الممرات : أطماع اسرائيلية تتجاوز الحدود
في هذه الحلقة نكشف حقيقة ما يُسمّى بـ"الشرق الأوسط الجديد" الذي يروّج له نتنياهو، ليس كمشروع سلام، بل كخطة لفرض "إسرائيل" كقوة مهيمنة على المنطقة. نسلّط الضوء على جذور المشروع الصهيوني، من الأكاذيب والأساطير إلى محاولات التطبيع وانتزاع القبول العربي. نتناول كيف تحاول "إسرائيل" أن تُصبح مركزًا اقتصاديًا عبر الممرات الاقتصادية ، وكيف يُراد تهميش العرب وتحويلهم إلى تابعين في مشروع يخدم أوهام "إسرائيل الكبرى". لكن الحقيقة التي تتجاهلها "تل أبيب" هي أن الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج ما زالت ترفض هذا الكيان الغريب،.بالرغم من اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو والتطبيع الأخير ضمن "اتفاقيات إبراهام".
نص الحلقة
<p> </p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: تحية عربية طيّبة. </p>
<p>الشرق الأوسط الجديد، الوَهْم الذي يروّج له الآن نتنياهو وكل أبواق الكيان الصهيوني. ترويج الوَهم جزء من آليات بقاء هذا الكيان، بل جزء من عوامل تأسيسه.</p>
<p>قام الكيان الصهيوني والفكرة الصهيونية قبل الكيان الصهيوني على مزيجٍ من الأوهام والأساطير والأكاذيب.</p>
<p>وعندما اغتُصِبت فلسطين، فإن المدى من عام 48 لأكثر من ثلاثين عامًا بعدها، كان سعي الكيان الصهيوني أن ينتزع القبول العربي، لأن هذا الكيان يعلم أن مصير وجوده مُرتبط بكلمةٍ واحدةٍ، القبول العربي. حاول الكيان الصهيوني أن يفرض نفسه بإكراه الحرب وفشل في انتزاع قبول العرب حتى عام 79. عندما وقِّعت المعاهدة الأولى، كامب ديفيد، مع الدولة الأكبر، مصر، وشعر الصهاينة أنهم لأول مرة قد حازوا اعترافًا، لكن الاعتراف الرسمي ليس هو القبول الشعبي.</p>
<p>في مصر، أول حكومة طبّعت، وأكبر شعب يحتفظ إلى هذه اللحظة بموقف صارِم جادّ واضح في كراهية العدو الصهيوني. لم يفلح التطبيع، لا بالقوّة ولا بالخديعة، تمكّن الكيان الصهيوني من أن يحوّل شرط وجوده وبقائه إلى قبول الأمّة العربية به. </p>
<p>لكن العدو المُتمسّك بأوهامه، لأنه تأسّس عليها، لم يتعلّم من درس أن هذا الشعب العربي من المحيط إلى الخليج لا زال يرفضه، رغم المعاهدات التي توالت بعد كامب ديفيد إلى السلام الإبراهيمي.</p>
<p>كان مشروع العدو الصهيوني، ولم يزل، هو "إسرائيل الكبرى"، جزء من عقيدة الحركة الصهيونية، والخطان اللذن نراهما في العلم الذي ترفعه دولة الاحتلال، خطين أزرقين، يرمزان للنيل والفرات، وبين النيل والفرات مملكتك يا إسرائيل، كما تقول عقيدة الصهاينة.</p>
<p>الآن، عندما يتبجّح نتنياهو ويقول إنه ينفّذ نظامًا إقليميًا جديدًا، شرق أوسط جديد، ماذا يعني؟ يعني أن يُنصِّب إسرائيل مَلِكَة، وأن يجعل العرب خَدَمًا. هل تمكّنت إسرائيل منذ 48 إلى 79، توقيع أول معاهدة، وهي ثلاثون عامًا من الحروب، من أن تحوز قبول العرب بها؟ لا. فما الذي يجعل هذا الكيان العدواني ينتقل الآن من محاولة أن يكون عضوًا مقبولًا في الجسم العربي الذي يرفضه، إلى أن يكون رأسًا فوق الجسد العربي، وليس مجرّد عضو فيه؟ الشرق الأوسط الجديد معناه أن تكون إسرائيل هي الرأس فوق الجسد العربي.</p>
<p>لم يتحقّق لإسرائيل قبول ما جاهدت من أجله وحلمت به، ولن تحصل عليه. الحرب أو السِلم وجهان، بالإكراه أو بالخديعة، لمحاولة أن تكون إسرائيل جزءًا من أرض ليست أرضها، من أمّة لا تنتمي إليها.</p>
<p>إسرائيل ظاهرة مُضادّة للجغرافيا والتاريخ، والوَهْم الذي يروّجه نتنياهو اليوم، لدرجة أنه يقف على منبر الأمم المتحدة، مقرّ الشرعية الدولية، ويعرض خريطة، الخريطة بذاتها هي عدوان على الشرعية الدولية، لأنه يضمّ فيها لإسرائيل أراضٍ ليست له، لكن جزء من وَهْم، ويتحدّث عن الشرق الجديد، عن الشرق الأوسط الجديد، الإسم الحركي لإسرائيل الكبرى.</p>
