الأحلاف الدولية الجديدة
لم يعد خافياً التغير الكبير الذي يحدث في النظام الدولي، ومن ذلك تراجع قدرات الولايات المتحدة على الانفراد بقرارات الهيئات والتكتلات والأحلاف الدولية تظهر اليوم تحالفات واتفاقيات أمنية جديدة وتكتلات اقتصادية جديدة من شنغهاي إلى بريكس إلى قمة العشرين بثوب جديد، إلى قمة السبع والسبعين والصين ما هو الشكل الجديد للتكتلات والأحلاف في العالم؟ وكيف نفك خيوطها المتداخلة؟ كيف يختلف الشكل الجديد لهذه التكتلات والأحلاف عن حقبة الحرب الباردة
نص الحلقة
<p> </p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: مساءُ الخير. </p>
<p>لم يعد خافيًا التغيّر الكبير الذي يحدث في النظام الدولي، ومن ذلك تراجع قدرات الولايات المتحدة على الانفراد بقرارات الهيئات والتكتّلات والأحلاف الدولية.</p>
<p>تظهر اليوم تحالفات واتفاقيات أمنية جديدة، تكتّلات اقتصادية جديدة من شانغهاي إلى بريكس إلى قمّة العشرين بثوبٍ جديدٍ إلى قمّة الـ77 والصين. </p>
<p>ما هو الشكل الجديد للتكتّلات والأحلاف في العالم؟ كيف نفكّ خيوطها المُتداخلة؟ كيف يختلف الشكل الجديد لهذه التكتّلات والأحلاف الأمنية والاقتصادية عمّا كان في حقبة الحرب الباردة؟</p>
<p>نُناقش أكثر بالتفصيل مع الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة معنا من العاصمة المصرية القاهرة، أهلًا وسهلًا بِكَ دكتور حسن.</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: أهلًا وسهلًا ومرحبًا، شكرًا على الاستضافة.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: أهلًا وسهلًا بِكَ. </p>
<p>بدايةً لنتابع هذا الفيديو.</p>
<p> </p>
<p>فيديو:</p>
<p>مع نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية وتراجع القوى الاستعمارية التقليدية، فرنسا وبريطانيا، ظهر قُطبان أساسيان في العالم: الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية.</p>
<p>نشأت الأحلاف العسكرية مثل وارسو والناتو والتكتّلات الاقتصادية مثل الكوميكون والبنك الدولي ومشروع كولومبو.</p>
<p>وجدت دول العالم نفسها أمام حتمية الاختيار بين المعسكرين، بين الاشتراكية والرأسمالية، وبين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، وبين شعار العدالة والمساواة والضمانات الاجتماعية وشعار الحرية الفردية.</p>
<p>ببساطة على الدولة أن تختار لمصلحة مَن تنحاز، للولايات المتحدة أم للاتحاد السوفياتي.</p>
<p>لم يكن بالإمكان تجزئة الاختيار، فلا يمكن للدولة أن تعيش بالتجارة مع السوفيات وتُقاتل في الوقت نفسه إلى جانب القوات الأمريكية في حروبها.</p>
<p>اختيار واحد وشامل للأمن والاقتصاد والسياسة وكذلك الأيديولوجيا، هذا ما كان عليه منطق بناء التحالفات في الحرب الباردة.</p>
<p>اليوم اختلف منطق الانضمام إلى التكتّلات الاقتصادية والتحالفات الأمنية. تجد الهند مثلًا عضوًا في الحوار الأمني الرباعي الـ"QUAD" مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، وفي الوقت نفسه تجدها رُكنًا أساسيًا في البريكس، وتجدها أيضًا حاضرة في قمّة العشرين إلى جانب واشنطن.</p>
