التّدجين... صناعة الطاعة
تتناول هذه الحلقة كيف نجحت الولايات المتحدة في تدجين الشرق الأوسط وأجزاء واسعة من العالم بعد الحرب العالمية الثانية، حين ورثت النفوذ من القوى الاستعمارية القديمة كبريطانيا وفرنسا. اعتمدت واشنطن مبدأ "ملء الفراغ" الذي طرحه الرئيس أيزنهاور عام 1957، لتبرير تدخلها في الدول التي انسحب منها الاستعمار، تحت ذريعة حماية الأمن ومنع تمدد النفوذ السوفياتي.
لكن هذا "الفراغ" يعكس نظرة استعمارية ترى الشعوب غير قادرة على إدارة أوطانها.
التدجين الأميركي تم بوسائل غير مباشرة: بناء أنظمة أمنية تابعة، تقديم إسرائيل كقائد إقليمي، ربط أمن الدول بالقرار الأميركي، وفرض الهيمنة الاقتصادية والثقافية.
هذا لم يقتصر على العالم العربي، بل شمل أيضًا أوروبا داخل المنظومة الأطلسية.
والأخطر أن التدجين لم يكن فقط سياسياً أو عسكرياً، بل امتد إلى العقائد والأفكار، عبر إعادة تشكيل الوعي الجماعي، وتبديل مفهوم العدو، في خدمة الهيمنة الأميركية وضمان بقاء النخب التابعة لها.
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: تحية عربية طيّبة. </p>
<p>تواصِل غزّة بسالة الصمود رغم المَقْتلة، وتواصل أمريكا محاولة رَسْم خرائط وطننا العربي في ضوء مصالحها، والسؤال لنا نحن الأمّة العربية: هل نستطيع أن نتبنّى نظام أمن عربي في مواجهة النظام الأمني الأمريكي الذي يضع "إسرائيل" على الرأس؟ هل نستطيع أن نُعطّله إن لم نستطع أن نهزمه؟ وكيف؟</p>
<p>الأحداث تتسارع، تستولي على مشاعرنا وعقولنا، في القلب غزّة، هذا السَيْل المُنْهَمِر من الدم العربي والعجز عن وقفه، البسالة والتضحية التي يجسّدها هذا الكائن الغزّاوي العظيم، وحولنا عجز رسمي عربي.</p>
<p>كل يوم هناك أخبار، ربما لا نمتلك قوّة كافية في توازن القوى ما بيننا وبين الأعداء حتى نفرض عليهم ما نريد.</p>
<p>طبعًا لو ما نريد واضح لنا ومُتّفقين عليه، لكن إذا لم نفرض عليهم ما نريد فنستطيع أن نمنعهم من تحقيق ما يريدون.</p>
<p>هذا ما يُسمّونه استراتيجية التعطيل، التي في صراع أمم وشعوب وقوى، في لحظات من التاريخ ربما تكون مهمّتنا أن نمنع ما يريده العدو أكثر من أن نحقّق ما نريده نحن.</p>
<p>حولنا تفجّرات، غزّة في القلب نعم، لكن لماذا الآن نرى ما يجري في ليبيا؟ انفجار الأوضاع إنّ كان في طرابلس، تحوّلات توحي بأن في أمرٍ جديدٍ ما يمكن أن يُرْسَم لليبيا.</p>
<p>لماذا شباب المُجاهدين يتقدّمون في الصومال على هذا النحو ويقتربون من مقديشو؟</p>
<p>لماذا رأينا التظاهرات العارِمة التي تفجّرت في عدن؟ وما هي علاقتها بأوضاع اليمن؟</p>
<p>الدول الثلاث عربية، والقلب العربي في فلسطين، في أحداث غزّة، ما هو الرابط؟ هذا السؤال.</p>
<p>دعونا نضع مثل هذا السؤال داخل الإطار الذي تناولناه في لقاءاتنا السابقة، والذي كان فيه أمران مهمّان:</p>
<p>أن النظام الرسمي العربي ممثّل في جامعة الدول العربية، كما شهدنا في قمّة بغداد، هو نظام قَيْد التفكّك، هذه حقيقة.</p>
<p>ثانيًا أن النظام الشرق أوسطي، أو إسرائيل الكبرى، أو كل ما يُطرَح أو طُرِح من قبل من أشكال، وهذه زيارة ترامب الأخيرة أوحت بكثير منه، هو تعبير عن رغبة أمريكية إسرائيلية في أن نُعيد نحن تشكيل الوطن العربي وما حوله تحت إسم "الشرق الأوسط الكبير" أو أين كان.</p>
<p> </p>
<p>ما هي الأشكال المطروحة علينا الآن لتحقيق نظام أمني تُديره أمريكا و"إسرائيل" لوطننا العربي؟</p>
<p>طوال عُمرنا هنا لدينا صراع جادّ ما بين نظامين مُقْتَرَحين من الأمن:</p>
<p>نظام أمني عربي، وهذا يقوم على أن الدول العربية تدير فيرما بينها من الاتفاق وأساليب العمل ما يحفظ أمنها المشترك.</p>
<p>أما نظام الأمن المُرتبط بالقوى الكبرى، سواء مباشرة، التي هي القوى الاستعمارية كانت بريطانيا وورثتها أمريكا، أو بالوكيل الأصلي التابع لهم في المنطقة المزروع، الذي هو الكيان الصهيوني، هذان اتجاهان في رؤية النظام العربي.</p>
