الصين: الاقتصاد المسلح

أغلبية الدراسات الإاستراتيجية تتحدث عنها باعتبارها القوة العظمى المقبلة: إنها الصين. إقتصادياً أغلبية المؤشرات تضعُها في المركز الثاني أو المركز الأول. هي اليوم ليست فقط مصنع العالم وإنما أيضاً الجهة الأكثر تطوراً في مجالات براءاتِ الإختراع والبحث والتطوير، وهذا أمرٌ جديد نسبيّاً للغرب. الصين هي الشريك التجاري الأول لمئة وثلاثين دولة في العالم. هل يمكن للصين أن تحمي تطورها وصعودها وتميّزها الاقتصادي من دون حمايتِه عسكرياً؟

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: مساءُ الخير.&nbsp;</p> <p>أغلبية الدراسات الاستراتيجية تتحدّث عنها باعتبارها القوّة العظمى المقبلة، إنّها الصين. اقتصاديًا، أغلبية المؤشّرات تضعها في المركز الثاني أو الأول. هي اليوم ليست فقط مصنع العالم، إنّما أيضًا الجهة الأكثر تطوّرًا في مجالات براءات الاختراع وأيضًا البحث والتطوير، هذا أمر جديد نسبيًا بالنسبة للغرب. الصين هي الشريك التجاري الأول لـ130 دولة في العالم، حدث ذلك من دون انتشار قواعد عسكرية مُقاتلة.</p> <p>السؤال اليوم في هذه الحلقة لا يدور حول الاقتصاد في ذاته، ولكن هل يمكن للصين أن تحمي تطوّرها وصعودها وتميّزها الاقتصادي من دون حمايته عسكريًا؟</p> <p>نُناقش ذلك بالتفصيل مع العميد المتقاعد شربل أبو زيد، أهلًا وسهلًا بِكَ معنا أستاذ شربل.</p> <p>&nbsp;</p> <p>شربل أبو زيد: أهلًا بِكَ سيّدي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: بدايةً لنتابع هذا الفيديو.</p> <p>&nbsp;</p> <p>* فيديو:</p> <p>لا يُسجّل على الصين حروب شنّتها خارج حدودها أو رغبة في توسيع حدودها الإقليمية تحديدًا في العصر الحديث.</p> <p>يقول "سن تزو" الفيلسوف الصيني القديم وصاحب كتاب "فن الحرب" الذي وصلنا من حقبة ما قبل الميلاد "إنّ الجندي الجيّد هو الذي لا يُحارب، إشارة إلى أفضلية تجنّب الحروب الطاحنة لصالح الحلول البطيئة والاستنزاف وإن كانت عسكرية".</p> <p>في القرن التاسع عشر ضغطت القوى التجارية الأوروبية على الصين لفتح أسواقها وتصريف البضائع الغربية فيها، وشنّت ضدّها حرب الأفيون عام 1839 وأجبرتها بريطانيا على التنازل عن هون كونغ وأجبرتها فرنسا على التنازل عن كامبوديا.</p> <p>اليوم تغيّرت الأحوال وباتت الصين القوّة الاقتصادية الأولى استنادًا إلى أهمّ المؤشّرات الاقتصادية ما يُثير غضب الغرب. ولدى الصين مشاريع اقتصادية طموحة وعلى رأسها مبادرة الحزام والطريق.</p> <p>هل تستطيع الصين الحفاظ على تطوّرها الاقتصادي من دون العَسْكَرة أو القتال؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: أستاذ شربل، سوف ننطلق من نهاية الفيديو، هل برأيك بالإطار العام تستطيع الصين تطوير دورها الاقتصادي في العالم من دون العَسْكرة أو القتال؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>شربل أبو زيد: بطبيعة الحال عندما نتحدّث عن الاقتصاد في أيّة دولة كان يجب أن تترافق مع هذا الاقتصاد قوّة عسكرية ضامنة لهذا الاقتصاد، هنالك مُثلّث دائمًا ما نتحدّث عنه هو مثلث الاقتصاد والقوّة السياسية والدبلوماسية ومن ثمّ القوّة العسكرية. إذًا السياسة والعسكر في خدمة الاقتصاد الذي يتربّع على رأس هذا المثلّث.