الساحل السوري: حياة تُزهر من بين الدمار

كلما غادرت روح إلى مكان يدفئها، تتألم أرواح ما زالت أسيرة اجسادها. ما هي أصعب خسائرك؟ انظر اليها! خسائرك تعيش تحت جلدك، في نظرات عيونك، أنت تتنشقها مع الهواء، لا مهرب منها! احتضنها، تقبّلها ولا تحصِها، وانظر في عين الدنيا عنيدًا، صمّم على إعادة البناء، وكلما تعبت، انظر إلى السماء، واصرخ بأعلى صوتك: لا شيء مستحيل!

نص الحلقة

<p>لانا مدوّر: مرحباً.</p> <p>علي سلمان: أهلاً، حمداً لله على سلامتكم؟</p> <p>لانا مدوّر: حمداً لله على سلامتكم أنتم، كيف كان وقْع الزلزال؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: لا يوصَف، المهم أننا خرجنا سالمين وكل ما ذهب يُعوَّض.</p> <p>لانا مدوّر: هل أفقتَ من الصدمة؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: نعم، حين ترين مصائب الآخرين تهون عليكِ مصائبكِ، لم يعد هناك صدمة.</p> <p>لانا مدوّر: لا وقت للصدمة، يجب أن تكون قوّياً وتساعد الناس وهذا ما فعلتموه كشبابٍ بمبادراتٍ فردية في اللاذقية، صحيح؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: نعم.</p> <p>لانا مدوّر: ما هي الأماكن الأكثر تضرّراً هنا؟</p> <p>علي سلمان: اللاذقية تضرَّرت ولكن جبلة وضعها مأساوي للأسف لأنها منطقة صغيرة وكثيفة سكانياً.</p> <p>لانا مدوّر: هيا نذهب إلى جبلة. أين كنتَ عند حدوث الزلزال؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: كنتَ نائماً، قبل الزلزال بثوانٍ فتحتُ عينيّ ونظرتُ إلى السقف، وفجأةً بدأ كل شيء يهتزّ، ركضتُ فوراً إلى الممرّ ولحقت بي عائلتي.</p> <p>لانا مدوّر: ألهذه الدرجة كان المنزل يهتزّ؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: نعم البناء كان يتأرجح. حين ركبنا في السيارة حصلت الهزّة الثانية وتجمهر الناس في الشوارع وبدأ الصراخ والبكاء، لا زلتُ أستذكر صوت الرجل الذي كان ينادي "دخيلك يا رب". &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: البناء الذي خلفكم سقط أليس كذلك؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: هناك بناء خلفنا إسمه الموبيليتو مؤلَّف من تسعة طوابق أطبق على بعضه.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: متى أدركتم حجم الكارثة؟</p> <p>علي سلمان: منذ اللحظة الأولى لأن الواقع العُمراني هنا سيّىء.</p> <p>لانا مدوّر: ومتى بدأتم العمل؟ &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>علي سلمان: منذ اللحظة الأولى، بعد انتهاء الهزّة قام شباب لا نعرفهم بفتح مراكز الإيواء وبدأوا بتوزيع المساعدات من مأكل وملبس. اللاذقية مجتمع صغير، جميعنا نعرف بعضنا هنا، كنا نطمئنّ على بعضنا البعض ونساعد بعضنا. &nbsp;&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: ماذا كانت الحاجة الأهمّ حينها؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: البطّانيات لأن الطقس كان عاصفاً، رعد وبرد ومطر، ومعروف أن مطر اللاذقية غزير وتتشكّل السيول فوراً، الناس كانوا في الشوارع في ظلّ البرد.