرواية تجري في طرابلس. بعدها فهمتُ أنّ الرواية لا تجري في طرابلس بل في صور، في المدينة التي وُلدتَ فيها. لماذا اخترتَ صور مكانًا لهذه الرواية؟

 

محمد طرزي: لا بدّ في النهاية من أن نختار مكانًا وزمانًا لأعمالنا الأدبية. أحببتُ أن أكتب عملًا يكون بمثابة وثيقةٍ أدبية لما مرّ به لبنان بين عامي 2018 و2020؛ على اعتبار أنّ لبنان في هاتين السنتين عرف تجربةً قاسيةً تتعلّق بالانهيار الاقتصادي وانفجار المرفأ.

 

لانا مدور: قصدتَ 2019 و2020؛ قلتَ لي "1900"... أنت تُرجعنا إلى أيام سايكس–بيكو، وهي مصيبتُنا التي بدأت من هناك على الأرجح؟

 

محمد طرزي: صحيح لأنّني الآن أكتب عن المكان نفسه خلال هذا الزمن، أيّ مرحلةٍ قلبت ببداية الحرب العالمية الأولى، فالتبست الأمور عليّ. أنا الآن أكتب عن مئة سنةٍ لهذا المحلّ الذي أنا وأنتِ نشترك فيه، تقريبًا كل جبل عامل: مئة سنةٍ من هذا الجبل، وهي مئة سنةٍ من هذه الأزمات المُتلاحِقة. 

اخترتُ مكانًا ربما أعرفُه أكثر من غيره بحُكم أنّ النصّ واقعيٌّ واجتماعي. واستخدمتُه كمكانٍ رمزيٍّ لكلّ المناطق اللبنانية. وأنتِ ذكرتِ طرابلس؛ وحتى طرابلس ذكرتُها أنا في النصّ لأعطي إيحاءً أنّ هذه المدينة قد تكون أيَّة مدينة. حتى إنني أذكر، كما قالت سيّدة كانت عضوةً في لجنة تحكيمٍ بإحدى الجائزتين، أنّها حين قرأت الرواية ظنّت أنّني أحكي عن مدينةٍ سورية؛ يعني بهذا المعنى كانت الرواية تُمثّل أكثر من مدينة، ليس بالضرورة حتى المدينة اللبنانية. فأنا اخترتُ صور على اعتبار أنّني أعرفُ المدينة أكثر من غيرها، وأستطيع أن أتعامل معها بمشاعر وعاطفةٍ مختلفة، بما أنّ هذه المدينة تعني لي شخصيًّا؛ هي مدينتي، وهي مدينةٌ لي فيها ذكريات، وأتطلّع كي أراها مدينةً مُتميّزة.

 

لانا مدور: الملفت في روايتك أوّلًا، طبعًا التركيز على "الصوت"، لكن قبل أن أنتقل إلى ذلك لا بدّ من أن أسألك عن شخصيّة البطل وعملِ والده: "سلطان" إسمه؟ هو يُذيعُ الموتى؛ يمرّ في عربته في المدينة، يُمسك الميكروفون ويُخبرنا مَن هم الوفيات. فهل هذا عملٌ حقيقيٌّ موجودٌ في مدينة صور؟ هل استخرجتَ هذه الصورة من شخصٍ حقيقيٍّ موجودٍ في صور؟ ولماذا جعلتَ بطل شخصيّتك إبنًا لهذه المهنة؟

 

محمد طرزي: نعم. هناك مَن ينعى الموتى بهذه الطريقة، وهذا الشيء لفتني مؤخّرًا. عندما تعيشين في مكانٍ وترين هذا الشيء جزءًا من حياتك كلّها، لا تشعرين أنّ فيه شيئًا "بارزًا". لكن عندما تُسافرين وتكتشفين أمكنةً جديدة مختلفة، وتجدين هذا الشيء موجودًا فقط في هذا المكان، تنتبهين إلى أنّه شيءٌ بارز. فكانت الفكرة أنّه ممكن استخدامها كصورةٍ رمزية للتعبير عن الموت المنثور في الهواء. لماذا هذه المهنة؟ لأننا نتحدّث عن مرحلةٍ انتشر فيها الموت بطريقةٍ مأساوية؛ وبالتالي كان لا بدّ من أن نستعين بمهنةٍ تتعلّق بالموت. فكانت هذه المهنة، فضلًا عن أنّها تتلاقى مع المكان الذي يعيش فيه سلطان والمقبرة، وغالبًا الذين يعيشون في المقابر أو على هامش المقابر يشتغلون أيضًا في المقابر. كان يمكن أن يشتغل في أيّة مهنةٍ أخرى تتعلّق بالموت. لكن ارتباط الرواية بالصوت والميكروفون حتّم عليّ أن أستخدم هذه المهنة تحديدًا لإعطاء الدلالة التي أرغب بها.

 

لانا مدور: جميل. بالمناسبة، هذا المجاز، وأنت عندك ارتباطٌ بمسألة الصوت؛ عندك روايةٌ أخرى إسمها "سرّ الطائر الذي فقد صوته". لماذا تُركّز على الصوت؟ ما الذي تريد أن تقوله بموضوع الصوت، وربما أكثر في "مايكروفون كاتم صوت"، ماذا يعني لك الصوت بحدّ ذاته؟

 

محمد طرزي: لم أنتبه أنّ عندي روايةً أخرى عن الصوت إلا الآن؛ لفتِّ انتباهي للمرة الأولى إلى رواية الفتيان "سرّ الطائر الذي فَقَدَ صوته". يبدو أنّ هناك شيئًا لا واعيًا له علاقة باهتمامي بالصوت وإحساسي بأن صوتي مكتومٌ بطريقةٍ أو بأخرى. وحتى لو سألتِني عن أجمل رواية، قد أقول "دكتور جيفاجو"، وقد أقول ذلك من أجل المشهد الأخير في الرواية: حين يريد بطلُ الرواية أن ينادي المرأةَ التي يحبّ، وفي هذه اللحظة تحديدًا يفقدُ صوته. إلى هذا الحدّ يعني لي الصوت. 

نحن بطبيعة الحال نعيش في أمكنةٍ وفي زمنٍ، ليس فقط أمكنة، نعيش في زمنٍ تُكْتَم فيه الأصوات في مجتمعاتنا الصغيرة، وفي دولنا نفسها من الجماعات التي تحكمنا. وكذلك مكتومون على مستوى أكبر: اليوم لا تستطيعين أن تضعي "منشورًا" على فيسبوك تدافعين فيه عن فلسطين مثلًا، لأن صوتك مكتوم. فالصوت مُرادفٌ للحرية، وأتصوّر أنّ من هذه الزاوية يأتي اهتمامي بالصوت.