<p>تجد الإمارات العربية المتحدة عضوًا في "I2U2" مع الهند والولايات المتحدة وكيان الاحتلال، وفي الوقت نفسه تُقدّم طلبًا إلى البريكس وترفع نشاطها التجاري والاستثماري مع الصين.</p>
<p>كيف تغيَّر شكل الأحلاف والتكتّلات عمّا كان عليه خلال الحرب الباردة؟</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: الأسباب زائدًا السياق تُساوي الحدث:</p>
<p>في الأسباب، لماذا تغيّر دور الأبديولوجيا في الانضمام إلى الأحلاف والتكتّلات؟</p>
<p>وفي السياق، الصوَر المتقابلة بين أحلاف اليوم وأحلاف الحرب الباردة؟</p>
<p>في الأسباب نُناقش عامل الأيديولوجيا، أيديولوجيا الأحلاف، هل نحن أمام شكل جديد من دور الأيديولوجيا في الانضمام إلى الأحلاف والتكتّلات الأمنية والاقتصادية على حدّ سواء؟</p>
<p>خلال الحرب الباردة كانت هنالك عملية تأطير في الأحلاف الأمنية والتكتّلات الاقتصادية، مثلًا الدول ذات التوجّه الاشتراكي في الاقتصاد هي حتمًا موجودة في أحلاف الاتحاد السوفياتي وتكتّلاته أو على علاقة جيّدة بها، ينطبق ذلك على كوبا ومصر وسوريا مثلًا. أما الدول ذات التوجّه الرأسمالي أو التابع للغرب في الاقتصاد، مثلًا إيران في عهد الشاه أو مصر في عهد السادات حتمًا ستكون في المعسكر الغربي. الدول التي كانت تخوض أو تستكمل معارك ضدّ الاستعمار في إفريقيا كانت على مقربة من أحلاف المعسكر الشرقي وتكتّلاته، سانكارا أو نيكروما. كذلك الحال مع قادة مثل سلفادور الليندي في أمريكا اللاتينية. الشخصيات الانقلابية في أمريكا اللاتينية كانت تُحاول أخذ بلدانها إلى المعسكر الغربي وتحرير الأسواق مثل بينوشيه في تشيلي.</p>
<p>أيّ دور للانحياز الأيديولوجي دكتور حسن اليوم في اختيار الانضمام إلى هذا التحالف الأمني أو ذاك؟ أو الانضمام إلى هذا التكتّل الاقتصادي أو ذاك؟ فضّلت الفصل بينهما الأمني والاقتصادي لأنّ خصائص بناء الكُتل فيهما ربما باتت مُختلفة، خصائص ومعايير الاختيار بين هذه التكتّلات أن تختار دولة أن نذهب إلى هذا التكتّل الاقتصادي أو أن نذهب إلى هذا الحلف الأمني أيضًا باتت مختلفة؟</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: طبعًا، وزن العامل الأيديولوجي في اختيار التكتّلات قلّ كثيرًا، عندما كانت هناك حرب باردة وكان يقود العالم مُعسكران أحدهما اشتراكي أو شيوعي والآخر رأسمالي أو حرّ حاول كلّ مُعسكر من هذه المعسكرات أن يرى العالم بمنظوره الخاص، وبالتالي هو كان يرى أنّ هناك عالم خير بطبيعته وهناك عالم شرير بطبيعته، وبالتالي كان يضغط على الدول الأخرى لكي تختار مُعسكره. ورغم ذلك وحتى في ظلّ الحرب الباردة كانت هناك دول وهي التي نُطلق عليها الآن دول الجنوب رفضت هذا الخيار وقالت إنّه ليس من مصلحتها أن تنضمّ لا للمعسكر الاشتراكي ولا للمعسكر الرأسمالي واختارت طريق ما يُسمّى بعدم الانحياز، وفي مؤتمر باندوم على سبيل المثال والذي كان بداية التضامن الإفريقي - الآسيوي والذي تطوّر بعد ذلك إلى حركة عدم الانحياز كانت الفكرة الأساسية أنّ الأمن والسلم في العالم يتطلّبان أن تكون هناك كُتلة أخرى ثالثة تُحاول منع الاحتكاك بين هذين المعسكرين، لكن الولايات المتحدة تصرّفت بصَلَف شديد مع هذا الجنوب واعتبرت أنّ عدم اختياره للمعسكر الرأسمالي أو المعسكر الحر هو اختيار لمعسكر الشر أو اختيار للشيطان نفسه، وبالتالي دخلت في صراعات مع دول الجنوب بشكلٍ عام. لكن الأمور سارت على هذا النحو إلى أن سقط الاتحاد السوفياتي وظهر تصوّر يقول إنّ العالم وصل إلى نهايته وأنّ الرأسمالية انتصرت انتصارًا نهائيًا وأنّه ليس هناك مكان لأيّ خلاف الآن العالم كلّه سيصبح رأسماليّ النزعة وسيصبح متبنّيًا للقِيَم الليبرالية أو القِيَم الديمقراطية للغرب، وهذا لم يحدث في واقع الأمر. </p>