<p>هذا الوَهْم المُتنامي لدى قادة العدو الصهيوني، وبالذات في الطبعة فرط اليمينية التي تحكم الآن، محكوم عليه بأن يُبدَّد.</p>
<p>==ومن الغريب، أو من المُفارقات اللافِتة، أن قادة العدو الصهيوني عندما يتحدّثون عن وَهْم "إسرائيل الكبرى" الممتدّة من النيل إلى الفرات، يصدّقهم البعض. بينما عندما يتحدّث العرب عن الوحدة العربية، يُتَّهَم المؤمنون بها بأنهم يتحدّثون عن أوهام.</p>
<p>نحن في لحظة صِدام كبرى بطوفان الأقصى، ضمن صِراع طويل بين الوَهْم الصهيوني الذي يريد أن يستولي على أمّتنا ويخضعها لإرادته، وما بين الحلم العربي، ما بين الكذبة الصهيونية، وما بين الصدق العربي.</p>
<p>وطوفان الأقصى، الذي يظنّ البعض عليه بما يستحقّ من إشادة وتكريم وإدراك لآثاره العظيمة، تولّى تبديد الوَهْمين: وَهْم أنه يمكن قبول إسرائيل 48 كعضو في الجسد العربي، لأنه بعد كل هذه السنوات لا زال أطفالنا، ولو بحجرٍ، يقصفون إسرائيل. كما أنه بدّد وَهْم الشرق الأوسط الكبير.</p>
<p>وأهمّ برهان على تبديده، أن العدو الصهيوني، الذي يريد أن يحكم من القاهرة إلى بغداد، مرورًا بسوريا والأردن والسعودية ولبنان، وهذه جزء من خريطة "إسرائيل الكبرى" أو "الشرق الأوسط الجديد"، لم يتمكّن بعد عام ونصف العام من الحرب والتقتيل والتدمير والإبادة الجماعية، من أن يسيطر على غزّة أو يتقدّم أمتارًا في جنوب لبنان.</p>
<p>لكنه الوَهْم، سيستمر الوَهْم الصهيوني لأنه جزء من طبيعة العدو. وسيستمر الحلم العربي لأنه واجبنا لكي يُبدِّد الوَهْم.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: لماذا انتقل الخطاب الصهيوني من "إسرائيل الكبرى"، التي هي جزء في العقيدة الصهيونية وكانت مُصاحبة بهذه العقيدة حتى انتزعوا منا أرض فلسطين وأقاموا كيانهم سنة 48؟ لماذا انتقل الحديث عن شرق أوسط جديد، الذي أنا أسمّيه مجرّد اسم كودي لإسرائيل الكبرى؟</p>
<p>لأننا نحن في 48 هُزِمنا، انكسر العرب أمام العصابات الصهيونية، وأقيم لهم كيان. </p>
<p>في 56 هم انكسروا، رغم أن كانت معهم إنكلترا وفرنسا في حرب السويس العظيمة التي أرَّقت نهاية الاستعمار القديم.</p>
<p>في 67 نحن انكسرنا عسكريًا، لكن لم تنكسر إرادتنا. كانت القمّة العربية التي أعقبت الهزيمة العسكرية قادِرة على أن تقول بوضوح: لا صُلح، لا اعتراف، لا تفاوض.</p>
<p>في 73 انتصرنا، وعبر الجيش المصري قناة السويس، ومع الجيش العربي السوري حقّقوا نصرًا عسكريًا عظيمًا في مواجهة الجيش الصهيوني.</p>
<p>لذلك، عندما جاءت كامب ديفيد سنة 79، استمرّوا حتى سنة 93 ينتظرون، هل مصر، التي هي بطبيعتها، بالموقع، بالتاريخ، بالجغرافيا، بالديموغرافيا، هي الدولة الأكبر، وهي قائدة أمّتها، هذا تاريخها، هل إذا وقَّعت صلحًا مع العدو الصهيوني ستأتي باقي الأقطار العربية في الرِكاب لتوقّع؟ لم يحدث ذلك. والموقف العربي الرسمي، طبعًا الشعبي رافض في مصر وفي كل الوطن العربي للصُلح مع العدو الصهيوني، لكن أيضًا الموقف الرسمي العربي تماسَكَ على رفض هذا الصُلح المنفرد. حتى أتت أوسلو في 93، تمّ توقيع اتفاق أوسلو بين العدو الصهيوني وما بين منظّمة التحرير، بين الجلاّد والضحية، بين القاتل والقتيل. طبعًا نحن نرى حاليًا ثمار أوسلو، نراها في الضفة، ونراها في غزّة. أوسلو التي لم تُعطِ شعبنا العربي الفلسطيني إلا وعودًا خاوية بسلامٍ وَهْمي، ومزيدًا من التقتيل، الذي وصل إلى الإبادة.</p>
<p>مع أوسلو 93، كان العدو الصهيوني ينتقل في البحث عن تحقيق وَهْمه إلى الحديث عن شرق أوسط جديد، هذا عنوان الكتاب الذي أصدره شمعون بيريز، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في نفس عام توقيع أوسلو عام 93.</p>
