عالم ويكيبيديا والموسوعات الرقمية
من منا لا يستخدم ويكيبيديا للبحث عن معلومة جديدة أو للتأكد من أمر ما فيها؟ من يكتب المحتوى الضخم على ويكيبديا ومن يراجعه ومن يدققه؟ في التصنيفات العالمية تصنف ويكيبيديا الموقع السابع في العالم لجهة المواقع الإلكترونية الأكثر زيارةً ثمة تحفظات على المعلومات الدرجة فيها أحياناً تتعلق بالانحياز وأحيانا أخرى تتعلّق بتدخل جهات استخبارية في إطار حرب المعلومات وأحياناً تتعلّق بمسائل فنية. تنطبق هذه التساؤلات والتحفظات على الموسوعات الرقمية الأخرى أو ما يسمى مواقع الويكي.
نص الحلقة
<p> </p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: مساءُ الخير. </p>
<p>ويكيبيديا، مَن منّا لا يستخدمها للبحث عن معلومة جديدة أو التأكّد من أمر ما فيها.</p>
<p>في التصنيفات العالمية تُصنّف ويكيبيديا الموقع السابع في العالم لجهة المواقع الإلكترونية الأكثر زيارة. ثمّة تحفّظات على المعلومات المُدرَجة فيها، أحيانًا تتعلّق بانحياز وأحيانًا أخرى تتعلّق بتدخّل جهات استخبارية في إطار حرب المعلومات، أحيانًا تتعلّق بمسائل فنيّة.</p>
<p>مَن يكتب هذا المحتوى الضخم ومَن يُراجعه ومَن يُدقّقه؟ تنطبق هذه التساؤلات والتحفّظات أيضًا على الموسوعات الرقمية الأخرى أو ما يُسمّى مواقع الويكي.</p>
<p>نُناقش أكثر بالتفصيل مع الباحث المُتخصّص في علوم الكمبيوتر الأستاذ عبد الصفدي، أهلًا وسهلًا بِكَ معنا أستاذ عبد.</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: أهلًا وسهلًا بِكَ أستاذ محمد، شكرًا على الاستضافة.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: أهلًا وسهلًا. </p>
<p>بداية لنتابع هذا الفيديو للقاء مع مؤسّس ويكيبيديا لاري سانغر.</p>
<p> </p>
<p>فيديو:</p>
<p>لاري سانغر: بين الحياد والحقيقة الموضوعية كأهداف للكتابة تبرز الحقيقة الموضوعية كأمر يختلف فيه الناس، أنا شخصيًا أعتقد أنّ هناك حقيقة موضوعية لأيّ سؤال مُحدّد بوضوح، وسيكون من الرائع جدًا أن يكون لديك عمل مرجعي يحتوي على كل الحقيقة الموضوعية فقط، سيكون ذلك رائعًا، المشكلة أنه لن يتّفق إثنان أبدًا على ما يجب أن يحتويه هذا العمل. ومن ناحية أخرى، الحياد هو محاولة لشرح وجهات النظر المختلفة بتفاصيل كافية مع اهتمام كافٍ بالأدلّة والاستشهادات والتفاصيل اللازمة ليتخذ المرء قراره في شأن أية قضايا مثيرة للجدل. </p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: أستاذ برأيك هل مواقع الموسوعات الالكترونية إجمالًا تلتزم الحياد أم الموضوعية أم مزيج بينهما أم ولا واحدة منهما؟ وما المطلوب منها أساسًا؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: أستاذي الكريم، أولًا الموضوعية والحياد هما مفهومان مختلفان لكن مترابطين، لو سمحت لي أودّ أن أذكّر نفسي بالموضوعية، الموضوعية هي منهج تفكير، هي آلية عمل لكي نصل في هذا السياق إلى معلومة مبنية على أدلّة وبراهين وحقائق ومن دون تحيّز أو تدخّل لرغبات الباحث. عادة في المنهج الموضوعي هناك ثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي التساؤل ومن ثمّ التفكّر ومن ثمّ اتخاذ الموقف، في اتخاذ الموقف هنا تدخل الحيادية، هل أنا سأكون حيادياً تجاه هذه القضية أم أنّني سأتّخذ موقفًا في وجه الطرف الآخر؟ عادة لا توجد موضوعية مُطلقة كما لا توجد حيادية مُطلقة، أغلب المنصّات الموسوعية هي أقل موضوعية من غيرها، والبعض هو أكثر تحيّزًا من غيره. ولكن أودّ الإشارة هنا إلى أنّ الموضوعية عادة ترتبط بطبيعة القضية، أي بمعنى عندما نُناقش موضوعية علمية بحتة كالرياضيات والفيزياء يكون مستوى الموضوعية هو أعلى بكثير مُقارنة بالمواضيع التي تتّسم بالطابع الإنساني كالعلوم الإنسانية والسياسية والدينية وغيرها.</p>
<p>أعتقد أنّ المطلوب من هذه المنصّات هو القَدْر الأعلى من الموضوعية، وأودّ الإشارة هنا إلى أنّ الحيادية هو معنى مُعقّد، هي مسألة عميقة لأنّها مُرتبطة بأبعادٍ كثيرةٍ كالبُعد الثقافي، الهوية، البُعد الديني والعِرقي وغيرها من المواضيع.</p>
<p>"لاري سانجر" في مقابلته يقول والبعض أيضًا يقول بأنّ الحيادية هي شرط لنُحقّق الموضوعية، ولكن إذا أخذنا بهذا التعريف الإنسان هو مُتحيّز بفطرته وهذا كلام قديم، وبناءً عليه لا توجد موضوعية مُطلقة.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: الأسباب زائدًا السياق تُساوي الحدث:</p>
<p>في الأسباب، ما هي أسباب التحفّظ على محتويات مواقع الويكي بشكلٍ عام؟</p>
<p>وفي السياق، كيف تعمل حروب المعلومات في الموسوعات الإلكترونية؟</p>
<p>في الأسباب نتحدّث عن عاملين يُسبّبان التحفّظ من جهات مُتعدّدة، مَن يكتب هذا المحتوى؟ بمعنى مَن يكتب المحتوى الضخم من المعرفة في كلّ تفصيل سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي؟ ومن يُراقب؟ ونُركّز الحديث هنا انطلاقًا ممّا صرَّح به مؤسِّس ويكيبيديا لاري سانغر أنّ CIA تدخّلت في محتوى ويكيبيديا.</p>
<p>أجرت جامعة هارفرد دراسة مُقارنة بين ويكيبيديا وموسوعة بريتانيكا، حيث أنّ كتابة المحتوى في ويكيبيديا تعتمد على ملايين المتطوّعين بينما بريتانيكا تعتمد على محرّرين وخبراء.</p>
<p>واحدة من الفرضيات التي خلصت إليها هذه الدراسة، عندما تكون الموسوعات مكتوبة من قِبَل الجمهور وتجري مراجعتها مرات عديدة يكون حجم التحيّز فيها أقل، هذه واحدة من الفرضيات.</p>
<p>نحن هنا أستاذ عبد الصفدي نعرض نموذجين من الموسوعات الالكترونية أو مواقيع الويكي، برأيك أيّ منهما أقل انحيازًا، المكتوبة من قِبَل الجمهور والمتطوّعين الذين تصل أعدادهم إلى الملايين؟ أم المكتوبة من قِبَل الخبراء والمُحرّرين كما هو في حال بريتانيكا؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: سيّدي الكريم، أعتقد بأنّ نتائج الدراسة وقد اطّلعت أنا على البحث هي نتائج منطقية لسبب بأنّ الجمهور وهو الطيف الأوسع يكون أقل تحيّزًا لأنّه يكون مُتعدّد الخلفيات السياسية، الثقافية، وما إلى هنالك مُقارنة مع الخبراء، عندما نقول هناك خبراء نعتقد بأنّ هناك تمويلاً، وفي كثير من الأحيان هذا التمويل يفرض سياسات تحريرية مُعيّنة، يفرض توجّهات مُعيّنة على الباحثين، فبرأيي أنّ المنصّات الموسوعية التي يقوم الجمهور بكتابتها هي أقل تحيّزًا، ولكن أريد أن أشير إلى أنها أقل موضوعية في ما لو اتّبعنا المنهج الموضوعي حيث هناك العديد من المراحل التي يجب اتّباعها، لكن بشكلٍ أكيد هي أقل تحيّزًا من المنصّات الموسوعية التي يقوم الخبراء بتدوينها أو مُراجعتها.