<p>فحتى هذه اللحظة لا تزال هناك مصالح مُتباينة للدول، والدول تختار أن تتحالف مع أيّة دولة أخرى أو مع تكتّل آخر حسب منظورها الخاص لمصالحها سواءً كانت هذه المصالح مصالح أمنية أو مصالح اقتصادية.</p>
<p>طبعًا هناك حال سيولة في العالم الآن لأنّه لا يوجد مُعسكران، يُوجد مُعسكر مُهيمن، والولايات المتحدة والعالم الغربي يتصوّر أنّه هو الذي ينبغي أن يقود النظام الدولي، وهناك قوى صاعدة تُريد أن تُنهي هذه الهيمنة الأُحادية وتُحوّل النظام الدولي إلى نظامٍ مُتعدّدِ الأقطاب.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: أستاذ حسن، هذه القوى الصاعدة كم تُنتج اليوم أيديولوجيا جديدة في مُواجهة الأيديولوجيا أو المركزية الأوروبية أو الأيديولوجيا الغربية أو التي أنتجتها العقيدة الليبرالية الأمريكية؟</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: لا نستطيع أن نقول إنّها تُنتج أيديولوجيا جديدة، ولكن طبعًا هناك بُعد أيديولوجي لهذه الحركة الراغبة في التأسيس لنظام دولي مُتعدّد القطبية، يعني إنهاء هيمنة النظام الرأسمالي الأُحادي، إنهاء هيمنة الولايات المتحدة والمعسكر الغربي على النظام العالمي، يمكن أن نُسمّيه نوعاً من الطرح الأيديولوجي، لكن باستثناء هذه الفكرة المركزية لا توجد أيديولوجيا شاملة يمكن أن نقول إنّ الدول الأخرى التي تُحاول إقامة نظام مُتعدّد القطبية تؤمن بها. </p>
<p>لذلك المصالح مُتعدّدة ومُتضاربة أحيانًا ومتناقضة أحياناً أخرى. وبالتالي كلّ دولة في واقع الأمر تُحدّد رؤيتها للنظام الدولي ولأيّة كُتلة سواء اقتصادية أو أمنية تنحاز وفقًا لمصالحها الخاصة، وهذا هو الذي يجعل النظام الدولي في حال ديناميكية مستمرة وفي حال تغيّر مستمر وهو الآن قطعًا ينتقل من نظام دولي أُحادي القطبية أو نظام دولي كان يظن أنّه سيبقى إلى الأبد نظامًا رأسماليًا ونظامًا تُسطير عليه الولايات المتحدة والغرب إلى نظام مُتعدّد الأقطاب.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: في السياق نُناقش بين حقبتين، حقبة الحرب الباردة واليوم، كيف نُقارب منطق بناء الأحلاف على مستويين:</p>
<p>المستوى الأول هو المستوى الأمني والعسكري، الأحلاف العسكرية، الاتفاقيات الأمنية، كيف يكون الاصطفاف فيهما؟</p>
<p>والمستوى الثاني هو المستوى الاقتصادي، التكتّلات الاقتصادية الكثيرة والمنتشرة اليوم شرقًا وغربًا، كيف يكون منطق انضمام الدول إليها والاستفادة منها؟</p>
<p>ثمّة تكتّلات في الأمن تنشأ بمنطق الحرب الباردة إلى يومنا هذا وباختلاف عنها أيضًا، لنتابع هذا الفيديو.</p>
<p> </p>
<p>فيديو:</p>
