أميركا وفنزويلا.. المصلحة المرّة

عقوبات.. انقلابات.. تهديدات عسكرية! فنزويلا في قلب العاصفة الأميركية، من تشافيز إلى مادورو… ثورةٌ تُحاصر، لكنها تقاوم بذاكرة شعبية وتحالفات دولية. كيف تحوّل النفط إلى ساحة صراع جيوسياسي؟ وكيف تواجه كاراكاس مشروع الهيمنة بسياسة السيادة والوحدة الوطنية؟

نص الحلقة

 

 

مايا رزق: إنها حرارة الحب، حب المصلحة بين أميركا وفنزويلا، فكيف تحولت حرارة الحب الى حماوة حرب، حرب مصلحةٍ بين أميركا وفنزويلا؟ الكلمة المفتاح، النفط. وردية ظلّت العلاقات بين كراكاس وواشنطن عقودٌ طويلة، كيف لا وفنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفط في العالم كانت من أولى الدول المصدِّرة للنفط الى أميركا عبر شركة بتروليوس دي فنزويلا. زيارات متبادلة على أعلى المستويات، استثمارات، اتّفاقيات، وصفقات ضخمة بلغت قيمتها أرقاماً خيالية، ضاعفت ثروات الحكّام في كراكاس بينما تفشّى الفساد وامتدّت رقعة الفقر لدى المواطنين، فكان لا بدّ من التغيير. الكراكازو، الانفجار الشعبي عام 89، الفنزويليون نزلوا الى الشوارع رفضاً لإجراءاتٍ رئاسيةٍ أدت الى رفع الأسعار وخصخصة الشركة العامة وتقليص الدعم الاجتماعي، فعرقت البلاد أشهراً من المخاض الى أن انهار نموذج الديمقراطية النفطية.

هوغو تشافيز ابن المؤسسة العسكرية الفنزويلية الذي ترعرع في كنف عائلةٍ متواضعة لم يُخفِ نيّاته يوماً، الرئيس البوليفاري قال صراحةً يريد قلب الأمور رأساً على عقب في مجتمعٍ لا بد أن يكون في نظره أكثر عدالةً ومساواةً ومعرفة، مشهدية عادةً ما لا تعجب واشنطن.

في عام 2002 عرفت كراكاس محاولة انقلاب لقلع تشافيز من الحكم، إلّا أنّ الأمر لم يتخطَ سويعاتٍ قليلة، تشافيز ظلّ ثابتاً ووجّه أصابع الاتّهام في الانقلاب الى واشنطن.

العلاقات الثنائية تحولت الى ما يشبه عداوةً أميركيةً بنكهة العقوبات تجاه كراكاس، خصوصاً عقب تحالفات الأخيرة مع إيران وروسيا والصين وغيرها من البلدان التي لا تدور في الفلك الأميركي.

توفّي تشافيز عام 2013 ووصل وزير خارجيته نيكولاس مادورو الى قصر ميرافلوريس، بحذرٍ تعاطت واشنطن مع الأحداث في كراكاس الى أن كشف أوباما عن حقيقة الرؤية الأمريكية.

بشكلٍ دراماتيكي تدهورت العلاقات وازدادت حدّة بعد فوز مادورو بولاية ثانية عام 2018. خوان غوايدو أعلن نفسه رئيساً للبلاد بدعمٍ عالميٍ بإدارة ترامب الذي شدد العقوبات على صادرات النفط الفنزويلية والبنك المركزي وشخصيات بارزة من بينها مادورو نفسه. 

كشفت كراكاس عن أكثر من محاولة أميركية الإسقاط النظام قبل أن تشهد العداوة هدنةً خدمةً للمصلحة عقب الحرب الروسية الأطلسية، وبحث واشنطن عن مصادر للنفط في عالم الجنوب وأبرزها فنزويلا. الهدنة لم تطل كثيراً، والانفتاح البراغماتي سرعان ما تحوّل الى صراعٍ على الشاكلة الترامبية. ثلاث سفنٍ حربية أرسلتها واشنطن الى قبالة السواحل الفنزويلية، في ما انضم آلاف الفنزويليين الى الميليشيا البوليفارية لمواجهة أي تهديدٍ أميركي، ما نقل الخصومة الى مراتب متقدمة ومنفتحة على احتمالاتٍ قد لا تخلو من التهوّر الترامبي، فهل تكون الغلبة للمصلحة المرة؟ إذهب أعمق تفهم أكثر. 

 

يسرّني أن أذهب أعمق اليوم مع ضيفنا هنا في الاستديو السفير الفنزويلي في لبنان السيد هوسيه بيومورجي، أهلاً ومرحباً بك في إذهب أعمق، كما لاحظنا بأنه في العقود الماضية انقلبت العلاقات بين واشنطن وكراكاس رأساً على عقب، كيف وصلت الأمور الى هنا، الى درجة أن ترسل واشنطن بقيادة ترامب سفن حربية في الكريبي؟

 

 

