الأب زحلاوي… فكر بين الوطن والدين

المحبة والجمال في زمن الحرب... الصلاة والصداقة والكهنوت والكنيسة في أيام المحن... سوريا ودورها ومستقبلها... والدولة الحديثة ومقوماتها وأفق الإيمان في العالم المعاصر...

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>المحور الأول:&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أحيّيكم، أكثر من ستّين عاماً في خدمة الناس وبلده وكنيسته وربّه، دهرٌ من العطاء والعِلم والتعليم والابتسامة والرضا والتجارب، أبونا الياس زحلاوي الدمشقي المضمَّخ بالغوطة والعابق كقاسيون، ما ترك مدينته ولا خذل رعيّته ولا اهتزّت ثقته بشعبه. أبونا الياس زحلاوي ضيف أجراس المشرق قدّم قبل سنواتٍ وبكل استحياءٍ كتاباً هو نُذُرٌ من مذكّراتٍ عنونه ب "قد يكون لي ما أقوله"، وهو اليوم يأخذ العنوان نفسه ليُصدر جزءاً ثانياً من المذكّرات. أخالفه الرأي فهذا الرجل الذي يُمعن في ثمانينه "والعُمر كلّه" لديه الكثير ليقوله، إنها تجربةٌ غنية ومُتفرّدة لكاهنٍ ومواطنٍ ومثقّفٍ ومناضلٍ في تجربته بحلوها ومرّها، في هذه التجربة سنحاوره من كنيسة بولس الرسول في دمشق إحدى بوابات الشام السبع ولكن بعد تقريرٍ عن بولس الرسول ودمشق.</p> <p>تقرير: &nbsp; &nbsp;</p> <p>وُلِد بولس الرسول على إسم شاول في طرطوس جنوب الأناضول عام ثلاثة للميلاد من أبوين يهوديين، واشتهر كمضطّهدٍ للكنيسة، وكان شاهداً على رجم القدّيس إسطفان حيث توجّه بعدها عبر باب الشام في القدس إلى دمشق لاضطهاد المسيحيين فيها.</p> <p>ويروي الإنجيلي لوقا الرسول حدث هدايته بظهور السيّد المسيح عليه وهو مصابٌ بالعمى، فطلب منه دخول دمشق التي دخلها من الباب الذي سُمّي باسمه وبات كنيسةً صوّرنا الحلقة فيها، ثم طُلب من القدّيس حنانيا أوّل أسقفٍ على المدينة أن يذهب إلى بيتٍ في الشارع المستقيم ليضع يده على بولس ويجعله يبصر ثم يعمّده في نهر بردى.</p> <p>أثارت هداية بولس يهود دمشق وأحرجتهم فأزمعوا على قتله، لذلك يذكر التقليد أن الجماعة المسيحية هرّبته فذهب إلى إقليم العربية وتعني الحورانية، وبقي مُتخفّياً ثلاث سنواتٍ يتأمّل في دينه الجديد، ثم عاد مجدّداً إلى دمشق فعاد اليهود ليكيدوا له فأنزله إخوته المسيحيون عبر سلٍّ من نافذةٍ في السور، ثم ذهب إلى القدس وبعدها إلى مسقط رأسه طرطوس، وأكمل إلى أنطاكيا العظمى حيث سُمّي المسيحيون مسيحيين لينطلق منها ويصبح رسول الأمم.</p> <p>من دمشق انطلقت المسيحية العالمية عبر هداية بولس على يد الرسول الأسقف حنانيا، وفيها علّم بعد أن تعلّم في حوران قبل أن تنطلق إلى مسكونيّتها من أنطاكيا.</p> <p>غسان الشامي: تحيّةً لكم من أجراس المشرق من دمشق، من كنيسة بولس الرسول إحدى بوابات دمشق السبع التي كانت على إسم زُحل في حديثنا مع الأب زحلاوي، أبونا ماذا يعني لك بولس الرسول؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: بولس الرسول هو العدو الألدّ ليسوع الذي حوّله يسوع في ثوانٍ إلى أعظم عاشقٍ له، وإلى أعظم مَن حمل اسمه وكلمته ونوره إلى أقاصي الأرض بدءاً من اليهود الذين صلبوه. &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: سأذهب وإيّاك إلى مذكّراتك، في الجزء الثاني من المذكّرات تهديه إلى سوريا وتقول إن سوريا قلب العالم الجديد، أولاً كيف هي قلب العالم الجديد ولماذا؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: