فقه الإغتراب

إن الاغتراب عن الأوطان من البليّات التي قد يضطر إليها الإنسان, لسبب من الأسباب. ومن الضروري للذي يخرج من مجتمعه إلى مجتمع آخر, يختلف عنه في عاداته, دياناته, تقاليده, تراثه وأخلاقه أن يتعرف إلى الوظيفة الشرعية التي أملاها الشرع الأقدس عليه وهناك الاغتراب للتعلم والاغتراب للعمل والإغتراب للضرورات السياسية وفرار من الحروب.. ويقيناً يختلف الواقع الجغرافي والثقافي والقانوني بين الدول التي لا تدين بالإسلام. فهل أجاب الإسلام فقهاً وأحكاماً على كل ما يحتاجه المسلم المغترب؟ هل هناك فقه إغتراب ورسائل فقهية وعملية للمغتربين؟ هل عمل الفقهاء على معرفة كل التضاريس الإجتماعية للمسلمين في الغرب لوضع فقه من وحي ما يعيشه المغتربون؟ وكيف نلزم المسلم في الغرب بفقه أنتج لمسلمي البلاد العربية والإسلامية؟ ما هي الأساليب التي يجب إتباعها لتلبية طلبات المهاجرين ومدهم بإسلام يساعدهم ولا يعقدهم أكثر؟

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله وبيّاكم وجعل الجنّة مثواكم.&nbsp;</p> <p>أدّت هجرة المسلمين إلى القارات البعيدة والنائية عن موطنهم لأسبابٍ سياسية واقتصادية وإنسانية إلى مواجهتهم لمُعضلاتٍ ومفاجآت لم تكن في واردهم قبل الهجرة. والأحكام الشرعية سواء في العبادات أو المعاملات وُضعت لجغرافيا ينتشر فيها الإسلام، وبعبارة أخرى وضع الفقه لبيئة إسلامية قُحّة. ويقينًا فإنّ الواقع الجغرافي والثقافي والقانوني في الدول الأخرى التي لا تَدين بالإسلام يختلف جملةً وتفصيلاً.</p> <p>فهل أجاب الإسلام فقهًا وأحكامًا على كل ما يحتاجه المسلم المغترب؟ وتجدُر الإشارة إلى أنّ الغربيين لديهم خلفية سلبية عن الإسلام والمسلمين، ويرى نورمان كانتور أنّ البُعد السيّئ لهذه الصورة المشوّهة عن الإسلام في الغرب جاءت على خلفية عبور الإسلام حوض المتوسط الذي أعاد للذاكرة الأوروبية غزوات البدو القاتنين في صحراء العرب منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وهم اليوم أمام غزوٍ عربي جديد كما قال نورمان.</p> <p>ولأنّ النظرة العامة كذلك، وقد عزّزها تنامي اليمين المتطرف في الغرب، فإنّ بعض المسلمين يجدون صعوبة في تنفيذ بعض الأحكام الشرعية بصيغتها الراهنة، ويتساءلون عن كل التفاصيل الشرعية بدءًا من مواقيت الصلاة، مواعيد الإفطار، وخصوصًا في البلاد التي تغيب عنها الشمس لشهور متواصلة. إلى الحجاب وما تُلاقيه المحجبات من تمييز بغيض أجبرت بعض الفتيات المسلمات على حلق شعورهن عندما حظرت فرنسا الحجاب في المدارس والمعاهد. إلى التعامل مع أسواق العمل وبيع الخمور أو العمل في مطاعم تبيع الخمور وأحكام الذباحة والبحث عن مخارج لإشكالات شرعية كثيرة. والطلاق الكاذب والزواج الكاذب من أجل تحصيل بعض المكتسبات من مؤسسات الدول الغربية والمؤسسات الاجتماعية والتحايل الضريبي وإعلان الإفلاس الباطل للضحك على الدولة.</p> <p>ملفات لا حصر لها، لم يواكبها الفقه الإسلامي بسبب الطلاق النكد بين المؤسسات الإسلامية والمرجعيات الإسلامية والوجود الإسلامي في الغرب.</p> <p>"فقه الاغتراب" عنوان برنامج أ ل م، ويُشاركنا في النقاش من العاصمة السويدية ستوكهولم الأستاذ الباحث حسان موسى، وهو أحد النشطاء ومن رموز العمل الإسلامي في السويد، ومن تونس الدكتور فوزي العلوي، رئيس مركز مسارات للبحوث والدراسات الفلسفية، ومن الأردن الدكتور محمد هشام سلطان، نائب رئيس اتحاد علماء بلاد الشام.