<p>والذي فلسفته باختصار هو تحقيق إسرائيل الكبرى باسم دلع "الشرق الأوسط الجديد"، إسم كود، والانتقال من احتلال مستحيل فوق طاقة العدو الصهيوني وإمكاناته إلى هيمنة يمكن بمُقتضاها أن يحقّق نفس أهدافه بأساليب ناعمة مُتعدّدة في السياسة والاقتصاد والثقافة والإعلام. نحن أمام نفس المشروع باسمٍ آخر.</p>
<p>شمعون بيريز سنة 93 أعقبه نتنياهو في 95 بكتابه "مكان بين الأمم"، تبنّى فيه نفس النهج لكن بخلافٍ واضحٍ في الأدوات. كان نتنياهو، بالذات في الفصل العاشر من هذا الكتاب الذي يتحدّث عن "القوى اليهودية"، أكثر وضوحاً في أنه يريد سلام إذعان، سلام غير مُتكافئ، سلام الراضخين للتفوّق الصهيوني، والقابلين للانقياد للكيان الصهيوني باعتباره مركز القيادة، وعلى الأقطار التي تُسالِم من الحُكّام العرب أن يخضعوا وأن يقبلوا بأن يكونوا الأتباع الخَدَم.</p>
<p>هذا الفَهْم الذي طرحه نتنياهو ظلّ مُلاصقاً له، ورأينا مؤخّراً في 27 سبتمبر، وهو يوم استشهاد سماحة السيّد حسن نصر الله، نتنياهو قال بالنصّ: "إن القضاء على نصر الله يمثل نقطة تحوّل تاريخية يمكن أن يُغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط ويؤسّس لواقعٍ إقليمي جديد"، الذي هو الشرق الأوسط الجديد.</p>
<p>طبعاً يجب أن نشير إلى أن الشرق الأوسط الجديد غير "الشرق الأوسط الكبير" الذي طرحته كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، بعد الغزو الهمجي البشع الأميركي للعراق، والتي كانت تريد به أن تؤسّس نوعاً من الحلف الواسع يبدأ من أقطار ما يُسمّى بالاعتدال العربي ويمتدّ شرقاً حتى باكستان، أي أن تصل بهذا الحلف الموالي لأميركا إلى حدود الصين، وهي الطرف الرئيسي في الصراع المُرتَقب مع الولايات المتحدة الأميركية.</p>
<p>وهو في معظمه إسلامي، لكن قلبه عربي، أو قلبه هو الشرق الأوسط الجديد. حتى نكتشف الترابُط ما بين المشروع الصهيوني والمشروع الاستعماري الأميركي، والذي كلاهما تعبير عن إرادة هيمنة واقعة على حساب الشعوب ومصالحها وكرامتها وحقوقها التاريخية.</p>
<p>نتنياهو في جلسته في الأمم المتحدة كان يُمسِك بالخريطة الثانية، تعبيراً عن الترابُط ما بين المشروع الصهيوني لشرق أوسط جديد والرؤية المُهيمنة التي تُديرها أميركا، وطبعاً إسرائيل إحدى الأدوات الوظيفية التي تخدم التطوّر الأميركي من يوم قيامها إلى الآن.</p>
<p>في الخريطة الثانية كان يرسم امتداد محور يمتدّ من الهند ويصل إلى موانئ فلسطين المحتلّة ويعبر الجزيرة العربية وأقطاراً عربية، فيما أُطلِق عليه "المحور الإبراهيمي" أو "طريق البحار" مقابل "طريق الحرير" الصيني.</p>
<p>خطّ نتنياهو بقلمه على الخريطة سهماً يبدأ من الهند وينتهي في فلسطين المُحتلّة.</p>
<p> </p>
<p>تقرير:</p>
<p>كان العالم ولا يزال رَهْناً بالاقتصاد كما السياسة، أو ما بات يُسمّى اليوم "الاقتصاد السياسي"، وهو العامل الخفّي الذي يتكشّف بعد كل حرب ويفسّر لنا أحداثاً كثيرة أو حروباً كبيرة لم تكن مفهومة بوضوحٍ من قبل.</p>
<p>ضمن هذه المعادلة تأتي قضية الممرّات التجارية البرّية والبحرية، التي كانت ولا تزال تحكم العالم وتتحكّم فيه.</p>
<p>وفي مقدّم هذه الممرّات طريق الحرير، الذي ربط شرقي العالم بغربه، وكان يمرّ في البرّ من خلال مجموعة من الطرق المُترابطة، كما كان يمرّ عبر مسطّحات مائية مثل المحيط الهندي.</p>
<p>أيضاً هناك "طريق البخور" الذي كان يشبك اليمن بباقي أطراف الجزيرة العربية والشام، و"طريق العنبر" في أوروبا الوسطى، الذي كان يربط ساحل بحر البلطيق بساحل البحر الأدرياتيكي.</p>