<p>تستطيع أنت وترى الأخبار أن تفرز: مع نظام أمن عربي؟ ومع نظام أمن أجنبي، أي أمريكي، أي صهيوني؟</p>
<p>=تبقى نقطة أمريكا، التي هي لاعب مهمّ، والتي تعتبر نفسها سيّدة العالم، في طَوْر ما يُسمّيه البعض "الإمبراطورية المُتْعَبة" أو "المُتهالِكة"، هي تريد أن توفّر كلفة وجودها العسكري في العالم، هذا من ناحية بالمبدأ.</p>
<p>تعيد تموضع قواتها حتى تواجه الأخطار الأكثر تأثيرًا على أمريكا وعلى مصالحها، وهذا مسار بدأت فيه الإدارة الأمريكية في خفض قوات أمريكا في "الشرق الأوسط" بتعبيرهم، أو وطننا العربي كما هو إسمه، وما حوله.</p>
<p>عندما يخرج الوجود العسكري هذا من الوطن العربي، مَن الذي سيملأ هذا الفراغ؟</p>
<p>نظام عربي للأمن؟ أم نظام مُلْتَحِق بأمريكا وبـ"إسرائيل"؟ وما أشكال مثل هذا التواجُد؟</p>
<p>دعونا نلقي نظرة على حجم التواجد العسكري الأمريكي في وطننا العربي.</p>
<p> </p>
<p>فيديو:</p>
<p>التمركُز العسكري في المنطقة: 30 ألف جندي في 15 قاعدة عسكرية (تحديث عام 2024).</p>
<p>نقطة التحوّل: حرب الخليج الثانية 1991: </p>
<p>نشر أكثر من 500 جندي أميركي في السعودية. </p>
<p>شارك في عملية "درع الصحراء" 697 ألف جندي أميركي. </p>
<p>بدأت واشنطن بين عامي 2008 و2016 خفض قوّاتها في المنطقة. </p>
<p>انخفض عدد القوات الدائمة من 74 ألفًا عام 2008 إلى 28 ألفًا عام 2016. </p>
<p>في عام 2019 تغيّرت الاستراتيجيا. </p>
<p>تركيز القوات الجوية والبحرية وفِرَق المارينز، وتقليص قوّاتها البرّية. </p>
<p>تسهيلات واسعة عربية للقوات الأميركية: </p>
<p>استخدام المجال الجوي والموانئ والمطارات والمُعسكرات. </p>
<p>خدمات الوقود والصيانة وتخزيم الأسلحة. </p>
<p>مناورات عسكرية مشتركة.</p>
<p>ثمّة اتفاقات خاصة تمنح امتيازات أكبر من بعض الدول مثل الأردن. </p>
<p>الحضور البحري للقوات الأميركية: </p>
<p>حضور الأسطول السادس الأميركي في المتوسّط. </p>
<p>حضور الأسطول السابع الأميركي في بحر العرب. </p>
<p>الآن ثمة مُطالبة أميركية بعبور مجانيّ من قناة السويس. </p>
<p>تعداد تقريبي للجنود الأميركيين في الدول العربية: </p>
<p>قطر 13 ألفًا.</p>
<p>الكويت 13 ألفًا. </p>
<p>السعودية 2700. </p>
<p>الإمارات 5000</p>
<p>البحرين 9000.</p>
<p>سلطنة عُمان 600. </p>
<p>العراق 2500.</p>
<p>سوريا 900. </p>
<p>الأردن 2800.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: هل إذا كانت هناك خطّة لخروج أو -بمعنى أدقّ- خفض الوجود العسكري الأمريكي، ستُترك هذه المنطقة لأيّ أمن؟ مَن الذي سيملأ هذا الفراغ؟</p>
<p>نحن لاحظنا عندما اضطرّت أمريكا أن تعقد اتفاقًا مع اليمن لوقف إطلاق النار.</p>
<p>ليس فقط لأن اليمن أثبت بسالة عظيمة في تحمّل الضرب الذي أقدمت عليه أمريكا والتحالف معها، سمّوه وقتها "حارس الازدهار"، والعدو الصهيوني ضربه =مباشر، لكن أيضًا لأن كلفة إسكات صواريخ اليمن التي تُناصِر غزّة شعرت أمريكا أنها فوق طاقتها. هناك حدود لتحمّل الكلفة عند هذه الإمبراطوريات.</p>
<p>في الحِسْبة هذه أيضًا أنه في أيدي الإدارة الأمريكية والقيادة العسكرية أنهم يودّون نقل تمركُز قوّاتهم، بما فيها الأساطيل الأمريكية وحاملات الطائرات، أو -بمعنى أدقّ- ما يُسمّى "القواعد العسكرية العائِمة"، عن ضرورة مواجهة الصين.</p>
<p>مثل هذا الفَهْم، في الواقعة الخاصة بتوقّف الاشتباك اليمني الأمريكي، يقول لنا إن في حدود للكلفة التي يمكن للإمبراطورية المُنْهَكة أن تتحمّلها.</p>
<p>أيضًا هناك أولويّات عندها أن تنسحب شرقًا، فهي تريد أن تتخلّص من أيّ حِمْل زائد، هذا الذي يرتّب دائمًا: مَن يملأ فراغ خفض الحضور العسكري الأمريكي في الوطن العربي وما حوله؟</p>
<p>ماذا تريد أمريكا حتى تملأ الفراغ إذا أعادت تموضُع قوّاتها لتواجه الصين؟</p>
<p>الحقيقة: تريد نظامًا أمنيًا مُرتبطًا بتحقيق المصالح الأمريكية، وأن تكون "إسرائيل" جزءًا منه.</p>