</p> <p>مشاهدينا مرحبًا بكم جميعًا.</p> <p>يحيى أبو زكريا: أستاذ حسان، حيّاك الله وبيًاك.&nbsp;</p> <p>مبدئيًا، وأنتَ المتخصص في الشريعة الإسلامية وخريج جامعة إسلامية أيضًا وتعرف لغة الفقه وبلاءات الفقه والأحكام الشرعية وما إلى ذلك، ولهذا سيسهل عليّ السؤال، هل الفقه الموجود بين أيدينا لبّى حاجيات المسلمين في بلاد الغرب، في القارات الخمس أو في البلاد التي لا تدين بالإسلام؟ أم أنّ هنالك قصورًا كبيرًا جدًا في تلبية حاجيات المسلم من حيث الحكم الشرعي الذي يجب أن يلتزم به المسلم في بلاد الاغتراب؟</p> <p>حسان موسى: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.</p> <p>لا شكّ أنّ فقهاء الشريعة وأعلام الأمة والمرجعيات في المذاهب المعتمدة والمعتبرة لم يكن يخطر ببالهم أنّه يأتي زمان يرحل فيه المسلم إلى بلاد الاغتراب طلبًا للرزق أو طلبًا للأمان أو للعيش وللاستقرار، فجلّ ما دار في خلدهم هو السفر إلى بلاد غير الإسلام أو ديار الكفر أو ديار الأمان وهذا ما تحدّث عنه الفقهاء بإسهاب في تراثنا الفقهي. جدّ جديد وهو الاغتراب، ونستطيع أن نقول الأقليات، ونستطيع أن نقول المسلمين الذين يعيشون في بلاد غير الإسلام، جدّت مسائل وحدثت أقضية أصبح المسلم في حَيرة من أمره خاصة ممن يعيش في بلاد غير الإسلام، وبدأت تُطرح تساؤلات هل نحن في دار عهدٍ وأمان أم دار كفر وحرب أم دار إسلام. حسنًا، هذا الفقه الذي نريد أن نتعامل معه والمسائل الفقهية والأقضية والأحكام هل نتعامل بها من خلال الموروث الثقافي القائم في تراثنا والموجود والمبثوث في كتبنا؟ أم لا بدّ من البحث على مسائل وأقضية تُراعي فقه النص وفقه الواقع وحركة الإنسان والكون؟ ثمّ إنّ هذا الواقع الذي نعيشه في بلاد الاغتراب وأنا واحد منهم أحدث لنا شيئًا من التساؤلات حول التعامل مع بعض المسائل. مثلا، ولنضرب مثالاً، لو أنّ امرأة أوروبية أسلمت فما هو حكم بقائها مع زوجها غير المسلم وما يترتب على ذلك من أوضاع ومآلات وإكراهات وإرهاصات اجتماعية.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور حسان، وقد حدث ذلك مرارًا وتكرارًا؟</p> <p>حسان موسى: فنحن نتعامل مع موضوع كما تقول القاعدة الفقهية الميسور لا يُقدم المعسور، أي أنّ الأمر الشرعي الذي يستطيع المكلف فعله وهو يسير عليه لا يسقط عنه بأمر آخر صعبٌ وشاقٌ عليه، ولهذا يقول المولى عزّ وجلّ "لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها"، وجاء في الحديث "إذا أمرتكم بأمرٍ تأتوا منه ما استطعتم"، ولهذا نحن بحاجة إلى قراءة متأنية &nbsp;لنصوص الوحيين وكذلك إلى تُراثنا الفقهي من خلال مقاربة أنقلها في عدة خصائص، أن ننظر إلى التراث الإسلام الفقهي بعين وإلى ظرف العصر وتغيراته بعين، كذلك أن نربط بين عالمية الإسلام ودوافع المجتمعات التي ننتمي إليها، أن يُوازن من يتصدر للفتوى في أوروبا والأمريكيتين وآسيا وإفريقيا إلى النصوص الشرعية والمقاصد الكلية لهذا الدين، وكذلك لا بدّ ألا ننسى فقه الموازنات القائم على جلب المصالح ودرأ المفساد، وأن نردّ الفروع إلى الأصول وأن نُعالج الجزئيات في ظل الكُليّات، وأن نكون دقيقين في الموازنة بين المصالح والفواسد، وأن نُلاحظ ما قرّره علماء الأمة من أنّ الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، وأن يُراعي المعادلة الصعبة