</p> <p>بطبيعة الحال بالنسبة إلى الصين التي هي مُنطلقة اليوم انطلاقة اقتصادية استثنائية يجب ولا بُدّ من أن يترافق ذلك مع قوّة عسكرية تتناسب مع هذه الانطلاقة. ولكن هذا الجواب المُختصَر لسؤالك، هنالك جواب يجب التطرّق إليه وهو أنّه نحن اليوم، يعني في الزمن الذي نعيش فيه، نحن اليوم في عصر تعدّد الأقطاب كما ذكر مسؤول الخارجية الأوروبية "جوزيف بوريل" حين قال إنّنا أصبحنا في عالم مُتعدّد الأقطاب وكل شيء فيه سلاح، وقال أعني بذلك الاقتصاد سلاح والفضاء سلاح الخ... فإذًا أصبح كلّ شيء بالنسبة له سلاح. من هذا المنطلق، بطبيعة الحال الصين بحاجةٍ إلى قوّةٍ عسكريةٍ تتناسب مع القوّة الاقتصادية والمشاريع الاقتصادية الكبرى التي انطلقت بها. أضف إلى ذلك، أنّ ثعلب السياسة الأمريكية "كيسنجر" قد دعا لسنوات ثلاث متتالية الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى التعاون والتركيز على ثلاثة مواضيع ألا وهي: الاقتصاد العالمي بالدرجة الأولى، ثمّ الاتصالات العالمية، ثمّ التكنولوجيا الحديثة.</p> <p>عندما نرى أنّ هذا الإجماع على الاقتصاد العالمي ونرى دائمًا أنّ الصين هي في المقدّمة فلا بدّ للصين من أن تكون لها قوّة عسكرية متناسبة.</p> <p>إذا ما عُدنا قليلًا إلى الماضي وتحديدًا عام 2008 عندما حصل الانهيار المالي في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا وحدها الصين لم تتأثّر كثيرًا بهذا الانهيار، وإنّما تدنّى الناتج الإجمالي الصيني من 10% إلى 9% النمو، وهذا ما أدّى إلى تخوّفٍ أمريكي كبيرٍ وإلى تخوّفٍ أوروبي كبير. لذلك عندما وصل أوباما إلى السلطة في 2009 قام بتنفيذ استراتيجية عُرفت بالتوجّه نحو الشرق، وفي هذه الاستراتيجية هنالك ثلاثة مواضيع أساسية: الموضوع الأول هو سياسي، الموضوع الثاني اقتصادي، والموضوع الثالث هو عسكري. لذلك قام أوباما بتقليص عديد القوى العسكرية المتواجدة في الشرق الأوسط وغيره وانتشرت هذه القوى باتجاه بحر الصين الجنوبي وباتجاه تطويق الصين. كذلك الأمر بما يختصّ بالسياسة والدبلوماسية عمد الأمريكي إلى تطويق الصين بالحوارات مع الدول المحيطة في الصين للتأثير عليها.</p> <p>هنا نرى أمام هذه الصورة الدولية السريعة انتُخب الرئيس الصيني "شي جين بينغ" وقام بطرح أمرين مهمّين وهما: أولًا مشروع الحزام والطريق، وثانيًا تطوير الجيش الصيني. يعني مشروع الحزام والطريق الذي هو مشروع اقتصادي يسمح للصين في ما بعد في أن تكون دولة الاقتصاد الأولى في العالم ويترافق ذلك مع جيش، هذا الجيش يتناسب من حيث القوّة القتالية والتجهيزات مع الأهداف التي رسمها في هذا الإطار.</p> <p>لذلك نرى أنّه من الضروري كان أن تكون القوّة العسكرية مُتناسقة، فبدأ منذ ذلك الحين بعقيدة جديدة عسكرية تعتمد على كثير من الأمور ممكن في ما بعد أن يتم شرح هذه الأمور لتطوير هذه القوّة بما يتناسب مع الأهداف.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: بالتأكيد أستاذ شربل.&nbsp;</p> <p>الأسباب زائدًا السياق تُساوي الحدث:</p> <p>في الأسباب، ما هي أسباب اضطرار الصين إلى العَسْكَرة؟</p> <p>وفي السياق، كيف يعمل الموروث الثقافي المُسالم للصين خارج الحدود؟</p> <p>في الأسباب نُناقش، أولًا، التهديد الأمريكي، هذا التهديد مستمر من الحصار الاقتصادي إلى محاولات التطويق العسكري، هل تستطيع الصين ردّه من دون القتال؟</p> <p>وثانيًا، حماية المبادرة، مبادرة الحزام والطريق المُتشعّبة والتي تتضمّن عددًا كبيرًا من المطارات، الموانئ، مناطق التجارة، هل تستطيع الصين حمايتها من دون فكرة العَسْكَرة؟