<p>في 4 إبريل 1949، وقّعت على معاهدة شمال الأطلسي النرويج والدنمارك وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ وفرنسا وإيطاليا والبرتغال والمملكة المتحدة وآيسلندا وكندا والولايات المتحدة. أصبح هذا الاتحاد المكوّن من 12 دولة معروفًا باسم منظمة حلف شمال الأطلسي، أو ببساطة الناتو. وأقسموا على الوقوف صفًا واحدًا ضدّ العدوان والهجوم على دولة منهم سيكون هجومًا على الجميع. </p>
<p>رئيس وزراء أستراليا أنتوني ألبانير: صباح الخير من أستراليا، يسعدني جدًا الانضمام إلى إثنين من أصدقاء الحرية العظماء من خارج أستراليا، رئيس الوزراء جونسون والرئيس بايدن. وهكذا ولدت منظمة AUKUS شراكة أمنية ثلاثة معزّزة جديدة بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. </p>
<p>لقد عملت الولايات المتحدة مع شبكة تحالفاتها الرسمية لتحقيق تأثير كبير، لكن أميركا تشارك بنحوٍ مُتزايد في تحالفات غير رسمية ومرنة مع الآخرين من أجل إدارة المشكلات العالمية المُعقّدة، يمكن إيجاد تحالف من هذا القبيل في منطقة المحيط الهادئ الهندي، يسمَّى الحوار الأمني الرباعي، ما الدول الموجودة فيه وما أهدافها المشتركة؟ الحوار الأمني الرُباعي هو تجمّع يضمّ الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند. </p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: دكتور حسن، باختصار الفيديو هو عبارة عن شريط زمني وضعنا عليه نماذج من التحالفات الغربية أو التحالفات التي أدارتها الولايات المتحدة الأمريكية. الناتو هو التحالف العسكري التقليدي، بقي حاضرًا وعلى جانبه أنشأ الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من التحالفات الصغرى أو الاتفاقيات الأمنية هنا وهناك الأكثر مرونة إن جاز التعبير مثل QUAD و AUKUS.</p>
<p>دكتور حسن ما هو نَسَق هذه التحالفات الأمنية والعسكرية في الغرب اليوم؟ هل يمكن القول إنّ النَسَق العام من الناتو إلى QUAD و AUKUS تغيّر أو تمّ التعديل في الاستراتيجية، استراتيجية بناء هذه التحالفات؟</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: البعض كان يتصوّر أنّه بمجرّد انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينات لن تكون هناك ضرورة لكي يستمر حلف الناتو، في الواقع إنّ حلف وارسو تأسّس عام 55 لكن حلف الناتو تأسّس عام 49، وبالتالي كان يُتصوّر أنّه إذا انهار أحد أركان نظام ثنائي القطبية لن تكون هناك ضرورة لاستمرار الآخر. لكن الولايات المتحدة قرّرت ليس فقط أن يستمر حلف الناتو في الوجود ولكن أن يتوسّع أيضًا ويتمدّد، لأنّها كانت ترى أنّ هدفها الأساسي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أن تمنع روسيا من العودة مُجدّدًا لكي يكون لها نفس النفوذ الذي كان للاتحاد السوفياتي من قبل.</p>
<p>ولذلك أنا أعتبر أنّ هدف الناتو الأساسي هو مُوجّه لروسيا في المقام الأول وحماية أوروبا الحليف الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة. لكن بعد بروز الصين وصعود الصين على المسرح الدولي وخوف الولايات المتحدة من أن تتحوّل القوّة الاقتصادية العظمى للصين التي ستُصبح هي القوّة الاقتصادية الأولى في العالم خلال فترة وجيزة جدًا من الزمن، أن يُصبح لها طموح في الهيمنة على النظام الدولي سياسيًا، ولذلك هي تُحاول أن تُحاصرها وتقيم سلسلة من التحالفات في المحيطين الهندي والهادي. لكن هناك فرق كبير جدًا