وهي الحفاظ على الهوية دون الانكفاء والاندماج الايجابي والمشاركة مع مراعاة أننا في بلدٍ دخلناه بعهد أمان، أي تأشيرة، وأصبح عندنا منهم نسبًا وصهرًا وهي أصبحت لنا وطنًا وأرضًا، فالأصل هو أنّنا نمارس حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا وفق آليات معينة دون أن نصطدم مع القوانين، دون أن نتخلى عن هويتنا، دون أن نتساهل في ديننا، دون أن نُصادم المجتمع ونصطدم معه ببعض الأحكام، وأن نُراعي أنّ هذه الأوطان قدرنا أن نعيش فيها بأمان وسلام إذا ما التزمنا بالهدي القرآني والهدي النبوي بعيدًا عن التشدّد والغلو.</p> <p>يحيى أبو زكريا: والإسلام في كليّته الكبرى يُقدّس العهود والمواثيق والكلمة في الإسلام مُلزمة لصابحها، ولذلك نتبرأ من كل فقه يُجيز للمسلم أن يسرق هؤلاء بين قوسين الكفار، أن يحتال عليهم، هذا كلّه من فقه الشيطان وليس فقه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.</p> <p>دكتور محمد هشام سلطان، الأستاذ حسان موسى من ستكهولم قال عالمية الإسلام، وهو ما ورد في النصوص والأدبيات أنّ الإسلام دين عالمي "وما أرسنالك إلا رحمة للعالمين" وهو إقرار المولى عزّ وجلّ، لكن لماذا في تطبيقات الفقه ذهبنا إلى المذهبية، إلى الإقليمية، عندنا فقه لحي، فقه لشارع، فقه لمجموعة من البدو، فقه لمجموعة من العشائر، لا يوجد عندنا فقه عالمي، ولذلك عندما ذهب المسلمون إلى الغرب ابتُلوا بلاءً شديدًا جدًا إلى درجة أنّ بعضهم ترك هذا الإسلام أو الالتزام بالحكم الشرعي لأنّه لم يجد فقهًا يُسيّر له حياته في الغرب، ما الذي تقوله في ذلك؟</p> <p>محمد هشام سلطان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلم.</p> <p>في البداية هذا الموضوع فقه الاغتراب موضوع في غاية الأهمية، لأنّه يفتح لنا أبوابًا ويفتح قضايا متعددة، في البداية قبل أن أجيب على هذا الموضوع وعن عالمية الإسلام، أُحبّ أن أشير أنّ الشريعة الإسلامية قامت بوضع النظم والقوانين الصالحة لحياة الفرد والجماعة بجميع جوانبها الدينية والدنيوية، وهذا أيضّا ما ذهب إليه الإمام الشاطبي بقوله "إنّ من المقدمات الكلامية المُسلّمة أنّ وضع الشرائع إنّما هو لمصلحة العباد في الآجل والعاجل"، وهذا أيضًا ما ذهب إليه الإمام الغزالي أيضا في كتابه المستصفى إلى أنّ المصلحة الإسلامية وأنّ مصالح العباد هي القصد من الشريعة، ولذلك مقاصد الشريعة قامت على العالمية من زاوية وقامت على الرحمة الإنسانية من زاوية، يعني الرحمة بجميع البشر وليس بالمسلمين فقط وإنما بجميع البشر "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، وهذه الرحمة التي أرسل الله بها سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أرسله بالرحمة وأرسله بالقوانين العادلة، ولذلك الفقه الإسلامي أصلاً هو فقه ثابت، الفقه الإسلامي على رأي أصحاب المذاهب الإسلامية لا أقول الأربعة وإنّما أقول الثمانية وربما نزيد على ذلك، هناك فقه إسلامي ثابت، وهنا أحب أن أشير إلى أنّه ليس هناك ما يمكن أن نُسمّيه لا فقه الاغتراب بمعنى الاغتراب ولا فقه الأقليات بمعنى الأقليات، لأنّ الفقه أصلاً ثابت، والناس قسمين بالنسبة للذين يعيشيون في الغرب، قسمين: قسم من هو غربي أصلاً وأسلم وأخذ بالإسلام واعتنق الإسلام على طريقة مذهب معين أو طريقة معينة وسار على ذلك، وهناك أيضًا الجماعات الإسلامية التي ذهبت إلى الغرب، وطبعًا