</p> <p>في تقرير معهد "سيبري" المنشور في نيسان / أبريل من العام الحالي 2023 حول الإنفاق العسكري في العالم، نُلاحظ المؤشّرات المُتعلّقة بالصين ومُقارنتها حتى مع نظيرتها في الولايات المتحدة الأمريكية.&nbsp;</p> <p>الإنفاق العسكري الأمريكي عام 2022 كان 877 مليار دولار، الصين 292 ملياراً، يعني تقريبًا ثلث الميزانية الأمريكية، لا ننسى أنّ القواعد العسكرية الأمريكية مُنتشرة في العالم في حين لا توجد قواعد عسكرية مُقاتلة للصين، ولكن أيضًا نُلاحظ أنّ نسبة الزيادة في الإنفاق العسكري الصيني أعلى منها في حال الأمريكي وهذا دليل صعود صيني وهبوط أمريكي إن جاز التعبير أو أزمة أمريكية.</p> <p>ازداد الإنفاق العسكري الصيني منذ عام 2013 إلى عام 2022 63%، فيما ازداد الأمريكي 2.7% فقط، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الصين تُنفق 1.6% من ناتجها الإجمالي لخدمة النفقات العسكرية، فيما تُنفق الولايات المتحدة 3.5% من ناتجها وهو رقم مُرتفع إجمالا بالنسبة للمعدّل ربما أستاذ شربل.</p> <p>ما يعني أنّ الاقتصاد الأمريكي مُتضرّر ربما من الإنفاق العسكري اليوم، هذا يُذكّرنا بالاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة عندما حاولت الولايات المتحدة استنزاف اقتصاده بالتسليح، ها هي اليوم ربما تُعاني من حال مُشابهة.</p> <p>أستاذ شربل، استنادًا إلى هذه الأرقام، الصين تزيد من قدراتها العسكرية، هل برأيك يكمن ذلك في غايات فكرة الردع فقط؟ أم أنّها قد تبادر يومًا وربما للمرة الأولى في تاريخها إلى الهجوم تحديدًا في تايوان؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>شربل أبو زيد: بطبيعة الحال عندما ندرس الاستراتيجية العامة للصين نُدرك أنّ الصين تبني هذه القوّة العسكرية لحماية مصالحها الاقتصادية وللردع وليس للقتال، وخاصة إذا ما عُدنا للعقيدة القتالية الجديدة للعام 2015 والتي تمّ تطويرها سنة 2022، هذه العقيدة هي عقيدة تنمّ عن أنّ كل هذه التحضيرات العسكرية إنّما هي بهدف الردع وبهدف المحافظة على الاقتصاد وليس بهدف المبادرة إلى القتال.</p> <p>من هنا الصين عندما بادرت بمبادرة الحزام والطريق هي مُبادرة اقتصادية ستسمح للصين على المدى الطويل ليس فقط بأن تُصبح القوّة الاقتصادية الأولى في العالم وإنّما بأن تُصبح هذه القوّة إلى مُدّة طويلة وليس إلى مُدّة قصيرة. من هنا يجب على الصين أن تُفكّر بكيفيّة ديمومة الاقتصاد بقوّة عسكرية، فأتى تطوير الجيش الصيني وأيضًا بسلسلة دُعيت حينها بسلسلة اللؤلؤ، سلسلة اللؤلؤ وهي عبارة عن مراكز أو قواعد عسكرية مُنتشرة من هون كونغ إلى جزيرة ساناي إلى شبه جزيرة الهند الصينية إلى خليج البنغال فجنوب الهند وصولًا إلى مرفأ بور سودان في السودان، هي عبارة عن 15 قاعدة، مُهمّة هذه القواعد هي تأمين سلاسة الملاحة وحرية الملاحة وعدم التعرّض للقَرْصَنة إضافة إلى الإنذار المسبق والتدخّل السريع والدفاع عن القوافل والدفاع عن الأمور الاقتصادية الحيوية الصينية.