 

لانا مدور: جميل. يعني دائمًا الكاتِب يكتب شيئًا مرتبطًا بتجربته الشخصية. في أيّ مكانٍ من أمكنة الرواية. تشعر أستاذ محمد أنّ هذه الرواية "هذا أنت"؟ هل في قصّة الحبّ المستحيلة بين البطلين؟ أم تجد نفسك في الذي هاجرَ عبر البحر ولم يصل إلى برّ الأمان؟ لأنك تتحدّث عن الهجرة غير الشرعية التي حصلت خلال فترة الحرب السورية، وكذلك كثيرٌ من اللبنانيين تركوا هذه الأرض، أو "النجاة من الموت"، لنقل، عبر الهجرة: النجاة بالنفس وبالإنسان. أم شخصيةٌ أخرى أو مكانٌ آخر؟ أيُّ خطٍّ من خطوط هذه الرواية تشعر أنّه يُمثّلك كإنسان؟

 

محمد طرزي: إذا أردتُ أن أُجيب على هذا السؤال أقول: ليس هناك "شخصٌ يُشبهني" في النصّ؛ هناك "شخصٌ نقيضي" في النصّ، وهو سلطان. وهو نقيضي إلى درجة أنّي كتبتُ هذه الرواية، أو كتبتُ عن هذا الشخص بصورةٍ مُتخيّلة، كأنّها بمثابة اعتذار. ذكرتُ في آخر الرواية شيئًا على هامشها: أنّ الدافع المباشر الذي جعلني أكتبها هو هذا الشاب الذي فعليًّا سمعتُه مُصادفةً في مقهى ووجدتُ اتصالًا له وهو يتحدّث، لم أكن أعرف مع مَن، ويقول: إنّ كلَّ محاولاته للهروب من المقبرة فشلت. وبعدها انتبهتُ أنّ هذا الشاب أنهى حياته؛ انتبهتُ من ورقة النعوة، لأنّي تذكّرتُ وجهه. فانتبهتُ أنّني، أنا الذي أسافر كثيرًا ولستُ مُنتبهًا لأهمية هذا الشيء، أعيش حياةً نقيضة لهذا الشاب الذي مستعدٌّ أن يُنهي حياته لأنّه غير قادرٍ على السفر، غير قادرٍ على الهرب من محلٍّ سمّاه، مجازًا وفعليًّا على الهاتف، "المقبرة".

فإذا شئتِ: لا يُشبه شخصًا محدّدًا، إنما يمكن أن يكون نقيض الشخص الذي ذكرته: سلطان. لأنّ قاسم بالرغم من الهجرة، أنا كان حظّي أفضل منه؛ لم أهاجر بالشكل الذي هاجر فيه. وحتى أنا لا أعتبر نفسي "هاجرتُ" بهذا المعنى: أنا سافرتُ بغرض العمل وانتميتُ بهدوء إلى الثقافات الأفريقية المختلفة، فكان نصيبي من هذا الجانب أوفى.

 

لانا مدور: في موضوعٍ أعجبني أيضًا: عندما تتحدّث عن طموحات الآباء وكيف ينظر إليها الأبناء. تقول: ماذا لو كان أبو سلطان، الأب الذي ينعى الموتى، في شبابه نسخةً عن سلطان القديم؟ ماذا لو كان شابًّا طموحًا يُريد اكتشاف العالم مثله، لديه أصدقاء وحبيبةٌ خلاّبة كـ"وداد"؟ ماذا لو كان الرجلُ الصامتُ أمامه نقيضَ ما هو عليه اليوم؟ 

طبعًا لن نكشف كل التفاصيل، لكن أعجبني هذا المقطع، لأنك تتحدّث عن هذه الرؤية وهذه العلاقة بين الأبناء وكيف ينظرون إلى أهلهم وإلى طموحات أهلهم، والخذلان أحيانًا أو الأحكام التي يُطلقها الأبناء على أهلهم. وهنا بدأ يفكّر بطريقة مختلفة. هل يتقاطع هذا أيضًا مع مفصلٍ من حياتك ربما أو علاقتك مع أهلك؟

 

محمد طرزي: هذا سؤالٌ صعب، لكن سأُجيب بصورةٍ عامّة: هذه الفكرة تصلح للآباء، وتصلح أيضًا لأيّ ناسٍ في حياتنا نراهم غيرَ ناجحين، وهم أكبرُ منّا وهناك مسافةٌ عُمرية بيننا وبينهم، ونتعامل معهم من دون أن يخطر ببالنا أنّ هؤلاء حاولوا فعلًا بكل صدقٍ أن يصلوا إلى مكان، ولم يصلوا؛ تمامًا مثلما حصل، انتبه سلطان لهذه الحقيقة لأنّه وقع فيها. فهي نظرةٌ إلى الأشخاص من حولنا الذين قد تكون لدينا تجاههم نظرةٌ غير إيجابية، أنّ هؤلاء كان لديهم ربما مشروعٌ أن يكونوا أشخاصًا إيجابيين؛ كان لديهم مشروع، لكن الزمان والمكان اللذان وُجدوا فيهما أحبطاهم وجعلاهم نسخةً "مشوّهة" عن الصورة التي أرادوا أن يكونوا نقيضًا لها.

 

لانا مدور: أيُّ جرحٍ دفعك لكتابة هذه الرواية؟ أيُّ جرح؟

 

محمد طرزي: أكبر جرحٍ شعرتُ به هو الأزمة اللبنانية. نحن نتحدّث. 

 

لانا مدور: أنتِ كنت في لبنان عندما حدثت الأزمة الاقتصادية والثورة؟

 

محمد طرزي: من "سوء حظّي" أنّ أغلب حياتي كنتُ خارج لبنان إلا في هذه المرحلة... أو من "حُسن حظّي" ربما. 

 

لانا مدور: لتكتب الرواية.

 

محمد طرزي: تمامًا، هذا ما أريد قوله. أنا من الأشخاص الذين خسروا كلَّ مُدّخراتهم في هذا المكان. لكن لديّ أمورٌ أثّرت فيّ أكثر: لديّ صديقةٌ تُوفّيت؛ في الوقت الذي انقطعت فيه أدوية السرطان... ثمّ أكملت العصابات ببيع الأدوية في السوق السوداء، وأخفتها واشتغلت بالدعم... هذه الفكرة... فكرة أنّني كنتُ موجودًا في هذا المكان في فترة الكورونا والإفلاس والانهيار؛ حتى إنّي كنتُ أزور المقبرة نفسها، ذكرتُها في الرواية، أو بالأحرى في مكانٍ مُعيّن لم أذكرها لأنّها كانت على دربه. الأجواء كلّها في تلك اللحظة الزمنية: الموت. 