هنا نقول ذهبت إلى الغرب بحكم إمّا أنّها مظلومة، إما أنّها وضعها الاقتصادي ليس جيدًا، إما من الناحية السياسية أنّهم مظلومون سياسيًا وهربوا سياسيًا، ولذلك نرى في الغرب مثلاً الآن قضية تجري أنّ المراكز الإسلامية والجماعات الإسلامية كأنّها كوّنت مجموعات فقهية مُنفصلة عن بعضها البعض، وهناك صراع على المراكز الإسلامية بين القوى الإسلامية التي في المنطقة العربية، هؤلاء يريدون المركز الإسلامي في باريس يتصارع عليه مثلاً أهل الجزيرة العربية وإخواننا المغاربة مع العلم أنّ إخواننا المغاربة هم الأقرب إلى الفقه الموجود في فرنسا، كذلك أيضًا وجود الحركات الإسلامية التي تتصارع والتي أقامت صراعًا أيضًا على أخذ الفتوى بالطريقة الحركية أو بالطريقة الحزبية، وبقي هناك كثير من الناس لا مذهب لهم. ولذلك هنا الإسلام عندما أعطى الناحية الفقهية هناك ناحية فقهية إسلامية عالمية إلى كل العالم وفي نفس الوقت تتّسم هذه الناحية الفقهية بالمرونة من زاوية وباليسر من زاوية وبنفس الوقت "لا يُكلّف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت".&nbsp;</p> <p>هنا ممّا دخل على الناحية التي تجري في الغرب أنّ الذين عملوا في مجال الفتوى - لا أريد أن أتّهم الجميع - لم يعملوا بتقوى وورع، لم يأخذوا الأمور من أجل المصلحة الإسلامية العامة الكلية كما هي نظرة الإسلام، وإنّما البعض أخذها على الطريقة الحزبية كما قلنا، هذا يريدها وهابية وهذا يريدها بحركة على الطريقة التي هو عليها، وصارت هناك انقسامات، ولذلك الذين يعملون في هذا المجال من العلماء ومن الدعاة المفروض أن تكون أول قاعدة لديهم الخشية من الله، التقوى في هذا الأمر، التقوى في رعاية المسلمين خارج العالم الإسلامي، لأنّ هؤلاء المسلمين معظمهم لا يعرفون الفقه، حتى بعضهم لا ينتمي إلى فقه وإلى مدرسة فقهية.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور محمد، اتضحت الصورة، دعني أذهب إلى تونس لاستكمال نفس الفكرة من فضلك.</p> <p>دكتور فوزي العلوي، يفتقد العالم الإسلامي إلى مراكز ذات بُعد فقهي وتَدرس البيئة الاجتماعية السياسية، القانونية، الاقتصادية في الغرب، لم نرَ دراسات نهائيًا تتحدث مثلاً عن وضع النرويج، وضع السويد، وضع كامبوديا، وضع أستراليا، هنالك معلومات عامة، ثقافة عامة ليس إلا. بالإضافة إلى ذلك، عندما بعض الفقهاء يُصدرون فتاوى عن الغرب تأتيهم فتوى عبر وسائط الاتصال، عبر الهاتف، عبر الوسواس الخنّاس، افتونا في رأينا، إنّما هذا الفقيه أو هذا العامل في مجال الفتاوى يُفتي بناء على مُتخيّل، على تصور معين دون أن يُعايش الأحداث الواقعية، علمًا أنّ القرآن دين واقعي، الآيات تنزّلت على رسولنا العظيم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم واقعيًا، آية تُعالج واقعًا اجتماعيًا، سياسيًا، اقتصاديًا. بنظرك لماذا قصّرنا في الاهتمام بالجاليات المسلمة في الغرب وغيره ولماذا لا نعتبر هذا الوجود الإسلامي هو قوة رافعة ودافعة للوجود الإسلامي في خط طنجة - جاكرتا؟