هوسيه بيومورجي: بادئ ذي بدء أتوجه بالشكر الى تلفزيون الميادين الذي يتيح لنا الفرصة حتى نشرح لكم السياق العام الذي تندرج فيه الأحداث الأخيرة في منطقة أميركا اللاتينية لا سيّما في أميركا الجنوبية. إن العلاقات القائمة بين الولايات المتّحدة وفنزويلا تعود الى تاريخ بعيد، ونلاحظ الفرق بين العلاقات القائمة بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر حيث حققت الولايات المتّحدة استقلالها وبعدها حققت فنزويلا استقلالها، والوضع الراهن، وآنذاك حاولت الولايات المتّحدة من خلال المبعوث الخاص للولايات المتّحدة في فرض إرادة الولايات المتّحدة على محرّر فنزويلا سيمون بوليفار، وقد وُجّه الى بوليفار كتاباً حيث ورد أنه حتى تحقق فنزويلا استقلالها فقد فقدت عدداً كبيراً من سكانها، وإنهم كذلك كانوا يسعون الى الدفاع عن حرية البلاد، ويتمّ التذكير أيضاً بهذه الجملة التاريخية لسيمون بوليفار في كتابٍ له وجّهه الى أحدٍ من العسكريين البريطانيين العقيد كامبل حيث ذكر أن الولايات المتّحدة تبدو وكأنّ مصيرها هو بإسم الحرية وسوف تفرض المأساة، وإنّها إذاً أحداث تعود الى أكثر من قرنين، ونحن ندرك تماماً عقيدة مونرو أميركا للأميركيين، وكما ذكرتِ آنفاً إنّ فنزويلا وهو البلد الذي تميّز بأكير احتياطي نفطي في العالم فإنه منارةً للحرية وللكرامة، إنّ فنزويلا هي الدولة التي أطلقت الحركة التحريرية في أميركا اللاتينية، وإن فنزويلي واحد هو الذي قد قاد حركة التحرير في أميركا اللاتينية ونتحدث عن ستة دول كولومبيا والبيرو وبوليفيا وفنزويلا وإكوادور وبنما، وقبل ذلك فإنّ بنما كانت جزءاً من كولومبيا وجزءاً من غرناطة الجديدة، وبالتالي الأمر ليس بالجديد اليوم. إنّما وإذا ما ركّزنا جهودنا واهتمامنا على تاريخ فنزويلا على مدى قرنٍ وثلاثة عقودٍ حيث تمّ اكتشاف النفط في فنزويلا وبدأ إنتاج النفط فيها، فكلّما جاء رئيس قد ادّعى بأن يضع الثروات النفطية وثروات فنزويلا خدمةً لهذا الشعب فإن هذا الرئيس كان محطّ اعتداءاتٍ وانقلاباتٍ وعملياتٍ عدائيةٍ وتهديدات، والأمثلة كثيرة، سيبريانو كاسترو في بداية نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين، رومولو غاييغوس آنذاك في منتصف القرن العشرين، والرئيس تشافيز بحد ذاته والذي وقع ضحية محاولة انقلابٍ في العالم 2002، وكل ذلك قد بدأ عندما حاول الرئيس تشافيز بتغيير القانون، حيث أنّه أراد أن يعدّل مستوى العلاوات التي تدفعها الشركات الأجنبية للدولة، فقد حاول أن يعدّل القانون بأن يرفع هذه النسبة من صفر فاصل خمسة بالمئة الى معدلاتٍ أكثر ارتفاعاً، الى 16% و33%، وهو أمرٌ تمّ وضعه في دستورنا حيث أنّ أي شركة نفطية تتعاون مع فنزويلا لا يمكنها أن تحظى على 49% من الحصص في أي شركة نفطية، فالأغلبية تعود الاى فنزويلا. ومنذ ذلك الحين بدأت الضغوطات على فنزويلا، ونحن ندرك تماماً أن أي محاولة تقوم بها الولايات المتّحدة سكون سياقها سياق اقتصادي ويلجؤون الى ذرائع الإرهاب، المخدرات، الشيوعية، إذاً الذرائع كثيرة وذلك لوضع يدهم على موارد البلاد.

 

 

مايا رزق: بالحديث عن الذرائع سعادة السفير نحن نتحدث الآن عن أكبر انتشار عسكري أميركي في المياه اللاتينية منذ أزمة الصواريخ الكوبية، هل كل هذا من أجل مكافحة الإرهاب، حبّذا لو تُخبرنا أصلاً أين تنتشر هذه السفن الحربية الأميركية الآن وكيف ستكافح المخدرات؟

 

 

هوسيه بيومورجي: إنّ فنزويلا في الوقت الراهن تقع ضحية تهديداتٍ من سرديةٍ عدائيةٍ غير متّسقة، كاذبة ، خاطئة، منافقة، والغرض منها نسف السلام والاستقرار في فنزويلا. إنّ الدبلوماسية الفنزويلية هي دبلوماسية بوليفارية للسلام، هذا الاسم الذي نطلقه عليها، نحن لا نمثّل خطراً على أحدٍ إلّا أن الولايات المتّحدة التي تسعى للاعتداء علينا والاعتداء على زعيمنا الرئيس مادورو قد اختلقت سرديات خاطئة تحدّثت عن مجموعاتٍ إرهابيةٍ بأراغوا الغائبة عن الوجود اليوم، وقد بدأت بالاعتداء على فنزويلا أكثر من مرة، ومؤخراً قد خرج من وزارة الخارجية ووزارة العدل في الولايات المتّحدة أشخاصٌ قد يعطون مكافأة لمَن يعطي معلومات لإلقاء القبض على الرئيس مادورو، إنّ ذلك يمثّل تحفيزاً على قتل الرئيس، ومؤخّراً قد أرسلت الولايات المتّحدة أسطولاً الى البحر الكاريبي معتبرة أن الأمر يتعلق بمبادرة وبخطة لمكافحة المخدرات، سيّدتي ولو سمحتِ أودّ أن أشرح لكم الوضع، فقد وردت تقارير في الأمم المتّحدة فضلاً عن مقالٍ ممتازٍ لا بد من أن أخصّه بالذكر، إنّ المنتجين الرئيسيين للكوكايين وحسب تقرير الأمم المتّحدة هم في كولومبيا والإكوادور والبيرو، إنها دولٌ ثلاث لديها واجهة على المحيط الهادئ، أمّا فنزويلا فواجهتها على المحيط الأطلسي وعلى بحر الكاريبي، بالتالي فإن 85% من المخدات على حد قول المنظمات الدولية لا سيّما منظمة مراقبة المخدرات في الولايات المتحدة تُنقَل من خلال المحيط الهادئ، فليس من الصدفة أنه قد حصل انقلاب في البيرو وإنّ الرئيسة قد فُرضَت ولم تفز في انتخاباتٍ، وفي الوقت نفسه في الإكوادور كانت هناك انتخابات فاسدة وتمّ الحفاظ على الرئيسي الحالي. أمّا في كولومبيا كمية كبيرة من القواعد العسكرية، ومن ها التدفّق للمخدرات عن طريق المحيط الهادئ، فماذا للولايات المتّحدة أن ترسل أسطولاً لمكافحة المخدرات في بحر الكاريبي في مواجهة سواحل فنزويلا في البحر الأطلسي، ولماذا تمّت زيادة المكافأة للقبض على الرئيس مادورو لمستوى خمسني مليون دولار؟ إذاً ما هو الغرض من كل ذلك؟ 