<p>وليس أخيراً "طريق الخيول والشاي" عبر الجبال الواقعة في الصين والتبت، وكذلك "طريق الصحراء الكبرى"، الذي كان يُعدّ من أكثر الطرق التجارية أهميّة في إفريقيا.</p>
<p>فيما زالت طرق بريّة كثيرة قد اندثرت بسبب سقوط الحضارات ونشوء الدول، لا تزال الممرّات المائية كما هي على جغرافيّتها وأهميّتها، بدءاً من مضيق بنما الذي يقاتل دونالد ترامب من أجل السيطرة عليه.</p>
<p>ثمّة ممرّات أشهر من أن تُعرَّف، مثل مضيق هرمز وباب المندب، اللذين يتحكّمان في بحر الخليج والعرب والأحمر، وقناة السويس الرابِطة بين البحرين الأحمر والمتوسّط، ومضيق جبل طارق الواصِل بين المحيطات والمتوسّط. ومضيقي البوسفور ومَلَقا، اللذين يشكّل أيّ خلل فيهما أزمة عالمية أيضاً.</p>
<p>كل هذه الممرّات هي عنوان صِراع دولي وإقليمي وأحياناً بين دولتين أو أكثر، لكن ابتكار طُرُق جديدة بتخريب دول وإبادة شعوب هو إبداع إسرائيلي أميركي، قلّ نظيره في تاريخ العالم، بدءاً من "قناة بن غوريون" التي كانت ستُحْفَر بتفجيرات نووية، مروراً بـ"الطريق الإبراهيمي" التجريدي، وصولاً إلى حُلم "ممرّ داود".</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: محاولة الكيان الصهيوني للترويج لوَهْم الشرق الأوسط الجديد وتحقيقه انتقلت من الاحتلال إلى الهيمنة، بما أن الهيمنة هي احتلال مُنْخَفض التكاليف.</p>
<p>ربما "اتفاقات إبراهام" التي وُقّعت مع الإمارات والمغرب والبحرين في الفترة الأولى لحُكم ترامب، والسودان تحوم حول الحمى، هي نموذج لاحتلال مُنخفض التكاليف، لأن بدلاً من صيغة "الأرض مقابل السلام" التي اسْتُخْدِمَت في اتفاقات سابقة، الصيغة الإبراهيمية هي "السلام مقابل السلام"، يعني سلام مجاني.</p>
<p>أقطار عربية تمنح العدو الصهيوني صُلحاً وسلاماً، طبعاً مع الحُكّام، ليس مع الشعب العربي في أي قُطر، مجاناً، هدية للعدو الصهيوني الذي يقتلنا يومياً ويذبحنا يومياً ويرتكب إبادة جماعية لأهلنا في فلسطين.</p>
<p>بل على العكس، بعض الأقطار التي دخلت حظيرة "السلام الإبراهيمي"، ربما تكون تدفع للصهاينة مقابل أن الصهاينة يهيمنون عليهم ويحتلّوهم، يعني ليس احتلالاً مُنخفض التكاليف فقط، بل احتلال يُؤاجِر للمُحتلّ، يدفعه الخاضعون، وبالذات أن أموالهم كثيرة.</p>
<p>وطبعاً كانت "دُرَّة التاج" المُسْتَهْدفة هي المملكة العربية السعودية، لكن موقفها الرسمي كان واضحاً، لا إمكانية لأن تدخل في هذه الحظيرة ما لم يتمّ الوصول لحلّ بمُقتضاه تقوم دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو.</p>
<p>وسنشهد سعياً محموماً لاستيفاء إدخال السعودية إلى اتفاقات إبراهام، وموقفها الرسمي مُعلن، وسنرى صمودها وإصرارها على ما قالته، وهو نفسه المبدأ الذي قامت عليه "مبادرة السلام العربية" التي قدّمتها السعودية وأُقرَّت في مؤتمر القمّة في بيروت عام 2002.</p>
<p>يبقى الاستهداف لدول الجوار، والتي شَهِدَ التاريخ للمقاومة، وهي سوريا ولبنان.</p>
<p>هنا أريد أن أقف عند المفكّر العربي صاحب الاجتهاد العظيم في فَهْم الظاهرة الصهيونية وهذه الدولة العدوانية، الدكتور عبد الوهاب المسيري.</p>
<p>عبد الوهاب المسيري، فضلاً عن أنه مُفكّر من طراز رفيع، وأيضاً مناضل مُشتبك مع قضايا أمّته. وأنا كان لي الشرف أن أشاركه تظاهرات في الشارع، رجل لم ينعزل لكي يكتب وينفصل عن الناس. جمع ما بين عُمق الفكرة وشجاعة الاشتباك في قضايا أمّته. </p>
<p>ترك تراثًا عظيمًا، عبد الوهاب المسيري، من بينه موسوعة من 8 مجلّدات عن اليهود واليهودية والصهيونية. ومما ينبغي ذِكره هنا أن أيّ مشروع نهضوي عربي يتأسّس على تحرير فلسطين لا بدّ لمَن يحمله ويناضل من أجله، أن يكون على وعي تام بأننا نقاتل ضدّ الصهيونية. </p>