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: ماذا أظهرت هذه الأزمة في المجتمع؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: أظهرت الإنسانية، تكاتُف الناس بعد الظروف والمِحَن التي عشناها في سوريا "الناس لبعضها". الحرب كان لها تأثيرها السلبي على المجتمع وهذا الزلزال أيقظ الناس أنه ليس لنا إلا بعضنا. &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: مرحباً أبا محمد، إسمح لي بالجلوس إلى جانبك.</p> <p>أبو محمد: تفضّلي. &nbsp; &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: كيف حالك.&nbsp;</p> <p>أبو محمد: الحمد لله ربّ العالمين.</p> <p>لانا مدوّر: الحمد لله على كل حال؟&nbsp;</p> <p>أبو محمد: نعم.</p> <p>لانا مدوّر: ماذا خسرتَ؟</p> <p>أبو محمد: خسرتُ كل ما أملك، أولادي هم كل ما أملكه. &nbsp;&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: كم ولد لديك؟&nbsp;</p> <p>أبو محمد: خمسة، مات الأربعة وبقي واحد.</p> <p>لانا مدوّر: هل كانوا جميعهم في المنزل عند حدوث الزلزال؟&nbsp;</p> <p>أبو محمد: نعم ولكن الخامس كان في الخدمة العسكرية.</p> <p>لانا مدوّر: وأنت أين كنتَ؟</p> <p>أبو محمد: كنتُ في الدوام أيضاً، حين رجعتُ وجدتُ البناء عبارة عن كومةٍ من التراب، قلتُ هذا أمر الله، بعد 3 أيام تمّ انتشال زوجتي من تحت الأنقاض وأبنائي في اليوم الرابع، كانوا جميعهم مُتوفّين. &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: ماذا تفعل هنا الآن؟&nbsp;</p> <p>أبو محمد: أهرب من الدنيا.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هل أنت مُتْعَب؟&nbsp;</p> <p>أبو محمد: تعبٌ إجباري لا بدّ منه، لا أريد أن أكلّم أحداً.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: ما أصعب أمر عشته في حياتك قبلاً؟&nbsp;</p> <p>أبو محمد: لا شيء.</p> <p>لانا مدوّر: ولكنك عسكري ورأيتَ الكثير. &nbsp;</p> <p>أبو محمد: اقتربتُ من الموت كثيراً ولكن لم يكن يهمّني، تطوّعت لكي أموت ولم أمت.</p> <p>لانا مدوّر: لماذا تريد أن تموت؟ &nbsp;</p> <p>أبو محمد: لكي أرتاح من هذه الدنيا.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: ما هي أسماء أبنائك؟&nbsp;</p> <p>أبو محمد: أحمد، أماني، شادي وطارق، وبقي محمد.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هذه هي الضربة الأكثر إيلاماً.&nbsp;</p> <p>أبو محمد: هذه الضربة التي قسمت ظهري.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هم السابقون ونحن اللاحقون.&nbsp;</p> <p>أبو محمد: الحمد لله.</p> <p>لانا مدوّر: أتمنّى ألا أكون قد أزعجتك.</p> <p>أبو محمد: أهلاً وسهلاً.</p> <p>علي سلمان: رفاقي هنا أنشأوا صيدلية ميدانية.</p> <p>لانا مدوّر: مرحباً كنان كيف حالك؟</p> <p>كنان حميد: الحمد لله.</p> <p>لانا مدوّر: ماذا تفعلون هنا؟&nbsp;</p> <p>كنان حميد: هذه صيدلية ميدانية، نحن شباب "ألتراس جبلة بلو بويز" نجمع التبرّعات من أهل الخير. &nbsp;&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: جميعكم من مُشجّعي كرة القدم؟</p> <p>كنان حميد: نحن مُشجّعو فريق جبلة نقوم بجمع التبرّعات من أهل الخير وافتتحنا صيدلية ميدانية لتوزيع الأدوية بالتعاون مع العيادة الميدانية.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: مجاناً؟</p> <p>كنان حميد: نعم.