هذا الذي كتبته وقلته وأؤمن به لا يستند إلى معطياتٍ من عندي ولا إلى مجرّد استنتاجٍ انتهيتُ إليه من دراسةٍ تاريخيةٍ أو اجتماعيةٍ أو دينيةٍ ما، استنتجته وأؤكّد عليه اليوم وغداً من الكلام الذي تلفّظ به السيّد المسيح في صوفانه، هذا الحدث المفاجئ الكبير الذي انطوى على رسائل للسيّدة العذراء وللسيّد المسيح لم يُعرَف لها مثل عبر جميع الظهورات منذ ألفي عامٍ إلى اليوم، هذا الذي يجعلني أقول إن دمشق مثلما انطلقت المسيحية منها على يد بولس العدو الألدّ ليسوع والذي بات عاشقاً له فإن المسيحية ستنطلق من جديد لأن القول الذي قاله يسوع وقالته أمّنا العذراء في صوفانه قولٌ يدعو لتأمُّلٍ عميق، مثلاً أن يقول يسوع منذ عام 86 "ما أجمل هذا المكان، فيه سأنشئ مُلكي وسلامي، سأعطيكم قلبي لأمتلك قلبكم".</p> <p>غسان الشامي: ولكن أبونا الياس هذا كلامٌ إيماني وأنت تعلم أن العالم الآن هو في المنهج العلمي، كلام أن سوريا ستكون قلب العالم الجديد هو كلامٌ سياسي، وأكثر من ذلك هو كلامٌ أن هناك عالماً جديداً سيتكوّن وفيه محاور معيّنة أو محور معيّن ستكون سوريا قلبه، هل أنت ترتكز على الإيمان، على النبوءة، على الظهورات أم على الواقع؟ &nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: أرتكز على النبوءة وعلى الواقع، النبوءة تذكّرني بما حدث مع شاول، مَن كان يتوقّع أن تنطلق المسيحية من دمشق على يد شاول، واليوم مَن كان يتوقّع أن يتجلّى السيّد المسيح في صوفانه كما تجلّى وأن يتكلّم كما تكلّم. بالطبع ستقول لي نحن في ميدان السياسة، هل تعتقد أن الربّ يسوع خارج نطاق السياسة؟ &nbsp;</p> <p>غسان الشامي: لا طبعاً.&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: هل تعتقد أن الربّ يسوع لا يستطيع أن يتدخّل بشكلٍ أو بآخر في توقيتٍ ما؟ وهنا إسمح لي أن أذكّر بأن الإشارة التي أعتمد عليها هي الأيقونة بالذات التي نضحت زيتاً في بدء حدث الصوفانية لم نكن نعرف ما هي، للعذراء آلاف الأيقونات أسميناها سيّدة الصوفانية باسم حارة صغيرة. في العام 1989 أخبرني كاهنٌ سوري يدرّس في روما تاريخ الأيقونة واللاهوت الشرقي يُدعى الأب جورج غريب أن هذه الأيقونة هي أيقونة سيّدة قازان شفيعة روسيا، وهنا أقول بكل بساطة أنا لستُ سياسياً ولكنني أعرف أن الله ليس بغريبٍ عن السياسة.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: مع أننا مع فصل الدين عن السياسة.</p> <p>الأب الياس زحلاوي: وإذا كان استخدم هذه الصورة ليشير إلى تدخُّل روسيا في سوريا فهذا يعني أن هناك ما يخطّط له هو عبر العوامل البشرية.</p> <p>غسان الشامي: أنا أحترم إيمانك ولكن دعني أسألك من مذكّراتك، لماذا كنتَ متخوّفاً وعنونتَ مذكّراتك "قد يكون لي ما أقوله"، هل هو تشكيكٌ بتجربتك، تشكيكٌ بسيرورتك الحياتية أبونا الياس؟</p> <p>الأب الياس زحلاوي:أبداً، أودّ أن أشير هنا إلى واقعٍ يصعب عليّ أن أشير إليه، الكاهن في الكنيسة وخصوصاً إذا كان كاهناً شاباً يشعر بغربةٍ غريبة وطاحنة أحياناً، وأحياناً كثيرة كنت أتساءل هل تراني سأستطيع أن أعيش لفترةٍ طويلة ضمن هذه الغربة، وفي مذكّراتي التي لم أنشرها كنتُ كثيراً ما أتساءل حتى متى سأستطيع الاستمرار في هذا الوجود. الكاهن يواجه مشكلاتٍ كبيرة في مؤسّسة عتيقة، مؤسّسة ألفية تحتاج إلى إعادة نظر من كل الجوانب.</p> <p>غسان الشامي: هل أنت خمرٌ جديدة في دنانٍ قديمة؟ &nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:أرجو أن أكون خمراً جديدة في زقاقٍ عتيقة، ولذلك كتبتُ ما كتبت وأؤكّد لك أنني لم أكتب مندفعاً من ذاتي، طلب إليّ الكثيرون أن أكتب وكنتُ أتمنّع، وطلب إليّ محبّون كثيرون أن أمتنع عن الكتابة فبتّ أتساءل ماذا عليّ أن أفعل، وصلّيتُ إلى أن انتهيت إلى ضرورة الكتابة واختليتُ في حريصا عند الآباء البولسيين وكتبتُ ما كتبت، وأنا أقول ربّما سيساعد ذلك في تسليط بعض الأضواء على مؤسّسة تحمل يسوع ولكنها تضيّق عليه، تحمل يسوع وتضيّق في الغالب من حيث لا تريد على مَن يريد أن يعيد ليسوع ألقه، حضوره، فعله، حبّه، حريّته.</p> <p>غسان الشامي: لماذا أنت غريبٌ في كنيستك، تعتبر نفسك غريباً. قال امرؤ القيس عندما قصد قيصر: "أيا جارتاه إن المزار قريب وإني مقيمٌ ما أقام عسيب، أيا جارتاه إنّا غريبان هاهنا وكلّ غريبٍ للغريب نسيب"، لماذا أنت غريب ومَن هم الغرباء أقرباؤك؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:أعتقد أن الغربة ترافق كل إنسان يشعر بأهمية وجوده، نحن لم نوجد عبثاً، وُجدنا لهدفٍ ما، وعندما اخترتُ أن أكون كاهناً كنتُ محمّلاً بما كنت أسمعه منذ طفولتي عن تصوُّر الناس عن الكهنوت، ولم يكن تصوّراً مشرقاً ولكنني اكتشفتُ حباً ليسوع ثبّتني في هذا التوجّه، وحاولتُ أن أكتشف نمطاً من الكهنوت يحرّرني ويحرّر الكنيسة من الصورة القديمة للكاهن الذي يُتَّهم أبداً بالتملّق للسلطة، بالتملّق للناس، للسعي وراء المال، هذه الصورة كانت في ذهني وكنتُ ألاحظ أن الكهنة يعيشون وحيدين غرباء في مؤسّسةٍ كنسية قلّما يلتفت إليهم فيها المسؤول عنهم. دعني أقول لك بألمٍ، أنا الآن كاهنٌ في دمشق، منذ عام 1962 لم أتلقَّ يوماً هاتفاً واحداً من مسؤولٍ كنسي في دمشق يقول لي فيه بكل بساطةٍ أبونا الياس كيف حالك، وحده كان المطران نقولا نعمان مطران خبب يتّصل بي ويأتي ليزورني وندردش معاً، وكان من بعده المطران بولس بُرخُش يأتي ويتّصل ويدعوني لزيارته، أما أنا حتى اليوم لم أتلقَّ هاتفاً واحداً من مسؤولٍ كنسي، لماذا؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: هل أنت تنتظر هاتفاً؟ لماذا تنتظر هاتفاً؟ &nbsp;&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:هذا يشير إلى نوعية العلاقة القائمة بين المسؤول الكنسي والكاهن، هناك نمطٌ من العلاقة لا بدّ من إعادة النظر فيها. أقول هاتفاً ليس رغبةً بالهاتف وإنما رغبةَ بصلة محبّة مع مسؤول، المسؤول ليس موظّفاً وأنا مأمور عنده، أنا وإياه نعمل في حبّ يسوع وفي حمل الناس على حبّه، وهذا يقتضي إعادة نظرٍ جذرية في نوعية العلاقة القائمة في المؤسّسة الكنسية عندنا وعند غيرنا بين الأسقف والبطريرك والكهنة وبين الكهنة أنفسهم.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أبونا الياس التواضع صفة مسيحية، كل الناس تعلم أنك متواضع ولكن هل هذه الصفة مقبولة؟ هل هي صفة موجودة في المجتمع؟ هل هي صفة موجودة في الكنيسة؟</p> <p>الأب الياس زحلاوي:غسان يقيني بأن كل مَن يفكّر بالله ويؤمن به لا بدّ له من أن يشعر بأنه صغيرٌ أمام الله، أمام الله لا كبير، قد يكون أمام الناس كبيراً ولكن لا يجوز لإنسانٍ يتحمّل مسؤوليةً في المجتمع أن ينسى الله في حياته وفي عمله وفي اتصالاته بالناس وإلا يركبه الغرور، والغرور يقود إلى ما يقود له من تجاهلٍ للناس واحتقارٍ لهم، ومن شعورٍ بأننا نحن نكفي أنفسنا بأنفسنا، هذا خطأ ولا سيّما من قِبَل الكاهن الذي يُمسك كل يوم القربان المقدّس ويقول: "خذوا كلوا هذا هو جسدي"، هذا الكاهن يعرف أنه لاشيء وأن الله الذي خلق كل شيء أتى ليقول له أنا أحبّك، أحبّْ الآخر وقدّم له شيئاً من محبّتي، كيف له أن يتكبّر؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ماذا نفعتك تجربتك في الكهنوت؟ ماذا قدّمت لك كشخص وماذا قدّمت لك في علاقتك مع الناس؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:أولاً كشخص ثبّتت فيّ حب يسوع لي، ما من إنسانٍ إلا ويكتشف مكامن ضعفٍ فيه وأحياناً كثيرة يتوقف ويتساءل يا ربّ أيُعقل أن تقبل إنساناً مثلي؟ ومع ذلك يكتشف أن يسوعاً يحبّه ويقف معه ويسانده في أوقاتٍ كان بأمسّ الحاجة إلى هذه المساندة، ثم هناك التعامل مع الكهنة ككهنة. قبل أن أصبح كاهناً صمّمتُ على أن أسعى لابتكار صيغةٍ للكهنوت تجمع الكهنة مع بعضهم البعض في عملهم المشترك بدل أن يكون كل كاهنٍ مستقّلاً عن سواه، ولذلك سافرتُ إلى فرنسا قبل أن أصبح كاهناً بثلاث سنوات، والبطريرك مكسيموس الرابع الصايغ الذي كان جباراً منعني فخالفته وسافرتُ، وعندما عدت فوجئت بأنه استقبلني وأعرف أن الذي أثّر عليه كان مطراناً مؤمناً محبّاً متواضعاً متفانياً وهو المطران بطرس كامل مدوّر وكان هو الوسيط بيني وبين البطريرك، ويوم استقبلني البطريرك عام 1957 في السابع من تموز ورسمني شمّاساً رسائلياً وقدّم لي أيقونةً صغيرة كُتب في أسفلها بالفرنسية "سيّدة قازان"، لم أكن أدري أن هذه الأيقونة هي التي ستستولي عليّ منذ عام 1982 وتوجّهني توجيهاً في حياتي الكهنوتية على مستوى سوريا والعالم، ثم حاولتُ عندما سافرتُ إلى فرنسا اكتشاف صيغة واكتشفتها في جمعية البرادو ونشأت بيني وبين الرئيس آنذاك المطران ألفريد أونسيه علاقة رائعة جعلتني أنقل بذرة البرادو إلى الشرق، حدّثتُ أصدقائي الشمامسة في القدس عنها، وشيئاً فشيئاً نمت هذه البذرة. نحن اليوم في الشرق 40 كاهناً من مختلف الطوائف في لبنان، في سوريا، في الأردن، في مصر وفي إيران.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أودّ أن أسألك، أنت خضعت لتجارب كثيرة ولكن مررتَ بتجربة الكورونا، أحاط بك الناس من كل حدبٍ وصوب ومن كل المِلل، أيضاً الرئاسة السورية، ماذا أضافت هذه المحنة التي استمرّت حوالى الشهرين على ما أعتقد إلى تجربتك في الإيمان؟ &nbsp;&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:لمستُ لمس اليد حضور الله ومحبّته ورعايته لي في محبة الناس.</p> <p>غسان الشامي: ولكنك كنتَ مشاكساً للأطباء. &nbsp;&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:نعم ولا أزال مشاكساً ولكنني مشاكس في ما يبدو لي حق ومحبة، في ما يبدو لي خدمة وعدالة، مشاكس على مستوى كنيستي وعلى مستوى العالم، على مستوى الفاتيكان بالذات. لمستُ لمس اليد محبّة الله لي وحضوره معي من خلال محبّة أبنائي في جوقة الفرح وفي مختلف النشاطات التي كانت قائمة في دمشق، أحاطني الناس من كل حدبٍ وصوب بدءاً من السيّد الرئيس مروراً بأصغر أطفال جوقة الفرح، وكانت تأتيني الرسائل من مختلف أنحاء العالم، فكنتُ أشعر بنشوةٍ روحية وكنتُ ألمس لمس اليد أن الله يريد مني شيئاً آخر بعد خروجي من المستشفى مع أنني كنتُ في عُمرٍ من الصعب أن أقاوم فيه هذا المرض.