</p> <p>من هنا هذا الفكر الصيني العسكري المُتصاعد بالتوازي مع فكرة الحزام والطريق إنْ كان بحرًا أو إنْ كان برًا تُؤدّي للسماح للصين بأن تكون هي القطب الاقتصادي الأقوى على الساحة العالمية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: نعم أستاذ شربل، وأيضًا في الحديث عن مبادرة الحزام والطريق، للصين مُبادرة اقتصادية مُهمّة وهي الكبرى في التاريخ ربما في ما يتعلق بطرق التجارة والتمويل وخطوط الطاقة هي مبادرة الحزام والطريق. عدد كبير من الموانئ، عدد كبير من المطارات، عدد كبير من خطوط الطاقة، لنُتابع هذا الفيديو بخصوص هذه المبادرة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>* فيديو:</p> <p>ما ترونه هنا موانئ الحزام والطريق الصينية حول العالم. للوهلة الأولى تبدو هذه الموانئ التجارية العادية تهدف إلى تعزيز التجارة، ولكن إذا ألقيتم نظرة فاحصة فهناك الكثير من الأهداف لمشروعات الموانئ هذه أكثر مما تراه العين.&nbsp;</p> <p>الرئيس الصيني شي جين بينغ: كيف تقوم الصين بتسليح مبادرة الحزام والطريق؟ في إطار متابعة مبادرة الحزام والطريق لن نرجع إلى مناورات جيوسياسية عفا عليها الزمن، ما نأمل إنشاءه هو عائلة كبيرة من التعايُش المُتناغم.&nbsp;</p> <p>مارك إسبر &ndash; وزير الدفاع الأميركي السابق: من خلال مبادرة الحزام والطريق، على سبيل المثال، تستفيد جمهورية الصين الشعبية من استثماراتها الخارجية لإجبار الدول الأخرى على اتّخاذ قرارات أمنية فرعية.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: أستاذ شربل، الفيديو يأخذنا إلى فرضيّتين: واحدة تُمثّل الرواية الغربية وأخرى تُمثّل الرواية الصينية. الرواية الغربية تقول إنّ الصين تُحاول التمدّد بإسم مبادرة الحزام والطريق، يعني بإسم هذا المشروع الاقتصادي، لفرض سياساتها الأمنية على الدول التي تمرّ فيها هذه المبادرة. الرواية الصينية هي أنّ هذا المشروع هو مشروع اقتصادي تاريخي وأنّ حمايته الأمنية لازمة ولاسيما أنّ الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة سوف تتربّص به لمحاولة إفشال هذا المشروع الاقتصادي.</p> <p>برأيك كيف يُمكن أن يُردّ على الرواية الغربية ولاسيما أنّك قلت في المداخلة الأولى بأنّ كل التحضيرات العسكرية الصينية هي في إطار الدفاع وليس في إطار الهجوم أو ربما في إطار ما تُسميّه العقيدة العسكرية الصينية الدفاع النَشِط. برأيك كيف يُردّ على الدعاية الغربية بأنّ هذا مشروع مبادرة الحزام والطريق ليس مشروعًا أمنيًا؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>شربل أبو زيد: بطبيعة الحال بطريقة التصرّف الصيني مع الدول التي تتواجد فيها هذه القواعد العسكرية، هنالك كما سبق وقلت سلسلة اللؤلؤ 15 قاعدة، هذه القواعد يتمّ التعاطي مع الدول بطريقةٍ أولًا احترام سيادة الدول، ثانيًا عدم التدخّل في شؤونها، ثالثًا التعايُش السلمي، ورابعًا التعاون من أجل الكَسْب المُشترك، كذلك الأمر بالنسبة للدول التي يمرّ بها الحزام والطريق، الدول البحرية التي يمرّ بها الحزام والطريق.</p> <p>من هنا طريقة التعاطي هي طريقة سلمية بعكس التدخّلات الأمريكية في الشؤون الداخلية للدول عندما تتعاطى معها، وهذا نراه في جميع الدول التي تتعاطى معها الصين. مثلًا نستطيع أن نُقدّم مثالًا، باكستان، هنالك الممرّ الاقتصادي الصيني - الباكستاني الذي تمّ توقيعه زمن عمران خان، فبالتالي قامت الصين بكثير من الإنشاءات لتطوير البُنى التحتية الباكستانية بهدف تمرير البضائع وتنمية الاقتصاد الباكستاني وتمرير البضائع من الصين عبر باكستان إلى مرفأ "غوادار"، كان التعاطي مع باكستان ومع عمران خان تعاطياً فيه الكثير من الاحترام لسيادة باكستان وكثير من التعاطف والتعايش السلمي وللمنفعة العامة. تدخّلت الولايات المتحدة الأمريكية وعملت على إزاحة عمران خان