</p> <p>لانا مدوّر: مَن يزوِّدكم بالأدوية؟&nbsp;</p> <p>كنان حميد: تأتينا تبرّعات من شركات الأدوية وأهل الخير.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: لماذا لم تبقَ في المنزل، الإنسان يخاف عند حدوث زلزال، لماذا قرّرتَ الانخراط في العمل الاجتماعي؟</p> <p>كنان حميد: لا نستطيع البقاء في المنزل والناس بحاجةٍ للمساعدة، بارك الله بجميع الشباب الذين يساعدوننا هنا، لم يقصِّروا، هناك مَن يسهرون معنا طيلة الليل، وهناك مَن يوزِّعون الأدوية لمَن لا يستطيع المجيء إلينا، ويجولون على مراكز الإيواء في جبلة. &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: ماذا تعمل؟&nbsp;</p> <p>كنان حميد: أنا أدرس الهندسة المعمارية.</p> <p>لانا مدوّر: والآن غارق في الأدوية، ألا يزال لديكم الطاقة بعد كل ما مرَّت به سوريا؟ &nbsp;</p> <p>كنان حميد: يجب أن تكون لدينا طاقة لنساعد الناس المُحتاجين، إذا فقدنا طاقتنا وأملنا مَن سيساعد الناس. &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: في وضعٍ مثل سوريا في ظلّ العقوبات والصعوبات يُقال إنه يستحيل أن تفعلوا ما تفعلونه اليوم. &nbsp;</p> <p>كنان: مَن يقول مستحيلاً ليس سورياً، هناك مُتطوّع أريد أن أعرّفكِ عليه وهو رمز للإنسانية، عماد المكن، توفّيت عائلته بأكملها في الزلزال، كان في مصر.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: مرحباً عماد، العوَض بسلامتك، ماذا حصل؟</p> <p>عماد المكن: ما حدث حلم وأنا غير مُصدِّق حتى اليوم ولكن الحمد لله على كل حال، أنا مستقرّ في مصر وأعمل في شركة اتصالات، جاءني هاتف عند الرابعة والثلث فجراً أن بنايتنا وقعت، لديّ طفلة وحيدة إسمها شام اطمأنّيتُ عليها وعلى زوجتي وأهلها، ولكنهم قالوا لي إن والداي وإخوتي توفّوا، لا أعرف بماذا شعرت. &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: أي أنك فقدتَ جميع أهلك.&nbsp;</p> <p>عماد المكن: لم يبقَ أحد، بقيتُ أنا فقط.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هل استوعبتَ ما حدث؟&nbsp;</p> <p>عماد المكن: كلا والدليل أنني أقف معك الآن وأضحك، كنتُ أتوقَّع أن أجد أحدهم حياً أتعكَّز عليه ويتعكَّز عليّ ونقف سوياً، كنتُ أتوقَّع أن يكون أخي محمد حيّاً، أخي محبوب الساحل السوري، المحامي، رحمه الله. كان هو أول مَن استشهد، خسرتُ سندي في الحياة، أنا لم أتقبَّل الفكرة بعد ولكن لا اعتراض على قضاء الله وقدره، والدي، وباب الرحمة والجنة أُقفل ودعاء أمّي لي، وأخي الصغير كرم الذي ربّيته، كنتُ قد وعدّتهم بالكثير من الأمور ولكن الحمد لله على كل حال. هم لم يُدفنوا بل هم في مكانٍ أفضل من دنيانا هذه بإذن الله تعالى ونحن المُعذّبون، هم كسبوا ونحن خسرنا، أنا أستغرب من نفسي، أنا حنون فكيف لم أنهار. &nbsp;&nbsp;</p> <p>كنان حميد: هو مَن قوّانا ومنحنا الأمل.</p> <p>عماد المكن: لا أعرف ماذا أقول.