<p>وملء الفراغ هذا ليس مُصطلحًا طُرِح اليوم، "ملء الفراغ" مُصطلح مُسْتَخْدم، ومَن صاغه كان أيضًا رئيس أمريكي، "آيزنهاور"، وقدّم هذا الكلام كسياسةٍ مُعْتَمَدة للولايات المتحدة الأمريكية سنة 1957. لماذا؟</p>
<p>لأن الاستعمار القديم، الذي كانت أكبر قواه الإمبراطورية البريطانية وفرنسا، بدأ يتساقط بحركات تحرر وطني عمّت العالم في أعقاب الحرب العالمية الثانية، مع نهوض ما كانوا يُسمّونه "مستعمرات" وبدأ امتلاكها لاستقلالها الوطني. انحسرت هيمنة بريطانيا، التي كانت عُظمى، بدأت تنحسر.</p>
<p>اللحظة لحظة الإفاقة، مشهد التحوّل الكبير في تاريخ العالم الحديث ما بين عصر الاستعمار القديم وبداية أفول شمس هذا الاستعمار، كانت حرب السويس عام 1956،</p>
<p>الحرب التي تمكّنت فيها مصر من أن تقطع ذَيْل الأسد البريطاني، بالتعبير الذي استخدمه الأستاذ هيكل عنوانًا لكتاب يوثّق أحداث هذه الحرب ضمن سلسلة من الكُتب الأخرى.</p>
<p>أمريكا، التي هي الوارث بعد الحرب العالمية الثانية لقيادة العالم الغربي، أي الاستعمار، وبمفاهيم جديدة، ليست عودة للاستعمار القديم: قواعد، وعسكر، واحتلال مباشر، تريد هيمنة، تستخدم الأمن ومنظوماته، بالإضافة للاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام، لإخضاع المستعمرات القديمة لتكون مُهَيْمَنًا عليها حتى بعد الاستقلال، الذي هو، كما قال عبد الناصر: "عَلم ونشيد وكرسي في الأمم المتحدة"، لكن لا استقلال اقتصادي، ولا تنمية، ولا الشعب يأخذ حقّه، ولا الفقراء يأكلون ويشربون، ولا تحمي أمنك بنفسك، لابدّ من أن تكون في أمنك مُعلّقاً من رقبتك لصالح قوّة مُهيمنة، هي التي تهدّد أمنك، وهي التي توحي إليك بأنها ممكن أن تحفظ أمنك. وطبعًا لا بدّ من أن تدفع الثمن.</p>
<p> </p>
<p>إذا ملأ الفراغ منذ أن طُرِح، هو سياسة لإحلال الهيمنة بأساليب جديدة بقيادة أمريكا، محلّ الاستعمار القديم وقواه التي قُطِع ذَيْلها في وقوف الشعب العربي بأسره مع الشعب المصري العظيم في دَحْر عدوان أمريكا وبريطانيا وإسرائيل سنة 56.</p>
<p>أعقب هذا أن عبد الناصر، حتى يُنمّي مصر، كان عنده سدّ عالٍ لا بد من أن يبنيه باعتبار أن الاستقلال لا بدّ له من تنمية واستقلال اقتصادي ومن عدل اجتماعي لا يحصل إلا بالتنمية.</p>
<p>تنكّرت له أمريكا والغرب الذين يديرون صندوق النقد الدولي، ومنعوه مما كان مُتفقًا عليه أنهم سيُعينوه في بناء السدّ العالي. فعبد الناصر ماذا فعل؟ أمّم قناة السويس.</p>
<p>تأميم قناة السويس كحدث وما تلاه من عدوان ثلاثي واندحار المُعتدين وتثبيت فكرة الاستقلال الوطني وبروز تماسُك عربي واسع لأمّة تنهض بكل أقطارها حول مشروع للتحرّر وللوحدة، وقيادة رمزها كان جمال عبد الناصر.</p>
<p>في هذه اللحظة، هو الذي دفع آيزنهاور أن يطلق مشروعه لملء الفراغ. جوهر هذا المشروع هو جوهر ما يُطْرَح علينا الآن من ترامب ومن إدارات أمريكية سبقته. كان عندنا أربعة أهداف واضحة في 57 لمشروع ملء الفراغ:</p>
<p>حماية المصالح الأمريكية، كانوا يسمّونها مصالح الغرب، حماية مصالح الغرب في الأماكن أو في البلدان التي حصلت على استقلالها.</p>
<p>حماية النفط، مصادر النفط.</p>
<p>==مواجهة المدّ الذي كان يمثله الاتحاد السوفياتي وقتها، وقد بدأت الحرب الباردة والصراع ما بين القُطبين، مَن فيهما يستطيع أن يمتدّ وعلى حساب الآخر في العالم.</p>
<p>ضمان أمن إسرائيل، هذا ما أعلنه آيزنهاور سنة 57.</p>
<p>ولو تأمّلته، عندما طُرِح أخيرًا تجدّد طرحه وتبنّاه ترامب، فكرة تشكيل حلف للشرق الأوسط الذي اشتهر باسم الناتو للشرق الأوسط، الناتو الأوسطي أو الناتو العربي، الذي طلبته إدارة ترامب وحاولت فيه، بالإضافة للأهداف المُتّفق عليها: المصالح الأمريكية، وضمان أمن إسرائيل، وتأمين النفط، تمّ استبدال مواجهة هذا المدّ السوفياتي بالمدّ الصيني المُحْتَمَل، وبالمدّ الإيراني المُتحفّظ.</p>