والإتيان بـ"شهباز شريف" وبالتالي بهدف عرقلة هذا المشروع. إذًا عندما نرى كيف يتصرّف الأمريكي مع الدول التي يُسيطر عليها أو التي تدور في فلكه وتصرّف الصين مع الدول التي تدور في فلكها عندها نتأكّد أنّ استراتيجية الصين في التعاطي هي استراتيجية سلمية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: نعم أستاذ شربل، في سياق هذا الحديث نُناقش بين تجارتين، بمعنى المقارنة بمنطق التجارة الأمريكية والصينية مع العالم والجدار الفولاذي، الرئيس الصيني تحدّث عن جدار فولاذي عسكري لحماية الاقتصاد.</p> <p>في كتاب "هيلدا هوخام"، "تاريخ الصين منذ ما قبل التاريخ حتى القرن العشرين" تسرد مقولة لأحد موظّفي "المانشو" وهي الأسرة الامبراطورية الأخيرة في الصين، وتقول على لسان أحد الموظّفين: "في أقصى الغرب يوجد أجانب غربيون ذوو شعر أحمر، وهم أناس شديدو البأس، ومن بينهم الفرنسيون والإنكليز، وهم أمم غاية في العنف والشراسة، ولديهم سفن قوية لا تهاب الأعاصير، وأينما ذهبوا أرسلوا عيونهم في جميع الأنحاء بقصد الاستيلاء على أراضي الشعوب".</p> <p>منطق التجارة الصيني كان في القرون السابقة قائمًا على التصدير، عدم الحاجة إلى إنتاج الأمم الأخرى بشكل أو بآخر، تتعرّض الصين للحروب الأوروبية وتُجبر بالقوّة على فتح أسواقها، الصينيون اليوم هم المصنع الأول في العالم، البائع الأول لكل العالم، ولديهم قوّة عسكرية جيّدة تحميهم من أوروبا وأمريكا المشغولتين في حربهما مع بوتين.&nbsp;</p> <p>الأمريكي منطق تجارته مُختلف تمامًا، نحن نعرف أنّ دولًا منعتها أمريكا من زراعة القمح في أراضيها كي تشتري القمح الأمريكي بالذات. الأساطيل الأمريكية دائمًا على استعداد لفرض الشروط الأمريكية على التجارة واقتصاد الدول.</p> <p>أستاذ شربل، برأيك هل يمكن للصين أن تُقدّم النموذج - إنْ جاز التعبير - النموذج الامبراطوري الجديد على التاريخ، وهو أن تقوم دولة مُعيّنة مُسيطرة على الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية من دون استخدام عَصَب القوّة العسكرية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>شربل أبو زيد: بطبيعة الحال العصا العسكرية يجب دائمًا أن تُرافق الاقتصاد بهدف المُحافظة على هذا الاقتصاد وهذا الصعود الاقتصادي، وإنما طريقة مُقاربة الصين اقتصاديًا مع الدول تختلف كثيرًا عن المقاربة الأمريكية، فالصين مثلًا عندما تعاطت مع كثير من الدول، مثلًا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تعاطت من الندّ إلى الندّ وليس بطريقة الهيمنة، عندما تعاطت حديثًا مع المملكة العربية السعودية تعاطت بأهداف اقتصادية واضحة لمنفعة الدولتين، الدولة الصينية والمملكة العربية السعودية وليس لفرض أمورها على المملكة العربية السعودية، بعكس ما نرى كيف تعاطت الولايات المتحدة الأمريكية مع المملكة العربية السعودية، كيف كانت تفرض شروطها وكيف كان يتمّ تسليح المملكة العربية السعودية بالقليل وباستغلال الأموال في مكان آخر، كيف كانت تستغلّ النفط ومشتقّاته من السعودية وغيرها لصالحها، هذا لا نراه في التواصل الاقتصادي ما بين الصين وبين الدول، وهذا ما يُريح الدول كثيرًا في التعاطي ما بين الصين وما بين هذه الدول اقتصاديًا كما قلنا. ولكن هذا لغاية الآن، مثلًا عندما نرى الصين في جيبوتي، هناك قاعدة كبيرة للصين في جيبوتي قوامها 10000 عسكري، وأصبح هنالك مرفأ خاص للغوّاصات ومرفأ خاص لرسوّ حاملة الطائرات، بطبيعة الحال الصين تعمل على أن تكون هذه القاعدة هي لتسهيل الاقتصاد في منطقة إفريقيا وفي قارّة إفريقيا ولكن بنفس الوقت هي قاعدة عسكرية لضمان حقوقها، حقوق الصين كما حقوق الدول التي تتعاطى معها.