فوجْئتُ بعدد الأشخاص الذين خسرتُهم بسبب "كوفيد"، وبالإفلاس الشخصي، وتعسُّف الناس الذين كانوا حولي، وأنا طبعًا كنتُ جزءًا من حياتهم، أُساعدهم في مكانٍ ما. ثمّ فكرة انفجار المرفأ كانت قاسية، وربطتُها بحيوات الناس. أصلًا هذه الرواية عن =ناسٍ حقيقيين في مكانٍ من الأمكنة؛ هؤلاء الناس في الرواية هم ناسٌ حقيقيون حولي عانوا ما عانوه، ونقلتُه إلى النصّ بصوتهم.

 

لانا مدور: أيضًا تتحدّث كثيرًا عن التطرّف؛ هناك فصلٌ كامل عن التطرّف الذي لحق ببعض الناس، التغيّرات التي حصلت في العيش، في الرؤية للدِيْن، في ممارسة الدِيْن. 

لكن لأنّه تبقّى لديّ فقط دقيقتان، أريد أن أختم بهذه الجملة صراحةً، وأعتقد أنّها تُلخّص كلَّ ما أردتَ أن تقوله: "مدينتي مقبرةٌ كبيرةٌ يحكمها مذياعٌ للموت، ما أكثر مُكبّراتها وما أضعف فيها الصوت". 

ماذا تقول في النهاية، أستاذ محمد؟

 

محمد طرزي: أقول في النهاية إنّ هذه الرواية كُتِبَت قبل الحرب الأخيرة، وأظهرت الكثير من المُعاناة والكثير من الآلام. فما بالك اليوم؟ اليوم أنا أنظر وأفكّر بأنني كتبتُ عن مأساةٍ شعرتُ بها، والناس كانوا يشعرون بها. واليوم أتساءل وأنا بعيد، بما يشعرُ به أولئك الناس الذين هم أهلي.

 

لانا مدور: واضحٌ أنّك تأثّرت...

تعرِف: سخريةُ القَدَر أنّ كلَّ روايةٍ كُتِبَت في زمنٍ مضى تصلح لكلِّ زمنٍ نعيشه في الحاضر وفي المستقبل. وهذا أمرٌ صعب؛ واقعُنا يتشابه، وربما أحيانًا نتقدّم ولكن نحو الأسوأ وليس الأفضل. 

هل لديك أمل؟

 

محمد طرزي: يجب أن نتحلّى دائمًا بالأمل، لكن إذا قرأنا بشكلٍ موضوعيٍّ ومنطقيٍّ ما يجري وما نعيشه وطريقة ارتباطنا بالماضي وبالإرث وبالتناقضات التي تسيطر علينا... يبدو أنّ الأمل ضعيفٌ جدًّا.

 

لانا مدور: أنت أعطيتَ سلطان أملًا بالخروج من المنطقة جغرافيًّا، بالمُغادرة جغرافيًّا. هل هذا هو الحلّ؟

 

محمد طرزي: هذا ليس حلًّا. على المستوى الشخصي هو حلٌّ لأنّ سلطان سوف يتفاجأ، لديه تصوّرٌ معيّن، في أغلب الاحتمال هو تصوّرٌ غير صحيح عن الهجرة وعن العالم خارج "المقبرة". وهو في نهاية الأمر ليس حلًّا؛ لأننا لا نستطيع أن نهاجر جميعُنا ونترك هذا البلد لأعدائنا أو لمَن...

 

لانا مدور: أستاذ محمد، هل ستكتب جزءًا ثانيًا نلحق فيه سلطان إلى كندا، أم انتهت قصّته هنا؟

 

محمد طرزي: أنا بالمبدأ أنهيتُ قصّته هنا.

 

لانا مدور: شكرًا جزيلًا لك محمد طرزي، الكاتب اللبناني، على انضمامك لنا في هذه الحلقة من "بين الكلمات". كنتَ معنا من جنوب السودان. ألف شكرٍ لك. 

 

محمد طرزي: شكرًا لك.

 

 

المحور الثاني

 

لانا مدور: تمّت "عَبْرَنة" الخريطة الفلسطينية. هل تساءلتم كيف مُرِّرَ المشروعُ الصهيوني "حقَّ" امتلاكه لأرضنا العربية؟ ما هي الروايات التاريخية التي استخدمها، والأكاذيب التي خَدَع بها العالم؟ 

نستعرض الآن كتابًا يُفصّل هذه الروايات ويُسلّط الضوء عليها تاريخيًّا وعقائديًّا. أيُّ كتابٍ يحكي عن "الأرض المُقدّسة" وكيف تمّت عَبْرَنة الخريطة الفلسطينية؟ 

الكتاب عنوانه "تخيّل الأرض المُقدّسة" للباحِث الفلسطيني أحمد الدبش، الذي ينضمّ إلينا الآن. مساء الخير أستاذ أحمد.

 

أحمد الدبش: مساء النور وأهلًا بكِ.

 

لانا مدور: أوّلًا، الكتاب مرجعٌ مهمّ جدًّا لنفهمَ ما الذي حدث تاريخيًّا: كيف تحوّلت فلسطين إلى مكانٍ يدّعي اليهود أنّهم يمتلكونه تاريخيًّا؛ يعني استخدموا الكثير من الروايات. 

نريد أن نبدأ معك من نقطة التفريق بين "الرواية الصهيونية" و"السردية الفلسطينية": ما الفرق بين هذين التعبيرين؟

 

أحمد الدبش: أولًا: الرواية قصّةٌ مبنيّةٌ على الخيال، فيها جزءٌ كبير من الخيال وأعمال الخيال. فبالتالي نُطلق على أيّ شيءٍ تكتبه الحركة الصهيونية، أو العدوّ الصهيوني، كلمة "رواية" لأنّ فيها الخيال أكثر من الحقيقة. أمّا "السردية" فأنتِ تطرحين سرديّتك كفلسطينيةٍ أو عربيةٍ قائمةٍ على إثباتاتٍ، على تاريخ، على وقائع تاريخية، على "شخوصٍ" تاريخية.

 

لانا مدور: ما هو التحدّي في كتابة هذا النوع من البحث؟

 

أحمد الدبش: التحدّي أنّنا اليوم، في 2024–2025، نعيش مرحلة "ادّعاء تاريخي". وتحديدًا خلال الستة عشر شهرًا الماضية، من 7 أكتوبر، أي يوم "طوفان الأقصى"، عملية "طوفان الأقصى" إلى اليوم، تغيّر المفهومُ للروايات وللسرديات. كلّ طرفٍ حاول يطرح روايته أو سرديّته في مقابل الطرف الآخر. هذا لاحظناه في خطابات نتنياهو من يوم 7 أكتوبر، وفي خطابات غالانت، بن غفير، سموتريتش. هذه "الروايات" التي تدعو للإبادة وقتل الشعب الفلسطيني تحت حِجَجٍ واهية: حجّة "أنّ الأرض أرضُ إسرائيل"، "أنّ هناك شعبًا كان مُشتّتًا بُعَيْد ميلاد المسيح بألفَي سنةٍ"، "ورجعوا إلى أرضهم الأصلية". 