<p>كان هذا جوهر تجديد ناتو الشرق الأوسط، الذي هو إعادة إنتاج لحلف بغداد، الذي دخله العراق وقتها، هي وتركيا برعاية أمريكية وبمشروع أمريكي، ثم شاركت بريطانيا رسميًّا فيه، ثم دخلت إيران، طبعًا إيران الشاه، وباكستان.</p>
<p>هذا حلف بغداد كانوا يُسمّونه الحلف الإسلامي، في زمن هذا المدّ التحريري والقومي العربي، وحضور شعوب العالم الثالث التي لم تصدق، أخذ نَفَس بعد إرث طويل من الاستعباد تحت هيمنة الاستعمار القديم.</p>
<p>سقط حلف بغداد لأن عبد الناصر أعلن بوضوح أن سياسة الأحلاف الاستعمارية مرفوضة وسنُقاتل ضدّها.</p>
<p>لكن المسألة ليست هي أن عبد الناصر قال، المسألة أن الشعب العربي في هذا الوقت من المحيط إلى الخليج كان معه، وكان ضدّ هذه الأحلاف، وضدّ الذين ساهموا فيها، والعالم الإسلامي كان له نفس الموقف.</p>
<p>سقط حلف بغداد، ولكن عندما جُدِّد باسم ناتو الشرق الأوسط، الحقيقة هو لم يقم حتى يسقط، لا، لم يستطع ترامب فرض هذا الحلف. لماذا؟ لأنه كان طرحه يتشكّل من دول مجلس التعاون الخليجي، والأردن، ومصر، ومعهم مَن؟ إسرائيل. قصّة أن معهم إسرائيل، هذه غالبًا هي السبب الرئيسي لأنه لم يُكْتب لهذا الحلف أن يرى النور. لماذا؟ لأن، أياً كانت درجة الاستعداد للتعامُل مع إسرائيل، ولو بالتطبيع، فإن وزن إسرائيل المُفترض في أيّ حلف جديد لن يكون بالشراكة، لا تودّ أن تصبح جزءًا، عضوًا في جسد أمني يتشكّل، هي الحقيقة تريد أن تكون رأسًا لهذا الإطار أو المنظومة الأمنية التي تتشكّل، والباقون يبقون يقولون تمامًا يا فَنْدِم.</p>
<p>هناك دول لا تستطيع أن تقول لإسرائيل: تمام يا فَنْدم، حتى لو عقدت معها معاهدات. لذلك عندما طُرِح هذا في أوانه، كانت مصر صاحبة كلمة في أن النظام الذي تقبله هو الدفاع العربي المشترك، وفقًا للاتفاقية التي وُقّعت سنة 1950.</p>
<p>وعُدنا ثانية لنقطة نحن مع نظام أمن عربي أو مع نظام أحلاف لملء الفراغ بمنظومات أمنية تُديرها أمريكا بسَطْوَتها وتقودها إسرائيل، باعتبارها هي الوكيل الموثوق من قِبَل الأمريكان، لأنه مهما كانت بعض ==الدول العربية مُستعدّة أن تكون في الفلك الأمريكي، فهي تبقى عربية، لا تؤتمن.</p>
<p>من يُؤتمن في هذه المنطقة على نظام أمن، هو التخليق الاستعماري، الذي معمول ومولود ومحمّي ومُربّى ومُتغذّى ومُتكبّر على يد الاستعمار، الذي هو إسرائيل.</p>
<p>أن تكون إسرائيل ليست جزءًا في هذه المنظومات الأمنية، لكن أن تكون عمليًّا هي قائدها الطبيعي وكيلاً عن السيّد الأمريكي، وعلى حساب أمن العرب.</p>
<p> </p>
<p>يعقوب الصرّاف – وزير الدفاع اللبناني الأسبق: أولًا علينا أن نفرّق بين المجتمع الغربي وأمريكا. برأيي، التدجين هو من أمريكا، وليس فقط للدولة القومية، مثلما أنتم تُعَنْونوها. أمريكا دجّنت أوروبا، حتى حليفها هو مُدجّن.</p>
<p>أما عن تدجين الإرهاب، فمن أيام حرب أفغانستان الأولى استعملت أمريكا التطرّف والإرهاب لأسبابٍ سياسيةٍ، استراتيجية، عسكرية ضدّ الاتحاد السوفياتي حينها.</p>
<p>اليوم الموضوع أخطر بكثير، لأن هذا التدجين هو تدجين عقائدي أيضًا، يحاولون بنجاح أن يُغيّروا حتى الأنماط العقائدية، والبرهان الاتفاقات الإبراهيمية التي جمعت كل ما في أضداد.</p>
<p>وهذا يثبت أن أمريكا اليوم، أو الحرب اليوم، هي أخطر بكثير، بكثير من حتى الحروب العالمية التي شاهدناها.</p>
<p>الآن هذه الدول لا تزال قائمة على النُظُم القديمة، غيّرت الديكور، لكن لم تغيّر المزرعة، ولم تغيّر الفكر. وهذا ما يحدث في الخليج.</p>
<p>لا نريد أن نغيّر، ولا نريد أن نأتي بديمقراطية على الخليج، ولن نزيد الشفافية، ولا نزيد، نريد أن نشلّكم عسكريًا، بشكلٍ أنه إذا قرّرتم تغيير رأيكم، لا تستطيعون. ونريد أن نشلّكم عقليًا، ونغيّر مفهومكم للعدو والعداء والكفر والحلال والحرام.</p>
<p>وهذا أخطر بكثير، أخطر بكثير من تسليم، لا يلزم للأمريكي إقامة ثورة، طالما الخليج والبلاد العربية وأوروبا التزمت.</p>