بين حلف الناتو وهو حلف لديه اتفاقية مُنشئة وبين الأحلاف الأخرى التي سمّاها الفيديو بالأحلاف المرنة هي في الواقع مشاورات استراتيجية وليست نوعاً من نظام الأمن الجماعي كما هو موجود في الناتو، يعني في الناتو أيّ اعتداء يقع على عاتق أيّة دولة عضو في الناتو يُعتبر اعتداء على المجموع وبالتالي على بقيّة الأعضاء أن تتكاتف لصدّ هذا الاعتداء. لا توجد أحلاف عسكرية بهذا المعنى الدقيق الآن بخلاف حلف الناتو، حلف الناتو هو الحلف الوحيد الذي يُجسّد فكرة الأمن الجماعي بالمعنى الواضح.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: QUAD و AUKUS لا تُمثّل هذا النموذج؟</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: لا تُمثّل هذا النموذج وهي مشاورات استراتيجية الهدف منها منع تمدّد النفوذ الصيني وخاصة في المحيطين الهادي والهندي.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: دكتور حسن، في الجانب الآخر من هذا العالم المُنقسم، التنسيق بين الصين وروسيا ارتفع أمنيًا، المناورات المشتركة بين الصين وروسيا وإيران أيضًا كان لها وجود كبير، عدد من الدول باتت تُفضّل الاتفاقيات الأمنية مع الصين كما حدث في حال الإمارات، عدد من الدول باتت تُفضّل التفاهمات الأمنية الإقليمية كما جرى في حال السعودية وإيران.</p>
<p>إذا كان حلف وارسو هو الذي مثّل التحالف العسكري الشرقي سابقًا في الحرب الباردة قبل الانهيار عام 1991 ومثّل الحلف آنذاك التكتّل الواضح المعالم لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية أمنيًا وعسكريًا، من هي الجبهة الأمنية العسكرية التي تُواجه الناتو اليوم إن جاز التعبير؟ ما هي ملامحها؟ كيف يمكن أن نرسم ملامح أو خريطة هذه الجبهة الأمنية؟</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: في الواقع لا يوجد حلف يُماثل حلف الناتو بمعنى أنّه يُشكّل نظاماً للأمن الجماعي، كلّ الأحلاف الأخرى وهي أحلاف جزئية تُعتبر مُناهضة تُحاول مقاومة فكرة الهيمنة الأُحادية التي تُحاول الولايات المتحدة والدول الغربية فرضها على العالم، لكنها لم تستطع حتى الآن أن تُقيم جبهة مُناوئة، لأنّ الجبهة المُناوئة ليست مُتّسقة أيديولوجيًا أو مُتطابقة أيديولوجيًا. لكن العمود الأساسي أو العامود الفقري لكلّ التحالفات التي تنشأ في مواجهة الناتو تتشكّل من الصين من ناحية ومن روسيا من ناحية أخرى وكلّ الدول الأخرى التي تُقاوم الهيمنة المنفردة. يمكن أن نضمّ إيران في هذا السياق وكوريا الشمالية، لكن هناك مجموعة من الدول الأخرى أيضًا التي رفضت فكرة العقوبات على روسيا وبالتالي هي تبدو أقرب إلى التحالف الصيني الروسي منه إلى التحالف الأمريكي، وفي جميع الأحوال لها مصلحة في إنهاء نظام الهيمنة المنفرد، لكن هي من التنوّع والتشتّت والتعدّد بحيث لا يمكن القول إنّها قادرة على إقامة جبهة تُساوي جبهة الناتو حتى هذه اللحظة. لكن إذا استمرت الولايات المتحدة في العناد بهذه الطريقة واستطاعت روسيا أن تكسب مثلًا الحرب في أوكرانيا وتُنهي هذا الصراع لصالحها، واستطاعت الصين أن تُواصل تقدّمها على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، فمن المُؤكّد أنّهما سيُشكّلان قُطباً جاذباً لعدد كبير من الدول الأخرى ذات المصلحة في إنهاء الهيمنة الغربية على النظام الدولي.