إنّ إدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتّحدة هي أكبر مجموعة مخدرات في العالم، إنها تُعنى بالرقابة لكن في واقع الأمر هي توزع المخدرات، ولن أذكر الدول لأنني دبلوماسي، ثمّة بلدٌ في أميركا اللاتينية تكثر فيه عدد القواعد الأميركية وتتفشى فيه زراعة الكوكاكيين، هناك دول في آسيا والشرق الأوسط وكان هناك إذاً وجود كبير للولايات المتّحدة فيه حيث كثُرَت زراعة الأفيون فيه، لا، إنها صدفٌ. في واقع الأمر إنّ للولايات المتّحدة مشاكلٌ داخلية عديدة وتودّ أن تتغافل عنها، ،إنها تستعيد بفنزويلا لكي تُخفي هذه المشاكل الداخلية كقضية إبستين وهي قضية تحاول إدارة دونالد ترامب ..

 

 

مايا رزق: إذاً برأيك أنّ كل ما يتم البوح به الآن في الإعلام الأميركي نقلاً عن الرئاسة الأميركية وأيضاً عن وزارة الدفاع الأميركية هو مجرّد حجج ربّما لخلق واقعٍ جديد يلائم أميركا أكثر في فنزويلا، سنتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل ولكن اسمح لي الآن بالحديث عن سياسة الولايات المتّحدة الأميركية في الداخل الفنزويلي حيث دعمت مشاهدينا الكرام واشنطن ومعها عدد من الدول الغربية، دعمت بشكل معلَن شخصيات في الداخل الفنزويلي، قدّمت نفسها كقيادات في المعارضة، فمَن هي وأين هي هذه الشخصيات؟

البداية ستكون مع بيدرو كارمونا رئيس اتّحاد الصناعيين في عهد تشافيز، نصّب نفسه رئيساً مؤقتاً خلال محاولة الانقلاب عام 2002 بترحيبٍ أميركي، ولكن تظاهرات شعبية دعماً لتشافيز توازت مع إعلان قطعات واسعة من الجيش رفضها الانقلاب أجبرته على الفرار بعد أقل من 48 ساعة، يُقيم اليوم في كولومبيا حيث حصل على اللجوء وهو خارج المشهد السياسي.

إنريكي كابريليس زعيم حزب العدالة أولاً، وُصف بالمعارِض المعتدل المفضَّل لدى واشنطن، نافس تشافيز عام 2012 ومادورو عام 2013 وخسر في المرّتين، قبل أن يتراجع موقعه السياسي أمام شخصيات معارضة أخرى على رأسها الشهير جداً خوان غوايدو. 

ليوبولدو لوبيز مؤسس حزب فولانتاد بوبولار أي الإرادة الشعبية، قاد احتجاجاتٍ عنيفة ضد مادورو عام 2014، اعتُقل وُوضع في الإقامة الجبرية، واشنطن حاولت استخدام القضية ورقة تفاوض مع كراكاس وربطت العقوبات الاقتصادية جزئياً بملفه، وكان الإفراج عنه شرطاً ضمنياً لتخفيف الضغط، مؤسسات أميركا مثل NADو USAID موّلت منظمات مجتمع مدني وأحزاباً معارضة بينها حزبه. هو مقيم اليوم في اسبانيا. 

أمّا الآن فنأتي على ذكر خوان غوايدو نائب من حزب لوبيز أعلن نفسه في كانون الثاني يناير من عام 2019 رئيساً مؤقتاً بدعمٍ فوريٍ من الولايات المتّحدة وأكثر من خمسني دولة، فشل في إسقاط مادورو لعدم كسب دعم الجيش، بحلول عام 2022 سحبت الدول بمعظمها اعترافها به، يعيش اليوم في الولايات المتّحدة منذ عام 2023 بعد فقدانه ما كان يعتبره شرعية دولية.

وأخيراً مع ماريا كورينا ماتشادو، نائبة سابقة قادت تيارا متشدداً ضد تشافيز ومادورو، حظيَت بدعمٍ سياسيٍ وإعلاميٍ واسع في واشنطن، فازت في الانتخابات التمهيدية للمعارضة كمرشحة رئاسية، لكنها غير قادرة على الترشّح للانتخابات الرئاسية على خلفية عدة قضايا من بينها عدم التصريح الكامل عن أصولها المالية في أثناء شغلها منصب نائبة في البرلمان، ودعمها للعقوبات الأميركية لفنزويلا ما يُعدّ خيانة للوطن.

 

أذهب بكل هذه الأسماء إليك ضيفنا أستاذ خالد الترعاني الأكاديمي والخبير بالشؤون الأميركية، تنضم إلينا من اوهايو، أهلاً ومرحباً بك، دكتور خالد هذه الأسماء الى أي مدى يمكن أن نقول اليوم بأنها عناوين لرهان فاشل ربّما؟ وأين مكمن الخلل إذا كان الأمر كذلك؟

 

 