وبالمناسبة، هذا النصُّ صدر في 14/5/1948، تاريخ قيام الكيان الصهيوني أو "دولة إسرائيل"، حين وقف بن غوريون في وسط تل أبيب، التي هي مدينة يافا الفلسطينية، وأعلن قيام هذا الكيان. قال: "إنّنا بعد آلاف السنين ومئات السنين في الشتات عاد الشعب اليهودي إلى أرض إسرائيل للاستمرار في حكمه". طبعًا اعتمد بن غوريون على شيئين غير صحيحين تاريخيًّا ومنطقيًّا:

أولًا: أطلق على أرض فلسطين إسم "أرض إسرائيل"، وفي التاريخ لا يوجد أيُّ دليلٍ أثريٍّ أو تاريخيٍّ يشير إلى أنّ أرض فلسطين في يومٍ من الأيام أُطلق عليها "أرضُ إسرائيل".

ثانيًا: "حالة الشتات" التي ربطتها العصابات الصهيونية أو إعلام بن غوريون بأنّه كانت هناك مجموعةٌ من "الشعب اليهودي" تمّ "شتاتهم" أي تمّ طردهم عبر الغزوة الرومانية لفلسطين وهدم "الهيكل"، فتشتّتوا ألفَي سنةٍ أو ثلاثة آلاف سنة، ثم عادوا إلى "وطنهم الأصلي".

هنا نقطةٌ أخرى: لا يوجد شيءٌ إسمه "شعبٌ يهودي". اليهودية ديانةٌ وليست شعبًا، وليست جنسًا، وليست "أرومةً" ولا عِرقًا.

 

لانا مدور: ليست عِرقًا أيضًا؟

 

أحمد الديش: ليست عِرقًا. هناك مجموعةٌ من الشعوب اعتنقت الديانةَ اليهودية. مثل المسلم: المسلم ليس "أرومةً" واحدة؛ هناك مسلمٌ باكستاني، مسلمٌ عربيّ، مسلمٌ أميركي، مسلمٌ صينيّ. ما يجمع بينهم الإسلام، لا قوميةٌ ولا عِرق. فبالتالي هذه نقطةٌ أساسيةٌ أيضًا أخطأَ فيها. 

النقطة الثالثة: إعادة واستعادة "أرض إسرائيل" بين هلالين، بناءً على نصّ إعلان "الدولة". "دولة" الكيان الصهيوني ترجع بمطالبها التاريخية إلى "دولة سليمان وداود" أو "المملكة الداودية السليمانية" المزعومة. عملَ علماءُ الآثار في فلسطين على مدار 120 سنة، لم يجدوا أيَّ دليلٍ على وجود شخصٍ يُسمّى داود أو "ديفيد"، أو "شلومو" أو سليمان في فلسطين. ولا يوجد أيّ دليلٍ على وجود "مملكةٍ عظمى"، ولا يوجد أيُّ دليلٍ على وجود "هيكل". 

فبالتالي لو عرضنا بيان إعلان الدولة على الوثائق التاريخية يسقط فورًا: نتيجته "صفر". لا يوجد أيّ دليلٍ تاريخيٍّ عليه. فجاءت فكرة "تخيّل الأرض المُقدّسة": كيف تخيّلوها؟ هل تخيّلوها في 1948 أم قبل 1948؟ هل كان هناك عملٌ عليها؟ 

المشكلة الأساسية أنّ النصَّ التوراتي نصٌّ أقرب إلى الأسطورة منه إلى التاريخ.

 

لانا مدور: بمُجمله؟

 

أحمد الدبش: بمُجمله وبرمّته.

 

لانا مدور: كيف اكتشفتَ هذا الموضوع؟

 

أحمد الدبش: هناك جيل كامل من علماء الآثار الذين نقّبوا في فلسطين، اكتشفوا أنّ "الجغرافيا التوراتية" لا تتلاءم مع فلسطين بالمُطلق. 

 

لانا مدور: ولا مع الجزيرة العربية؟

 

أحمد الدبش: ولا مع الجزيرة العربية أيضًا. لأنّ عندك نقطةً أساسيةً في أعمال كمال الصليبي، وفي الأعمال التي كانت تاليةً لكمال الصليبي رحمه الله، أنّنا في الجزيرة العربية اشتغلنا على "مقاربة الأسماء": إذا أردتُ أن أبحث عن الشعب "الكلداني" أو "أرومة الكلدان"، أبحث في الجزيرة العربية؛ أنقل "مصر" إلى الجزيرة العربية، أنقل "بابل" إلى الجزيرة العربية، أنقل الجغرافيا كلَّها وأضعها في الجزيرة العربية. وبناءً عليه أرسم خارطةً لجغرافيا الكتاب المُقدّس: أنّ مسرح الأحداث كان في الجزيرة العربية. لكن هذا المسرح وهذه الخارطة التي رسمتُها يعوزها "الدليل الأثري"، لأنّي أستخدم الدليل الأثري في نفي الحدث في فلسطين؛ فبالتالي يجب عليّ أن أستخدم الدليل الأثري في إثبات الحدث في المنطقة التي أريد أن أنقلها.

 

لانا مدور: ماذا عن "الكتاب المُقدّس" في العهد القديم مثلًا، ليس فقط التوراة، أيضًا ما يتّخذه المسيحيون نصًّا مُقدّسًا؟

 

أحمد الدبش: المشكلة الأساسية، وقد ذكرتُها في كتابي في الفصل الأول، عن قسطنطين: قسطنطين إمبراطورٌ روماني ظهر في القرن الرابع الميلادي. قسطنطين كان صاحب فتوحات؛ فتح أغلب العالم، وكانت عنده ثروةٌ كبيرة، عنده كلّ شيء، لكن كان ينقصه "الدين". فبحث عن الدين؛ فلم يجد في عصره إلا الدين المسيحي لينتسب إليه. فعمل "روايةً" حول هذا "الانتساب" للديانة المسيحية، وهذه الرواية مذكورةٌ في كتب المؤرّخين: قال إنّه كان نائمًا فحلم بالمسيح، وينزل له الصليب من السماء، فأكمل فتوحاتِه، فبالتالي اعتنق المسيحية. 