<p>تصوّري، في فرنسا وحتى في الولايات المتحدة، ذِكْر جريمة نتنياهو يُعتبر جُرمًا، ليس فقط بالقوانين، لأن القانون يمكن تغييره، لكن بمفهومهم.</p>
<p>وهذا أخطر بكثير من القوانين، وأخطر بكثير من سلاحهم.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: إذا كان ناتو الشرق الأوسط لم يرَ النور، فإن في جُعبة الحاوي الأمريكي أشكالًا أخرى.</p>
<p>ممكن نُسمّيها أذرع الأخطبوط، إقامة عدّة منظومات أمنية مرنة، مُتعدّدة، لكن في التكامل في ما بينها وتوزيع الأدوار، تستطيع أن تحقّق الأهداف القديمة الأربعة التي طرحها آيزنهاور عام 57.</p>
<p>ما هي أذرع الأخطبوط؟ التي في تفكيرهم فيها، حتى نتنبه لها ونحاول أن نرى، هل تتطوّر؟ كيف؟</p>
<p>منظومة أمن للبحر الأحمر، وهذه رئيسية عند الأمريكان.</p>
<p>=طبعًا، اتّضحت لنا كجمهور عادي، ومن العالم، مدى أهمية وخطر البحر الأحمر، باعتباره ممرًا مائيًّا استراتيجيًّا يتحكّم في جزء رئيسي من تجارة العالم.</p>
<p>الآن أمريكا تحضّر، وجزء مما تعمل عليه الإدارة الأمريكية وفق تصوّرها الأمني، منظومة للبحر الأحمر، تضمّ الدول المُتشاطِئة.</p>
<p>بالتأكيد السؤال هنا: أن إسرائيل تكون منها؟ أنا عندي إيلات، أنا دولة على البحر الأحمر.</p>
<p>أمريكا تريد إقحام إسرائيل، وتريد أيضًا إدخال إثيوبيا رغم أنها غير مُشاطِئة.</p>
<p>هذا الأمر طُرِحَ وبُحِثَ واصطدم أيضًا بالرؤية المصرية التي تقول: إن أمن البحر الأحمر ينبغي أن يعود لأصوله، التي هي أن البحر الأحمر بحر عربي.</p>
<p>حتى بالتعريف، كان إسمه في مرحلةٍ من تاريخه "بحر العرب"، والتشاطؤ عليه للعرب.</p>
<p>إقحام إسرائيل بوضعها المفروض تاريخيًا، حتى لو تمّ القبول به سياسيًا، في هذا الأمن، لم يكن محلّ اتفاق مصر، فالمشروع أيضًا على الطاولة ولم يُنَفَّذ.</p>
<p>أمن الخليج جوهري، تريد أمريكا أن يكون لأمن الخليج منظومة ذات استقلال، وهذه إلى حدٍّ كبيرٍ مُتحقّقة.</p>
<p>لكن إشراك إسرائيل يقف حائلًا، هم يريدون طرح هذا باعتباره مشروعًا أمنيًا للخليج، تحت سقف اتفاقات "سلام إبراهيم".</p>
<p>"سلام إبراهيم" وقّعت عليه بعض دول الخليج العربي، لكن بعض دول الخليج العربي لم توقّع، قد توقّع وقد لا توقّع، ونأمل ألا أحد جديد يوقّع أو يقع.</p>
<p>فالرفض القائم الآن لاتفاقات إبراهيم من دول مركزية، بالذات السعودية، لا يمكن أن يُؤمّن أن هذا المشروع أيضًا يتحوّل إلى منظّمة مُعْلَنة.</p>
<p>أيضًا إيران، لأنها على الضفة الأخرى. إيران، بكل ما تعنيه وبكل طبيعة العلاقة بينهم، ونحن نعرف أن الاتجاه الغالب، والإدارة الأمريكية ليست ضدّه، لكنه اتجاه أصيل، أن يحدث قَدْر من تهدئة الصراع ما بين العرب وإيران.</p>
<p>في مصلحة أكيدة للطرفين أن إدخالهم في صراعات مُسْتَنْزفة لهم كطرفين، على حسابهم الإثنين، ويفتح الباب، الحقيقة، لتحقيق المصالح الإسرائيلية أكثر من مصالح العرب أو مصالح إيران.</p>
<p>ذراع شرق المتوسّط، هذا من أذرع الأخطبوط الهامة.</p>
<p>شرق المتوسّط الآن هو من النقاط التي فيها تدافُع من العالم كله ليضع يده فيها ويأخذ من الثورة الهائلة، مغارة علي بابا في العالم الآن هي غاز شرق المتوسّط.</p>
<p>مع أزمة روسيا وأوكرانيا والإمدادات، يتّضح أن هذا الغاز هو مَطْمَع لعديد من القوى في العالم، أهمّها أوروبا التي تعاني بشدّة من انعدام قُدرتها على تأمين غازها، لا يفي بحاجاتها، وبالذات بعدما ضُرِب الإمداد الروسي.</p>
<p>في شرق المتوسّط، نقطة مهمّة تحتاج تصوّرًا أمنيًا. هناك أطراف كثيرة، أمريكا حاضرة، إسرائيل موجودة على ساحل المتوسّط. كيف سيُصاغ أمن هذه المنطقة بما تحمله من ثروةٍ من الغاز الطبيعي الهائلة، وممكن أن تكون مُحرّكة أو معطّلة للنمو الاقتصادي، ولأوزان الدول المُترتّبة عليه؟</p>
<p>هذا سؤال، في إجابته أمريكا تريد ذراعًا لها كأخطبوط في هذه المنطقة، بنفس الشرط: أن إسرائيل تكون موجودة فيه.</p>