خالد الترعاني: تحية لك أختي الكريمة ولضيفك الكريم سعادة السفير الفنزويلي في لبنان وللمشاهدين الكرام. إذا نظرنا الى هذه الشخصيات لا بد أن نضعها بسياقها التاريخي وهو السياق التاريخي للتدخل الأميركي بالدول، دول أميركا اللاتينية وأميركا الوسطى، وتدخلها في دول أخرى أيضاً من افريقيا الى آسيا الى الشرق الأوسط، في كل العالم في الحقيقة. نحن نجد أن الديمقراطية دائماً هي عائق أمام الولايات المتّحدة ومصالحها، الانقلابات المتعددة إن كان في تشيلي عام 1973 أو في غواتيمالا في 1954 ضد باتريس لومومبا، واغتيال الرؤساء المنتخبين ديمقراطياً، فهذا ليس غريباً على الولايات المتّحدة الأميركية بكل أسف. ولكن هذه الأسماء تدعو الى الشفقة تقريباً على هذه الإدارات الأميركية المتعاقبة التي تحاول، يعني أي إنسان يتنفس ويستطيع أن يقول أنه مناوئ للحكومة الفنزويلية الولايات المتّحدة تعتبره صالح لأن يكون رئيساً أو لأن يكون قائداً لهذه الدولة، هذه الدولة العريقة في الحقيقة والغنية بالثروات. كانت استضافة غوايدو خلال خطاب الرئيس ما يُسمى بحالة الاتّحاد وهو أهم خطاب للرئيس الأميركي الذي عادةً ما ينعقد لمجلسي النواب والشيوخ ويلقي الرئيس الأميركي خطابه، استضافة غوايدو خلال هذا الخطاب للرئيس كان أنا برأيي محاولة لتلميع صورة غوايدو ومحاولة الحديث عن أن هناك تحوّل ديمقراطي، الديمقراطية التي لم تعجب الولايات المتّحدة عندما انتُخب من لا تحبه الولايات المتّحدة، الآن تريد أن تأتي بغوايدو. ولكن من الواضح أن الشعب في فنزويلا يلتف حول حكومته ويرفض مثل هذه..

 

 

مايا رزق: صحيفة غاردن البريطانية عنونت في التاسع عشر من أيار مايو من العام 2022 قالت واشنطن لا تزال عاجزة عن كسر مادورو، هل ستنجح اليوم برأيك بالوصول الى هذا الهدف بالبوارج الحربية؟

 

 

خالد الترعاني: أنا أعتقد أنّ الولايات المتّحدة ليست بصدد غزو لفنزويلا، غير قادرة، خصوصاً غير قادرة على عدد من المستويات، عسكرياً سوف تكون مكلفة جداً إن تجرأت الولايات المتّحدة وغزت فنزويلا، هذا من جهة، من جهة أخرى أنا لا أعتقد أن القاعدة الشعبية المؤيدة للرئيس ترامب حالياً، الميغابيس، مستعدة ولها نفَس لأن تخوض الولايات المتّحدة..

 

 

مايا رزق: إذاً لماذا إرسال هذه السفن الحربية؟

 

 

خالد الترعاني: أنا أعتقد أن هذه السفن الحربية هي استعراضية أكثر من أي شيء آخَر، يعني كما تفضّل سعادة السفير أكثر من ثلثي كوكايين العالم، سبعين بالمئة تقريباً حسب تقارير الأمم المتّحدة من الكوكايين تخرج من كولومبيا وليس من فنزويلا، هناك حديث عن أن فنزويلا لا تُنتج الكوكايين ولكنها هي نقطة العبور، ولكن أيضاً تقارير الأمم المتّحدة تقول أنه فقط 5% من الكوكايين الكولومبي يمرّ عبر فنزويلا. إذاً المنطق يقول لو أنه سوف يكون هناك أي عمل عسكري سيكون ضد كولومبيا وليس ضد فنزويلا. إذاً الحديث عن أن هذا من أجل الحرب على المخدرات وما الى ذلك هو حديث واهي ولا أحد يشتري هذه البضاعة الفاسدة، ولكن هل الشعب الأميركي وخصوصاً القاعدة المؤيدة للرئيس ترامب من الحرب الجمهوري هل هي مستعدة لأن تخوض حرباً ضد فنزويلا؟ أنا لا أعتقد هذا، لذلك هذا الانتشار برأيي هو قضية استعراضية أكثر من أي شيء آخَر، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات النصفية، والأزمات المتتالية التي يُمنى بها الرئيس ترامب أهمها فضيحة جيفري إبستين التي لوّثت الجو وبشكل كبير جداً بالنسبة لترامب، أكثر المطالِبين بالإفراج عن ملفات جيفري إبستين الذي اشتهر بالاعتداء على القاصرات وتوريط رؤساء وشخصيات هامة وعامة في هذه القضايا، أحد هذه الشخصيات كان دونالد ترامب، أنا باعتقادي أن ترامب الآن يسعى جاهداً لأن يفعل كل ما يستطيع كي لا يكون هناك اهتمام بهذا الموضوع، وهناك عدد من الأمثلة، أولاً تحدّث عن عسكرة واشنطن دي سي من خلال فدرلة الحرس الوطني من أجل الذهاب الى واشنطن، والآن يتحدث عن الذهاب الى شيكاغو، يعني يريد أن يخلق حالة من اللغط داخل الولايات المتّحدة كي لا يكون هناك حديث عن جيفري إبستين، لأنّ هذه في الحقيقة واحدة من أكبر الفضائح التي تهز الولايات المتّحدة أعتقد في العصر الحديث، وإذا تمّ الإفراج عن هذه الملفات سوف تكون فضيحة كبرى ليس فقط لدونالد ترامب ولكن للحكومة الأميركية..

 

 

مايا رزق: ولكن تابعنا خلال السنوات كيف ينجح ترامب عادةً في ترقيع أي فضيحة قد تمسّ به، أعود إليك سيادة السفير قبل قليل تحدّثتَ عن موضوع الجوائز المالية التي وضعتها الولايات المتّحدة الرسمية لمَن يمكن أن يعطي أي معلومة عن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، اللافت سيادة السفير بأنّ غير المبلغ خمسون مليون دولار، هناك مبالغ أخرى وضعتها الولايات المتّحدة الأميركية على رأسي كل من ديوسدادو كابيلو وفلاديمير بادرينو لوبيز وزير الدفاع الفنزويلي على ما أعتقد، أهي خطة للإطاحة بمادورو أم لا؟ نحن نتحدث ربما عن خطة لتغيير النظام مع تسعيرة محددة؟ يعني خمسني مليون وخمسة وعشرين مليون وخمسة عشر هذا المبلغ كله من أجل قلب النظام في فنزويلا.