الذي صدّق روايته شخصٌ يُسمّى "أوسابيوس القيصري"، ويُعتبر "أبو التاريخ الكَنَسي"، فقال: روايته صحيحة، كأنّ أوسابيوس كان معه في الحلم! وبناءً عليه، بحث قسطنطين عن "علاماتٍ" للكتاب المُقدّس في فلسطين وفي المشرق؛ بعثَ أمَّه "هيلانة"، وأنا كتبت تفاصيل بالمراجع والأدلّة، بعثها بمَوكبٍ إلى فلسطين لتبحث عن المسيح. هذه القصة موجودةٌ في كتب التاريخ المسيحي: كيف تعاملتْ مع اليهود وتعاطتْ معهم حتى تجد "المسيح". الخطورة أنّه في عصر الإمبراطورية الرومانية تمّ "ضمّ" العهد القديم إلى العهد الجديد؛ العهد القديم لم تكن له أيُّة قيمة، التوراة لم تكن لها أيُّة قيمةٍ حتى جاءت اللحظة الفارقة: عملوا "اجتماعًا" وضمّوا العهد القديم إلى العهد الجديد تحت مُسمّى "قانونية العهد". فبالتالي إذا أنا كمسيحيٍّ "قسطنطين"، أريد أن أذهب أبحث عن المسيح، فبالتالي عليَّ أن أمشي على "خطوات" داود وسليمان وإبراهيم؛ فيجب أن "أنقل" الجغرافيا أو "أطبّق" الجغرافيا على فلسطين. 

هنا اشتغلَ القيصري، هذا المؤرّخ الكَنَسي، وعمل "معجمًا جغرافيًّا" لفلسطين، أسقط عليه جزءًا كبيرًا من المدن والقرى المذكورة في الكتاب المُقدّس في العهد القديم على خارطة فلسطين. أوسابيوس بالمناسبة تمّ نقدُه من العديد من المؤرّخين: اتُّهم بالمنافق، بالفاشل، بالكاذب، بالجاهل، وتمّ نقدٌ لجميع أعماله.

 

لانا مدور: كلُّ هذه المعطيات: كيف يمكن تجميعها لمواجهة الرواية الإسرائيلية حول أحقيّتهم بـ"الأرض المقدّسة" وبفلسطين وبالتهجير وبالتوسيع... إلى آخره؟

 

أحمد الدبش: أنظري: الكيانُ الصهيوني قام على ثلاثة مُرتكزات؛ هو ليس "احتلالًا" كأيّ احتلال. "الاحتلال الطبيعي" أن يأتي فيحتلَّ الأرض، يقعدَ في الأرض، ينهبَ ثرواتها، يستخدمَ الشعبَ كيدٍ عاملةٍ رخيصة، أي "استعمارٌ. "الاحتلال الصهيوني" قام على مرتكز: اقتلاعُ الشعب، إسكانُ شعبٍ مكانه، إبادةُ الشعب، وإنشاءُ مجتمعٍ جديدٍ مكان المجتمع "الأصلاني". فبالتالي يجب أن يعمل "إبادةً": ليس إبادةً للسكان فقط، بل إبادةً للتاريخ، وإبادةً للمشهد اللغوي والمشهد الجغرافي. هذا ما فعلته الحركة الصهيونية.

 

لانا مدور: عندك حديثٌ كثيرٌ عن مسألة اللغة: بالكلمة، بالمناطق...

 

أحمد الدبش: النقطة الأساسية التي تمّت في الحركة الصهيونية، من 1922 حتى الآن، أنّهم انتبهوا إلى أنّ هناك "مشهدًا جغرافيًّا وتاريخيًّا" للشعب الفلسطيني يجب "إبادته". لم يكتفوا بإبادة السكان؛ فدخلوا أيام الانتداب البريطاني، في لجنةٍ من ثلاثة أشخاص يهودٍ صهاينة حول "تغيير المُسميّات" في فلسطين، تحت مُسمّى "لجنة المُسميّات" كانت في 1920–1921. 

 

لانا مدور: إذا أردتُ أن أسألك: أهمّ خطوةٍ أُقيمت لتغيير الخريطة أو لعَبْرَنة هذه الخريطة، هي هذه الخطوة؟ "تغيير المُسميّات"؟ 

 

أحمد الدبش: سبقتها خطواتٌ طبعًا: "صندوق استكشاف فلسطين"، وأعتقد أنّه كان "صندوق تهويد فلسطين" وليس استكشافها في 1865، رحلة "روبسون"، إدوارد روبسون، أو القِسّ الأميركي مع من... الذي عمل جغرافيا لفلسطين ورسم الخرائط لفلسطين؛ تمّت بناءً على معلوماتٍ توراتية. هذه الأعمال كلّها أُتبِعت في العصر الحديث بـ"لجنة المُسميّات" 1921. هذه اللجنة التي أقول لكِ عنها، حاولوا أن يُعدّلوا بعض أسماء المُسميّات. أمسكي أيَّ خارطةٍ قبل 1921: ستجدينها مكتوبةً بالعربي والإنكليزي: "القدس" بالعربية وبالإنكليزية "القدس"، "الخليل" بالعربية وبالإنكليزية "الخليل". أمّا عندما جاءت الحركة الصهيونية طلبوا تعديل الخريطة: من إسم "فلسطين" إلى "إرتس يسرائيل"، "أرض إسرائيل". رفضت بريطانيا، خافت من المشكلة مع الشعب الفلسطيني ومع العرب. فتمّ تغيير إسم القدس، بالخرائط، إلى "جيروزالم"، والخليل إلى "حبرون". حتى لو لاحظتِ: الطوابع البريدية، العملة والطوابع البريدية، الطابعُ البريدي الفلسطيني كان يُكتب عليه بالعربي والإنكليزي والعبري. بجانب إسم "فلسطين" كانوا يفتحون قوسًا ويضعون أوّل كلمتين من "أرض إسرائيل"، لم يكونوا يكتبون "أرض إسرائيل" كاملة. كانت عملية لتغيير المشهد.

النقطة الأساسية التي تمّت بـ"لجنة التسميات"، التي عملها بن غوريون، أوّل رئيسٍ للكيان الصهيوني، أنّه بدأ بلجنةٍ في "النقب"، سمّاها "لجنة النقب للمُسميّات"، ثم وسّعها لكلّ الأراضي الفلسطينية. كان عنده مشكلةٌ مع "النقب" لأنّه كان في النقب ووجد كمية المُسميّات العربية غير طبيعية؛ طلب منهم "إبادة المُسميّات": ليس إبادةَ الشعب فقط، بل إبادةَ المُسميّات وتغيير مُسميّات القرى والنجوع والمواطن الفلسطينية لأسماء توراتية وعبريّة. وعمل اجتماعًا في بيته مع تسعةٍ إلى أحد عشر عالِمًا صهيونيًّا، وطلب منهم إنهاكَ وإنهاءَ هذا "المشهد الفلسطيني" واستبداله بمشهدٍ توراتي.

