المايسترو أندريه الحاج

المايسترو أندريه الحاج قائد "الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية" يحكي في بيت القصيد عن بداياته، دور القدر في خياراته، تحديات اليوم بالنسبة للموسيقى والموسيقيين، هوايته الرياضية الأحب وخوفه على الإرث اللباني الموسيقي، وغيرها من المواضيع في حوار شيق مع الشاعر والإعلامي زاهي وهبي.

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>المحور الأول</p> <p>زاهي وهبي: مساء الخير. فنّانٌ كامل الأوصاف تفتَّح وعيه على الأصوات الجميلة والأنغام الساحرة. باكراً عشِقَ الموسيقى والآلات التي تُخفّفُ وطأة الحياة. درسَ العلوم الموسيقيّة ودرّسها. أتقن العزفَ وقراءة النوتات حتى صارَ قائِداً لأوركسترا تصدحُ قبالة حركة يديه وإشارةِ عصاه. وإذا كان "نتشيه" يقول: "لولا الموسيقى لكانت الحياة غلطة"، فكيف الحال إذا كانت هذه الحياة تمرُّ في واحدةٍ من أقسى مراحلها ومن أكثرها صخباً واضطراباً؟ "بيتُ القصيد"، بيت المبدعين العرب يُسعَدُ بحضور المايسترو القدير الفنّان "أندريه الحاج"، أهلاً وسهلاً نوّرت&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: شكراً أُستاذ "زاهي" وشكراً على الاستضافة</p> <p>زاهي وهبي: نتشرّف بوجودك</p> <p>أندريه الحاج: تسلم&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: كبداية أُستاذ "أندريه"، ما ضرورة الموسيقى في زمن الأزمات والحروب وكل ما نحياه؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أحسن شيء في هذه الأزمة أن تسمع موسيقى. أحسن شيء أن تفصل نفسك في مكانٍ ما لأنّك لا تستطيع أن تعيش بلا موسيقى، مستحيل، وهذه الأزمة التي مررنا بها رغم كلّ صعوباتها لا أعتقد أنّ أحداً تخلّى عن الموسيقى في مكانٍ معيّن. هي ضرورة لأنّ فيها شفاء في مكانٍ ما في لا وعينا &nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: في زمن الغلاء الفاحش والبطالة والأموال المنهوبة، حتى لقمة الإنسان اليوم سُرِقت، ألا يبدو الكلام عن الفن والموسيقى والغناء والشِعر إلى آخره نوعاً من الترف؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: ربما نعم في بداية الأزمة، لكن الإنسان الذي اعتاد على ما صار بنا يعود إلى هذه الفنون، والدليل هو دول عربيّة صارت عندها هذه الأزمة قبلنا بعشر سنوات وظلّت مستمرّة، تجد الأمور عندها تسير في شكلٍ طبيعي. لا يُمكنك أن تفصل، في النهاية عليك أن تُكمِل في الحياة. لكن عليّ أن أقول لك، في الوجع الأوّل الذي كنّا فيه كلّ شيء توقّف، لكن لاحقاً بدأت الحياة تعود والآن ستعود أحسن</p> <p>زاهي وهبي: في المقابل، نلاحِظ ما هو السرّ: في الكثير من البلدان في العالم، وليس فقط في العالم العربي، ازدهرت فنون معيّنة أو خرجت من رحم المآسي، من رحم الحروب</p> <p>أندريه الحاج: لم أجد أنّه صار هذا في الموسيقى. لكننا رأينا، ليس أنها تطوّرت بل رأينا أعمالاً On Line إذا أردت لكنّها بقيت إلى حدٍّ معيّن ثم انطفأت. إذا لم يكن ثمة تفاعل بينك وبين الجمهور سواء في المسرح أو في أيّ شيء، كأن تقول شعراً مثلاً On line، هذا يختلف عن أن يكون هناك مَن يتفاعل معك</p> <p>زاهي وهبي: ربما ما قلته ينطبق أكثر على الشِعر وعلى الرواية. لكن في زمن الحرب في (لبنان) مثلاً، إذا شاهدت مسرح "زياد الرحباني"، كان مُعظمه في الحرب. "الحكواتي" "روجيه عسّاف"، مُعظمه في الحرب&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: مئة في المئة. لكن الأزمة الآن أصعب وتختلف عن الحرب&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: طبعاً</p> <p>أندريه الحاج: في الحرب كان ثمّة قضيّة</p> <p>زاهي وهبي: كان هناك أمل ربما وقناعات معينة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: تماماً. الآن الأمور موصَدة في مكانٍ معيّن، نحن لسنا في حرب تقليديّة نحن في حرب فعليّة لكنها ليست بالسلاح&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ربما رغم الحرب كان في مقدور الناس شراء بطاقة والذهاب لمشاهدة مسرحيّة</p> <p>أندريه الحاج: ما تبيّن لنا هو أنّ هذا الأساس في حياة الإنسان. لا "كورونا" أثَّرَت في مكان والدليل أنّ (أوروبا) كلّها والعالم كلّه انتهوا من "كورونا" وتخطّوها، أمّا نحن هنا في حال مختلفة، لم نستنظرها ولم نحسب لها حساباً وهذا ما يؤلِم الناس أكثر&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لأنّ الإنتاج الموسيقي يحتاج إلى تمويل&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: طبعاً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ما تأثير هذه الأزمة على الأوركسترا التي تقودها حضرتك؟ "الأوركسترا الوطنيّة اللبنانيّة للموسيقى الشرق عربيّة". سنتحدّث بعد قليل عن التسمية&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: نفس الألم الذي يعانيه أيّ موظّف في أيّ مكان أو أيّ فنان في أيّ مكان. لهذا كنت أتابع الأمور منذ بداية الأزمة وعلى أمل أن تُفرَج، واصبروا، وحاولوا. حاولنا أن نأخذ الأوركسترا في أقسام وأن نعمل في أشياء خاصة في مكانٍ ما لأنّ كله ألم كبير ولأنّ الأزمة حدثت فجأة على الكلّ. أعضاء الأوركسترا ليسوا فقط أصدقاء بل نحن أهل صرنا مع بعضنا منذ عشرين سنة وينطبق علينا ما ينطبق على كل الناس، نفس الألم والسكوت في مكان من الأماكن، والثورة في مكان من الأماكن&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: أنا أشعر أنّ الموسيقي لكي يعزف ويؤلِّف ويُلحِّن يحتاج إلى مزاجٍ معيّن، يحتاج إلى مناخٍ مُختلف&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أُستاذ "زاهي"، ممكن أن يجعلك الألم تكتب الشعر، يجعلك تؤلِّف موسيقى لكن الخنق المادّي يبدو أنّه يأخذك إلى مكانٍ آخر. لكن أعود وأقول لك، الحرب تأخذك إلى مكانٍ آخر لكي يؤلِّف المرء موسيقى. &nbsp;أنا في عزّ الأوجاع التي مررنا بها كنت أؤلِّف لكن هذا الألم المادي الاقتصادي يوقف دماغ الإنسان كله والإنسان يريد أن يستمر في مكانٍ من الأماكن&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: طبعاً، لأنّ همّك يكون تأمين لقمة العيش&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: تماماً، وخاصةً المُتزوِّج ربما أكثر بقليل من العازب. لهذا السبب تتوقّف أمور التأليف وتتوقّف الدنيا&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: قبل أن نتابع الحوار دعنا نذهب برفقتك ورفقة زميلتنا "غادة صالِح" لنسمعك ونشاهدك في الهواء الطلق ثمّ نعود&nbsp;</p> <p>قطع وصل- أندريه الحاج:&nbsp;</p> <p>- أقول لأولادي اليوم في هذا الزمن وفي الزمن الذي كان قبله لأنها نفس الأزمة، عندما تريد أن تشتغل لا تنظر إلى الوراء، تمتّع بالنقد واستفد منه. لا تكذب ولا توشي، مَن يكذب ومَن يوشي يفعل كلّ شيء &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>- عندي ولدان "ألكسندر" و"ميكائيل"، 27 و22 سنة. أخذا من أمهما، أمّهما صوتها جميل أيضاً وتُحبّ الموسيقى. تحب الموسيقي وتقدِّر الموسيقى كثيراً وكانت تلميذة عندي</p> <p>غادة صالح: أحببت تلميذتك</p> <p>- هي أحبّتني، أحببنا