 

 

هوسيه بيومورجي: قبل أن أجيب على سؤالك أود أن أعود الى ما ذكره الضيف الكريم، في العام الماضي حصلت انتخابات نصفية، ومؤخراً قد عُقد اتّفاق بين الرئيس ترامب والرئيس مادورو حيث تمّ هناك تبادل، كان لدينا مئتي وخمسون من الشباب المعتقلين في السلفادور بشكل ظالم، لم يقترفوا أي جريمة وتم اعتقالهم بشكل غير قانوني وغير أخلاقي، وقد دارت مفاوضات حيث أنه أُرسل هؤلاء ال250 شاب الى فنزويلا في مقابل نحن قد أطلقنا سراح 12 من المجرمين الحاملين للجنسية الأميركية، وإنّ ذلك قد أثار امتعاض اللوبي في فلوريدا الذي يكره فنزويلا، وكان بحاجة الى عمل لإخفاء هذا العمل. حصل الاجتماع إذاً مع الرئيس بوتين، وبعد ذلك هذا العمل ضد فنزويلا.

رداً عن السؤال المتعلق بالجوائز المالية في حق الرئيس مادورو ووزير الخارجية كابيلو ووزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز، إذاً وهي الشخصيات الأهم في فنزويلا، ما هو وراء هذه الجوائز؟ هو فعلٌ لنسف الاستقرار، هو السعي لكي يحاول أحدهم اغتيال أحد هؤلاء الثلاث للمطالبة بهذه المكافأة، وإنه أسلوبٌ أيضاً لزرع الفتنة الداخلية، إنّ الرئيس ترامب قد اقترح خلال حملته أنه لن يقوم بأي حربٍ، وأنا أتّفق مع الضيف بأن الولايات المتّحدة لن تخوض حرب ضد فنزويلا، إلّا أننا نحن في الحركة المؤيدة لتشافيز تعلمنا بأنه ينبغي أن نتجهّز لأسوأ التصوّرات، ومن هنا نداء الرئيس مادورو ل4.5 مليون من أعضاء الميليشيات وهناك تعبئة وطنية وبعض العمليات والتمارين للدفاع عن الوطن. وما تسعى إليه الولايات المتّحدة هو أن تتيح متنفّساً لهذه المعارضة المتطرفة والتي هي كما ذكرت ..، كارمونا، غوايدو.. 

 

 

مايا رزق: يعني أنتم في فنزويلا جاهزون لأي تصعيد عسكري قد تقوم به واشنطن اليوم؟

 

 

هوسيه بيومورجي: تاريخياً فنزويلا بلدٌ متمسّكٌ بالكرامة، نحن لا نركع، لا نرضخ لتهديدات، وإننا نصرّ على أنه وراء هذه الأفعال نيّةٌ لإتاحة متنفسّ للمعارضة المتطرفة التي ذكرتها وآخرها السيدة ماريا كورينا ماتشادو المرتبطة بجماعات إجرامية من المخدرات، وإنها مرتبطة بالرئيس السابق لكولومبيا السيد اوريبي والذي كان من أحد الزعماء الرئيسيين لمجموعات المخدرات في كولومبيا، وإنّها مرتبطة بهذه الجماعات الإجرامية من متاجرين بالمخدرات في كولومبيا وفي المنطقة كذلك مع رئيس نوبوا في الاكوادور. 

 

 

مايا رزق: هذه تهم خطيرة أريد أن أتحدث عنها ولكن بعد هذا الفاصل القصير تفضل بالبقاء معنا سعادة السفير، وأيضاً الدعوة موجهة لكم أستاذ خالد الترعاني.

فاصل قصير ونتابع حلقة اليوم من إذهب أعمق

 

 

فاصل

 

 

مايا رزق: من جديد أهلاً ومرحباً بكم في إذهب أعمق. "عندما غادرت كانت فنزويلا على وشك أن تنهار، لو أننا استولينا عليها لكان لدينا كل ذلك النفط، لكننا الآن نشتريه" علناً قالها دونالد ترامب في حملته الانتخابية، فماذا يمثّل النفط الفنزويلي بالنسبة لأميركا؟ أحد أكبر الاحتياطات المؤكدة في العالم تملكها فنزويلا، هذا تقرير لStatistical Review of World Energy يتحدث عن 303 مليار برميل، أي هو الاحتياطي الأكبر على مستوى العالم، هو يمثّل نحو 95% من ايرادات التصدير في البلاد ويشكّل ما بين 20 و25 من الناتج المحلي الاجمالي. من هنا جعلت الولايات المتّحدة النفط أهم أدواتها في حملة العقوبات، منذ عام 2017 بالتحديد وحتى اليوم حظرت شراء النفط الفنزويلي الخام وجمّدت أصول شركة PDVSA في الخارج، في محاولة لخنق حكومة كراكاس بحرمانها العملة الصعبة. 

ذلك دفع فنزويلا بالبحث عن أسواق بديلة وتعزيز التعاون وإقامة شراكات مع دولٍ تواجه الأخرى حصاراً أميركياً أو ضغوطاً سياسية واقتصادية على رأسها إيران والصين وروسيا. فيما اضطُرَّت واشنطن بعد حرب اوكرانيا الى التخفيف جزئياً من العقوبات وسمحت لشيفرون بالعودة الى التنقيب والإنتاج في فنزويلا، لأن الغرب كان بحاجة الى مصادر نفط.

إذاً الحاجة الى النفط الفنزويلي كانت أقوى من سلاح العقوبات، وفق الأرقام في شباط فبراير من عام 2024 جرى تصدير النفط الى 113 مشترٍ مختلف بزيادة 26% عن العام السابق، من المشترين الكبار الصين طبعاً، ففي أيار مايو الماضي مثلاً استوردت الصين نحو 584 ألف برميل يومياً من النفط الفنزويلي.

أما بالنسبة للولايات المتّحدة فبلغ حجم الصادرات في الشهر الأول من هذا العام 250 ألف برميل يومياً وهي أعلى قيمة منذ فرض العقوبات عام 2019. 

 

أذهب إليك ضيفنا من اوهايو أستاذ خالد الترعاني لأسألك، ترامب نفسه قال كما ذكرنا قبل قليل في حملته الانتخابية في كارولاين الشمالية عام 2023 لو استولينا على فنزويلا لكان لدينا كل ذلك النفط، الى أي مدى ما يقوله ترامب صراحةً يعبّر فعلاً عن رغبة أميركية عميقة بصرف النظر عن من يسكن في المكتب الأبيض؟

 

 

خالد الترعاني: ما أريد أن أقوله أن الشيء الذي قد يكون مضحك مبكي.. 