 

لانا مدور: هل نحن نقومُ برأيك بدورنا على أكمل وجه؟ أم لا؟ هل نحن بحاجةٍ إلى عملٍ أكثر للتفوّق على هذه الرواية الإسرائيلية؟

 

أحمد الدبش: لا، لا نقوم بدورنا على أكمل وجه؛ لأنّ لدينا مشكلةً في "الأكاديمية العربية"، لا أقول الفلسطينية فقط، موجودٌ فيها مجموعةٌ من "السلفيّة الأكاديمية" الذين يعتقدون أنّ نصَّ التوراة في "الفولكلور الفلسطيني" موجودٌ في المنطقة العربية، في العراق ومصر وفلسطين. وبناءً عليه تقوم أبحاثُهم، ويغضّون البصر عن أعمال جيلٍ كاملٍ من الأثريين ومن نقّاد الكتاب المُقدّس. هذه نقطة. إذا أردنا أن نُعيد كتابة تاريخ المنطقة، ليس تاريخ فلسطين فقط، فإنّ تاريخ فلسطين لا يُكتب عبر "التاريخ الفلسطيني" وحده، بل عبر التاريخ اللبناني–السوري، أو "سوريا الكبرى" ككلّ، وعبر التاريخ المصري والعراقي. لا يُمكن كتابتُه "مُجتزأً". 

يجب أن نكتب التاريخ العربي خارج "منطوق الرواية التوراتية"، خارج "قبضة الكتاب المُقدّس". يجب أن نتحرّر من "إمبراطورية الأفكار التوراتية". هذه نقطةٌ مهمّة جدًّا. إذا تحرّرنا من الأفكار التوراتية، واعتبار التوراة، أو الكتاب المُقدّس، كنصٍّ تاريخي، سنقدر أن نكتب تاريخ فلسطين وتاريخ العروبة بناءً على وثائقَ أثريةٍ ومعلوماتٍ تاريخية. غير ذلك لا نقدر.

 

لانا مدور: شكرًا لك الباحث أحمد الدبش على انضمامك لنا في "بين الكلمات". 

 

 

المحور الثالث

 

لانا مدور: قصّتُها بدأتْ عندما وجدتْ أنّ أسلوبَ =مُخاطبةِ الأجيال الجديدة ينقصه الكثير من الوعي والنُضج. فهي إبنةُ الأردن، وتكوّن وعيُها حول أهمية تنشئة الشباب على القِيَم الحقيقية خلال السنوات الدموية من التفجيرات الإرهابية في بلادنا. 

أسّست "دار حُون" وبدأتْ بنشر الروايات العربية المُصوّرة، لتكتب عن الإرث الإسلامي والعربي بعيدًا عن التشويه والتطرّف. 

رانيا الجعبري، كاتبةٌ أردنية، تحدّثنا عن تجربتها الفريدة في الكتابة للفئات العُمرية الشابة، وتنضمّ إلينا من عمّان. مساء الخير وأهلًا بكِ سيّدة رانيا.

 

رانيا الجعبري: أهلًا، أهلًا، مساء الخيرات. 

 

لانا مدوّر: تجربتك مُلفتة، لكن ربما أكثر ما لفتكِ في قصّتك الشخصية أنّكِ درستِ الشريعة. فأحبّ أن أبدأ من هذه النقطة: دراسة الشريعة من قِبَل امرأة. لماذا بدايةً درستِ الشريعة؟ وما الذي دفعكِ إلى هذا المجال؟

 

رانيا الجعبري: قبل أن أحكي عن الشريعة قليلًا، أحبُّ أن أحكي عن شيء: أتمنّى إن شاء الله أن تكون كتاباتي تحترم عقل الفتيان. لكن بدأتُ على قاعدةٍ موجودةٍ عندنا في الأردن من كاتباتٍ في أدب الطفل وأدب الفتيان. أنا تعلّمتُ منهنّ للأمانة، أشير إلى كاتباتٍ قبلي موجودات؛ تركْن أثرًا، وتركْن أثرًا حتى في عقول الأطفال. وأنا أتمنّى أن أصلَ حتى إلى الطريقة التي وصلنَ بها إلى عقول الأطفال، بالإضافة إلى أنّني فخورةٌ بأنني أمشي بهذا الطريق.

 

لانا مدور: جميل. 

 

رانيا الجعبري: الفكرة الثانية، موضوع الشريعة: أنا في البداية عندما جئتُ أذهبُ إلى كلية الشريعة كنتُ "تخصّصي علمي" في المدرسة، وكنتُ أكره "الشيء العلمي". وكان لا بدّ من أن أجد "مخرجًا آمنًا" أمام الأهل لأقول: أريد أن أذهب إلى شيءٍ أدبي. لأنّه عندما تقولي: "أريد أدب عربي"، شيءٌ كهذا، يقولون لكِ: "نأتيكِ بالكتب"... وهذه التفاصيل. فكانت الشريعةُ هي "المخرج الآمن" في موضوع أنني "أريد أن أذهب إلى الشريعة"، فيصبح صعبًا أن يُرفَض هذا الشيء. للأمانة: عندما دخلتُ كلية الشريعة كنتُ "منغلقةً" كثيرًا، مثلي مثل ناسٍ كثير، نفكّر بأشياء كثيرة على أنّها "حلال/حرام". في كلية الشريعة تعلّمتُ "قاعدةً ذهبية"، ودائمًا يُدرّسوننا =إيّاها لكن قليلٌ مَن يقف عندها، وهي أنّ "الأصل في الدين هو الحِلّ". يعني: الأصل في أيّ حكمٍ أن نقول إنّه حلالٌ إلا إذا طرأ سببٌ معيّن لنقول إنّه حرام. هذه القاعدة الذهبية بدأتُ منها أغيّر تفكيري، الذي لم يكن يختلف عن تفكير الناس: أنّ "الأصل في الأشياء هو الحرام". بدأتُ أتعلّم أنّ "الأصل هو الحلال"، ومن هنا بدأتُ الرحلة لأكتشف أنّ أشياء كثيرة نحن نعتقد أنّها "حَرام" أو "مكروهة" في هذا الدين، لكنها محبّبة ومطلوبة أيضًا.

 

لانا مدور: طبعًا أنتِ من مجتمعٍ محافظ، المجتمع الأردني مجتمعٌ أيضًا مُتديّن. دراستكِ للشريعة، دخولكِ إلى هذه الكلية، "تغيير المفاهيم" الذي تحدّثتِ عنه: كيف غيّر علاقتكِ بالدين؟

 

رانيا الجعبري: الأردن مجتمعٌ محافظ "حديثًا". لو عدنا إلى صور طالبات الجامعة الأردنية في الثمانينيات والسبعينيات والستينيات لوجدنا أنّهنّ لا يختلفنَ عن حال أيّ فتاةٍ في العالم العربي في مرحلة "النهضة القومية"، دعينا نقول، أي قبل انتشار الفكر المُتشدّد. لكن للأسف كان عندنا كما عند باقي المجتمعات العربية، فكرٌ محافظ. عندما درستُ الشريعة، في الشريعة أمامكِ طريقان: إمّا أن "يقبل" طالبُ الشريعة أن يلبس الثوب الذي يرتضيه المجتمع والنظرة المُسبقة لأيّ طالب علمٍ في الشريعة، أو أن يبحث بجدٍّ ويكتشف حقيقةَ نظرةِ الدين للحياة. 