</p> <p>لانا مدوّر: وأنا لا أعرف ماذا سأسألك، لا أصدِّق أنك تقف أمامي وتتحدّث، أنت قوي. &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>عماد المكن: الله يعرف والناس رأوا، بمجرَّد هبوط طائرتي في مدرّج مطار دمشق الدولي جئتُ إلى جبلة للمساعدة، أنا هنا بين أهلي وناسي، لم يعد لديّ إخوة ولكن الكل هنا إخوتي ولكن لا أحد يعوِّض مكان أبي وأمّي، أنا أستمدّ القوّة من رفاقي هنا، أفرح إذا استطعتُ تأمين حبّة دواء لأحد الناس، حين أراه يضحك أصبح أقوى، الحياة فارغة. الفارق بيني وبين أخي محمد سنتان، كان رفيقي قبل أن يكون أخي، كنا في الحضانة وفي المدرسة وفي الجامعة، محمد كان خسارة كبيرة لي، كنتُ قد وعدته بالكثير من الأمور ولم أستطع تنفيذ أيٍ منها، هذا أكثر ما يضايقني.</p> <p>لانا مدوّر: هل هناك شيء يستحق في هذه الحياة؟ &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>عماد المكن: أبواي وإخوتي ذهبوا والمنزل فلا شيء يستحق، ولكن كل مَن يضحك في وجهي يقوِّيني، الابتسامة في وجه أخيك صدقة. &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: دكتور هذا مستشفى جبلة، المستشفى الحكومي الوحيد في المنطقة الذي يتلقَّى كل الصدمات.</p> <p>علي عكاشة: تماماً للأسف.</p> <p>لانا مدوّر: هل كنتَ ليلة الزلزال؟&nbsp;</p> <p>علي عكاشة: نعم كنتُ مناوباً.</p> <p>لانا مدوّر: ماذا حدث؟ &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>علي عكاشة: دائماً ما يكون هناك طبيب مناوب في الإسعاف والشُعَب الجراحية، في لحظةٍ معيّنة بدأت المستشفى تهتزّ، توقّعنا أنها هزّة أرضية ولكن حينما بدأت المستشفى تتأرجح بنا وقعنا في الأرض جميعاً وبدأت الصدمة، خرجنا خارج الإسعاف خشيةً من أيّ انهيار، جاءتنا أول سيارة وهنا كانت اللحظة الأصعب، زلزال وخوف، ركضنا نحن جميع الأطباء والممرّضين نحو الإسعاف. في الساعات الأولى للصدمة كانت الجثث على الأرض، لم يكن المكان يتَّسع، الحالات كانت تفوق قُدرتنا الاستيعابية، أنقذنا مَن استطعنا إنقاذه. &nbsp;&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هل هناك مشهد أثَّر بك؟ هل شعرتَ بالضعف؟</p> <p>علي عكاشة: من هول الصدمة لم نضعف، كنا قد ناوبنا لمدة 24 ساعة قبلها بيومٍ وكانت لدينا عمليات ولم نرتاح سوى ثلاث ساعات، وعدنا وعملنا لعشر ساعات متواصلة، لا يوجد خوف. زميلنا للأسف تمّ انتشاله ميتاً من تحت الأنقاض، حزنّا جداً على كوادرنا الطبية، الأمر مأساوي. &nbsp;&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: ما إسم زميلك؟&nbsp;</p> <p>علي عكاشة: الدكتور محمد متّى، وأيضاً شيّعنا أساتذتنا الذين تمّ انتشالهم بعد ثلاثة أيام، الدكتور فايز عطاف، الدكتورة هالة سعيد، والدكتور محمود بكري أساتذتنا في الجامعة رأيناهم جثثاً للأسف، قامات علمية كبيرة وخسارة كبيرة لنا. القهر الذي عشناه أنه كان بإمكاننا تقديم المساعدة لأحدهم ولكنكِ بحاجة للأجهزة، لم نتمكَّن من استخدام غرفة العمليات بسبب الهزَّة رغم أن المستشفى لم تتصدَّع ولكن الأجهزة خرجت عن العمل كلياً. بالطبع هي أجهزة قديمة ولم نستطع استبدالها بسبب الحصار على سوريا، لعن الله هذا الوضع ولعن العقوبات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، نحن لا نستطيع استيراد الأجهزة، الإمكانيات ضعيفة، نحن كوادر حروب، 12 سنة من الحرب رأينا فيها كل شيء. &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: كم عُمرك دكتور؟ &nbsp; &nbsp;</p> <p>علي عكاشة: 28.