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: ولكن الناس صلّوا لك أيضاً في باحة المستشفى وأضاؤوا لك الشموع، هل عندك شعورٌ أنك مرسَل؟</p> <p>الأب الياس زحلاوي: صعبٌ على الإنسان أن يتصوّر أنه مرسَل ولكنني أشعر بأنني أحمل رسالةً ما.</p> <p>غسان الشامي: سنتكلّم عن هذه الرسالة بعد هذا الفاصل، أعزّائي فاصل ونعود إلى الحوار مع أبونا الياس زحلاوي من دمشق، من كنيسة بولس الرسول، انتظرونا.</p> <p>المحور الثاني:&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: تحيّةً لكم مجدّداً من أجراس المشرق، أبونا الياس زحلاوي الكاهن والصلاة صنوان، ماذا تضيف لك الصلاة؟ أنت على الغالب حتى وإنْ كان هناك جمع تُغمض عينيك وتصلّي، هل تشعر أن صلاتك مستجابة؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:الصلاة صلة، الإنسان صلة بربّه، صلة بذاته، وصلة بالناس، هذه الصلة قد يتخلّلها أحياناً بعض المشاعر الدافئة العاطفية، ولكن عندما تتيقّن بمبادراتٍ تفاجئك بأنّ مَن تتوجّه إليه بالصلاة يستجيب بشكلٍ أو بآخر وتكراراً تعرف أنك محبوب، وتستمدّ عندها طمأنينةً تفاجئك وتفاجئ الناس. هذا من جهة، من جهةٍ ثانية الصلاة لا جدوى منها لله، الله غنيٌّ عني وعنك وعن أيّ إنسان، غنيٌّ عن الكون كلّه ولكنني عندما أستمدّ منه شيئاً من نوره وحبّه أشعر بأنني محمولٌ بأن أنقله للآخرين، وهذا الذي أنقله للآخرين أحاول أن أنقله بالنظر، بالكلام، بالكتابة، بالعِظة، بالمبادرة ولكنني لا أستطيع أن أنكفئ وأقول إنني أكتفي بالله، أنا ناسك، أنا كاهن في خدمة الناس وخدمة الناس لها ألف شكلٍ وشكل ولاسيّما في ظروفنا هذه، وبقدر ما أستطيع أن أمدّ اليد للآخرين أكتشف أن يدي ليست وحيدة، صدّقني، أستطيع أن أروي لك العشرات من الأحداث التي لمستُ فيها استجابةً ربّانية من حيث لا أتوقّع، ولذلك أشعر بفرحٍ هائل وهذا ما يُعيدني إلى كلمة الربّ يسوع عندما قال "العطاء أعظم غبطةً من الأخذ".&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: يقول أنطون سعادة "الصداقة هي عزاء الحياة"، بعد تجربتك الطويلة كيف ترى الصداقة وهل بقي لديك أصدقاء؟ &nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: كثيراً ما يسمعني الشبان والشابات وأصدقائي أقول لهم إن بعد الله أغلى شيء في هذا الوجود هو الصداقة، حتى الحب إذا ما تحوّل إلى صداقةٍ أخشى أن ينتهي بسرعة، والصداقة أغناني الله بها. أعرف أن البعض يقولون أحياناً إذا استطعتَ أن تشكّل لك صديقاً واحداً في حياتك تكون محظوظاً، أنا أشعر أنني مغمورٌ بصداقاتٍ لا حدود لها في دمشق وخارجها، ما يأتيني أحياناً كثيرة من أناسٍ يتّصلون بي هاتفياً أو عبر "الواتساب"لا أعرفهم أُفاجأ بهم وأُفاجأ بما يشعرون به من طمأنينةٍ تجاهي، ماذا فعلتُ؟ لست أدري ولكنني أشعر بأنني محمولٌ حقاً على راحةٍ من الصداقات على مدى العالم، وهذا يمدّني بالفرح والقوّة وأتمنّاه ليس فقط لكل إنسانٍ ولكن خصوصاً لكل كاهنٍ ولكل أسقفٍ ولكل بطريركٍ، وانا أعرف أنك تعيش نوعاً ما هذه الصداقات على مستوى العالم ولا أدغدغ عواطفك بهذا بل ألمس لمس اليد ما أنت فيه من صداقة، والصداقة تمدّ الإنسان بفرحٍ نحن اليوم بأمسّ الحاجة إليه.</p> <p>غسان الشامي: أنا أقول إنني مغبوطٌ ومنعَمٌ بأصدقائي ولكن الصداقة قيمة عليا من قِيَم الإنسانية، الآن تتراجع جداً لأن العالم تدخل فيه المصالح والشر. سآتي إلى سوريا، الحرب يا سيّدي تقتل الصداقة، تقتل روح المحبة، يمكن أن تخلف الأخ بأخيه والصديق بصديقه، تقتل الجمال والشعر، ماذا فعلت الحرب بسوريا؟ &nbsp;</p> <p>الأب الياسزحلاوي: فعلت كل ما قلتَه ولكنها لم تستطع أن تقتل كل جمالٍ في سوريا، أن تقتل كل حبٍّ، كل إيمان، كل ولاء، كل وفاء، أنا أعيش كل يوم خبراتٍ متعدّدة مع العديد من الناس على هذا المستوى، يأتون وهم مثقلون بأحمالٍ هائلة ولكنهم محبّون، أسخياء، يعطون حتى لو واجهوا من أقرب الناس إليهم معارضةً ما يصرّون على العطاء ويعيشون بهذا العطاء، هذا الذي يجعلني أؤمن بأن في سوريا طاقاتٌ هائلة لم تُقتل ولا يمكن قتلها. أنا خبرتُ قيمة ما يختبئ في أعماق الإنسان السوري من خلال أطفال جوقة الفرح، ما كان أحد يصدّق أن هؤلاء الأطفال سيُدعَوْن إلى واشنطن، ما كان لأحدٍ أن يصدّق، أنا آمنتُ بهم مع أنني كنتُ فاقداً صوتي، كنت أحاول، استخلصتُ ما في أعماقهم، مما هو دفينٌ في أعماق كل إنسانٍ سوري، وتجاوبوا واستمرّينا وهذا ما أحاول دائماً أن أستخرجه من كل إنسانٍ ألتقيه أياً كان هذا الإنسان، وصدّقني أشعر بسعادةٍ لا حدود لها عندما أكتشف أن حتى أكثر الناس في بؤسٍ يعيشون في أمان، في حب، في غفران في قلب هذه الحرب.</p> <p>غسان الشامي: ولكن أنت تعلم أن الحرب هي مقتلة، هل فعلاً أنت مقتنع أبونا الياس أن القتلة سيعيدون سيوفهم فقط بالمحبة إلى أغمادها؟ أنت تعلم جيداً أن السيّد المسيح قال لبطرس: "يا بطرس اردد سيفك إلى غمده، مَن أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ"، هؤلاء القتلة هل سيعيدون سيوفهم إلى أغمادها؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: ما أقوله أنا أقوله على صعيد الأفراد، ما أتمنّى أن يفعله المسؤولون على صعيد المؤسّسات والدولة أن يكون هناك مخطّط لدراسة الثغرات التي قادت سوريا إلى ما وصلت إليه، فضلاً عن الحرب الكونية والجهنّمية عليها هناك ثغرات لا بدّ من مواجهتها، وهذه الثغرات لا يمكن معالجتها من خلال لقاءاتٍ فردية، الثغرات تطال الوطن كله، وهي تحتاج إلى قوّة وإلى توجيه وإلى ولاء ووفاءٍ من المسؤولين عن مقدّرات البلد لكي يتّخذوا الإجراءات الكفيلة بدراسة ما قادنا إلى ما نحن فيه، ولتوفير ما يمكن أن يوفَّر شيئاً فشيئاً للانتقال إلى ما يجب أن نصل إليه.</p> <p>غسان الشامي: هذا يذكّرني بأنك في مؤتمر الحوار في بداية المحنة طالبتَ بإطلاق الحريات وتغيير الدستور، هل أُطلقت الحريات؟ هل ما زلتَ تطالب بإطلاق الحريات بعد الذي ظهر؟ &nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: أشعر أن ما حدث حتى اليوم بالرغم من كل الإيجابيات يشبه إلى حدٍّ ما حدث بعد كارثة 1967، سمعتُ بعض المسؤولين في الحزب يقولون راحت القنيطرة ولكن الحزب بقي وسوريا بقيت، أخشى أن يقال اليوم راح الكثير ولكن الحزب بقي وسوريا بقيت. يجب أن نواجه الحقائق كما هي، المؤامرة الدولية قائمة وأعمى أو عميل مَن لا يسلّم بها، ولكن ما مهّد لاستشرائها في البلد ثغرات كبيرة منها احتكار الحزب الواحد للسلطة، منها منع الحريات، الاعتقالات التعسّفية، منها احتكار المراكز وإقصاء الآخرين حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، بالإضافة إلى ما حدث وإلى السلبيات التي تولّدت عن هذه الحرب الجهنّمية، فنحن اليوم بحاجة إلى وقفةٍ شاملة مع الذات، إلى مراجعةٍ صادقة مع أناسٍ محبّين صادقين أثبتوا أنهم صادقون لكي نتدارس جميعاً من دون استثناء الثغرات التي حدثت ونتلافاها ونتجاوزها إلى ما يمكن أن يكون مستوًى من الحرية المسؤولة، من الطمأنينة العامة، ومن المشاركة لكل الفعاليات في البلد في حين أن هذه المشاركة اليوم نشعر بأنها منقوصة كثيراً.