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: هذا يفتح الباب على سؤال آخر أستاذ عبد الصفدي هو في النماذج المختلفة للموسوعات الإلكترونية ألا تعتقد أنّ وجود مرجعية علمية بما أنّك تتحدّث عن الموضوعية، مرجعية علمية لمراجعة المعلومات والبحث، هل هو أمر ضروري في هذه المواقع؟ وكيف يمكن تنفيذ هذا الشكل من المراقبة على هذه الموسوعات الإلكترونية؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: سيّدي الكريم، عندما نفتح المجال للجمهور بالتدوين وبتعديل المحتوى بطبيعة الحال نحن بحاجةٍ لمراجعة هذا المحتوى، في كثيرٍ من الأحيان وأودّ الإشارة أيضًا في ويكيبيديا مثلًا كنت أقرأ منذ فترة في نيويورك تايمز تعتمد ويكيبيديا منذ عام 2003 على الذكاء الاصطناعي لمراجعة المحتوى، وكما رأيت سنة 2017 قاموا بتشكيل فريق مُتخصّص في التعلّم الآلي، في كثير من الأحيان نعم من الضروري ضبط عملية النشر للموضوعية وهناك أمور لها علاقة بالتحيّزات المختلفة ضرورية ولكن هنا يُطرَح السؤال هل مَن يُراقب هذا المحتوى هو حيادي أو هو مُتحيّز أم لديه سياست معينة أو أجندات معيّنة مفروضة عليه لتوجيه المحتوى على هذه المنصّات الموسوعية؟</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: هذا أيضًا يُضيف عاملاً آخر وهو بصرف النظر عن آلية كتابة المحتوى سواء كانت من قِبَل الخبراء أو من قِبَل الجمهور أو المتطوّعين، ثمّة تحفّظات حول مراقبة أجهزة الاستخبارات للمحتوى المنشور بشكل عام، طلب حذف موضوع معيّن أو تعديله، ومن ذلك ما تحدّث به مؤسِّس ويكيبيديا في "Podcast System Update"، لنتابع هذا الفيديو من "Podcast Glenn Greenwald".</p>
<p> </p>
<p>فيديو:</p>
<p>لاري سانغر: لم تكن أيّة موسوعة على حدّ علمي مُتحيِّزة مثل ويكيبيديا، هذا يعني شيئًا ما، أتذكَّر أنني كنت غاضبًا من الموسوعة البريطانية والكتاب العالمي من دون ذِكر موضوعاتي المُفضّلة في عرض وجهات نظر معينة، فقط بالطريقة التي تفعلها مصادر المؤسّسة بشكلٍ عام، ولكن هذا شيء آخر، هذا مختلف تمامًا، إنه فوق المستوى. </p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: أستاذ، لاري سانغر يتحدّث عن تدخّل مُتعدّد الأبعاد لوكالة CIA في محتوى ويكيبيديا، هل ثمّة استنتاجات برأيك تدعم هذه الفرضية؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: سيّدي الكريم، لو رجعنا إلى طبيعة منصّة ويكيبيديا هي منصّة موسوعية، هي حرّة المحتوى، مفتوحة المصدر، أي بمعنى تسمح للجمهور بتعديل هذا المحتوى، طبيعة هذه المنصّة تسمح لجماعات بغضّ النظر إن كانت حكومات أو استخبارات أو مراكز أبحاث بأن تقوم هذه المجموعات بتجنيد لربما جيوش إلكترونية، لربما أشخاص موجودين لتوجيه المحتوى الموجود على هذه المنصّات الرقمية، طبيعة المنصّة تسمح بذلك. لكن أودّ الإشارة إلى أنّ هذا الموضوع هو جليّ أكثر في مواقع التواصل الاجتماعي لأنّ هناك تسليطاً للضوء عليها من قِبَل الإعلام، وإنْ سمحت لي أودّ الإشارة إلى دراسةٍ قد أجريتها منذ عامين بالتعاون مع مختبرات فرنسية لدراسة المحتوى على موقع تويتر (إكس حاليًا) في ما خصّ انفجار مرفأ بيروت وغيره، قمنا بدراسة ما يُقارب 8500 حساب وما يُقارب 28000 تغريدة، استنتجنا في النهاية وبعد استخدام خواريزميات الذكاء الاصطناعي وقمنا بالعمل المطلوب، استنتجنا أنّ هناك أكثر من 55% من الحسابات هي وهمية، هي جيوش إلكترونية، طبيعة ويكيبيديا وطبيعة هذه المنصّات تسمح بأن تقوم جهات معينة بتوجيه المحتوى ليخدم سياسات معينة.