بعضنا البعض</p> <p>- نشأت في عائلة كلّ أفرادها يغنّون، كلها موسيقى، أمّي وخالاتي. بقيت حتى عمر السبع عشرة سنة أظنّ أنّ كل الناس يُغنّون وأصواتهم حلوة وعندهم أُذُن موسيقية. ساعدني الحظّ أنني كنت أتمرّن تحت قيادة الدكتور "وليد غلميّة"، وأخذني الظرف في عام 2011 من هناك إلى هذا المكان&nbsp;</p> <p>- أحلى لحظات عشناها مع الدكتور "وليد غلميّة"، أحلى أيام منذ سنة 2000 عند تأسيس الأوركسترا لغاية سنة 2010 وأيضاً2011 بعد غيابه لأنه كان يتمتّع بالنُكتة. كنّا نمضي الوقت في الموسيقى صحيح ولكن الموسيقي تحتاج إلى مزاحٍ أحياناً والقليل من الفرح. كانت عندنا سعادة كبيرة في وجوده معنا</p> <p>- عندما كنت تلميذ موسيقى كنت أسأل أسئلة كثيرة في الموسيقى لأنني كنت قد اشتغلت فيها، وعندما علّمت في الآلة كنت أستمتع في التلميذ الذي كان يعرف الموسيقى بالسمع. أسهل بكثير علينا أن يكون يعرِف الموسيقى بالسمع لأنه يصير يسأل كثيراً، وفي نفس الوقت أسهل أن أُعلّمه النوتة، النوتة أسهل بكثير من السمع&nbsp;</p> <p>- التعليم يحتاج إلى موهبة في الدرجة الأولى وأنا كنت أحبّ كثيراً التعليم لأنني أُحب أن أعطي&nbsp;</p> <p>- الرياضة ممتازة للفرح. توجد غدّة إسمها أندورفين لا تفرز عند الإنسان سوى في الرياضة والآن أنا متعلِّق بالدرّاجة الهوائيّة. نحن مجموعة كبيرة وعندنا فريق إسمه Free Cycling Team لمَن يرغب في الدخول لعندنا ويتمتّع في لبنان كلّه. ما زلت كما بدأت على الدراجة الهوائيّة عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، ما زلت في نفس المكان لكن عليّ أن أنتبه، لا يمكن للأمور أن تستمرّ على هذا النحو لأنّني أكبر، عليّ أن أنتبه من الوقوع&nbsp;</p> <p>- لا يمرّ نهار عليّ من دون موسيقى، مستحيل، إمّا أريد أن ألعب موسيقى أو أُريد أن أسمع، مستحيل. أحلى موسيقى أسمعها في السكوت، الموسيقى فيها الكثير من السكوت، والسكوت في الموسيقى ليس سكوتاً وهو ليس نوتة فارِغة بل نوتة مليئة. السكوت مهم جدّاً في الموسيقى مثلما هو مهمّ في الحياة</p> <p>زاهي وهبي: فعلاً الصمت هو لغة، مَن لا يُجيد الإصغاء للصمت من الصعب أن يُصغي ربّما إلى أيّ شيء آخر</p> <p>أندريه الحاج: تماماً، مئة في المئة. والصمت ممكن أن يكون قليلاً وتكون الموسيقى أكثر بكثير لكن هامش الصمت يكون بحجم الموسيقى كلّها، لكن الأهمّ أن تعرف أيمتى توقيت هذا الصمت&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: كم يلهمك الصمت أو السكون أو السكوت؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: يخيفني&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: يخيفك&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: مرّة كنت في أحد الأديرة البعيدة، قلت لشاب صديقي: هل تسمع؟ قال لي: أسمع ماذا؟ قلت له: لا شيء. لم نعتد على اللا شيء، حتى في المُدن عندنا لا يوجد تلوّث للنظر فقط بل تلوّث للسمع &nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: طوال الوقت هدير موتورات السيارات والآن هدير موتورات توليد الطاقة، ضجيج لا مثيل له. "قائد الأوركسترا الوطنيّة اللبنانيّة للموسيقى الشرق عربيّة"، لماذا الشرق عربيّة؟ &nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا سمعت هذا الإسم من الدكتور "غلميّة" عندما &nbsp;&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: الله يرحمه وتأخذ عُمره</p> <p>أندريه الحاج: عندما تأسّست الأوركسترا وكانت الحفلة الأولى في "قصر اليونيسكو" في تمّوز/ يوليو عام 2000، كنت أسمع ما يقوله. وجد أنّ الشرق ممكن أن يكون الشرق الأدنى، ممكن أن يكون (تايوان) وهناك لا يتحدّثون بالعربيّة لكنّه شرق. في الناحية الشرقيّة الأُخرى عندك (مصر) الموجودة في (أفريقيا) ويتحدّثون بالعربيّة. فكانت الفكرة أنّها موسيقى شرقيّة لكنها عربيّة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: يعني الشرق العربي حصراً&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: نعم</p> <p>زاهي وهبي: كي لا تأخذ</p> <p>أندريه الحاج: بمعنى موسيقى لكلّ ما هو في الشرق ويتكلّم العربيّة إذا أردت&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: قبل أن نتحدّث أكثر عن عملك مع الأوركسترا الوطنيّة، حضرتك في الوقت نفسه قائد فخري للأوركسترا الكوريّة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا في الحياة أُستاذ "زاهي" ألحق قدري. صدفة، أحد قائدي الأوركسترا في العالم أو بالأحرى في (كوريا) وعنده أوركسترا كبيرة وهو مدير فنّي أرسل لي عبر المسنجر على "الفيس بوك" وطلب منّي قائلاً: "نريدك أن تكون قائِداً فخرياً للأوركسترا"، وأرسل لي عنوان موقعهم على الإنترنت. في البداية لم أفهم الموضوع كثيراً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: استغربت&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أجل استغربت. لأؤكِّد له أرسلت إليه في اليوم التالي رسالة وقلت فيها: أنا قلت لك أنني قائِد أوركسترا عربي ولست كلاسيكياً. قال لي: "أعرف ذلك، نعرف تماماً وشاهدنا صفحتك على الفيسبوك". هذا ما حدث، واكتشفت أنّ هناك ثلاثة قادة أوركسترا من البلدان العربية، مايسترو "ميساك" الذي يُدير أوركسترا كلاسيكية في (سوريا)، ومن (مصر) أعتذر عن ذِكر الإسم. نحن الثلاثة أخذونا وأنا أعتبر أنّه حظّ كبير أن ينتقيني بصراحة في هذا المكان</p> <p>زاهي وهبي: ماذا ستفعلون مع الأوركسترا الكوريّة؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: حسب ما قال، ثمة مؤتمر صحفي ونحن سنتوجّه إلى كوريا في آخر عام 2023 وكلّ مايسترو سينفِّذ الموسيقى التي تشبه بلده. هذا ملعبي، أن ألعب أوركسترا كلاسيكية في برنامج لبناني، هذا ما نفّذته ودائماً أحمله معي، أعني هذا وجعي عندما استلمت قيادة الأوركسترا. من اللازم، هذه رسالتنا، أن نحمل تراثنا الذي تعبوا فيه مَن سبقونا الذين بدأوا في الخمسينات والستينات وصعوداً، من اللازم أن نحمل هذا الإرث&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ربما هنا من المهم أن نقول كم تمثِّل الموسيقى الهويّة الوطنيّة للشعوب وللبلدان</p> <p>أندريه الحاج: أُستاذ "زاهي"، هذا ضروري. عندما غزا "منير بشير" العالم الأوروبي لم يغزه&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: عازف العود الشهير العراقي&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لم يعزف موسيقى "باخ" عندهم ولا "موزارت"، عزف المقامات العراقيّة. من هنا أنا أخذت الفكرة وأخذتها أكثر من المصريين. كلّ سنة كنت أُدعا إلى "دار الأوبرا"، أو كلّ سنة بعد سنة، وأرى أنّ هناك دائماً "عبد الوهاب" و"عبد الحليم" و "أمّ كلثوم"، فنظرت في الموضوع وتساءلت، لماذا لا نكون نحن وطنيين؟ استخدمت كلمة أقسى عندما ذهبت إلى هناك وأوضحت لهم ما هي وقلت: نحن نتمثّل بكم. عندنا هنا "الأخوين رحباني"، عندنا الأُستاذ "وديع"، عندنا "إيلي شويري"، عندنا "توفيق الباشا" واللائحة لا تنتهي، فلماذا لا أمثلّ أنا هؤلاء الناس؟ لأجل هذا ذهبت إلى (مصر) وقدّمت برنامجاً مع "كارلا رميا"، شعراً لحناً وتوزيعاً لبنانياً</p> <p>زاهي وهبي: وهذا اليوم وفي هذا الظرف بالذات يشعر به اللبنانيّون متنفّساً، أن يُقدِّم اللبنانيون شيئاً يحتوي على أمل وروح وبشارة بأننا سوف ننهض من الأزمات&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا مع (لبنان) الوطن وليس (لبنان) الدولة، أعني مؤسّسات. أنا أرى "جبران خليل جبران" وأرى "سعيد عقل"، وأرى كبارنا وأرى "الرحابنة"، هذا هو (لبنان) بالنسبة لي. أنظر ما يحدُث الآن، أُنظر إلى المنتخب اللبناني، أنظر إلى فرقة "ميّاس" ماذا تفعل&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: أيضاً حضرتك قدت الأوركسترا السوريّة وأيضاً الأوركسترا الإيرانيّة في تحيّة لـ (بيروت). سؤالي هو، كم مهمّ هذا التلاقُح الموسيقي والإبداعي بين الأوركسترات وموسيقيين من بلدان صحيح أنّها في هذا الشرق ولكن كل بلد له خصوصيّته، كل موسيقي له خصوصيّته</p> <p>أندريه الحاج: متعة هو اللقاء مع الأوركسترا ومع أعضاء الأوركسترا. في عام 2014 كنت آخذ كل شيء تنظيمي في أوركسترا كلاسيكيّة وأُحاول أن أخدم الأوركسترا العربية فيه. إحدى هذه الخدمات كانت استضافة قادة أوركسترا من الخارِج. لماذا نحضِر من (بولندا) قادة موسيقى كلاسيكية ومن (رومانيا)؟ قلت لماذا لا نُحضِر من الدول العربية؟ وأقرب دولة لنا كانت (سوريا) وأول استضافة كانت للمايسترو "عدنان فتح الله" سنة 2014 و2015 و2016، لأربع سنوات استضفناه، بعد ذلك كنت أُدعا ولم أكن أُلبّي الدعوات. لبّيت الدعوة سنة 2018 في برنامج أيضاً مع "كارلا رميا" والسنة التالية ظهرنا في برنامج آخر مع "سميّة بعلبكي"، والسنة الثالثة في برنامج لبناني مع الكورال السوري. أجمل شيء أن يكون هذا التلاقي مع الأوركسترات، صاروا يعرفونك وصرت تعرفهم، يعرفون ثقافتك. السوريون يعرفوننا أكثر من غيرهم&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: يحفظون أغنيات "فيروز" و"الرحابنة" و"وديع الصافي" أكثر مما نحن نحفظها&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: ويعتبرونها لهم. سأُخبرك عن (طهران) لكن قبل ذلك، جاءني حظّ أيضاً في أن أُدير أوركسترا (سلطنة عُمان) في دار الأوبرا&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: في دار الأوبرا السلطانيّة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: كنت أوّل قائِد أوركسترا عربي يُدير الأوركسترا في برنامج عربي. أوركسترا كلاسيكية، أعني لا أحد يديرها. كنت أوّل شخص يُديرها وكانت السيّدة "جاهدة وهبي" أوّل مطربة تُغنّي على المسرح مع الأوركسترا الكلاسيكية في برنامج عربي</p> <p>زاهي وهبي: حلو &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: اشتركنا في التوزيع مع عدد من الموزّعين وقدّمنا حفلة، وجاءني حظّ أكثر بعد ثلاثة أشهر أيضاً. اتصلوا بي من (عُمان)، من دار الأوبرا، وقالوا لي: نريدك أن تكون مع الأستاذ "نصير شمّا" في برنامج أيضاً مع الأوركسترا&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: كم هي جميلة دار الأوبرا العُمانيّة؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أوه، حلوة فعلاً</p> <p>زاهي وهبي: جميلة جداً. تسنّى لي أن أزورها أكثر من مرّة. عندما تقول أوركسترا كلاسيكيّة في برنامج عربي، أي تتحدّث عن أوركسترا تعزف غربي في العادة؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: تماماً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: هذا هو المقصود بالكلاسيكية&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: النوتة الربع أو النوتة العربيّة لا يعرفونها</p> <p>زاهي وهبي: ولا يعرفون الربع صوت&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: ولكن العُمانيّين عرب ويتحدّثون العربيّة</p> <p>زاهي وهبي: طبعاً</p> <p>أندريه الحاج: لكنّهم متمرّنون على&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: برنامج غربي&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أجل. طبعاً هذا غير موجود في (مصر)، في (مصر) أيضاً جوّ رائع، وغير موجود في (سوريا). أمّا في (طهران) فيختلف الموضوع. في (طهران) كان&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: كان معك سبعون عازفاً في قيادتك&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: كذا صديق كان يقول لي: إلى أين أنت ذاهب في هذه الأزمة؟&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لأنّ هناك صورة معيّنة عن (طهران)</p> <p>أندريه الحاج: قلت له: "شوف، أناس طرقوا بابي ومن المستحيل ألّا أفتح الباب، ومن دون أي مقابل. لكني طلبت منهم أن أرى الـ Score، لربما الـ Score خارِج عن دراستي". وجدت أنّ الأمور بسيطة والأغنية كانت عن (بيروت) وتنفّذت في ستّة أيّام. من أجمل الأوركسترات التي يُمكن أن تسمعها في مدرسة معروفة أنها مدرسة للكمنجات، عنده مدرسة فرنسيّة. أنا صراحةً تفاجأت عند سماعي أوركسترا مثل هذه، هناك لا تتحدّث مع عرب، ويكون عندك متعة اللقاء</p> <p>زاهي وهبي: تجد أنّ أداء الموسيقى لغة كونيّة عابرة للحدود والحواجز. هل يستطيع الفنّ أُستاذ "أندريه الحاج" أن يبني أو أن يُرمّم ما تخرّبه السياسات والمصالِح؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لا يبني سوى الفنّ والرياضة، هكذا أرى في هذه الأزمة التي نمرّ بها. أعتقد أنّ الفنّ هو أكبر بنّاء، الفنون والرياضة هي التي تبني هذه الأمور والدليل أن أوركسترا (طهران) أتت إلى هنا إلى (بيروت) بمناسبة الأُسبوع الثقافي الإيراني، وهذا كان يحدُث مع السوريين وهذا صار مع المصريين. أنا دعيت عازفين من (مصر) ومن (تونس) حينما لا شيء كان يحدُث. ولا أجمل من هذا الذي يحدث، إنسَ السياسة، هنا يُحدث فنّ ويُصبح عندك منتخب لبناني&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: صار لي فرصة رؤيتك وسماعك مع "محمد مُحسن" صديقنا الفنان المصري الجميل&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: صحيح&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: نحن نتحدّث عن أوركسترا ونتحدّث عن موسيقى ونتحدّث عن حفلات فيها عزف موسيقي وفيها غناء في نفس الوقت. سؤالي هو، هل باتت الأُذُن العربيّة اليوم أكثر تصالحاً مع فكرة سماع الموسيقى من دون كلام؟ أعني ليس من الضرورة أن تكون الموسيقى مصحوبة بغناء؟ أم ما زلنا نستسيغ الموسيقى أكثر مع الغناء؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أُستاذ "زاهي"، هذا السؤال من أجمل الأسئِلة التي تُطرح&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: تفكِّر ربّما في هذه النُقطة كموسيقي&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لم نستطع تنفيذها، العالم العربي يُحب الكلام. هذا كان ألم "وليد غلميّة"، أساس الأوركسترا التي أسّسها أنّه يريد أن يُسمِع الناس الأوركسترا العربيّة. من أجل هذا كنت أقول إنّ أُستاذ " إلياس الرحباني" اتصل بي وقال لي معاتباً: كيف تقول بأنه لا يوجد موسيقى؟ فقلت له: يا أُستاذ "إلياس"، أنا أعلم أنّ عند حضرتك موسيقى لكنّي أقصد، لو في الستّينيّات أو عندما بدأت هذه النهضة فكّر كبارنا الذين سبقونا أن يقيموا مسرحاً موسيقياً مرّة واحدة في الشهر ليعوّدوا الناس على سماع موسيقى فقط، وكانوا قادرين، لكنهم للأسف لم يستطيعوا ذلك. إذا أُخبرك كم عند الأُستاذ "زكي ناصيف" أغان، عنده قطعة موسيقية واحدة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لماذا الأُغنية الغربيّة اعتادت على الموسيقى من دون غناء؟ نشاهد حفلات موسيقيّة ضخمة في (أوروبا) وفي أماكن أُخرى، عندنا تحدث هكذا حفلات ولكن&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: نحن حاربنا بالكلمة، لا تنسى أربعمائة سنة حكم عثماني، أنا أعتقد حاربناهم بالزجل. أعني كانت الكلمة أقوى في ذاك الوقت ربما، أقول لك ربما. لكن لماذا يُحب الأوربيون الموسيقى منفردة أكثر؟ ربما لأنّ الموسيقى تخدم الرقص عندهم وتخدم أشياء كثيرة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: وعندهم إرث، تراكُم عبر السنوات والقرون&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لكن أنا أعود وأؤكِّد على ما أقوله، لو سبقونا منذ أربعين أو خمسين سنة وجعلوا الناس يعتادون على سماع الموسيقى منفردة لكانوا أحبّوا كثيراً الموسيقى منفردة. أعني، هل هناك أحلى من "زياد الرحباني" ليؤلِّف موسيقى وأن يسمع الناس موسيقى فقط؟ حتى "الرحابنة" عندهم الكثير من المُقدِّمات الموسيقيّة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: طبعاً هناك استثناءات، أكيد هناك أناس كُثر يسمعون موسيقى منفردة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا أتحدّث عن تأليف موسيقي كامل، أن تشاهَد وتسمع قطعة موسيقية كاملة لمدة نصف ساعة أو 45 دقيقة، هذا غير موجود&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: هنا نتحدّث بمعنى الجمهور العريض الواسع&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: صحيح&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: أكيد هناك أناس كُثر يسمعون موسيقى ويشترون ألبومات ويذهبون لمشاهدة حفلات وكلّنا أكيد مُشاركين في حفلات موسيقيّة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لكن لا يزال الوزن الكلامي أكثر بكثير&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ربما لأنّ الأُذن العربيّة معتادة على الشِعر وعلى الزجل&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: نحتاج إلى الكثير من الوقت لنصل إلى ما وصل إليه الغرب</p> <p>زاهي وهبي: دعنا نتحدّث قليلاً عن المايسترو. حضرتك المايسترو "أندريه الحاج"، ما عمل المايسترو؟ نحن كمُتفرّجين ومُستمعين نراه يقف ويعطي إشارات بيديه، مسألة سهلة، تبدو القصة سهلة وهو يشير بيديه&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هو معه نصّ مكتوب، هو مُخرِج، لكن كيف يظهره إلى الناس؟ دور المايسترو، دور قائِد الأوركسترا هو في إيصال المعلومة. كيف يرى الأمور وكيف يرى هذا النصّ أمامه وكيف يوزِّع الأدوار وكيف يُحدِث توازناً. سأختصر مهام المايسترو لكيلا أعقّدها أمام الناس، 80 % من دوره في التمارين&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: قبل الحفل وقبل أن تُعزَف الموسيقى إلى الجمهور &nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: تجد حضوره في التمارين عادياً. ربما يجلس على كرسي، ولكن عند العرض على المسرح يصبح دوره 80 % أما عند التمارين يكون دوره للعرض 20 % ودوره في التمارين 80 %. على المسرح من حقه أثناء أدارته للأوركسترا أن يقدِّم الـ Show الموجود عنده. ولكن طبعاً، يدي اليُسرى تكون تقوم بشيء ولو هم لا يرونه. أعني إذا كنت أقف هكذا أرى ما يحدُث هناك والموسيقيون ينظرون لكنّهم يعرِفون النصّ والنوتة أمامهم&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: حتى لو لم تُشِر إليهم بيديك، هل يعرفون؟</p> <p>أندريه الحاج: يعرفون نعم، التفاصيل أمامهم، ولكن على المسرح أكون أنا المُحفِّز&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: أعني، يعرفون أنّ الآن مثلاً الوتريّات والآن آلات النفخ والآن الإيقاع أسرع والآن هذه الآلات تعزف نوتات أعلى وتلك تعزف نوتات منخفضة</p> <p>أندريه الحاج: طبعاً، لكن دور المايسترو أيضاً أن يقول للعازف ويُنبّهه إلى أنّ الآن دوره في العزف، هذه الأمور دقيقة جداً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: تشاهد أحياناً نماذج من قادة الأوركسترا في العالم، منهم من يكونوا هادئين ويقودون الأوركسترا بسلاسة، ومنهم من تكون حركة جسمه وشعره تشعرك بأنّه يعيش الموسيقى. هل هذا Show؟ &nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هذا جزء من الـ Show&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: جزء من الـ Show</p> <p>أندريه الحاج: هذا حقّه&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: في إمكانه ألّا يقوم بهذا، لا تتغيّر أشياء كثيرة إذا&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لا لا، هذا حقّه في الـ Show. انتبه، أنا أتحدّث عن نفسي، أحياناً لا أعود أعرِف ماذا يحدُث على المسرح. أحياناً تدخل الموسيقى بأكملها لعندي ولا أعود أشعر، لا يُمكنني أن أُفسِّر لك الموضوع، ولكن هذا أكيد جزء من الـ Show وهذا حق المايسترو. من أجل هذا عندما تشاهد أيّ عرض يلفت نظرك هذا الشيء لكنه يكون يلعب نفس القطعة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: صحيح&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هذه الأمر يُشبه إلقاء الشِعر&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: نعم، كلّ شاعر عنده طريقته في الإلقاء&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: الكاريزما في الإلقاء، الكاريزما في الوقوف على المسرح ليقود الأوركسترا، هذا يؤثِّر في الناس، وهذا يقرّب الناس من الأوركسترا ويقرّب الأوركسترا من الناس&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: أستاذ "أندريه"، حُكماً المايسترو موسيقي، ولكن هل بالضرورة أن يكون عازفاً على آلة معيّنة أو مؤلِّفاً موسيقياً أو كلاهما معاً؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: كنت في (عُمان)، وأخذوني إلى مكان حيث كان يجلس عازفو الكمنجات فقالت لي المضيفة: "خيّ"، فقلت لها "خير؟"، قالت: "سررنا لأنك تعزف الكمان"، وأنا أكتب كلّ التفاصيل في سيرتي المهنيّة، فقلت لها: "لماذا؟"