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أنت أيضاً طالبتَ بين مزدوجين بتغيير الدستور لينسجم مع دولة حديثة، هذا كلامك، ما هي الدولة الحديثة من منظورك؟ وهل سوريا دولة ما قبل حداثية؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: الدولة الحديثة هي دولة يتساوى فيها كل إنسانٍ ينتمي إلى الوطن أياً كان دينه أو ثقافته أو مركزه أو لونه أو جنسه، إذا لم يتوفّر لكل إنسانٍ في أيّ وطنٍ شعورٌ بالطمأنينة والتكافؤ والتكامل مع الآخر يشكو المجتمع من نقصٍ سيدفع ثمنه غالياً في ما بعد، وأنا أخشى إن لم نتدارك مثل هذه الأمور وإذا لم نسارع إلى مراجعةٍ للدستور بما يضمن التساوي مع جميع المواطنين وبما يضمن المشاركة بينهم، وبما يضمن بقاء مَن تبقّى وعودة مَن يرغب بالعودة لكي ننهض كلّنا في هذا البلد.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: تقول أيضاً في سوريا تعايُشٌ تاريخي مع تحفّظي على كلمة تعايُش كما تحفّظ عليها صديقنا زياد الرحباني لأننا رأينا التعايش في لبنان، تعايشوا حتى أماتوا البلد، أولاً وأخيراً أين تبدّى لك التعايُش في محنة السنوات العشر الماضية؟&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي:أولاً أحدّق بالمدن في سوريا، في معظم المدن ظلّ الناس متعايشين، لم يحملوا السلاح في وجه بعضهم البعض. ثانياً كانت هناك مبادرات مشتركة بين مسلمين ومسيحيين ليهبّوا لمساعدة إخوتهم المنكوبين في مكانٍ ما، وهذا خبرته شخصياً مئات المرات، هذا الذي أسمّيه تعايشاً وأؤثر أن أسمّيه عيشاً مشتركاً. الوضع في سوريا يختلف عما هو في لبنان، الوضع في سوريا يعود إلى دخول المسلمين إلى دمشق منذ عام 636، أعرف أن البعض لا يرتاح لهذا التصوّر ولكنني أؤكّد أن العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين بدأ منذ ذلك الحين، واستمرّ على الرغم من كل التقلّبات الهائلة التي عصفت بالبلد على الرغم من الحروب الصليبية أو المُسمّاة صليبية. هذا بقي حتى اليوم، التعايش أو العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين ولكن ما حدث سمّم الأجواء وترك آثاراً تحتاج إلى معالجةٍ سريعة لكي نستعيد من جديدٍ نمطاً يتجاوز العيش المشترك القديم إلى ما هو عيش كامل بكل المساواة، بمعنى أن المسيحي والمسلم وغير المؤمن في سوريا بنظر القانون متساوٍ ومحترَمٍ ومطمئن، يعمل ويتكاتف مع سواه لكي يعيدوا بناء هذا البلد وازدهاره.</p> <p>غسان الشامي: معنى ذلك أنك تدعو إلى دولةٍ علمانية.&nbsp;</p> <p>الأب الياس زحلاوي: دولة علمانية نستبعد فيها موضوع الدين، الدين علاقة شخصية مع الله. اسمح لي أن أذكّرك بالدكتور علي عبد الرازق الذي دعا إلى هذا والشيخ محمد عبده الذي دعا إلى فصل الدين عن الدولة، هذا لا يعني استبعاد الدين، لكل إنسانٍ دينه، لكل إنسان معتقده، العلاقة بالدين هي علاقة مع الله، والعلاقة مع الله إذا كانت صادقة تكتنف الآخر بمحبّة، لا تقصيه، لا تعذّبه، لا تحرمه.</p> <p>غسان الشامي: هل المحنة السورية أيقظت السوريين على هويّتهم، على زيادة الإمساك بنسيجهم الاجتماعي؟ هل دفعتهم إلى نقد تجربتهم أم أنهم اعتادوا على المحنة؟