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: أيضًا أستاذ عبد في المقابلة نفسها التي أجراها لاري سانغر هو تحدَّث عن الدخول من أجهزة كمبيوتر تابعة لشبكة FBI و CIA، ما رأيك في ذلك؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: بطبيعة الحال إن كانت ويكيبيديا تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي والبرمجيات هذا الاحتمال قائم، لكن أنا لا أستطيع تأكيده.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: ألا تعتقد أنّ ما تحدّث به أيضًا لاري سانغر يُعيدنا إلى لحظة "سنودن" عندما تحدّث "سنودن" عن تكامل بين NSA والبرمجيات مثل فايسبوك وواتساب وغيرها في الحصول على أكبر كمٍّ ممكن من البيانات. ما الذي يدفعنا أن نستبعد على سبيل المثال أيّ شكل من أشكال التعاون بين هيئات الدولة ومؤسَّسات الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية مع هذه الشركات؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: سيّدي الكريم، أودّ الإشارة إلى أنّ الولايات المتحدة أو الغرب إجمالًا كان سبّاقًا بموضوع البرمجيات والذكاء الاصطناعي والأنترنت، هناك الكثير من المقالات التي نُشِرت في هذا المجال وعن تعاون بين هذه الدول وبين هذه المنصّات، وانطلاقًا من هذا الموضوع قام العديد من الدول مثل دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وغيرها بتشريعاتٍ معينة لحماية معلومات مواطنيها وللحفاظ على خصوصيّتهم. لا يوجد مانع، مُجرّد أن تكون هذه المعلومات على الأنترنت فهذه المعلومات هي مُباحة.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: نعم، أيضًا ما قاله لاري سانغر في هذه المقابلة يتناول الحديث عن دور المؤسَّسة، هو يقصد مؤسَّسة الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية، نتحدّث هنا عن الاستخبارات بالدرجة الأولى، لكن عددًا من الدراسات يأخذ المسألة من زاوية أخرى، إلى أيّ حزب سياسي في الولايات المتحدة الأمريكية تنحاز ويكيبيديا؟ هذا هو السؤال المطروح.</p>
<p>في تحليل المحتوى الدراسات تقول إنّ ويكيبيديا في قضايا الحكومة، الشركات، القضايا المدنية، مُنحازة إلى سياسة الحزب الديمقراطي. أما في قضايا الهجرة مثلًا فهي مُنحازاة إلى سياسة الحزب الجمهوري.</p>
<p>برأيك أستاذ عبد، هل يمكن قراءة هذا الانحياز في ويكيبيديا أو غيرها من الموسوعات الرقمية لصالح حزب سياسي ما أم لصالح مؤسَّسة الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية أو دولة معيّنة في الغرب؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: سيّدي الكريم، أنا لا أعلم كمّ بإمكاننا الفصل بين الأحزاب التي تحكم هذه الدول وبين الدولة العميقة في أيّة دولة.</p>