<p>مشروعات مطروحة: منها ذراع رابعة، ربما لن ترى النور، لكنها تبقى في الدُرج: "حلف الممالك". "حلف الممالك" هذا طُرِح سنة 2015.</p>
<p>دول مجلس التعاون الخليجي دعت الأردن والمغرب، لأن الإثنين مملكتان، أن تنضما معًا أو تأخذا عضوية مجلس التعاون.</p>
<p>إذًا، هذا معناه أننا نتحرّك أيضًا على خريطة اتفاق إبراهيم، لأن طبعًا الأردن وقّعت منذ زمن اتفاقاً، لكن المغرب انضمّت في إطار ما سُمّي "سلام إبراهيم".</p>
<p>هذا معناه، لو أن "حلف الممالك" كل هؤلاء نظام حُكمهم مَلَكي، وكل هذه الدول فيها قواعد عسكرية أمريكية، وكل هذه الدول موافقة، بعضها صراحة، على صيغة تطبيع من قِبَل سلام إبراهيم أو بعده، لكن إذا رأى "حلف الممالك" النور كصيغةٍ منظّمة، إسرائيل يجب أن تكون موجودة فيه.</p>
<p> </p>
<p>خُلاصة: الأذرع الأربع هذه ليست الوحيدة في الأخطبوط. يخلق أذرعًا جديدة، ويختبر قوّته على أن هذه الأذرع تتواجد وتنشط، وتقبض على مساحة ماذا من الثروات؟ وتحقّق ماذا من المصالح؟</p>
<p>جزء مما نراه الآن يصبّ بالضرورة في طرح السؤال حول خرائط التحالفات الأمنية، أذرع الأخطبوط الأمريكي، الذي يعطي لإسرائيل دور القيادة. ولأيّ مدى لها فُرَص في التحقّق؟ ولأيّ مدى هناك تحدّيات وعوامل مقاومة وتعطيل لها؟ وعلى ضوء الصِراع ما بين الفكرتين الكبيرتين: أمن عربي، أو أمن يقوده أعداء العرب... سنرى.</p>
<p> </p>
<p>تقرير:</p>
<p>منذ أفول الانتدابات الأوروبية في الدول العربية، ولا سيما بريطانيا وفرنسا، والوراثة الأمريكية الجَبْرية للمنطقة، شكّلت الولايات المتحدة، ولا تزال، مجموعة من المنظومات الأمنية التي تحفظ لها مصالحها بالدرجة الأولى، والعنوان: حماية الحلفاء.</p>
<p>لا شكّ أن المظلّة الكبرى والقوية التي جرى اختبارها بدّقة بعد "طوفان الأقصى"، هي التي تُحيط بها واشنطن إسرائيل، إلى حدّ السماح للأخيرة بارتكاب إبادة جماعية من دون أن يمنعها أحد.</p>
<p>لكن الأمريكيين أيضًا تغنّوا كثيرًا بمظلّة الحماية التي يوفّرونها لممالك وسلطانات الخليج، ودول عربية أخرى.</p>
<p>بعد عقود من هذه المظلّة، التي تشمل قُرابة 12 قاعدة عسكرية أمريكية، وحضورًا شبه دائم لحامِلات الطائرات، وحضورًا دائمًا للأنظمة الدفاعية الجوية والصاروخية،</p>
<p>قرّر الرئيس دونالد ترامب في ولايته الأولى، الذهاب نحو فكرة تشبه حلف شمال الأطلسي، وسُمّيت وقتها "الناتو العربي"، وفق وصف أول مَن كشف عنها، وهو الملك الأردني عبد الله الثاني.</p>
<p>رغم محاولة جو بايدن دعم هذه الفكرة وتحويلها إلى واقع، لكنها لم تنجح، واستُعيض عنها بما كان يُسمّى "نظام دفاع أمني مُتكامِل" للتصدّي لإيران.</p>
<p>كان خلاصة نحو 150 اجتماعًا بين الإسرائيليين ودول المنطقة، وذلك بين عامي 2019 و2022، فيما تشكّل بالتوازي ما سُمّي "التحالف الرُباعي" بين إسرائيل، والأردن، والإمارات، والهند، نتيجة لعَقْد الاتفاقات الإبراهيمية.</p>
<p>كل هذا المسار انتهى إلى اجتماعات العقبة ومنتدى النَقَب مطلع عام 2022، وصياغة تفاهمات أمنية، ومحاولة الولايات المتحدة تشكيل ما سُمّي "تحالف حارس الازدهار البحري" لحماية الخليج والبحر الأحمر، من دون أن يُسجَّل نجاح كبير له.</p>
<p>مع ذلك، كانت لترامب في ولايته الثانية رؤية مختلفة، فخلال زيارته للثالوث الخليجي، أعاد تعريف وصياغة مفهوم =الأمن في المنطقة، ولا سيما مع ضمّ "سوريا الجديدة" إليه تدريجاً، لينتج ما يمكن تسميته "الناتو الإبراهيمي"، الذي سيكون قَيْد الاختبار في المرحلة المقبلة.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: التحدّيات التي يواجهها التصوّر الأمريكي لأذرع متعدّدة أمنية، لكن كلها محكومة برأس أمريكية وموجودة فوق المشاركين فيها، الوكيل الرئيسي الذي هو إسرائيل. من بين التحدّيات هذه التي لا بدّ من أن نذكرها حتى يستبين حدود تأثيرها:</p>