<p>الدكتور المسيري له كتاب مهمّ إسمه الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى، صدر في القاهرة سنة 2001. </p>
<p>وعلى ذِكر هذا المُفكّر العظيم نستذكر أيضًا مُفكّرًا فرنسيًا عظيمًا هو روجيه جارودي. جارودي أصدر كتابه الشهير الذي أثار ضجّة والذي عَنْوَنه الأساطير المؤسّسة للسياسة الإسرائيلية. كشف فيه بعض هذه الأساطير، نذكر منها أسطورة شعب الله المختار، وأسطورة أرض الميعاد، وتعرّض للهولوكوست أيضًا، وما لَحِق به من مُبالغات وأسطرة لصالح نوايا الصهيونية وخدمة لمصالح الصهيونية. وبسبب هذا الكتاب حُكِم عليه بالسجن في فرنسا بتهمة مًعاداة السامية وبالغرامة.</p>
<p>المُثقّف العربي والباحِث المُجتهد الصديق العزيز موفّق محادين له كتاب بعنوان الأساطير الإسرائيلية التي أغفلها جارودي، يضيف فيه مزيدًا من الكشف عبر بحث تاريخي وسيسيولوجي متميّز لأساطير هذه الجماعة الصهيونية العدوانية.</p>
<p>وكما يرد في عنوان الكتاب، إنها جماعات لا جماعة مركزية. لا أريد الإفاضة، لكن أريد أن أستعير من الصديق موفّق محادين تعبيرًا استخدمه ببراعةٍ في وصف الكيان الصهيوني: إنها دولة الأنابيب، والعُمق التاريخي، هذه دولة مُخلّقة اصطناعيًا وعقيمة.</p>
<p> </p>
<p>نجاح واكيم: لا شكّ أن من أهمّ أوجه الصراع الدولي اليوم بين القوى الكبرى، وتحديدًا بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، هو موضوع طُرُق التجارة العالمية. ومنها، من جهة، هناك طريق الحرير أو الحِزام والطريق، ومن جهة أخرى، الطريق الإبراهيمي أو الطريق الممتدّ من الهند عبر الخليج إلى إسرائيل إلى المتوسّط، وهو الطريق الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية وتريد إعادة تشكيل نظام الشرق الأوسط حول هذا الطريق أو بالاستناد إليه. الغرض منها هو قطع طريق الحرير أو الحِزام والطريق.</p>
<p>هذا الطريق له علاقة مباشرة بموضوع صِراع القوى الكبرى على الممرّات الدولية، وبالتحديد على موضوع طريق الحرير.</p>
<p>لنتّفق بداية، إسرائيل هي أداة تنفيذية، المشاريع كلها مشاريع أمريكية، إسرائيل هي إحدى الأدوات التنفيذية.</p>
<p>موضوع قناة البحرين لا أجد أنه جدّي، ليس جدّيًا حتى الآن على الأقلّ، والسبب أن هذا الطريق يُراد منه أن يكون مُتفرّعًا عن الطريق الإبراهيمي أو الممرّ الإبراهيمي، وهو يمرّ عبر تركيا وبمُحاذاة إيران نحو أوروبا. تركيا ليس مقبولًا أن يكون لها دور كبير في خارطة الشرق الأوسط هذا، الاعتماد الأمريكي كله على إسرائيل.</p>
<p>المقاومة في فلسطين قوية، المقاومة في لبنان وُجّهت لها ضربات كثيرة، ولكن المقاومة لا تزال قوية وقادرة. أيضًا في سوريا هناك فوضى، هذه الفوضى هي في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هذه الفوضى أعتقد أنها سوف تخرج عن السيطرة. كيف تكون نهايتها؟ لا أحد يمكنه أن يجزم.</p>
<p>أمريكا تريد تقسيم سوريا وأيضًا لبنان. كل هذه تشكّل عوائق على طريق تنفيذ هذا المشروع.</p>
<p>ولنتذكّر أن طريق الإبراهيمي يُحيّد أو يُهمّش أكبر ثلاث قوى إقليمية، وهي إيران، تركيا، مصر. هل يمكن لمشروع من هذا النوع... هل من السهل تحييد إيران وتركيا ومصر؟</p>
<p>رغم الواقع المأساوي لبعض هذه الدول، هذا الأمر ليس سهلًا. وبالتالي، هناك معوّقات. ولكن لا شكّ أن هناك اندفاعة لهذا المشروع، وأمريكا شَرِسَة في تنفيذ هذه الاندفاعة.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: تمامًا كما يقول أخي وصديقي العزيز نجاح واكيم، هذا المشروع الصهيوني يستهدف ليس فقط الأمّة العربية، لكن أيضًا هو يمسّ مسًّا حقيقيًا بمصالح الجارين التاريخيين الكبيرين: إيران وتركيا.</p>
<p>وأنا مع أن مصر وإيران وتركيا لن تقف مكتوفة الأيدي، وأن عليها أن تتحرّك لكي تواجه هذا الخطر أو تُبدِّد هذا الوَهْم.</p>