<p>ولكن أريد الإشارة إلى أنّ المنصّات الموسوعية أو العمل مع هذه المنصّات عادة يتّسم بالشمولية ولكن لو أردنا البحث عن موضوعٍ إشكالي يتضمّن وجهات نظر مُتعدّدة سنُلاحظ ما هي وجهة النظر التي تتبنّاها ويكيبيديا ومنها سنصل إلى الجهات التي تتبنّى وجهة النظر تلك، وأريد أن أعطي مثالًا على سبيل المثال في لبنان كلنا نعلم حراك 17 تشرين 2019 كلنا نعلم بأنّ المجتمع مُنقسم بين فئتين: فئة مُؤيّدة لها أدلّتها وبراهينها وفئة مُعارضة لها أدلّتها وبراهينها، لو بحثنا قليلًا على ويكيبيديا سنعرف وجهة نظر مَن تتبنّى وبالتالي مَن هي الأحزاب ومَن هي الجهات التي تتبنّى هذا الموضوع. ولكن أريد الإشارة إلى أنّ هناك بعض المواضيع وهذا الموضوع يحتاج إلى تدقيق أكثر، هناك بعض المواضيع التي تتّسم بالأمن القومي للدول، هناك بعض المواضيع التي تعني كلّ المواطنين لو أخذنا مثلًا الهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية لربما هذا الموضوع ولو أخذنا جمهوراً معيناً من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري يمكن لأيّ شخص أن يتّخذ موقفًا بناءً على تجربته الشخصية، بناءً على رأيه الشخصي بمعزل عن الحزب الذي ينتمي إليه، هذا الموضوع يحتاج إلى تدقيقٍ أكثر ولكن عندما نُفتّش أكثر على ويكيبيديا نستطيع أن نُحدّد وجهة نظر مَن تتبنّى هذه الموسوعة.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: وبما أنّ المناخ العام لهذا الموضوع يدور في إطار حرب المعلومات في السياق نُناقش الموسوعات البديلة، بمعنى كيف يمكن أن يكون لهذه الموسوعات الاحتكارية بديل في العالم؟</p>
<p>ضمن محاولات فكّ الاحتكار روسيا تُطلق موسوعة إلكترونية باسم "روويكي" وكُلّف "فلاديمير ميديكو" بالإشراف عليها وهو المسؤول السابق في ويكيبيديا الروسية وويكيميديا أيضًا. هي معركة تُشبه استبدال نظام السويفت على المستوى المالي، استبدال مُحرّك البحث غوغل على المستوى التقني، استبدال يوتيوب في عالم الفيديو، ومبادئ السيادة على الأنترنت.</p>
<p>كيف ترى أستاذ عبد الصفدي هذه الخطوة الروسية؟ هل من السهل فعلًا انتشار البدائل في عالم الموسوعات الرقمية؟ لنقل الموسوعة الروسية بديلًا من ويكيبيديا أو أيّة موسوعة جديدة؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: هذا الموضوع بشكلٍ أساسي يمسّ سيادة الدول، فعليًا عندما نتحدّث عن السيادة قديمًا كانوا يتحدّثون عن السيادة في البر، في الجو، في البحر، وفي العقدين الأخيرين بدأنا نتحدّث عن السيادة الرقمية للدول نتيجة انتشار الأنترنت بحيث أصبحت التجارة والسياسة والاقتصاد ومختلف نواحي الحياة مُرتبطة بالأنترنت بشكل مباشر. من هنا لابدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ الأنترنت والتكنولوجيا هي موجودة في الغرب بشكل أساسي لأنها سبّاقة وقد وجدت هناك.</p>