<p>إن قبول إسرائيل كرأس هو محلّ شكّ وعدم راحة لدى الأطراف المُسْتَهْدَفة في الوطن العربي لقبول إسرائيل رأسًا.</p>
<p>أن إسرائيل نفسها، بافتراض قبولها رأسًا، أصبحت محلّ شكّ في قُدرتها على أن تلعب هذا الدور. وطوفان الأقصى تحديدًا ساهم مساهمة واسعة في أن الشكّ، على الأقل في قُدرة إسرائيل على أن تقود نظامًا أمنيًا، أصبح شكّاً واسعًا، بما في ذلك داخل الكيان الصهيوني نفسه.</p>
<p>=الكيان الصهيوني تعرّض بوضوح لزلزلة يوم 7 أكتوبر مع بدء طوفان الأقصى. صورة إسرائيل وحقيقتها باعتبارها قوّة لا تُقْهَر ولا تُمسّ، تمّ تحطيم هذه الصورة أو إحداث شروخ واسعة فيها.</p>
<p>هذا الزلزال له موجات ارتدادية قادمة. لكن توقّف هنا يبقى عند: هل إسرائيل ككيان، بما شهدناه يوم سبعة أكتوبر، مؤهّلة لأن تكون رأسًا لأذرع متعدّدة أو نظام واحد أمني؟ الإجابة أن هذا الشكّ سيُلقي بظلاله، وهو من التحدّيات لهذا التصوّر الأمريكي.</p>
<p>أيضًا، هناك تحدٍّ ثالث هو مدى التطابُق ما بين الرؤية الأمريكية، رؤية السيّد المُهَيْمِن، الذي من المفروض أن يكون وكيله في طوعه، مُلتصقًا معه. لا ينبغي أن نمرّ مرور الكرام على عددٍ من مساحات التفاوت، وليس بالضرورة التناقُض، ما بين الإدارة الأمريكية والإدارة فرط اليمينية التي تحكم الكيان الصهيوني الآن.</p>
<p>هذا ليس معناه فِراقاً، لكن معناه تفاوتاً وخلافاً وزوايا خلاف في الرؤية قابلة للاتّساع.</p>
<p>أن بعض تصوّرات الإدارة الأمريكية عن كيف يستقرّ لها الأمر بأقلّ كلفة، الحقيقة الكيان الصهيوني ربما يريد أن يصل إلى نفس النتائج بأعلى كلفة، على الأمريكيين، وعلى أمن هذه المنطقة التي تريد أمريكا أن تسيطر عليها. هذا واضح جدًا في حال إيران.</p>
<p>الإدارة الأمريكية تفضّل التفاوض، والحكومة فرط اليمينية في الكيان الصهيوني تفضّل العمل العسكري بكل كلفته. هذه الزاوية في الرأي تتّسع خصوصًا بعد درس البحر الأحمر: كيف عجزت أمريكا، رغم كل ما حشدت له، أن توقِف صواريخ اليمن؟ وهذا نموذج مُصغَّر. إذا كانت عجزت عن وقف صواريخ اليمن، فبالأَوْلى أن تعجز عن الحسم عسكريًا مع إيران.</p>
<p>جوهر المشروع للهيمنة الأمنية، إما عبر منظومة واحدة، فشلت إلى الآن (الناتو العربي)، أو عبر أذرع أُخطبوطية مُتعدّدة، ثم تلتقي عند الرأس الأمريكية. وفي شكّ في قُدرة إسرائيل، وهذا شرط أمريكي أن تبقى موجودة على الرأس، أن تُديره. هذا معناه أن أمريكا لا تريد أن يبقى أيّ مفهوم للأمن القومي عند العرب أو عند حتى أية دولة عربية.</p>
<p>هي تريد مفهوم أمن من رؤيةٍ أمريكية: مصالح اقتصادية، ومواقف سياسية موحّدة، وإدارة أمنية الرئيسي فيها هي رؤية أمريكا للعالم ودورها فيه، ووظيفة هذه المنطقة في الجغرافيا في خدمة هذا التصوّر.</p>
<p>الحقيقة، هذا تحدٍّ أيضًا، لأنه لا زال من بين العرب، وأقصد النظام الرسمي العربي، (طبعًا هذا أكيد موجود عند الشعب والنُخَب)، مَن يعتقد بأنه لا بدّ من وجود أمن قومي عربي. ولا زالت دول عربية إلى الآن مؤمِنة بأمن قومي لها. مصر نموذج للدول التي لديها وضوح في أمنها القومي وإدراك له وترتّب عليه.</p>
<p>الجزائر أيضًا لديها هذا. هل يمكن أن مفهوم مُعْوَلَم أو مؤمْرَك للأمن القومي يُلغي مفهوم قومي أو وطني عند العرب أو عند دولهم للأمن القومي؟ هذا من التحدّيات في نجاح التصوّر الأمريكي لتنفيذ هذه الرؤية بأمن عبر أذرع متعدّدة أو عبر منظّمة واحدة.</p>
<p>الحقيقة في العقل الأمريكي، يحاول يوميًا أن يستفيد مما يحدث ويطوّر وسائله لتحقيق نفس أغراضه.</p>
<p>لن أقف عند تفاصيل، لكن أودّ أن أشير إلى أن تجربة أمريكا في أفغانستان أحدثت قَدْرًا من الإدراك عند واضعي الاستراتيجية والأمن والمخطّطين في الإدارة الأمريكية: أنه يمكن تجديد القوى السلفية الجهادية التي كانت في لحظةٍ تُدير حربًا صفرية مع مَن يعتبرهم مراكز الكفر في العالم.</p>