عندما كنتُ أقرأ، لا أقول فقط للإمام محمد عبده في عصر النهضة، بل حتى في السابق: علماؤنا المسلمون في مراحل الحضارة العربية والإسلامية كانوا متفتّحين جدًّا، وحتى حضور المرأة في حضارتنا العربية والإسلامية كان مهمًّا ولافتًا. هذا كلّه غيّر في الكثير، وجعلني أعتقد، أو أحمل رسالة أنّه يجب أن نغيّر هذا الواقع الذي نعيشه؛ لأنّ نظرة الناس للدين لا تؤثّر فقط على حياتهم، بل ممكن أن تؤثر على مستقبل بلادنا السياسي.

 

لانا مدور: جميلة هذه الرؤية، خاصةً تعرفين: في السنوات الأخيرة زاد التطرّف وزادت الحركات المُتطرّفة، وزاد تشويه الدين الإسلامي، عمْدًا أو عن غير عمْد. 

أخبريني عن المرحلة التي قرّرتِ فيها أنّ هذه رسالتكِ في التحدّث مع الفئات العُمرية الصغيرة: أطفال، شباب... وأن تذهبي بهم إلى رحلةٍ أدبيةٍ معرفية لحقيقة علماء أو شخصيات أو قصص، أو حتى مفاهيم وأخلاقيات مجتمعية ودينية.

 

رانيا الجعبري: البداية =كانت أثناء عملي كمُراسلةٍ صحفية في مرحلة تمدّد جماعاتٍ مُسلّحة تقول إنّها تعتنق الإسلام وتحارب لأجل الإسلام. في هذه المرحلة كنتُ ألمس مدى المُغالطة في "الخطاب الديني" لدى هذه الجماعات. طرأ عندي إحساسٌ، وهو ليس إحساسًا فقط بل =واقع تبلور في باقي الأيام: الإعلام وحده لا يستطيع أن يُغيّر وجهة نظر الناس؛ يجب أن تبني من القاعدة، أن تبدأ مع الإنسان من مراحل طفولته: من مراحل وعيه الأولى، من سنّ سبع سنوات فما فوق. 

هذه الفكرة سيطرت عليّ في مراحل معيّنةـ أثناء تغطيتي وحتى أثناء قراءاتي، لأنّ الطفل يجب أن يتعرّف إلى حضارته العربية والإسلامية كما هي. نحن لا نقول: "الطفل مرحلةٌ مُبكّرة". للأسف أحيانًا الاستقطابُ للمُسلّحين يتمّ من عمرٍ مُبَكّر، من عشر سنواتٍ وإحدى عشرة سنة. فإذا لم يكن ابنُ بلدكِ "مُسلّحًا بالمعرفة" في هذا العُمر، ممكن أن يكون "صيدًا سهلًا" لهذه الجماعات التي تخترقُه.

 

لانا مدور: طيّب، هل صعبة مُخاطبةُ هذا الجيل بلغةٍ بسيطةٍ وبسردٍ قصصيٍّ بسيط، خاصةً وأنّ المواضيع التي تطرحونها عميقةٌ وكبيرةٌ ومفاهيمُها معقّدةٌ أحيانًا؟

 

رانيا الجعبري: في مشروع "دار الدَّحنون"، ليس فقط نقدّم كتبًا نكتبها للأولاد، لدينا أيضًا جلسات مناقشة كتبٍ للأولاد. كلُّ شهر: الأولاد من سنّ 7 إلى 11 سنة "مجموعة"، ومن 11 سنة إلى 15 سنة "مجموعة"؛ يجتمعون، يناقشون الكتب، وهم الذين يتكلّمون ويُعبّرون، ونحن نسمع لهم. ستتفاجئين، عندما تسمعين مدى الوعي عند الأولاد. أحيانًا، قبل أن أجلس مع الأولاد وأناقشهم وأسمع لهم، كنتُ أكتب بمستوى "متدنٍ قليلاً". عندما جلستُ معهم بدأتُ أرفع بالمستوى؛ لأنّ هؤلاء الأولاد مطّلعون، وتُقدَّم لهم معلوماتٌ من مصادر مختلفة. فبالتالي هم بحاجةٍ فقط لأن نُطلعهم على مضمون حضارتنا العربية والإسلامية. 

لكن، لنتكلّم بلغةٍ =مبسّطة. وإذا رجعنا لكتب حضارتنا العربية والإسلامية، سواءٌ في الفكر الديني أو حتى في الأدب، سنجد أنّها ليست صعبةً على الأطفال فحسب، بل باتت صعبةً حتى على الكبار الذين لم يرتبطوا باللغة. فصار لِزامًا أن نُبسّط اللغة بصورةٍ معيّنة لتُرافق الطفل من عُمر سبع سنوات حتى يكبر. ومن طموحنا أنّه في يومٍ من الأيام، هذا الطفل وهو في الجامعة، يكون الشعر العربي قريبًا إليه أكثر ممّا هو قريبٌ لوالده أو لوالدته.

 

لانا مدور: فاجأتِني، صراحةً، في هذا التقييم للفئة العُمرية، خاصةً من 11 إلى 15؛ هذه الفئة صعبة مُخاطبتها، ليست مستحيلة، لكن لها شروط. 

ما أكثر التحدّيات التي ربما واجهتْكم، وواجهتكِ، في مخاطبة هذه الفئة تحديدًا؟

 

رانيا الجعبري: الصعوبة التي واجهتُها ليست في مخاطبة الفئات، بل، للأسف، في مخاطبة "المجتمع". المجتمع أحيانًا لا يتقبّل قضايا يجب أن نطرحها، مع أنّها تُطرح في الكتب بالإنكليزية.

 

لانا مدور: مثل ماذا؟ مثل أيّة قضايا؟ أحبّ أن أعرف.

 

رانيا الجعبري: مثلًا: في قضيةٍ بكتابٍ في الفكر الديني للفتيان، هي "قولي لا"، لا تُطرح أكيد في الكتب الإنكليزية، لكن أنا بدأتها بكتاب "الإمام الأوزاعي". نحن، في مجتمعنا، الناسُ قد يتحدّثون، من باب المُجاملة، أنّ الإسلام والمسيحية معًا... لكن للأسف لمستُ، من بعض العائلات، أنّهم يستبعدون كتاب "الإمام الأوزاعي". طبعًا الإمام الأوزاعي هو "إمام أهل الشام" في أواخر مرحلة الدولة الأموية، وكنا، نسميه، "إمام العيش المشترك": كان له دورٌ مهمٌّ في الوجود المسيحي وبقاء الوجود المسيحي في جبل لبنان أيّام الدولة العباسية.  الناسُ، بعضهم، غير مهيّئين لتقبّل هذا. ليس الجميع، طبعًا، هناك مَن يأخذ الكتاب ويُحبّ أن يقرأ أولادُه ويعرفوا أنّ الفكر الإسلامي فكرٌ يتّسع للجميع. لكن، للأسف، بعض الناس تشعر أنّ هذا الكتاب: "لا، الآن... لا نريد أن نرى هذا الإمام".