، قالت: " لأنّ أحياناً يأتينا عازفون يعزفون إيقاع أو آلات نحاسيّة، وهذه آلات صعبة ودقيقة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لأنه ربما لا يفهم الآلة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هو يفهمها لكن ثقله يكون في غير مكان. أنا أعرِف لعبة الآلة في الكمان وأشعر معه، أعرِف أين تمرّن. أسوأ شيء عند الموسيقي أن تظل تعيد له، لا، أُصب له الجرح، هذا هو الصحيح، قل له هنا الضعف ثم أكمِل، في النهاية يأخذ مكانه بين العازفين. قيمته في العزف لا تسمح له أن يُخطئ، ولو أخطأ في التمرين، لا تسمح له أن يُخطئ في الحفل، يكون مركِّزاً بنسبة 90 إلى 95 % على النوتة</p> <p>زاهي وهبي: إسمح لنا أُستاذ "أندريه الحاج" أن نتوقّف للحظات مع استراحة سريعة ثمّ نتابع "بيت القصيد"&nbsp;</p> <p>المحور الثاني&nbsp;</p> <p>تكملة قطع وصل - أندريه الحاج:</p> <p>"الأوركسترا الوطنيّة اللبنانيّة للموسيقى الشرق عربيّة" هي الرسالة التي يجب أن تحملها الدولة ونجول فيها باسم (لبنان)، بالنسبة لي هي حياتي كلّها الآن. لا أحب أن أكون واعظاً، أنا اشتغل الشغل الذي أُحبّه والناس أحبّوا هذا الشغل، علينا أن نذهب بأنفسنا عند الناس لأنّه من اللازم أن نشتغل شغلنا وربما الناس ذاهبون إلى غير مكان. أنا لست كثيراً مع مقولة أنّ "الجمهور عايز كدة" لأنّ نفس الناس الذين يُشاهدوننا يشاهدون الفنانين الموجودين في المهرجان أو في غير المهرجان، الجمهور نفسه الذي يسمع السيّدة "فيروز" يسمعنا أيضاً وعليكِ أن تضعي الناس في المكان الصحّ وعلينا أن نقوم بدورنا الأكاديمي الصحّ في هذا المكان ونُضيء على الرسالة الموجودة عندنا. أستاذ "وديع الصافي" و"الرحابنة" وكلّ كبارنا يجب أن نحملهم كشعلة ونجول بهم في العالم العربي وأينما كان لأنّهم ضحّوا من أجل (لبنان). من أجل هذا عندما أخرُج من البلد لا يعود إسمي "أندريه الحاج"، أحس أنّني أمثِّل بلدي. مجرّد إسمي "أندريه الحاج" يُمثِّل هذا العلَم وهذا الوطن، وهذا شعور جميل جداً &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: انطلاقاً مما تفضّلت به مايسترو، عندما تقدِّم الأوركسترا أعمال هؤلاء الكبار، كم أنتم في الوقت نفسه تقرِّبونهم للأجيال التي لم تعاصرهم ولم تعش معهم في حياتهم، وكم هذا تكريم لهؤلاء الكبار وحفاظ على إرثهم الإبداعي؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: من هنا انطلقت في عام 2011 في تسمية هذا التقديم "تحيّة". لم أسمح لنفسي في أيّ وقت أن أقول إنّ هذا التقديم هو تكريم، وهل أنا سأُكرِّم أُستاذ "وديع الصافي" أو أُستاذ "توفيق الباشا"؟&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: نحن نتكرّم بهم&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: طبعاً. أنا كنت أقول تحيّة، تحيّة لذِكراهم ولهم ولإرثهم الذي يجب أن نحمله نحن. هم تعبوا كثيراً في زمنٍ ماضٍ لكي يحمّلوننا هذه الشعلة ويجب أن نُكمِل في حمل هذه الشعلة. عندما قدّمت الأُستاذ "توفيق الباشا" عند أوّل دخولي إلى دار الأوبرا المصريّة، كانت "مقدّمة" له، لا يسعني أن أُخبرك كم كان العرض جميلاً. القطعة إسمها "رقصة الفُرسان"، الإيقاع العربي اللبناني مع الموسيقى الفولكلوريّة، ولا أروع من هذا. أنا سررت وصرت أطير عن الأرض، لأنني كما قلت لا يعود إسمي "أندريه " في هذا المكان كنت أحسّ أنّني أُمثِّل (لبنان)&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ما هي الحال التي تعيشها عندما تقود هذه الأوركسترا؟ مثل جنرال يقود جيشاً؟</p> <p>أندريه الحاج: ربما، لكن هناك فرح طبعاً وحذر وانتباه وتركيز. الفرح والسعادة يحدثان &nbsp;جرّاء ما نسمعه قليلاً من الناس. في إمكاني أن أحسّ بالناس وتفاعلهم مع الموسيقى بحيث أقرّر أيمتى نتوقّف وأيمتى نخفّف، وتصفيق الناس في النهاية يساعدنا ويعطينا دفعاً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: هل تشعر بتفاعل الجمهور قبل التصفيق؟ أثناء عزف المقطوعة هل تحسّ بأنّ الجمهور يُصغي أو يتململ أو مسرور أو إلى آخره؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أحسّ بوقع الحفلة، أقول لهم وأنا في (لبنان)، أرسلوا لي صورة عن المسرح. أنا أُركِّب برنامجي حسب المسرح وأشعر بالجمهور وكأنّه يجلس في الصالة. يعرفونني، أضع البرنامج وأنا هنا في (لبنان). أعود وأقول لك، في (مصر) كنّا نعرِف مُسبقاً كيف سيكون وقع الحفل، كنت أقول لـ "كارلا": سيكون الوَقْع هكذا". في (سوريا) الشيء نفسه، أينما كنّا وأينما نكون، حتى في (عُمان) عندما قلت لمدام "جاهدة": "أنا منذ الآن أحسست كيف سيكون الحفل"، في إمكاني الإحساس بوَقْع الحفل مُسبقاً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: قبل أن يحدث، أثناء التحضير له&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: قبل أن يحدُث. الورق الموجود بين أيدينا كنوتة والبرنامج يُظهر كيف سيكون الحفل&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: هل تتمنّى أحياناً أثناء قيادة الأوركسترا، كعازف عود أسألك وحضرتك درست ودرّست آلة العود، هل أثناء قيادتك للأوركسترا تتمنّى لو أنّك عازف مع الأوركسترا وليس فقط قائِدها؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا عزفت منذ سنة 2000 إلى سنة 2009 أو 2010 تحت قيادة الدكتور "غلميّة" وكانت متعة عندي. أنا دائماً أقول بأنني ألحق قدري وقدري عرّفني على الدكتور "غلمية". عندما يفتح باب القدر ألحقه ولا أحيد عنه بل ألحقه، نفس الشيء صار في القيادة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: هل هذا القدر يقودك في شكلٍ صحيح لحدّ اليوم؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: الآن لا مجال لنحكي، إذا أُخبرك، عندما كنت صغيراً كيف كانت تسير الأمور عندي، كيف تعرّفت على الكمنجة بالصدفة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: أنا أعرِف أنّ والدتك صوتها حلو وقلت حضرك ذلك&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: وتعزف على الأوكارديون</p> <p>زاهي وهبي: وخالاتك أصواتهن حلوة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: وهذا ما جعلني أنتقل إلى تعلُّم الموسيقى، أنا الوحيد في البيت الذي درست الموسيقى ونحن عائلة من سبعة أشخاص، ثلاث بنات وأربعة شباب لكن كلّهم يغنّون. عندما كنت في السابعة عشرة وكنت في المدرسة كنت أظنّ أنّ كلّ الناس يغنّون وكلّهم يسمعون، لكنّي وجدت شيئاً مُختلفاً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ألم ترِث الصوت الحلو؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: طبعاً، عندي صوت&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ألم تفكّر في الغناء مثلاً؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: ربما في عُمر الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة فكّرت، لكنّي وجدت أنني ربما فشلت أو كان أسهل لي دراسة الموسيقى ومكاني هنا. أعود وأقول لك، القدر يأخذك. أُستاذ "فؤاد عوّاد" في مرّة كنت أنهي دراستي عنده في آلة العود قال لي: "يا أندريه، ما رأيك أن تأتي بكمنجة وتتعلّم عليها أيضاً"؟ هذه الكلمات ضلّت في فكري إلى أن صدفةً جاء الكمان إلى يدي ودرست الكمان. أنا أحبّ الكمان كثيراً، آلة الكمان مثل شخص كان يحب حبيبة وهي العود لكن حبّه الأول كان الكمان. أنا درست العود بناء على طلب والدتي&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: تعني مثل شخص أحبّ الكمان لكنه تزوّج العود دعنا نقول &nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: تماماً. الوالدة كانت تحب كثيراً عود "فريد الأطرش"، وفي البيت "فريد الأطرش" و"فريد غصن" أُستاذه</p> <p>زاهي وهبي: هل تأثّرت بالمدرسة العراقيّة أكثر من غيرها؟ حضرتك تعتبرها أهمّ مدرسة في العود&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هي على الأرض أهم مدرسة لأنها بدأت في الموسيقى. العود عندنا في (لبنان) عود مصري، أي عود غنائي. لكن "كميل بشير" كسر هذا الشيء، "محيي الدين الشريف" كسر هذا الشيء وأرانا Concertos، أرانا تأليفاً مثل الكمان، من هنا أنا أقول: عندنا ثلاث مدارس، مدرسة مصريّة ومدرسة عراقيّة وعندنا مدرسة تركيّة أخذت من كلّ هذه المدارس</p> <p>زاهي وهبي: هل يمكننا أن نتحدّث عن مدرسة لبنانيّة في العود مع مثلاً "مارسيل خليفة" و"جدل"؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا كنت في "جدل"، كنت رباعي عود. تجربة عظيمة لكن أنا أقول بأنه مع الوقت&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: إلى جانب "شربل روحانا" الذي كتب كتاباً لاحقاً عن العود كمنهج&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أكيد، وأنا نفّذت مع أصدقاء أيضاً "منهج العود"، في سنة 2009 نفّذنا منهجين. العود عندنا مدرسة مصريّة. أمّا تجربة الأُستاذ "مارسيل"، لأنّ الأُستاذ "مارسيل" يُحبّ الموسيقى، لهذا عنده مقدّمات موسيقية كثيرة. كلّ المؤلّفين الذين كتبوا أغانٍ يحبّون الموسيقى لكنّهم لم يتمكّنوا من تنفيذ منهج. "مارسيل" بقيَ حتى فترة أخيرة من حياته يفكِّر في تأليف موسيقى، لكن كيف اعتاد عليه الناس؟ اعتادوا عليه في الغناء وهذا لا يمنعه من أن يقوم بتجارب</p> <p>زاهي وهبي: لكنّه مؤلِّف موسيقي تُعزَف موسيقاه في أهمّ الأوركسترات في العالم&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أكيد لأنه لا يزال حياً، ليس بمعنى على قيد الحياة، بل لا يزال يُنتِج ولا يزال موجوداً على الأرض، وتجربة الأعواد الأربعة كانت رائِدة في (لبنان) في ذلك الوقت، لكنّها جُرِّبت في (العراق)، جُرِّبت على كذا عود. هذه الآلة بالذات تكتشف مع الوقت أنها ليست بحاجة لأن تُعزف مجتمعة، ليست أكورديون أو غيتاراً أو كماناً، كلّما جمعت الكمنجات حول بعضها تجد أن الصوت صار أكثر جمالاً، أما العود فجمعه مع عدّة أعواد يُعذِّب. لهذا دور العود أكثر أن يكون سولو، أي منفرداً، أو ديو، أي عودين&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: نعم. مَن هم أحبّ عازفي العود لنفسك؟ أو العازفين الذين تأثّرت بهم&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: عندما نشأنا في (لبنان) كان "مارسيل خليفة" و"شربل روحانا"، فتأثّرنا من دون أن ندري. لكن فجأةً جاء "سيمون شاهين"&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: الفنان الفلسطيني القدير&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: ووجدنا مدرسة جميلة جداً في العود تختلف عن المدارس التي نعرفها. وفجأة جاء "نصير شمّا" وفتحت قصة "يوتيوب" وصار العالم صغيراً. من هنا أقول لك، الذي أحب &nbsp;أن أعزفه هو ما بين "سيمون شاهين" و"نصير شمّا"، &nbsp;مدرستان مختلفتان كثيراً عن بعضهما ولكن كلتاهما حلوتين</p> <p>زاهي وهبي: ماذا يمثِّل لك العود على المستوى الشخصي؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هذا حبيبي الذي نشأت عليه وأنا أغمره طوال الوقت. لغاية اليوم، إذا لم أمسك كل أسبوع أو كل أربعة أيّام آلة العود أو البُزق أحسّ بأنني أخون في مكان من الأماكن&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لهذه الدرجة</p> <p>أندريه الحاج: أجل، لأنني عشت مع العود فترة طويلة من طفولتي، وأنا تأخّرت حتّى تعلّمت. أحد قادة العزف مع السيّدة "فيروز" في (لندن) سألوه: منذ متى تعزف الكمان؟ أجابهم: "تأخّرت حتى بدأت، كان عُمري ستّ سنوات"</p> <p>زاهي وهبي: يجب أن يبدأ قبل عمر ستّ سنوات&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: في (لبنان) لم يكن عندنا أعواد صغيرة، الآن صارت هذه الأعواد الصغيرة موجودة</p> <p>زاهي وهبي: للأطفال&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أجل&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: من غير المعقول أن يحمل الطفل آلة أكبر من حجمه بثلاث أو أربع مرّات أحياناً&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: كما تعلم، التوجيه صعب عندنا قليلاً فيذهبون إلى آلات أُخرى. مناخ الثقافة الموسيقيّة عندنا كما تعلم حضرتك، يُفضّلون البيانو أكثر والفلوت على العود والناي وهذا غير موجود في العالم العربي إلا في (لبنان)</p> <p>زاهي وهبي: نعم، يجدون العود كأنّه درجة ثانية؟</p> <p>أندريه الحاج: نعم</p> <p>زاهي وهبي: مع أنّه من اللازم أن يكون درجة أولى لنا كشرقيين&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هذا غير موجود في (لبنان)، مَن يقول هذا الشيء فهو مُخطئ&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: حسناً، قبل أن نتابع حوارنا دعنا نسمع رأياً في تجربتك وفي شغلك من الزميل والناقد الفنّي الأُستاذ "محمد حجازي"، نسمعه معاً ثمّ نعود&nbsp;</p> <p>كلام يوصل &ndash; الصحافي والناقد الفنّي محمد حجازي:</p> <p>- هذا الفنّان هو فنّان نموذجي، يعرف نوع الكلاسيك يعرف الكثير من النماذج الموسيقيّة، لكن عندما يلعب شرقي تحسّينه إبن الشرق لدرجة أنّه عندما أوجَد نموذجاً وأدار الأوركسترا في (طهران) سألوه: أنت اشتغلت قبلاً مع عازفين إيرانيين؟ &nbsp;قال لهم: لا، ولكنّي أريد أن أتعامل معكم بلغة واحدة التي هي لغة الموسيقى. غير معقولة طريقته في التعاطي مع العازفين، هذه مسألة فظيعة ولها علاقة باحترام الآخر. هذا النموذج من التعاطي المُحترم مع العازفين لا تجده كثيراً. لا يقول والله لا شغل عندي فأجلس في البيت ولا أقوم بشيء. في كل الوقت إمّا أن يكون باحثاً وإمّا أن يكون مؤلِّفاً وإمّا أن يكون متابعاً وإمّا أن يكون مستمعاً إلى أنواع مُختلفة من الموسيقى. حياته كلّها بما فيها حياته في منزله وفي أي مكان يذهب إليه هي موسيقى. متواضع جدّاً في التعاطي مع صورته كموسيقي أمام الآخر وهذا نموذج أيضاً، أعود وأؤكِّد عليه، تجد مثاليّة في التعاطي، وهذه المثاليّة في الموسيقى كم فيها احترام وكم تُعطي نتيجة وكم تقول لمَن يسمع أنّ الموسيقى ليست فقط شخصاً يعزف جيّداً أو شخصاً يعطيك نغمة حلوة، لا. الموسيقى كانت منذ أن كانت، هذا الذوق في التعاطي مع الآخر وهو المستمع&nbsp;</p> <p>- إذا عندي سؤال أسأله للمايسترو "أندريه"، طالما إلى هذا الحد يوجد زحام في الحجز وفي التواصل وفي التواجد في أماكن العروض التي تقيمونها، لماذا الفرقة الشرق عربيّة التي هو يرأسها، لا تقوم ببرمجة أُسبوعيّة؟ دعونا نُثقِّف هذا الجيل الموجود لأننا تفاجأنا في أكثر من حفلة بأنّ الجيل الذي يشاهد ويستمع هو جيل شباب، وكل التحيّة والتوفيق لكم وللبرنامج وللأُستاذ "أندريه"&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: الشكر الجزيل للصديق والزميل الأُستاذ "محمد حجازي"، تفضّل&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: شكراً أولاً أُستاذ "محمد"&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: حلو ما قاله عنك&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: شكراً، مشكور أُستاذ "محمد". صحيح هو صديق لكنه يكتُب بتجرّد. صارت معي مسألة معه منذ سنتين، قلت لك: هناك شيء حدث، هل تكتب عنه؟ قال لي لا، أُريد أن أرى، وأنا احترمت جداً هذا الشيء. سأل سؤالاً ونحن الآن في إدارة جديدة في المعهد مع الدكتورة "هبة قوّاص"&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: الصديقة العزيزة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: إن شاء الله تهدأ الأحوال وأعتقد أننا ذاهبون إلى مكانٍ آخر يشبه ما يقوله الأُستاذ "محمد". عندنا مشكلة ولكنها ليست في البرمجة، البرمجة سهلة. بدأنا في عام 2000 وأوّل حفلة انطلقنا بها كان يهمّنا أن نذهب إلى المناطق، وهذه المناطق يحقّ لها أن تكون&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لها الحق في أن ترى أوركسترا وحفلات موسيقيّة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هذا حقّهم&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: طبعاً، مَن لا يستطيع المجيء نذهب لعنده&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: تماماً. هذا سيعاد برمجته على أساس أن نحضّر لحفلة في شهر أو ثلاثة أسابيع وتنتهي في ساعة أو ساعة وربع الساعة، يجب أن تنتقل إلى (طرابلس) وإلى (صور) وإلى (صيدا) وإلى (بعلبك) وإلى (البترون)، إلى كلّ المُدن، هذا ضمن المُخطّط القادم لكن عندما تهدأ الأمور. أعود وأقول، نحن في عهدٍ جديد الآن وكلّنا أمل عندما وصلت دكتورة "هبة"&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: على كلّ حال إن شاء الله يصلها هذا المطلب من خلال الكلام الذي تفضّل به أُستاذ "محمد"&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: طبعاً، يصل&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: إن شاء الله تشاهد هذا اللقاء وتسمع هذا المطلب&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: يصل لأن كلانا أنا وهي قابلان للنقد. أنا أتمتّع بالنقد، حياتي مبنيّة كلّها على النقد. صدف أنّ الأُستاذ "محمد" ولا مرّة كان قاسياً في نقده في بعض الأماكن لكن أنا أخبرك عن "عبيدو باشا". عندما تعرّفت على "عبيدو باشا" كان هجومه كاسِحاً. كانت هناك أُمسية مع أحد الموسيقيين المعروفين، وكان عند "عبيدو" مشكلة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: مع الموسيقي، مع صاحب الأمسية&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: الذي كنت أقدِّم له "تحيّة"، فكان الهجوم عليّ. وصفني بأنني قائِد أوركسترا كأنه يدير بنك، في هذا المعنى، وكان هجومه قاسياً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: وكيف روّضت الأُستاذ "عبيدو"؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لا على العكس، أنا فرحت. اتصلوا بي وقالوا: يجب أن تجيب فأنت مسؤول عن الأوركسترا، فقلت لهم: لا، سأتصل به وأشكره. فقالوا: كيف ستشكره؟ فعلاً اتصلت به وقلت له: "أندريه الحاج" يتحدّث معك، فنقز في البداية، فقلت له: أشكرك فأنت الوحيد الذي كتبت شيئاً مختلفاً عن غيرك، وأنا مُقتنع، أنا مُقتنع. إلى جانب أيضاً أننا تجالسنا لساعة ونصف الساعة نحتسي القهوة ولم نتطرّق إلى هذه الحال ثم أصبحنا من أعزّ الأصدقاء&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لمَن كان البرنامج حينها؟ تقول أنّه كتب&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هذه قصة قديمة في عام 2014. هناك أيضاً "هالا نهرا" التي تجيد الكتابة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: صديقتنا&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لأنّ "هالا" موسيقية وتعرف في التفاصيل&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: كلّهم أصحابنا سواء الأُستاذ "محمد" أو "عبيدو" أو "هالا" الكل أصدقاء&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: طبعاً، وكثيرون كتبوا، "نبيل إسماعيل" رغم أنه كان نقيب المُصوّرين ولكنه يجيد الكتابة وصديق. أعود وأقول لك، أصدقائي يقفون عند حدود الصداقة أمّا في حدود الشغل فهُم ناقدون لاذعون ابتداءً من أُستاذ "محمد" إلى الكلّ&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: كنّا نتحدّث عن الحفلات التي فيها أصوات وغناء إلى جانب العزف والموسيقى. مَن الأصوات التي تستمتع عندما يكونون معك في الحفلة؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: مرّ كثيرون</p> <p>زاهي وهبي: نماذج، على سبيل المثال لا الحصر وعلى مسؤوليّتي &nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: الأمر صعب لأنني آخذ آراء أعضاء الأوركسترا وما يحبّونه. "كارلا" أحبّوا صوتها كثيراً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: "كارلا رميا" التي كانت ضيفتنا العزيزة</p> <p>أندريه الحاج: أحبّوا شغل "جاهدة وهبي" كثيراً، "أُميمة"&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: "أُميمة الخليل"</p> <p>أندريه الحاج: "أُميمة" كانت الفاتحة بعدما طلب الأُستاذ "وديع" أن نقدّم شيئاً من غناء "أُميمة"، فكسرنا الحدود أنا و"أُميمة" وكان الحضور غير طبيعي. إذا يمكنني أن أقول لك: أولاً أقول "أُميمة" ثم "كارلا" ثمّ "جاهدة" و"سميّة"، ثم مع غيري جاءت "غادة غانم" و"غادة شبير"، كثيرون مرّوا</p> <p>زاهي وهبي: أصوات راقية ومحترمة ومُحترفة في نفس الوقت&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: و"عبير نعمة"، كثيرون مرّوا، لكن أنا أقول لك، الحفلات التي قدّمنا فيها "تحيّة" هي التي تركت أثراً بي أكثر لأنّه كان عندي هاجس وهو أن أُرِي الناس نموذج الأوركسترا العربية. الأوركسترا العربيّة ليست عود وقانون وتخت شرقي، لا&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: نتحدّث عن أوركسترا&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا أعددت الأوركسترا مثلما ارتآها "الرحابنة"، مثلما ارتآها "فريد الأطرش"، وليس مثلما يُحبّها "مارسيل خليفة" بل مثلما يُحبّونها الذين يريدون أن يؤلّفوا. لهذا أنا دائماً أقول: أنا أُحاول أن أُكمِل ما بدأه "وليد غلميّة"، و"ليد غلميّة فتح نافذة وأنا وسّعتها وجعلتها باباً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: نعم</p> <p>أندريه الحاج: فأي مؤلِّف يريد أن يعزف من تأليفه، موجودة الأوركسترا ونستعين بالأوركسترا الغربية لنُغني الأوركسترا العربيّة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: أهمّ التحيّات لمَن مثلاً؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: "فريد الأطرش" لأنّ التحيّة له تركت أثراً عندي، كانت أوّل نموذج في عام 2013 لأُظهِر نموذج الأوركسترا العربيّة وتحدّثت عن الأمر، وكانت القطعة إسمها "نجوم الليل" للأُستاذ "فريد" واستعنت بحدود عشرين عازفاً من الأوركسترا الكلاسيكيّة، لأن "فرانك بوسيل"، المؤلِّف والموزّع الموسيقي كتب، واستفدت أنا ووسّعنا الأوركسترا إلى سبعين عازفاً مع كورال</p> <p>زاهي وهبي: نعم، كل الأصوات التي ذكرتها أصوات سيّدات، لم تذكُر أصوات رجال&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لأننا وصلنا إلى هنا. أُستاذ "غسّان صليبا" من الأصوات الجميلة، "جوزيف عيسى" دائماً يرافقنا&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: يبدو أنّ الأصوات النسائيّة تترك أثراً أكثر</p> <p>أندريه الحاج: لأنّ وجودهنّ أكثر&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: حتى كعدد. حضرتك مايسترو وقائِد أوركسترا وعازف عود، درّست العود، وفي نفس الوقت مؤلِّف موسيقي</p> <p>أندريه الحاج: نعم&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: لكن كأنّ المايسترو وقيادة الأوركسترا طغت على هذا المؤلِّف. لحدّ اليوم ألّفت عملين أو ألبومين موسيقيين هما "موسيقى بسّ" في عام 2004 و"أماكن" في عام 2009. أليس هذا ظلم للمؤلِّف الموسيقي؟