<p>وبالطبع، هذا يعيدنا إلى ما قلته دائمًا: مستقبل هذه المنطقة من العالم يحتاج إلى علاقة جديدة، ليست علاقة تشاحُن وتضادّ وخلاف، وإنما علاقة تنافُس وتعاون.</p>
<p>لكن هذا يستلزم أن الأمّة العربية تمتلك مشروعها لكي تتمكّن من أن تتعامل بندّية مع المشروع الإيراني ومع المشروع التركي من موقع التكامُل دفاعًا عن المصالح المشتركة.</p>
<p> </p>
<p>جمال عبد الناصر: لن نكرّر الماضي، ولكن سنقضي على الماضي. سنقضي على الماضي بأننا نستعيد حقوقنا في قناة السويس، وسنبني السدّ العالي، وسنحصل على حقوقنا المُغْتَصَبة. سنبني السدّ العالي كما نحن نريد.</p>
<p> </p>
<p>السيّد علي الخامنئي: إيران قادرة على توجيه ضربة في المقابل، وستوجّهها قطعًا. </p>
<p> </p>
<p>عبد الملك الحوثي: تحقيق هدف مهمّ جدًا، وهو منع عبور وحركة السفن المُرتبطة بإسرائيل. لقد تحقّق هذا الهدف بشكلٍ تام، في هذه الأسابيع لم تحصل أية حال مرور أو عبور لسفينة مُرتبطة بالعدو الإسرائيلي.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: مواجهة الوَهْم الصهيوني، تبديده، رهن بتصدّينا له بموقف حاسِم شجاع ضدّه. نستخدم مواردنا وقوّتنا حتى نكسر ادّعاء الصهاينة بأنهم قادرون على تحقيق أوهامهم.</p>
<p>هذه عبرة ودرس التاريخ. ونحن، لكي نتمكّن من هذه المواجهة بجدّية، نحتاج ضمنًا أن ننتبه لأن هذا الكيان الصهيوني لا يكفّ عن تحويل أوهامه لمشاريع وتكتيكات وإجراءات، بعضها عجز تمامًا عن تحقيقه.</p>
<p>ستون سنة مرّت على طرح مشروع قناة بن غوريون، وثبت أنها مَحْض وَهْم لم يتحقّق.</p>
<p>=لكن المهم ّأننا نحن نتتبّع ونعمل إنذار مُبْكر تجاه مشاريع العدو الصهيوني من هذا النوع، من بينها ممرّ داود أو الممرّ الذي لم يتأكّد حتى الآن تبنّي العدو الصهيوني رسميًا له، لكن الإشارات في إعلامه وفي بعض مراكز البحوث والدراسات، وقياسًا على السوابق ونمط التفكير الصهيوني، تجعلنا هنا نُلقي الضوء ونقرع الجرس لنُنْذِر بأن العدو الصهيوني بصَدَد التفكير في ممرّ يبدأ من تلّ أبيب وينتهي في كردستان العراق، على الحدود الإيرانية التركية، يمرّ بالجولان المحتلّ وريف درعا وبالسويداء، وإلى قاعدة التنف، ثم دير الزور والبوكمال ودهوك. ما أهمية هذا الممر للعدو الصهيوني؟ الذي شرع بالفعل في تعبيد حوالى 8 كيلومترات قرب مجدل شمس في هذا الاتجاه. أهميّته أنه ممرّ أمني، عسكري، اقتصادي، يشكّل حزام تأمين لأرض فلسطين المُحتلّة للعدو الصهيوني. أمني، لأنه سيكون خط اتصال ممتدّ يقطع الطريق على كل عمل مقاوِم للعدو الصهيوني. وعسكريًا لأنه سيربط قوّة العدو الصهيوني بسلسلة القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، التي تتوسّطها قاعدة التنف الموجودة على مثلّث الحدود العراقية السورية الأردنية. واقتصادي لأنه يمرّ بأخصب الأراضي ويمكّن من السيطرة على المياه.</p>
<p>الآن العدو الصهيوني، باقتحاماته بعد خط الهدنة لسوريا، واستيلائه على جبل الشيخ، يتحكّم في حوالى 80 بالمئة من مصادر المياه لسوريا الآتية من هذا الموقع، ثم في النفط في الشمال الشرقي لسوريا وكردستان.</p>
<p>المياه والنفط والأرض الخصبة عندما تكون مُسْتَهْدَفة، وهذا الحزام الآمن للعدو الصهيوني والرّبط العسكري مع القواعد الأمريكية مرتبط أيضًا بأمر أخطر، أنه يمرّ عبر مناطق مكوّنات رئيسية من أمّتنا العربية هي الدروز والأكراد. هنا محاولة الصهيونية الدائمة للارتباط بما يُسمّى بين قوسين بالأقلّيات، هي مكوّنات أصيلة حقيقية من مجتمعنا، والتمايُز العِرقي أو الإثني فيها لا يعطي على الإطلاق أيّ تمييز بينها وبين غيرها من المُنتمين إلى اللسان العربي الواحد، والحضارة العربية الإسلامية الواحدة، ومن المصير الواحد، ومن المخاطر الواحدة.</p>