&nbsp;</p> <p>الأب اليازحلاوي:نعتقد أن هناك مَن يستطيع أن يتجاوز آثار هذه المحنة، هذه المحنة رهيبة، ترسّخت في أعماق كل فردٍ منا بشكلٍ أو بآخر، ولكن كما قلتُ نحن بحاجة إلى إجراءاتٍ تساعدنا كلنا على إعادة النظر في ما جرى، على البحث عن الترسّبات التي رسخت في الأعماق، أعماق الأفراد والجماعات لكي نستخلصها ونتجاوزها في لقاءاتٍ ومؤتمراتٍ طالبتُ بها مراراً، مؤتمرات متعاقبة مكمّلة لبعضها البعض لكي نكتشف ما تركت هذه الحرب القذرة في أعماقنا أفراداً ومجتمعاً من ترسّباتٍ سلبية، ونستعين بماضينا وبما يجب أن يكون مستقبلنا لننهض من جديدٍ وننفض ما في أعماقنا من أوساخٍ ونتطلّع إلى ما يجب أن نكون عليه من احترامٍ للآخر، من فرحٍ بالآخر، من تكبيرٍ للآخر وتعاونٍ معه.&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: أبونا الياس على مقربةٍ من ختام هذه الحلقة معك والحديث يطول وأنت عزيزٌ علينا وصديقٌ وأبٌ ورساليٌّ بالنسبة لي وأنت تعلم ذلك، هل من أفقٍ جديدٍ للديانات والكنيسة في هذا العالم المعاصر؟</p> <p>الأب الياس زحلاوي:أنا أتمنّى على الكنيسة بدءاً من الفاتيكان، صحيح أنني خوري ولكنني كخوري أريد أن أُسمع صوتاً.</p> <p>غسان الشامي: أنت كاهن لأعتق مدينةٍ في العالم.</p> <p>الأب الياس زحلاوي: أتمنّى على الكنيسة أن تعيد النظر في حضورها، الكنيسة منذ الإمبراطور قسطنطين غرقت في التجربة الثالثة التي حاول الشيطان أن يُسقط فيها يسوع، سقطت الكنيسة، ومنذ ذلك الحين للأسف تورّطت ورطاتٍ هائلة لها أوّل وليس لها آخر، وتذكر تاريخ الغرب، وصلت الأمور مع البابوات لأن يعتبروا أنفسهم فوق الأباطرة، غرقوا في الدنيا وما زالوا غارقين حتى اليوم. اليوم إذ أحدّق في الحرب على سوريا وفي السياسات الغربية تجاه العالم كله أتساءل ما دور الكنيسة؟ هل الكنيسة طقوس؟ هل الكنيسة بركات تُوزَّع؟ الكنيسة حضورٌ مؤمن، المؤمن يعيش ما عاشه يسوع، يسوع مات حباًّ بالإنسان، مات متماهياً مع الفقراء، مع المعذّبين، مع الجياع، مع المظلومين، أين الكنيسة اليوم؟&nbsp;</p> <p>غسان الشامي: طلب لهم الطوبى.</p> <p>الأب الياس زحلاوي:أين الكنيسة اليوم من مليارات البشر المعذَّبين بدءاً من أبناء سوريا؟ أين هي؟ هل يكفي أن يقول البابا صلّوا من أجل سوريا؟ أنا أتوقّع من البابا ومن الكنيسة الغربية كلها أن تقف وتقول في وجه الغرب كله كفّ عن القتل، الدين خدمة للإنسان. قديماً ظهر في مصر شيخٌ يُسمّى خالد محمّد خالد وكتب كتباً، ومن جملة ما كتبه كتيّباً صغيراً رائعاً عنوانه "الدين في خدمة الشعب"، خدمة الكنيسة اليوم الدفاع عن البشرية واتّخاذ موقفٍ ممَن يدمّرون العالم، هذا ما أريد أن أقوله.</p> <p>غسان الشامي: وأنا انتهى وقتي ولكن لنا معك أوقاتٌ على الأقل في العلاقة الخاصة التي تربطنا بك. أعزائي صحيحٌ أن أبونا الياس زحلاوي يرى في نفسه نوْرساً سرمديّ المحبّة للشام وغوطتها، لكنّ فيه من خصال النسور وعنفوان العُقاب السوري الشهير ما يحلو للأمداء أن تكتبه، شكراً أبونا الياس على حضورك في أجراس المشرق، شكراً لزملائي في الميادين الذين جاؤوا إلى الشام: جهاد نخلة، هشام الهاشم، وسام الرمّوز، شكراً لهذا الدير الجميل، لكنيسة مار بولس الذين سمحوا لنا بالتصوير هنا، شكراً لكم جميعاً، من الشام العتيقة أينما كنتم سلامٌ عليكم وسلامٌ لكم. &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p>