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: أي قبل أن تتخرَّج من الجامعة.</p> <p>علي عكاشة: بدأت الحرب حين كنتُ في المرحلة الثانوية، وأنا حالياً طبيب مُقيم في الجراحة العامة.</p> <p>لانا مدوّر: كيف ترى الحياة اليوم؟&nbsp;</p> <p>علي عكاشة: هناك تبلُّد في المشاعر، نحن بحاجةٍ لعلاجٍ نفسي أنا وجميع مَن في سنيّ من أطباء وغير أطباء، شبابنا ضاع، الكوادر الطبية تهاجر بسبب القلّة والضعف والخوف. أريد أن أقول لكل مَن يسمعنا إننا نحب الحياة والترفيه ولكن للأسف.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: حين ترى كل هذا أمامك كيف تصبح علاقتك مع الموت؟ كيف تفكِّر في الموت والحياة؟&nbsp;</p> <p>علي عكاشة: في حياتنا الاجتماعية خارج العمل نغضب وننزعج، حين أرى شاباً بعُمر الخامسة والثلاثين توفّى بسبب الاحتشاء العضلي القلبي فلا تعود الحياة تعني لي، نحن نعيش اللحظة فقط.</p> <p>لانا مدوّر: أليس هناك ما يمنحك الأمل؟&nbsp;</p> <p>علي عكاشة: ما يمنحني الأمل هو أن أساعد غيري وأن أقدِّم له خدمة، الناس في سوريا تعيش من أجل ذلك فقط، حين أقدِّم شيئاً للآخرين يكون ليومي معنىً.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: أخبرني جملةً قيلت لك منحتك الأمل والفخر.</p> <p>علي عكاشة: كلّمتني أمّي وقالت لي أكمِل، والدتي هي صديقتي في الحياة، قالت لي تابِع ما تفعله نحن معك، وكذلك زوجتي قالت ذلك. يكفينا إن أهلنا فخورون بنا، هو فخر بالنسبة للأهل وبالنسبة لنا هو واجب ولكن نظرة الأهل مختلفة لأنهم تعبوا لكي يروا أبناءهم وهم يحقّقون قيمةً إنسانية، نحن جئنا من بيئةٍ يغلب عليها الطابع الإنساني، بيئة متوسّطة كسائر الناس، بيئة بسيطة، أن نساعد الناس هو أعلى ما نقدِّمه في حياتنا والباقي يُهْمَل.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: دكتور أنت أتيتَ من هذه الخلفية الاجتماعية والثقافية والإنسانية واستطعتَ إنقاذ الناس بإمكانياتٍ محدودة، هل هناك مستحيل على الإنسان السوري؟&nbsp;</p> <p>علي عكاشة: لا شيء مستحيل على الإنسان السوري لأنه أينما ذهب وعلى جميع الأصعدة هو مُتميِّز. نحن شعب نريد أن نحيا، ماذا فعل الناس لكي يُعاقبوا ولا يكون لديهم مستشفيات وأجهزة وسيارات صحية وكادر طبي أضعاف الموجودين، كوادرنا أصبحت خارج البلد، ماذا فعلنا لنستحقّ كل ذلك؟ عايشنا عشر سنوات من الحرب، هل نحن مجرمون؟ بالطبع لا، كيف تستقبلون أطباءنا في الخارج وتوظّفونهم وهنا لا؟ كيف تثقون بهم هناك وهنا لا؟ لماذا تدعمونهم في بلدانكم؟ لأنهم يخدمون شعوبكم لا شعبنا.</p> <p>لانا مدوّر: لا شيء مستحيل؟ &nbsp;</p> <p>علي عكاشة: لا شيء مستحيل ولكننا سنكون أفضل بكثير مع توفّر الإمكانيات، نحن نستطيع فعل الكثير.</p> <p>لانا مدوّر: علي منطقة الرميلة هي الأكثر تضرّراً في جبلة أليس كذلك؟&nbsp;</p> <p>علي سلمان: صحيح، رأينا قبل قليل سقوط الأبنية، تضرَّر الناس كثيراً هنا، لدينا هنا مبادرة مجتمع محلّي، مطبخ ميداني.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: صباح الخير، أنتِ صاحبة المبادرة؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: أهل الخير كُثُر، ليست مبادرة شخصية، الحمد لله نحن بخير وسلامة وتبرَّعتُ بأن أساعد الناس.</p> <p>لانا مدوّر: ما إسمك؟