هذا على مرحلة الفتيان، على مستوى المرحلة الأصغر: موضوع "الطلاق". مع أنّ الطلاق صار منتشرًا في مجتمعاتنا، لأنّ المرأةَ مُتمكّنة، ولأنّ هناك حريةَ اختيار، وأحيانًا عندنا "اختلاط" في المفاهيم الحياتية، فالطلاق موجود. والناس تحاول "تنكر" كأنّ لا "حالة طلاق"، فلا تريد كتابًا يحكي قصة ولدٍ أمُّه وأبوه "مُطلّقان".

 

لانا مدور: ملفتٌ، فعلًا، ما تقولين؛ لأنّ فيه رَصْدًا للمجتمع وتطوّره. وكما قلتِ: للأسف، كلّما تتطوّر مجتمعاتُنا، ربما يزداد الجهل أو التطرّف، رغم أنّ مصادر المعلومات كبيرة.

لديكِ كتابٌ إسمه "بشرط"، وتتحدّثين فيه عن "حاتم الطائي"، عبر قصة صبيٍّ وعلاقته بوالده وكيف يقرأ الأمور... كيف تختارين الشخصيات التي تريدين التحدّث عنها في رواياتكِ؟

 

رانيا الجعبري: اختيار الشخصيات أحيانًا يكون بناءً على "الفكرة". بالصدفة، فكرةُ المجموعة، نمت ببطء. في البداية كنّا نريد عمل كتاب هدفُه أن يكون لورشة "تذوّق اللغة العربية" للأطفال، لِنَربط بينهم وبين شخصية "حاتم الطائي". وجدْنا أنفسَنا نتحدّث عن قضيةٍ مهمّةٍ جدًّا. وأنا، وأنا أكتب، اعتقدتُ أنّني سأقف هنا؛ لأنّ هذا الطفل، يكون هناك شرط بينه وبين والده ووالدته، وهم من فلسطين. يقول لهم: "أنا مستعدٌّ أن أقرأ عن حاتم الطائي إذا نجتمعُ، نحن الثلاثة، نتعشّى سويّةً"، لأنهم منفصلون منذ سنة، هو لا يستطيع أن يتعشّى مع أمّه وأبيه معًا. القصة أخذتْني إلى مكانٍ أبعد: أوّل شيءٍ: هذا الطفل يتعرّف إلى شخصيةٍ من تراثنا العربي، "حاتم الطائي"، كان هدفي البسيط أن أعرّف الأولاد على "حاتم الطائي"، لأكتشف أنّ شخصية "حاتم الطائي" شخصيةٌ "مسيحية" من تراثنا العربي! 

في ما بعد، الحمد لله، القصة كان لها قبول. ناسٌ كثير من النقّاد قالوا لي: لا، كمّليها؛ لا يصحّ أن توقفي هنا. فبدأنا، الآن، بالجزء الثاني: نتناول قصة "عروة بن الورد"، لأكتشف أنّ "عروة بن الورد" شخصيةٌ أيضًا "مسيحية" من تراثنا العربي. في الواقع، صرتُ أشعر، ليس أنا التي أختار، الشخصيات هي التي تختارني! كأنّ لديكِ رسالةً فعلًا، وتجدين نفسكِ أمام معارف لا تقدرين أن تتجاوزيها، وتُحسّين أنّ من المهم أن يعرفها الأطفال.

 

لانا مدور: جميل، أنا لم أكن أعرف، تُخبرينني معلومةً جديدةً عن هذه الشخصيات. لماذا، برأيكِ، لا نعرف؟ هل هذا أمرٌ "جيّد"، أنّ "الهويّة العربية" هي الأهمّ من "خلفية الشخصية الدينية"؟

 

رانيا الجعبري: أعود لبداية المقابلة عندما قلنا: المجتمع الأردني محافظ. قلتُ لكِ: لا، للأسف، حاليًّا مجتمعاتُنا العربية تتّجه نحو "المحافظة". في مرحلةٍ معيّنة كان المجتمع، ليس الأردني فقط، المصري والسوري... كل المجتمعات العربية "عروبية قومية". لم نكن، قبل 40 و50 سنة، نقف عند موضوع "الهويّة الدينية": كنّا دائمًا ننظر أنّ هذا شاعرٌ عربيّ، بغضّ النظر عن دينه. الآن، للأسف، تصدّرت "الهويّة الدينية" وسبقت "الهويّة العربية". وهذا ليس خطأً، لو تصدّرت بصورةٍ طبيعية، لكن للأسف هي تصدّرت على أيدي جماعاتٍ مُسلّحة، وجهاتٍ غير وطنيةٍ وتكفيرية. 

عندما تحمل "الهويّة الدينية" جماعاتٌ تخدم قضايا غير قضايا الأمّة، أجد نفسي، ككاتبةٍ أو باحثةٍ أو أستاذةٍ جامعية، مجبورةً أن أُبرز "الحضور المسيحي" في ثقافتنا العربية، ليس للتفريق بين الأديان، بل بهدف العودة لتعزيز "العروبة". عندما أقول للأولاد: "حاتم الطائي" مسيحيّ، و"عروة بن الورد" مسيحيّ، و"ميسون بنت بحدل الكلبية"، وهي زوجةُ معاوية، الذي كان له دورٌ في فتح دمشق، ثم حكم بلادَنا العربية من دمشق، مسيحية، وقالوا إنّها ماتتْ على دينها... أنا عندما أحيي هذه العناصر الثقافية، أعتقد أنّني أستعيدُ "عروبتي".

 

لانا مدور: جميلٌ جدًّا، رسالتُكِ، سيّدة رانيا، ورسالة "دار الدَّحنون" التي أسّستِها، فعلًا تُعطي أملًا بأنّ لنا، في السنوات المقبلة، عودةً إلى هذه "العروبة" التي افتقدْناها بسبب التناحر الطائفي والمذهبي الذي عشناه في السنوات الأخيرة. 

شكرًا لكِ رانيا الجعبري، الكاتبة الأردنية، على انضمامكِ لنا من عمّان. ألف شكر. 

مشاهدينا، نشكركم على متابعة هذه الحلقة من "بين الكلمات". إلى اللقاء.