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: دكتور حسن، ننتقل من الجانب الأمني إلى الجانب الاقتصادي، التكتّلات الاقتصادية تنتشر بشكل كبير وواسع في العالم، بات في العالم عدد كبير من هذه التكتّلات، في كثير من الأحيان يوجد فيها أعضاء حتى بمصالح مختلفة ومصالح متناقضة، "آسيان" في آسيا، "أبيك" في المحيط الهادئ، "بريكس" المُوزّعة جغرافيًا، الاتحاد الأوروبي، "نافتا" في أمريكا الشمالية، "كوميسا" في إفريقيا، "ميركوسور" في أمريكا اللاتينية.</p>
<p>في تقرير نُشِر في "بوليتيكو" بعنوان "كتل جيو - سياسية جديدة سوف تحكم المستقبل"، تقول المادة إنّنا نعيش ظهور تكتّلات اقتصادية جديدة، سرّع في ذلك طبعًا الحرب في أوكرانيا، وتقول إنّ العالم يتحرّك بعيدًا من مبدأ مجموعة واحدة للجميع. المرحلة السابقة من العولمة انتهت تقول المادة، التكتّلات الاقتصادية الناشئة والممرّات الاقتصادية سوف تخلق المزيد من الانقسام مُسبّبة صدمات للحكومات والشركات أيضًا.</p>
<p>دكتور حسن، هل التكتّلات الاقتصادية الناشئة سوف تُعزّز الانقسام العالمي أو إن جاز التعبير هل ستُنهي حقبة العولمة كما عرفناها؟</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد إطلاقًا، وبالتالي عندما نقول إنّ الولايات المتحدة والدول الغربية تُحاول استمرار هيمنتها المُنفردة فهي تُحاول هذا من خلال إما الأحلاف العسكرية وإما من خلال التعاون الاقتصادي وبالتالي الاقتصاد لا يُمكن فصله عن السياسة. المحاولات التي تجرى الآن للانتقال من نظام أحادي القطبية إلى نظام ثنائي القطبية له جانبه الاقتصادي أيضًا لأنّ الولايات المتحدة من خلال العقوبات التي تفرضها على الدول التي تريد مُحاصرتها ومُحاصرة نفوذها سياسيًا هي في الواقع تستخدم أدوات اقتصادية وبالذات العقوبات الاقتصادية وسيطرتها على النظام المالي العالمي يُتيح لها الفرصة لإلحاق ضرر كبير بالدول المُناوئة لها.</p>
<p>ولذلك هدف العديد من التكتّلات الاقتصادية الحالية وبالذات مجموعة البريكس على سبيل المثال هي تحاول إنهاء نظام الهيمنة الاقتصادية أو الهيمنة المالية الأمريكية على النظام العالمي.</p>
<p>هل ستنجح هذه الدول؟ أنا أعتقد أنّها تسير في الطريق الصحيح وإذا تمكّنت هذه الدول من إيجاد عُملة مُشتركة أو إيجاد نظام مالي آخر مقبول غير الدولار وتمكّنت من كسر الدولار كعملة للاحتياطي العالمي أعتقد أنه ستنجح. لكن الطريق ما يزال طويلاً في واقع الأمر وهذا يتوقّف في نهاية المطاف على طبيعة القوّة الاقتصادية للصين، كيف ستتطوّر في المستقبل. وأعتقد أنّ كل المؤشّرات تقول أنّه من الصعب جدًا وقف التقدّم الاقتصادي الصيني، ولذلك لا أستبعد إطلاقًا نجاح هذه التكتّلات الاقتصادية الجديدة في تغيير شكل النظام المالي العالمي، لكن أعتقد أنّ هذا سيستغرق وقتًا طويلا، يعني لن نستيقظ غدًا لنرى أنّ الدولار قد انهار وأنّ هناك عملة جديدة يمكن استخدامها كاحتياط للنقد العالمي.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: في فقرة مُقاربات، من حركة عدم الانحياز إلى مجموعة الـ77 والصين، دائمًا ما كان يجري الحديث عن تحالف لدول الجنوب، وأيضًا كانت هنالك تجارب كثيرة، ماهاتير محمد، وأيضًا تجارب أخرى تقرير دول الجنوب وما إلى ذلك.</p>