<p>طبيعي دول مثل روسيا والاتحاد الأوروبي حتى الصين وإيران وغيرهما من الدول أن تقوم بسياسات مُعيّنة وتشريعات مُعيّنة وتُحاول تحقيق الاستقلال الرقمي لشعوبها خاصة إذا فتحنا موضوع المعلومات الشخصية والبيانات الشخصية الموجودة على الأنترنت. فالخطوة الروسية ضمن العالم المُتعدّد الأقطاب هي طبيعية ولو لم تكن لكان الموضوع هو مُستغرَب. السؤال هل بالإمكان ذلك؟ هنا الموضوع يُفتح على مَن يمتلك السيطرة في الفضاء الإلكتروني؟ مَن يمتلك السيطرة في الفضاء الالكتروني هو من يستطيع فرض المقبولية في هذا الفضاء؟ هل بإمكانهم ذلك؟ قاموا بمحاولات ولكن هل يمكن النشر على مستوى دولي؟ هناك أسئلة يجب الإجابة عنها. وأودّ الإشارة أيضًا إلى أنّ موضوع اللغة هو أساسي في السيادة الرقمية، لأنّنا كما نعرف أنّ اللغة الإنكليزية هي الأكثر انتشارًا في العالم وبما أنّها الأكثر انتشارًا نستطيع أن نُوجِد مناخاً عالمياً مُعيّناً في قضية مُعيّنة. أيضًا أعتقد بأنّ هذه الدول نتيجة انتشار اللغة هي بحاجة للقيام بصنع منصّات لجمهورها الداخلي خاصة إذا كنا نتحدّث عن الروسية أو الصينية أو الإيرانية وغيرها أو حتى الاتحاد الأوروبي. </p>
<p>هناك تشريعات بدأ الاتحاد الأوروبي منذ تسع سنوات بتشريعات لتحقيق السيادة الرقمية للاتحاد الأوروبي، وقد شهدنا أخيرًا العديد من القضايا في المحاكم الأوروبية بين هذه المحاكم الأوروبية وبين منصات التواصل الاجتماعي كفايسبوك وغيرها لحماية بيانات مواطني الاتحاد الأوروبي.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: برأيك أستاذ عبد كيف يمكن أن تنعكس حرب المعلومات على مواقع تُشكّل وعي الناس بالمناسبة مثل ويكيبيديا أو الموسوعات الرقمية الأخرى؟ كيف يمكن أن تنعكس على عدد هجمات السايبر على هذه المواقع؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: بطبيعة الحال إذا كان هناك من جهات مُعيّنة لا تريد لهذه المواقع أن تبقى في الفضاء يمكن أن يُجنّدوا العديد من الجيوش الإلكترونية، بطبيعة الحال هذا سيزيد من الهجمات السايبرانية على هذه المواقع الإلكترونية لجعلها خارج الخدمة، بطبيعة الحال إذا كان هناك جو عالمي لا يريد لهذه المنصّات المقابلة أن تنتشر وأن يكون لها صوتها الموجود والمسموع بطبيعة الحال هي من الأدوات الحديثة وغير المُكلفة.</p>
<p>عادة في الحروب هناك تخطيط، هناك ضرب لبنى تحتية، هناك تكاليف باهظة، أما الآن بما أنّ كل مُقدّرات الدول في الدول المتقدّمة صارت تعتمد على البرامج المعلوماتية والتحكّم والأتمتة وإلى ما سواها أصبحت الحرب السيبرانية هي الأقل كلفة والأكثر استفادة.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: لنصغ معًا مُعادلة محتوى الويكي، إدارة المحتوى زائدًا الضغط السياسي والاستخباري على هذه المؤسّسات والموسوعات في سياق حرب معلومات دولية يُساوي محتوى الويكي.</p>
<p>في فقرة مُقاربات ما الذي يمنع وجود موقع ويكي تحرّري إنْ جاز التعبير؟ يعني لو فكّرنا بالبحث في الموسوعات الإلكترونية الموجودة وبحثنا عن كيان الاحتلال وأجرينا البحث عن كلمة إسرائيل على سبيل المثال. في موقع ويكيبيديا العربي سوف نُلاحظ أنّ المكتوب عنها كجزء من التعريف دولة مُعترَف بها جزئيًا، وفي النسخة الإنكليزية تُشطب حتى جملة مُعترَف بها جزئيًا، يبدأ التعريف بها كدولةٍ طبيعيةٍ ويجري الحديث عن حدودها مباشرة، وفي موقع معرفة يقول إنّها بلد يقع في قلب العالم العربي في غرب آسيا. هذه التعريفات المنشورة، هذه التعريفات الموجودة ضمن فضاء الموسوعات المتاحة.</p>