</p> <p>سبق وقلت أنّ أربعة أمور تحكم التعاطي وهي: احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، التعايش السلمي، الكسب المشترك، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية للدول. وهذا ما تحرص عليه، وهذا لا يستوجب تدخّلاً عسكرياً، وإنما العسكر لحماية هذه المصالح إذا ما تعرّضت من أطراف أخرى معروفة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: يعني أستاذ شربل هذا حديث مُبشّر، وجه جديد للنظام الدولي ربما يكون أكثر عدلًا ورحمة إن شاء الله.</p> <p>لنصغ معًا مُعادلة الاقتصاد المسلّح، مواجهة التهديدات الغربية زائدًا حماية مُبادرة الحزام والطريق في سياق ثقافة الدفاع النشط الصينية تُساوي الاقتصاد المُسلّح في الصين.</p> <p>في فقرة مقاربات، الصين في نادي الردع النووي، على الشاشة "Fact Sheet" (نشرة حقائق) من مركز السيطرة على السلاح ومنع الانتشار، تقول هذه الورقة الصين مُلتزمة بسياسة "NFU" (No First Use)، أيّ أنّها لن تكون الطرف الأول الذي يستخدم هذا السلاح في أيّ صراع، تستخدم السلاح النووي فقط في الردّ على هجوم نووي تتعرّض له. البنتاغون يُقدّر الذخيرة بـ400 رأس نووية وإذا استمرت الصين في التطوير الحالي نفسه سوف يصل عدد الرؤوس النووية إلى 1500 رأس عام 2035. إمكانية حمل هذه الرؤوس برًا وبحرًا وجوًا.</p> <p>أستاذ شربل، لأنّ الحلقة تتحدّث عن الاقتصاد المُسلّح وحماية الاقتصاد، برأيك ماذا يعني تعاظم قدرة الصين النووية بالنسبة إلى النظام الاقتصادي العالمي بمجمله؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>شربل أبو زيد: بما يختصّ في القوى النووية، القوى النووية شقّان:&nbsp;</p> <p>الشقّ الأول، وهو شقّ رادع يدخل في السياسة الدفاعية للدول ليس بهدف القتال وإنما بهدف ردع الدول الأخرى. بطبيعة الحال الصين تمتلك اليوم حوالى 400 رأس نووية، وهذه الرؤوس ستزداد وصولًا إلى العام 2035 إلى حوالى 1500 رأس نووية، وهنالك من يقول أنّ الصين حاليًا تمتلك أكثر من 400 رأس نووية. أنا كخبير أعتقد بأنّ 400 رأس نووية هي قادرة على إحداث الردع، وإنّما الصعود بالقوّة النووية هدفه كذلك أن تكون حتى نوويًا هي قطب عالمي تُوازي ما للولايات المتحدة الأمريكية أو ما لروسيا من قدرة نووية.</p> <p>كذلك الأمر بما يختصّ بالاقتصاد العالمي، السلاح النووي هو سلاح يُجبر مالكه، الدولة التي تمتلك هذا السلاح على دفع الأموال للحفاظ عليه وتجديده وتجديد وسائل إطلاقه إن كان الوسائل الصاروخية أو الجوية أو الغوّاصات النووية وتجديد الرؤوس النووية داخله وتجديد نوعية الصواريخ البالستية الناقلة وتجديد الفكر النووي ككل، هذا يستلزم إنفاق أموال كثيرة، ولكن المردود على الصعيد الاقتصاد العالمي أنّه يحدث استقرارًا عالميًا يسمح هذا الاستقرار العالمي بتنامي الاقتصاد أكثر فأكثر ويسمح للصين بالمحافظة على مركزها الاقتصادي الأول في ما بعد.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: أستاذ شربل، شكرًا جزيلًا لك على هذه المداخلة والمشاركة المتخصّصة والعميقة.</p> <p>أعزّائي المشاهدين، على لقاء يتجدّد الأسبوع المقبل ومعادلة جديدة....&nbsp;</p>