<p>هل وصلنا إلى نتيجة على سبيل المثال أن نقول إنّ هنالك تحالفاً جنوبياً مُكوّناً من دول الجنوب في العالم؟</p>
<p> </p>
<p>حسن نافعة: هنالك بالقطع حركة لدول الجنوب في العالم. منذ انقسام العالم إلى معسكرين بعد الحرب العالمية الثانية والجنوب يُحاول أن يُشكّل كتلة وازنة أو كتلة تُوازي هاتين الكتلتين، وبدأ بحركة التضامن الإفريقي الآسيوي ثمّ حركة عدم الانحياز ثمّ عندما تنبّه إلى أنّ المشكلة الأساسية ليست في القضايا السياسية وإنما في علاقات التجارة الدولية وميل ميزان التجارة الدولية لصالح السلع المُصنّعة بدأ إنشاء ما سُمّي مجموعة الـ77 في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية التي بدأت أول اجتماعاتها سنة 64، هذه المجموعة تضمّ الآن 130 دولة. لكن للأسف الشديد أنّ هذه المجموعة من الدول رغم أنّ لها مصالح مشتركة في إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يأخذ في اعتباره مصالح هذه الدول النامية التي تعتمد على المواد الخام الأولية الأقل تصنيعًا الخ... النظام الاقتصادي العالمي يُدار في واقع الأمر لحساب الدول الصناعية والدول المُتقدّمة. لكن وجود خلافات سياسية عميقة داخل هذه المجموعة، عدم وجود تمثيل دائم لهذه المجموعة في مجلس الأمن على سبيل المثال، يعني عندما تنظر إلى تشكيل مجلس الأمن وترى أنّ الدول الخمس دائمة العضوية ليس منها أيّة دولة نامية واحدة باستثناء الصين إذا اعتبرنا أنّ الصين دولة نامية، وبالتالي تجد أنّ عالم الجنوب ليس مُمثّلًا في النظام الدولي بما يستحقّه.</p>
<p>هل يستطيع هذا الجنوب أن يُنهي خلافاته السياسية وأن يضع تصوّراً لكيفية إصلاح الأمم المتحدة على سبيل المثال أو يتحرّك ككتلةٍ في النظام الدولي؟ هو حاول مرارًا وتكرارًا، أعتقد أنّ هناك فرصة لاحت بعد حرب 73 عندما قرّرت الدول المنتجة للنفط أن تُقيم ما يُشبه التكتّل في مواجهة الدول المُحتكرة للصناعة النفطية في العالم وتُأمّم شركات النفط، في هذه الفترة لاحت فرصة تُؤكّد أنّ دول الجنوب تمتلك أسناناً حقيقية وتستطيع أن تُؤثّر على موازين القوى الاقتصادية في النظام الدولي. لكن الخلافات بين هذه الدول سرعان ما اندلعت من جديد، مصر مثلًا ذهبت إلى اتفاق كامب ديفيد وبالتالي بدأ هذا الجنوب ينهار في واقع الأمر، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي أصبح هناك الولايات المتحدة ومجموعة الدول الغربية هي التي تُهيمن بشكل منفرد على النظام الدولي وبالتالي هامش الحركة المتاح لعالم الجنوب أصبح ضيّقاً جدًا.</p>
<p>الآن يعود هذا الهامش للاتساع وتبدأ حركة الجنوب العالمي تظهر من جديد وهناك محاولات وجود دول كجنوب إفريقيا في البريكس على سبيل المثال، وجود دول مثل الهند وانضمام مجموعة أخرى من الدول منها إيران ومصر والإمارات الخ... هذا ربما يعطي زخماً جديداً لحركة الجنوب على الساحة الدولية.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: دكتور حسن نافعة كلّ الشكر لمداخلتك القيّمة والثرية كالعادة.</p>
<p>أعزّائي المشاهدين على لقاء يتجدّد في معادلة جديدة الأسبوع المقبل فإلى اللقاء.... </p>