</p> <p>أندريه الحاج: لاحظ أُستاذ "زاهي" أيمتى كان الألم، في "موسيقى بسّ"، Simply Music. حينها كنت أُريد أن أقول لشركات الإنتاج: أعطونا عشرين في المئة وخذوا ثمانين بالمئة للغناء"، في ذاك الحين</p> <p>زاهي وهبي: والآن أين صار الغناء إذا أردنا أن نفتح هذا الموّال!&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: ولكن نعود للقدر. أحببت أن أُصدر هذين الألبومين، لكن بعدهما ولِدت الأوركسترا في سنة 2000، عندي أكثر من 25 مقطوعة من تأليفي للأوركسترا، هذه مجموعة بينما الأوركسترا فتحت الباب. تفتح كل الأبواب الأوركسترا للعازف&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: ممكن أن نرى هذه الأعمال؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: موجودة Live وعُزفت</p> <p>زاهي وهبي: مصوَّرة ومسجّلة</p> <p>أندريه الحاج: مئة في المئة لأنّ الحافز الأساسي هو الأوركسترا. بمعنى تخلق لك الأوركسترا أولاً الناقد، ثمّ &nbsp;العازف ثمّ الحضور</p> <p>زاهي وهبي: كيف هي علاقتك بالتقنيّات الجديدة في الـ Social Media وهذه القضايا؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: مقبولة&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: إذا أراد أحدهم أن يشاهد هذه الأشياء أو يسمعها لماذا لا توضع على "يوتيوب"</p> <p>أندريه الحاج: موجودة على صفحتي بنسبة ثمانين في المئة من الحفلات&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: صفحتك على أي موقِع، "يوتيوب" أو "فيسبوك"&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: "يوتيوب" أكثر&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: إذاً، أي شخص اليوم يسمعنا ورغب أن يتعرّف على شغلك أكثر&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: يضع إسم "أندريه الحاج" بالأجنبي، بالفرنسية على البحث فتظهر الصفحة</p> <p>زاهي وهبي: نعم. لم تكتفِ بالأوركسترا في تكريم وتحيّة للكبار بل توجّهت نحو الراديو، نحو الإذاعة، من خلال برنامج على الإذاعة اللبنانيّة، كأن عندك همّ تقديم هذا الإرث وهذا التراث الموسيقي اللبناني&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: هذا الهمّ أخذني بالصدفة. هذا الهمّ موجود وأنا في حياتي لم أُفكِّر أن أكون مُذيعاً أو كاتباً، لكن السيّدة "ريتا نجيم الرومي" لا أدري كيف صدّقتني&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: مديرة البرامج في الإذاعة اللبنانيّة وصديقتنا أيضاً</p> <p>أندريه الحاج: نعم، كلما كان عندنا حفلة في الأوركسترا سواء لي أو لغيري أرسلها في ملفّ صوتي كي يستفيدوا منها وتُحفَظ في الإذاعة. فقالت لي ما رأيك أن نقوم بكذا؟ لم تكن تطلب رأيي بل كانت تفرض عليّ وتقول لي أنت في إمكانك. لكن صار معي عارِض صحّي وتأخّرت حوالى ستّة أشهر وظننت أنها نسيت. لكن بعد ستّة أشهر اتصلت بي&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: العارض الصحّي هو الحادث على الدرّاجة الهوائيّة؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أجل تماماً&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: الحمد لله على السلامة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: الله يسلّمك. المهم، أعادت الاتصال بي بعد ستّة أشهُر، فقلت لا، هناك قدر عليّ أن ألحقه، فقلت لها: نجتمع. اجتمعنا مع مدير البرامج الأُستاذ "محمد غريِّب" وكان مطروحاً اسم البرنامج من بين عدّة عناوين فقلت لها لا، "الأوركسترا وكبارنا". عندما وصلتُ إلى البيت وجلست أمام حاسوبي وكنت غير معتاد على الكتابة بالقلم، كتبتُ توزيع البرنامج وكانت أول حفلة للأُستاذ "وديع الصافي". ذهبت إلى منزله وسلكت الأمور، وقدّمنا ستّ عشرة حلقة. أنا أول مرة أتحدث عن نفسي لكن كلّما ابتعدت عن هذه الحلقات أجدها من أجمل الحلقات لأنّه أرشيف وأنا سأنسى</p> <p>زاهي وهبي: وهؤلاء الكبار يستحقّون أن نحيّيهم وأن نُضيء مثلما تفضّلت على تجاربهم&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أنا لا أتحدّث عنهم لكنّي كنت أضع حفلاتهم في الإذاعة، كنت أتحدّث عن الحفلة ومَن غنّى هنا ومَن كذا&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: هذه الحفلات تصير مرجعاً للباحثين والمهتمّين. المشهد الغنائي اليوم في العالم العربي وفي (لبنان) كيف تجده؟ نسمع الكثير من الشكاوى، اليوم الكثير من المغنّين يُمنعون من الغناء بسبب رداءة الكلام، بسبب المستوى الهابط. طبعاً دائماً توجد استثناءات وهناك قامات وأصوات كبيرة. نظرة عامّة&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: موجة كبيرة لا يمكننا وقفها، مستحيل. نحن علينا، مثلما قلت في الربورتاج في حياتي لم أرغب في أن أكون واعظاً، أنا أقوم بما أحبّه. مكاني في هذا المكان، أحترم ما يحدث في أماكن أخرى وفي أماكن أنا حرّ، ولكن شغلنا صحيح أكاديمي&nbsp;</p> <p>زاهي وهبي: هل ستجرفنا هذه الموجة؟&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: لا تجرفنا، تجرف كثيرين لكن مستحيل أن تجرف الثابتين مثلي ومثل غيري وهم كثيرون، والدليل أنهم لا زالوا ثابتين في المكان الثابت. أنا دائِماً أشجّعهم وأقول لهم: ألّفوا موسيقى. لا يبقى سوى الموسيقى، كل ما هو غناء سيزول مع الوقت. عندك بين الخمسين والسبعين سنة القادمة ستزول أصوات كثيرة وتبقى الموسيقى. من أجل هذا أقول لهم: ألّفوا موسيقى</p> <p>زاهي وهبي: على كلّ حال، الله يقوّيك ويُخلّيك بهمّتك وألف سلامة. إن شاء الله في لقاءات مقبلة نتحدّث عن الرياضة عن الدرّاجة الهوائيّة والمشاوير الحلوة في الطبيعة اللبنانيّة على الدراجة الهوائيّة. أهلاً وسهلاً، نوّرت "بيت القصيد"&nbsp;</p> <p>أندريه الحاج: أشكرك أُستاذ "زاهي" من قلبي وشكراً لـ "بيت القصيد" ولكلّ فريق العمل</p> <p>زاهي وهبي: أهلاً وسهلاً. شكراً لفريق العمل والشكر الأكبر دائِماً لمُشاهدينا في كل أنحاء العالم. نلتقيكم الأُسبوع المقبل على خير بإذن الله..&nbsp;</p> <p>الحلقة انتهت</p> <p>&nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;&nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp; &nbsp; &nbsp; &nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p>