<p>الدروز والأكراد تستهدفهم إسرائيل، وهذا الممرّ، ممرّ داود، يعبر بهم، ويحاول أن يستقطبهم لمشروعه. اعتقادي إنما لاقاه مشروع قناة بن غوريون سيلقاه مشروع ممرّ داود، لكن إذا تيّقظنا وواجهنا وانتبهنا.</p>
<p>الوَهْم الصهيوني هو الذي يدفع دولة العدو للاعتقاد بأن الدروز والأكراد يمكن أن يكونوا حلفاء للعدو الذي هو عدو لهم بقَدْر ما هو عدو لكل عربي على حساب أمّته، وهذا وَهْم ناجِم عن جهل من ناحية، جهل بالتاريخ. نحن كعرب أبطالنا فيهم صلاح الدين الأيوبي، وهو كردي، أبطال سوريا التي هي موقع مرور هذا المشروع، ممرّ داود، أبطال سوريا هم من أعظمهم وأنبلهم وأبقاهم في الضمير سلطان باشا الأطرش، زعيم عظيم ليس للدروز، زعيم عظيم للسوريين جميعًا، للعرب جميعًا.</p>
<p>هذا رجل دخل الوجدان العربي. أنا شخصيًا، من بين أجمل ما أُردّده بيني وبين نفسي، أغنية جميلة للمبدع العظيم وصديقي الحبيب سميح شقير: "من القرَيّة سمعت سوريا صوتك يا سلطان ينادي عليها"، جزء من ضميرنا كعرب، غير مُصنّف بانتمائه الدرزي، مُصنّف بعروبته، بدفاعه عن سوريا، بتصدّيه للاحتلال، ووقوفه ضدّ التقسيم.</p>
<p>أيضًا بنفس القَدْر، يوسف العَظَمَة، يوسف العَظَمَة، العَظَمَة، يوسف العَظَمَة، وزير الحربية السوري الذي استشهد في موقعة ميسلون عام 1920، وهو يواجه جيش الاحتلال الفرنسي، كردي.</p>
<p>وكيف لكردي أو درزي أن يتخلّى عن مثل هذه الرموز العظيمة مثل سلطان باشا الأطرش ومثل يوسف العَظَمة، ليذهب إلى التحالف مع عدّوه، عدو أجداده وعدوه الآن وعدوه مستقبلًا، الصهاينة.</p>
<p> </p>
<p>مصطفى البرغوثي – الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية: أبعاد الممرات التجارية أو محاولات إسرائيل إنشاء ممرّات تجارية عبر بلدان عربية في المنطقة خطيرة للغاية من ثلاث نواحٍ:</p>
<p>الناحية الأولى هي تمثّل اختراقًا للاقتصاد العربي، ومحاولة لاستخدام المُقدّرات والمواقع الجغرافية الاستراتيجية العربية لصالح إسرائيل، ولصالح فرض هيمنة اقتصادية على المنطقة من قِبَل إسرائيل.</p>
<p>العامِل الثاني أن هناك مخاطر أمنية ناجمة عن هذا الاختراق، لأننا نعرف أن إسرائيل عبارة عن كيانٍ أمني في الأساس، واليوم هي معروفة باعتبارها هي صانعة أجهزة التجسّس الأولى في العالم، وبالتالي كل العلاقات التي تنشئها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، دائمًا تبقى محفوفة بالمخاطر على أمن الدول التي تتعامل معها. وأنا متأكّد جزء مهم من أهداف الممرّات الاقتصادية هو تحقيق اختراقات أمنية إسرائيلية، بعضها أصبح معروفًا، وبعضها حتى الآن غير معروف.</p>
<p>الأمر الثالث أن هذا هو الردّ الإسرائيلي الأمريكي على مشاريع اقتصادية تقوم بها الصين ودول أخرى خارج إطار الهيمنة الأمريكية، في محاولة لجعل هذه الممرّات منافسة لطريق الحرير الذي تتبنّاه الصين، وفي محاولة لاستخدامها لمصلحة التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وهذا طبعًا أمر يمسّ بمسألة التعدّدية في العالم الاقتصادي، ويؤدّي إلى خدمة تكريس احتكار إسرائيلي أمريكي، وهيمنة إسرائيلية أمريكية على الاقتصاديات في العالم.</p>
<p>واليوم، مع مرور كل يوم، يبدو أوضح وأوضح أن هدف إسرائيل لا يقتصر على ضمّ أراضي فلسطين، ولا يقتصر على فلسطين نفسها، التطهير العِرقي الذي تخطّط له إسرائيل يمسّ مصالح الأمن القومي المصري، ويمسّ بمصالح الأمن القومي الأردني، وأنا متأكّد أن إسرائيل تريد أن تُزَعْزِع هذه الدول، وتُزَعْزِع استقرارها بشكل كامل، لكن الأخطر من ذلك أنها تستهدف باقي شعوب المنطقة.</p>