<p>ما الذي يمنع أن يكون هنالك موقع ويكي تحرّري إن جاز التعبير وهنا لا نتحدَّث عن حياد سلبي إنّما نتحدّث عن موضوعيةٍ بوصف هذا الكيان على سبيل المثال بالكيان الاحتلالي، عرض تاريخ هذا الاحتلال والمجازر التي قام بها بدلًا من وصف هذا الاحتلال بيوم الاستقلال كما تُشير هذه الموسوعات؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: أودّ أن أذكّر بفكرة مَن يتحكّم بالفضاء الالكتروني - وهنا أتحدَّث عن الشقّ التقني والتكنولوجي - هو مَن يحدّد معايير المقبولية ومَن يحقّ له التواجد في هذا الفضاء، وأكبر مثال على ما أقول هو حجم المواقع الالكترونية، إنزال بعض المحطّات عن الأقمار الاصطناعية، تجميد بعض الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي، حذف فيديوهات على يوتيوب، مَن يمتلك التكنلوجيا هو مَن يُحدّد مَن يستطيع أن يكون موجودًا أو مَن لا يستطيع أن يكون موجودًا. </p>
<p>أعتقد الخبرات التقنية موجودة لكن الموضوع ليس في بناء موقع تحرّري ولكن كيف سيستمر هذا الموقع بالعمل مع الجهات التي تعتبر أنّه لا يتوافق مع سياساتها؟ ولكن لا بدّ من الإشارة هنا وعلى الرغم من هذا الموضوع إلى أنّ هناك محاولات التفافية حصلت، أيّة جماعة لديها قضية مُعيَّنة، لديها صوت مُعيَّن تُريد إيصاله إلى العالم وجدت بعض الطرق الالتفافية لبقاء هذا الصوت موجود ولتُعبّر عن أفكارها وقضاياها.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: الالتفاف موجود على ماذا؟ أنت تقول أستاذ عبد الاعتبارات التقنية أو المسائل التقنية مُتوفّرة فالالتفافات على ماذا؟</p>
<p> </p>
<p>عبد الصفدي: التفافات على المنع الموجود، مثلًا عندما يقومون بحَجْب موقع إلكتروني مُعيّن هذه الجهة التي تمّ حَجْب موقعها تقوم ببناء موقع آخر باسم آخر على سبيل المثال، أو تستطيع البثّ من مكان مختلف، هناك العديد من الطرق الالتفافية ولكن لأنّه أعتقد في الغرب مَن يقوم بحَجْب المواقع هذه العملية تحتاج إلى وقتٍ طويلٍ وتتداخل فيها السياسة وما إلى هنالك.</p>
<p>ولكن يبقى هذا الاحتمال قائمًا، أنا لا أريد أن أقول إنّ مَن يُحدّد أو مَن يمتلك التكنولوجيا هو فقط مَن يسمح بالبقاء، نعم لديه القدرة، لديه القدرة التقنية على حَجْب أيّ موقع إلكتروني، ولكن الجهات المقابلة أيضًا لديها طرق أخرى، لديها تكنولوجيا، وأريد الإشارة إلى أن الدول الكبرى التي تمتلك التكنولوجيا أصبحت قادرة وأصبحت موجودة لديها البنية التحتية التي تسمح بنشر ما يريدون نشره.</p>
<p> </p>
<p>محمد فرج: في فقرة استدلال، حرب المعلومات لا تتوقّف عند حدود سايبر والعمليات العسكرية وإنما تمتد إلى منصّات المعرفة والموسوعات التي تُشكّل وعي الناس، مع أهمية الجهود اللازمة لتغيير محتويات هذه المواقع بالذات لمصلحة الحقيقة، إلا أنّ الحقيقة لن تشعّ إلا باستخدام الساحات البديلة.</p>
<p>أستاذ عبد الصفدي، شكرًا جزيلاً لحضورك معنا وعلى هذه الإيضاحات.</p>
<p>أعزّائي المشاهدين من الاقتصاد والثقافة إلى السياسة والاجتماع المعادلات الناظمة للأحداث كثيرة، نلتقي الأسبوع المقبل مجدّدًا للنقاش في واحدة منها فإلى اللقاء. ...</p>
<p> </p>