أنا أعتقد أن الشيء المضحك المبكي بالنسبة لترامب هو أنه يعبّر وبشكل واضح بدون أي مواربة عن السياسات الأميركية ولا يختبئ وراء الخطاب الدبلوماسي الذي تعودنا عليه من الرؤساء الأميركيين السابقين، هو يتحدث عن أنه يريد أن يقلب غزة الى منتجع على البحر المتوسط، يريد أن يستولي على النفط الفنزويلي، أليس هناك بشر في فنزويلا؟ أليس هناك شعب وحضارة في فنزويلا حتى يريد أن يستولي عليها؟ ولكن هذه في الحقيقة هي السياسات الأميركية. الآن يتحدّثون عن قضية المخدرات على سبيل المثال، ومن الواضح أن المخدرات في كولومبيا وليست في فنزويلا، يتحدثون عن الديمقراطية ولكن الولايات المتّحدة هي أكبر داعم للديكتاتوريات في العالم ونستطيع أن ننظر الي الشرق الأوسط كي نرى هذه المظاهر. إذاً هذه الحجج كلها واهية، في الحقيقة هي متعلقة بالنفط، عندما كانوا يتحدثون عن أن هوغو تشافيز شيوعي، ففي بدايات القرن العشرين عندما كانت الولايات المتّحدة تغزو الدول المختلفة من جمهورية الدومينيكان الى بنما وغيرها لم يكن هناك شيوعية في العالم، إذاً هي متعلقة بالاقتصاد. حروب الموز كما تسمى ضد الدول اللاتينية المختلفة، الغزو لبنما، غزو غرينادا، كل هذه تعبيرات في الحقيقة عن امبريالية  أميركية متغوّلة في أميركا الوسطى واللاتينية، وهذا ليس بالحديث، بالطبع تحدث سعادة السفير في بداية الحلقة عن مبدأ مونرو وهو مبدأ بدأ في عام 1823 أي قبل أكثر من مئتي عام، تحدث عن أنه لا بد أن يكون هناك هيمنة أميركية في أميركا اللاتينية. 

هذا عابر في الحقيقة للإدارات الأميركية، من الحزب الديمقراطي ومن الحزب الجمهوري، على سبيل المثال رجل مثل اوباما هو أستاذ في القانون الدستوري خرّيج أشهر الجامعات القانونية في الولايات المتّحدة يريد ويتحدث عن فنزويلا بأنها خطر قومي على الولايات المتّحدة، هذا ليس متعلقاً لا بالديكتاتورية ولا بالمخدرات، هو متعلق بالنفط، عندما نرى أن رئيس كرونالد ريغان الذي هو معشوق المحافظين في الولايات المتّحدة، هو الذي غزا غرينادا وأيّد الحرب البريطانية على جزر الفوكلاند في الأرجنتين. الهيمنة الغربية على هذه الدول التي تعتبرها جنوب العالم، إن كان أميركا اللاتينية أو في آسيا وافريقيا، هي سمة واضحة ومستمرة، يعني لا تحيد عنها الولايات المتّحدة، هذه قضية. 

القضية الأخرى أنا أعتقد أنها مهمة، أن هناك تاريخ للرؤساء الأميركيين، عندما يكون هناك أزمة داخلية في الولايات المتّحدة يتم تصدير هذه الأزمة الى دول العالم الثالث، إن كان غزو الصومال الذي قام به الرئيس بوش الأب، إن كان غزو غرينادا بعد أن تم تفجير المارينز بأيام في بيروت كان هناك غزو لغرينادا ليتم حرف الأبصار عن هذه الأزمة الأميركية. فضيحة مونيكا لوينسكي مثلاً والرئيس بيل كلينتون، بعد شهادته أمام هيئة المحلّفين بأيام قام بقصف مصنع الدواء في السودان وقصف أفغانستان واضطرت الولايات المتّحدة أن تدفع تعويضات لمالك مصنع الدواء في السودان. بمعنى تقوم الولايات المتّحدة دائماً بتصدير أزماتها الداخلية إن كانت اقتصادية أو حتى جنسية كما هو الحال بإبستين أو بمونيكا ليونسكي في عهد بيل كلينتون، وأنا أذكر بيل كلينتون وترامب لأنهما مفروض أنها على نقيضين تماماً سياسياً، واحد ليبرالي وواحد محافظ، وواحد ديمقراطي وواحد جمهوري، بمعنى أن هذه السياسات عابرة للأحزاب في الولايات المتّحدة.

 

 

مايا رزق: سعادة السفير بعد أن أرحب بك من جديد، إذاً واشنطن تريد تصدير أزماتها الداخلية ولكن هذا لا يعني بأنها قد لا تؤلم الداخلي الفنزويلي، سأسألك عن مناعة فنزويلا اليوم، ولكن قبل ذلك، يقول الرئيس ترامب صراحةً بأنه يريد وسيسحق النظام في فنزويلا، سيسحق مادورو تحديداً، صحيفة ذا هل البريطانية عنونت مؤخراً أيضاً "على الولايات المتّحدة الإطاحة بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو" بينما تقول لوموند الفرنسية "مادورو صمد حيث سقط آخرون"، ما السر؟ كيف يفعلها مادورو؟ وهل ربّما صمام الأمان بالنسبة له هو وحدة الجيش الى جانبه؟

 

 