<p>ودائمًا أنا أحاول أن أذكر بأن جنودًا إسرائيليين كثيرين في قطاع غزّة يقومون بممارسة الإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطيني، يرتدون ألبسة تحمل على كتفها خريطة إسرائيل الكبرى، التي تضمّ ليس فقط الضفة الغربية وقطاع غزّة، بل كل الأردن، وجنوب سوريا، وجنوب لبنان، وشمال المملكة العربية السعودية، وكل ما هو شرق نهر النيل، وكل ما هو غرب نهر الفرات.</p>
<p>هذه هي حقيقة الأطماع الصهيونية، وبالتالي الممرّات الاقتصادية أو الاختراق الاقتصادي هو في نهاية المطاف وسيلة للوصول إلى الاختراق السياسي، وإلى الوصول إلى الهيمنة والسيطرة على أراضي الآخرين.</p>
<p>لكن أيضًا، من دون شكّ، إن الأمّة العربية كلها مُطالبة اليوم باستراتيجية مشتركة موحّدة لمواجهة هذا الخطر. كيف ومتى يمكن أن يتمّ ذلك؟ هذا أمر يقتضي توحيد طاقات كل القوى الخيّرة في العالم العربي ببرنامجٍ واحد، ورؤيةٍ واحدة مشتركة، دفاعًا عن مصالح الشعوب العربية في وجه هذا الخطر القادم.</p>
<p>وأيضًا لمنع إسرائيل من استغلال أية خلافات داخلية في أيّ بلد عربي، لتمزيق هذا البلد أو لاستخدام هذه الانقسامات الداخلية كوسيلةٍ لتمرير المخطّطات الإسرائيلية. لذلك أنا آمل أن يدرك الجميع أن قُدرة إسرائيل على استخدام الانقسامات الداخلية خطيرة للغاية.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: في الإمكان نواجه كل هذه المشروعات الصهيونية، بدءًا من الأوهام الكبرى كالشرق الأوسط الجديد إلى أدوات تنفيذها، ومن بينها ممرّ داود.</p>
<p>مصر والعراق والأردن اتفقوا بالفعل، بعد اجتماعات لرؤسائهم، على طريق الشام الجديد. تمّ هذا الاتفاق وتبلور بعد مباحثات عديدة في سبتمبر 2020، طريق يربط ما بين هذه البلدان الثلاث، ذو طابع اقتصادي وسياسي وأمني. لماذا نتوقّف عند الإقرار، ولا نُقْدِم على التنفيذ؟</p>
<p>طريق الشام الجديد حال تنفيذه يقطع الطريق على ممرّ داود الصهيوني من قبل أن يبدأ، وبنفس الكيفية لدينا عقول تستطيع أن تقترح وتقدّم بدائل ومشاريع عينيّة قابلة للتنفيذ، تمكّن الأمّة من أن تواجه عدوّها وتبدّد هذه الأوهام الصهيونية.</p>
<p>لكن هذا مرتبط كله، كل تفصيلة في المواجهة مرتبطة برؤية للمواجهة تبدأ مما بدأنا به هذه الحلقة من لقائنا: حِرمان العدو الصهيوني من صكّ القبول الشعبي.</p>
<p>طول ما إسرائيل محرومة من قبول شعبي عربي بها، ستبقى حالا عابرة مؤقّتة، ضدّ الجغرافيا والتاريخ، وستنتهي آجلاً أو عاجلاً بقَدْر ما نبلور نحن مشروعنا العربي، وننهض ونواجه.</p>
<p>زوال إسرائيل أفضل، وأحكم، وأعقل، وأكثر قبولًا من وَهْم إسرائيل الكبرى.</p>
<p>لكن عندما تقف الأمّة وراءه، نقف وراءه بدعم المواطِنة، استعادة كل مكوّنات الأمّة في إطار ديمقراطي، بالشراكة واحترام التنوّع، بالديمقراطية في هذا الوطن، وبالمقاومة التي من دونها لن يتبدّد الوَهْم الصهيوني، وبالوعي، والفكر، والكلمة، وسلاح الإعلام، والقُدرة على أن ننشر سرديّتنا وروايتنا، ونكشف ضلال الرواية الإسرائيلية، كما قال الأخ المناضل الدكتور مصطفى البرغوثي.</p>
<p>حمدين صباحي: في الإمكان أن نبدّد الوَهْم الصهيوني بقَدْر ما نتمسّك بالحلم العربي، نؤمن به، ونسعى لتحقيقه، ونتقبّل بشجاعة ما ينبغي أن نقدّمه من تضحيات، ونحفظ روحنا مهما كان عُمق الألم، ونقول مع توفيق زياد الشاعر الفلسطيني:</p>
<p>وعلينا كان أن نشربه حتى الزجاج كأسنا المُرّة المُحنّى، وعلينا كان أن نُذْبَح ذبحًا، ونحسّ العار حتى العَظْم منا، إنما لا بأس، هذا لحمُنا جسرٌ على البحر الأُجاج، لضفاف لن نخونها أو تخوننا، يا تراب كله تبرٌ ويَاقوتٌ وعاج، حُبُّنا أقوى من الحُب وأغنى، فادفنوا أمواتكم وانهضوا، فغدٌ لو طار لن يُفلت منا، نحن ما ضعنا، ولكن من جديد قد سُبكنا.</p>