</p> <p>رغداء عمار: رغداء عمار. &nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: لماذا فعلتِ هذا الأمر؟</p> <p>رغداء عمار: هناك جماعات منكوبة في الشارع وهناك مَن لا يستطيعون أن يطبخوا في منازلهم ونحن نقوم بتوزيع الطعام عليهم، نحن ورجال الدفاع المدني والجيش.</p> <p>لانا مدوّر: ماذا تطبخون؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: البرغل مع الحمص، وجبة سريعة.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: وهل هناك مَن يتبرَّع بالمواد الأولية للطعام؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: بالطبع، الحمد لله المُتبرِّعون كُثُر، وهذا ليس بجديدٍ على الشعب السوري.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هل تضرَّرتِ؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: كلا ولكنني أعمل فداءً عن أولادي.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هل توفّى أحد من جيرانك؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: بالطبع.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هل تشعرين بأنكِ محظوظة لأنكِ نجوتِ مع عائلتك؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: بالتأكيد، نحن رأينا يوم القيامة بأعيننا.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: هكذا تسمّينه؟</p> <p>رغداء عمار: نعم، ما رأيناه هو يوم القيامة. هؤلاء أولادي يشاركون أيضاً. الشعب السوري اعتاد على الحرب طيلة 12 سنة فلن نخاف من أمرٍ من تدبير الله.</p> <p>لانا مدوّر: هذا هو المستحيل بالنسبة إليكم.&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: لا إله إلا الله.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: أراكِ قوية جداً.</p> <p>رغداء عمار: بالطبع.</p> <p>لانا مدوّر: ما سرّ هذه القوَّة؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: ربّ العالمين، الإيمان بالله سبحانه وتعالى، قدَّر الله وما شاء فعل.</p> <p>لانا مدوّر: برنامجنا إسمه لا شيء مستحيل.</p> <p>رغداء عمار: طبعاً، لو بقي على وجه الأرض كائن واحد سوف يسعى في الحياة، لن يقنط ويقول يا رب.</p> <p>لانا مدوّر: جميلة هذه الجملة، الحياة لا تمنحكِ الخيارات، عليكِ أن تقفي على قدميكِ.&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: هل أتوسَّل لربي أن ينزل عليّ مائدة من السماء؟ كلا.</p> <p>لانا مدوّر: لا شيء مستحيل؟&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: كلا ولا يوجد يأس، جميع هؤلاء فقدوا أحبّتهم.&nbsp;</p> <p>لانا مدوّر: أتينا لنعطيكم المعنويات فكنتم أنتم مَن أعطيتمونا إيّاها. &nbsp;&nbsp;</p> <p>رغداء عمار: ائتِ لنا بالضعيف. &nbsp;</p> <p>كلّما غادرتْ روحٌ إلى مكانٍ يُدفئها تتألّم أرواحٌ ما زالت أسيرة أجسادها، ما أصعب خساراتك؟ انظر إليها، خساراتك تعيش تحت جلدك، في نظرات عيونك، أنت تتنشّقها مع الهواء، لا مهرب منها، احتضِنها، تقبّلْها ولا تُحصِها وانظر في عين الدنيا عنيداً، صمِّم على إعادة البناء وكلّما تعبتَ انظر إلى السماء واصرُخ بأعلى صوتك، لا شيء مستحيل.. &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p>