هوسيه بيومورجي: إن ذلك يتّصل بأكثر من عاملٍ واحدٍ، حاولت الولايات المتّحدة أولاً أن تنسف اقتصادنا حتى تقلب الشعب على الحكومة الثورية البوليفارية، نحن اتّخذنا عدداً من القرارات التي أفشلت هذا المسعى، وذلك منذ عام 2021، الأمر الذي أدى الى تحريك الاقتصاد والى تنويعه، أي أننا لا نعتمد على النفط فحسب، وهو الأمر الذي سمح لنا أن نشهد نمواً اقتصادياً على مدى ثلاثة أو أربعة أعوامٍ، ونحن في عالم رأسمالي نيوليبرالي وذلك فضلاً عن المعايير التي نستخدمها محلياً. فضلاً عن كل ذلك هناك اتّساق مدني عسكري، لدينا وحدة مدنية عسكرية مع شرطة حيث أنّ الشعب مؤحَّدٌ ومتكاملٌ مع القوى المسلحة، القوى المسلحة جزء من الشعب والشرطة جزء من الشعب، وفضلاً عن كل ذلك فإنّ الحزب السياسي والاشتراكي الموحد الذي أسسه الرئيس تشافيز الذي يدمج هذه السياسة التوحيدية والتي تسمح لنا أن ندافع سويةً عن الأمة، ولدينا إذاً وحدة صارمة لمؤسساتنا، المؤسسات المدنية، القوى المسلحة، والشعب.

 

 

مايا رزق: الرئيس مادورو يتّخذ كل هذه التهديدات الأميركية وهذه الخطوات العسكرية على محمل الجد، هو تحدث عمّا يسميه التحوّل الثالث في المجتمع الفنزويلي، أي إعادة هيكلة كاملة لهذا المجتمع ليكون مهيأ للحرب، هل هذا يعني بأنّ الأمر لم يعد يتعلق لا بالسياسة ولا بالنفط بل بالوجود بحدّ ذاته؟

 

 

هوسيه بيومورجي: صحيح، كما أسلفتُ نحن لطالما نتجهّز لمواجهة أسوأ تصوّرات وفي فنزويلا كما توضّح أكبر احتياطات للنفط في العالم ولدينا أكبر احتياطي للغاز كذلك في العالم، من المعادن الذهب، الحديد، الالومينيوم، الكولتان، مجموعة من الموارد والثروات التي تسعى الولايات المتّحدة وتتعطّش لها الولايات المتّحدة، التي تتخبّط في أزمة اقتصادية واجتماعية ووجودية كامبراطورية، الأمر الذي يجعل من الولايات المتّحدة دولة خطيرة لأنها كالأسد المجروح. فإنّ الرئيس ترامب قد أرسل مبعوثاً خاصاً أدار حواراً متواصلاً معنا ودخلنا في اتّفاقات لا تحترمها أبداً الولايات المتّحدة، وعندما تحترمها لأنه وراءها فخ، ونحن نفهم تماماً تصرف الولايات المتّحدة ذلك لأننا نواجهها منذ سنوات طويلة، وكما أسلفتُ نحن نستعد لأسوأ التصورات. إن السيادة ليست محطة مفاوضات ولا نضع استقلالنا محط مفاوضات ونحن نستعد للدفاع عن أرضنا وعن ترابنا وعن أمتنا من كل خطرٍ خارجي. ولكن كما قلتُ في البداية نحن لا نعادي أحداً، نحن منفتحون للحوار ولكننا لا نقبل أن يفرض أحد أي شيء علينا.

 

 

مايا رزق: دكتور خالد أكثر من دولة في أميركا اللاتينية وقفت الى جانب فنزويلا، دول ألبا وغيرها، علماً بأنّ مادورو ربّما وصّف ما يحصل وأوضح على أنه جزء من النضال ضد الهيمنة الأميركية، أي أنّ فنزويلا ليست فقط هي الآن التي هي عرضة لهذا العدوان الأميركي أو التصعيد الأميركي بل كل دولة تواجه الهيمنة الأميركية. أمام هذا الواقع ما هي خيارات واشنطن، هل ما نراه كما ذكرتَ قبل قليل هو مجرّد تصعيد ومن ثمّ تأتي ربّما حلقات من الحوار أو التفاوض أو الرضوخ مجدداً للمصلحة المرة كما تابعنا في ما يخص النفط؟

 

 

خالد الترعاني: أنا أعتقد أن الولايات المتّحدة في الحقيقة تبالغ بتقييم قوتها، على سبيل المثال عندما تفرض حصار على فنزويلا كما فرضت مثلاً حصار على إيران، أو حتى على روسيا، ما الذي حصل؟ الذي حصل هو أنّ الدولار، الذي هو في الحقيقة قوة الولايات المتّحدة تتمثل بالدولار، الدولار أصبح له بدائل من خلال تبادل النفط باليوان الصيني. بمعنى هذه الهيمنة الأميركية التي تستخدم الدولار وتستخدم التعامل بالدولار هي السلاح الأقوى للولايات المتّحدة، والحقيقة نحن لا ننكر أن الاقتصاد الفنزويلي وأن الشعب في فنزويلا قد عانى بسبب هذا الحصار الذي بدأ بدونالد ترامب بالمناسبة وكان أقوى ما يكون في 2017 عندما كان ترامب في فترته الرئاسية الأولى، أنا أعتقد أن مثل هذه التحديات تخلق الحاجة الى البحث عن بدائل للدولار الأميركي، وأنا أعتقد أن هذا عندما يتكرر مع دولة وراء دولة وراء دولة يخلق عدم ثقة بأننا إذا خالفنا الولايات المتّحدة سوف ندفع ثمن باهظ بسبب اعتمادنا على الدولار، إذاً إمّا أن نخضع لاملاءات الولايات المتّحدة أو نخفف من اعتمادنا على الدولار، وأنا أعتقد أن هذا هو التوجّه العالمي، الابتعاد عن السويفت نظام الحوالات الذي لا بد أن يمر من خلال الشركات الأميركية ومن نيويورك، بالإضافة الى تعامل دول مثل الصين وروسيا وإيران بتعاملات نفطية تبتعد عن الدولار، وجدنا أن هذا الحصار على النفط الروسي على سبيل المثال أدى الى أنّ الهند كانت تعتمد، تستورد واحد بالمئة من النفط من روسيا، الآن تستوتد أربعين بالمئة من نفطها من روسيا، بمعنى أي حصار تفرضه الولايات المتّحدة كي تفرض هذه الهيمنة الأميركية أو الغربية يؤدي في النهاية الى خلق بدائل، وهذه البدائل لا تصب بالضرورة بمصلحة الولايات المتّحدة.