<p>ما هي نتائج الصِراع الطويل الذي انتهى بأن أمريكا قرّرت أن تحكم طالبان أفغانستان؟ نموذج طالبان التي تمّ تدجينها أو استئناسها وتحويلها من عدو عقيدي إلى طرفٍ يُوقَّع معه اتفاقاً، ويُترك له حُكم بلد بحجم أفغانستان وأهميّتها الجيوسياسية.</p>
<p>نجح؟ نجح أن طالبان تحكم، وإنه منذ يوم توقيع هذا الاتفاق، وحصل الانسحاب الأمريكي المُهين من أفغانستان، لم تقدّم طالبان على أيّ تهديد حقيقي للمصالح الأمريكية أو الغربية، وهذا صُلب شرط هذا التدجين أو الاستيعاب أو التوظيف أو الاحتواء.</p>
<p>هذا الدرس، كما أن طالبان لم توجّه أيّ تهديد لأمريكا أو حلفائها من الغرب أو من غير الغرب، بل أيضًا عملت نوعًا من تحييد القاعدة داخل أفغانستان، أعتقد لا بدّ من أن نفكّر فيه على ضوء ما حدث في سوريا.</p>
<p>التغيير الذي حدث في سوريا أسقط نظامًا ==وأحلّ سلطة جديدة له ملامح. مَن يسأل، وناس كثير: كيف رضيت أمريكا عن هذا التغيير في سوريا؟ كيف استقبل ترامب في جولته الأخيرة رئيس السلطة الانتقالية؟ كيف تطوّع بأن يعلن رَفْع العقوبات؟ ربما هذا يجعلنا نتأمّل أننا نحن أمام تجربة لتدجين الجهاديين تمّت في سوريا بطريقةٍ استُلْهِمَت من النموذج الأفغاني، وملامحه واضحة.</p>
<p>كل الذين حملوا، باسم العقيدة، أين كانت صحّة تفسيرهم للإسلامية، لواء الجهاد العالمي واستهدفوا قوى الكفر وأولهم أمريكا، كيف يمكن أن يصبحوا أداة تخدم التصوّرات الأمنية الأمريكية؟ ما حدث في سوريا من تحوّل له دلالات هامة.</p>
<p>من بين هذه الدلالات: أن الأمريكيين رضوا عن سلطةٍ جديدة، بشروط أيضًا مُحدّدة.</p>
<p>إسقاط الجهاد العالمي، بحيث لا تبقى لا أمريكا ولا الغرب هدفًا لهذه القوى.</p>
<p>إنهاء الحديث عن الخلافة.</p>
<p>أن يكونوا بطريقةٍ قاطعةٍ واضحةٍ ضدّ إيران.</p>
<p>أن يكونوا ضدّ قوى المقاومة.</p>
<p>أن يقبلوا بالتطبيع أو التصالُح مع الكيان الصهيوني.</p>
<p>الخمسة شروط هذه نحتاج أن نتأمّل ما حدث في سوريا على ضوئها وأن نرى قَدْراً مما طَرأ من تحوّل دَجَّن بعض الجهاديين ليكونوا الآن في الفلك الأمريكي أكثر من أية قوّة أخرى.</p>
<p>هل يمكن لهذا النموذج الذي صنعته أمريكا في أفغانستان ثم في سوريا مؤخّراً أن يستنسخ ليكون أداة في خدمة التصوّر الأمريكي عن أمن الوطن العربي وما حوله؟</p>
<p>هذا ما يشير إليه بوضوح هناك الآن قابليّة لاستنساخ النموذج السوري وهذه القابليّة مُتحقّقة على سبيل التخطيط على الأقلّ يمكن أن نرصْدها في الشباب المجاهدين في الصومال، يمكن أن نرصْدها في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين الموجود في الساحل الأفريقي، اقترابه الآن من الحديث عن سلطة في مالي، ويمكن أن نلاحظها في ليبيا العربية في قوات الردع التي لعبت دوراً رئيسياً في الأحداث الأخيرة والتي تتمكّن الأكثر حالياً والذي قائدها أيضاً سلفي جهادي وهو مسؤول العلاقات مع الغرب الأمريكي والأوروبي في ما يتعلّق بالترتيبات الأمنية في ليبيا.</p>
<p>هل يمكن أن نرى بالإضافة إلى مشروعات هذه الأذرع استنساخاً للتجربة السورية في تغيير نظام الحُكم في هذه الأماكن وربما أماكن أخرى مُسْتَهْدَفة في الوطن العربي وفي محيطه؟</p>
<p>هذا من الأسئلة التي ينبغي أن ننتبه إليها ونتتبّع الإجابة على الأرض لها.</p>
<p> </p>
<p>حمدين صباحي: كل خطط أمريكا لأمن عندنا هو أمن علينا لها هي ضدّنا نحن لا نجاة لنا إلا بأمن عربي لا بنظامِ أمنٍ أمريكي.</p>
<p>أمريكا التي لم تتوّرع يوماً عندما قصفت هيروشيما بالقنبلة الذرّية تريد الآن أن تخضعنا لكن بالاتفاقات وبالاقتصاد وبالسياسة وبالمنظّمات الأمنية التي تتأسّس على نفي مفهوم الأمن العربي لصالح رؤية أمريكية صهيونية.</p>
<p>هذه أمريكا قالها محمود درويش وحدنا نصغي إلى رعد الحجارة هيروشيما وحدنا نصغي لما في الروح من عَبَث ومن جدوى وأمريكا على الأسوار تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية... يا هيروشيما العاشق العربي أمريكا هي الطاعون والطاعون أمريكا.</p>