لذلك أنا أعتقد أن هذه السياسة سياسة خرقاء الى حد كبير من دونالد ترامب. هذا الانتفاخ الذي هو سمة لترامب وللسياسات الأميركية أصبح مبالغاً به بسبب انتفاخ الولايات المتّحدة وانتفاخ ترامب، بمعنى هذا أصبح قوة أسّية وليس خطّية، إذا استخدمنا لغة الرياضيات.

لذلك أنا أعتقد أن فنزويلا في النهاية سوف تتجاوز هذه الأزمة بالطبع إذا لم يحصل انقلاب، ونتمنى أن لا يحصل انقلاب في فنزويلا، لأن الانقلابات التي تمارسها الولايات المتّحدة، كما ذكرنا على سبيل المثال في غواتيمالا، الانقلاب في غواتيمالا أدى الى مقتل أكثر من مئتي ألف مواطن من غواتيمالا بسبب هذه السياسات الأميركية، ورأينا في بلاد أخرى كثيرة، لذلك أعتقد أن الولايات المتّحدة ليست بصدد إنجاز هذه المهمة إذا لم يُنجَز الانقلاب، وإنّما سوف تخلق بدائل وسوف تخلق عداوات أو حذر شديد لدول.

الشيء الأخير الذي أريد أن أنبّه له، نتحدث عن المنظومة الغربية مقابل جنوب الأرض، وجدنا أن فرنسا الآن تؤيد الولايات المتّحدة بنشر القوات في البحار حول محيط فنزويلا وأميركا الوسطى، بمعنى أن هذه المنظومة دائماً متناغمة مع بعضها كما رأينا عندما كان هناك الغزو البريطاني لجذر الفوكلاند في الأرجنتين الولايات المتّحدة كانت هي الدولة التي تقف الى جانب بريطانيا في هذا الأمر.

 

 

مايا رزق: إذاً نحن أمام تكتلات سعادة السفير، قبل قليل كنتَ تحدثني عن كيف فعلتها فنزويلا وتمكّنت من النهوض عقب هذه العقوبات الخانقة التي فرضتها الولايات المتّحدة على فنزويلا، كيف ربّما بدأت بالاعتماد على موارد أخرى غير النفط والى ما هنالك، هل فعلتها وحيدةً أم كان هناك حلفاء وأصدقاء؟ والى أي مدى اليوم فنزويلا تعوّل في هذه المرحلة من التصعيد على حلفائها من الصين وروسيا وغيرها من الدول؟

 

 

هوسيه بيومورجي: في طبيعة الحال لدينا حلفاء أقوياء، دول البريكس على سبيل المثال، ولدينا حلفاء في منطقة آسيا الغربية على سبيل المثال، إلا أننا نعتمد على أنفسنا في المقام الأول، وسوف أضرب عليك مثلين، إن الدول المنتِجة للنفط هي دول تقوم على الاقتصاد الريعي، وتعتمد على دخل النفط لاستيراد احتياجاتها، وإن ذلك يتم على حساب القدرات الإنتاجية في هذه الدول. ونحن في الماضي وقبل أن تُفرَض العقوبات علينا كنّا نستورد 85% من المواد الغذائية التي كنا نستهلكها، وبالتالي في العقد الأخير قد واجهنا أزمة كبيرة مع تراجع العملة، الأزمة الاقتصادية التي واجهناها بالفعل، إلّا أننا قد تصدينا لهذا الوضع واليوم تقوم فنزويلا بإنتاج 97% مما تستهلكه، ونقوم اليوم بتصدير المواد الغذائية، ونحن صدّرنا اللحوم، وإنّ ذلك يتوقف على المواسم، نحن نصدّر البن، الفاكهة الاستوائية، الكاكاو، فنحن قمنا بزيادة تصدير المنتجات التي لم نكن نوليها اهتماماً في الماضي، وقمنا بتنويع اقتصادنا، المياه المعدنية مثلاً، وقمنا بتطوير وتنمية واستصلاح الأراضي وقمنا بتنويع الاقتصاد، حيث أنّ نسبة الاعتماد على النفط التي كانت تمثّل 95% من اقتصادنا تقلّصت اليوم.

 

 

مايا رزق: ختاماً وباختصار سعادة السفير هل هذا كله يؤمّن جهاز مناعة بالنسبة لفنزويلا في هذه المرحلة تحديداً؟ وأي نهاية تتوقعونها لهذا التصعيد بينكم وبين واشنطن؟ علماً وأن ضيفنا من اوهايو ربّما تخوّف من انقلاب في داخل فنزويلا.

 

 

هوسيه بيومورجي: مما لا شك فيه هو أن العالم يتغير، وإنّ عالماً جديداً ينشأ، وإنّ حكّام الولايات المتحدة جهلاء، وإنّ هذه التغييرات الجيوسياسية التي نشهدها تمثّل خطراً على دولٍ كثيرةٍ لا سيّما الدول المستقلة مثل فنزويلا. لا أعتقد أنه سوف يحصل انقلاب في فنزويلا، وفي الوقت الراهن أعتقد أن وضعنا السياسي أفضل مما كان عليه منذ وقت طويل، إنّ الحكومة الثورية موجودة، قواتنا المسلحة متينة، الشعب يؤيدنا، إن القيادة واضحة، متجسدة في الرئيس مادورو، يعترف الجميع بقيادته، ونحن نتوجه في الاتّجاه نفسه، وهو استقلالنا، فلا تقلقوا فإنّ فنزويلا سوف تواصل المسيرة على درب الازدهار.

 

 

مايا رزق: شكراً جزيلاً سعادة السفير الفنزويلي في لبنان الأستاذ هوسيه بيومورجي أشكرك جزيل الشكر.

الشكر موصول أيضاً لكم دكتور خالد الترعاني الأكاديمي والخبير بالشؤون الأميركية كنتَ معنا من أوهايو.

والى هنان مشاهدينا الكرام نكون قد وصلنا الى ختام هذه الحلقة من إذهب أعمق، الى اللقاء.