</p> <p>فوزي العلوي: بسم الله الرحمن الرحيم، ما أشرتم إليه وتفضلتم به تعبير عن مفارقة حقيقية في تناولنا لمسألة الفقه والفقاهة في علاقتها بالغربة والاغتراب، وتشديدكم على دور المراكز البحثية ومراكز صناعة العقول في الاهتمام بقضايا المهاجرين ودراسة أوضاعهم والتصدي لهذه القضايا في إطار مقاربات علمية، مقاربات واقعية ميدانية، قد تساعد في تقديم بدائل وصناعة رأي عام فقهي صالح لأن يُقدّم مثل هذه الأجوبة. ما ينقصنا هو فعل التشخيص، وفعل التشخيص لواقع المسلمين، لواقع الهجرة، لحال المسلمين في الغرب، هذا من واجب المراكز البحثية سواء كانت أهلية أو سواء كانت رسمية. إذًا نعترف بأنّ للمراكز البحثية ولما يُسمى بالمجتمع المدني ومعظم المراكز هي ذات بعد مدني إنّما هي مقصّرة في مؤازرة الجهد الدعوي والجهد التبليغي الذي تقوم به المؤسسات الدينية. لذلك فإنّ التصدي لهذه المسألة يقتضي تضافر جهود الأكاديميين والمجتمع المدني ومختلف التشكيلات المجتمعية. يجب أن نُشير أولاً إلى أنّ مسألة فقه الاغتراب لها جانبين أو أكثر، أهم هذان الجانبان، هما البعد المعرفي والبعد السلطوي، ذلك أنّ مسألة الفقه إنّما تستند أساسًا إلى علاقة جدلية بالسياسي وليس بالسياسة "Le Politique"، لجهة أنّ ارتباط الفقه بالمسألة السياسية وهو جدير بها ولا فصل في الإسلام ولا فصل في مسألة الفقه بين السياسي والديني بل هما متداخلان مُتماهيان متحايثان، وأي قول بغير هذا أنما هو رجم بالغيب.&nbsp;</p> <p>إذًا يبدو أنّ بداية مأسسة الفقه العملية الفقهية خاصة في اللحظة الأموية أدّت إلى علمنة أولية لعمل مسألة الفقه حين تصدى رجل السياسة للقضايا المجتمعية ولقضايا الحركة المجتمعية وجعلها تحت إمرته وسطوته وترك هامش الحرية للفقهاء للتصدي للأجوبة والحلول الفردية، وبذلك انقسمت مسألة الفقه في بداياته بين احتكار رسمي سلطاني يتصدى لسؤال الجماعة ولقضايا المجموعة، وتصدى الفقهاء في أفرادهم وشخوصهم لمسألة الأفراد وتحوّل منذ تلك اللحظة عملية الفقه كأنّه تقديم حلول فردية وليس جماعية وكأنّ الإسلام هو دين للأفراد وليس دين للجماعة. هذه اللحظة تُشير إلى مأزق آخر وهو علاقة الفقه بالمعرفة، ذلك أنّ الفقه هو سطوة وسلطة، وكما يقول ميشال فوكو "أنّ السلطة ليست دائما سياسية بل هي سلطة معرفية أيضًا"، لذلك نرى أنّ المؤامرة التي حلّت بعمل مؤسسة الفقه سواء كانت فردية أو جماعية إنّما أثرت على أدائها عبر العصور، فأن يتحول الفقه إلى دولاب تابع للمؤسسة السياسية سواء تبريرًا، سواء تفسيرًا، سواء تأويلاً، إنّما أثر على أداء عمل الفقه والمؤسسة الفقهية لاسيما وأنّ دور الفقه إذا لم يتسلّح بالدور المعرفي والابستمولوجي يكون ناقصًا.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور فوزي العولي، فقط لأنّنا أوشكنا أن نُنهي المحور الأول، تصديقًا لكلامك السياسة وصناعة الفقه، للأسف المسلمون في الغرب أيضًا صاروا يتصارعون سُنّة وشيعة، يعني نقلنا ضياعنا، نقلنا العمى الديني والرباني للأسف الشديد إلى بلاد الاغتراب فصرنا نُنمّر ضدّ بعضنا البعض ونتنابذ بالألقاب والشتائم وحسبنا الله ونعمة الوكيل.</p> <p>مشاهدينا فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.</p> <p>&nbsp;</p> <p>المحور الثاني:</p> <p>يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديد عُدنا والعود أحمدُ، ومن أدرك حلقتنا الآن نحن نعالج موضوع "فقه الاغتراب"، هو فقه الداخل ناقص، لم يُتمّم، والاجتهاد مغلق، فما بالكم بفقه الاغتراب.</p> <p>عمومًا، أستاذ حسان موسى، دعني الآن في البلاءات، في المصاديق، لأنّه وأنا أتجول في بلاد الفرنجة والله كنت أبكي بدل الدمع دمًا عبيطا، مثلاً رأيت مسلمين يشترون الدجاج من التعاونيات الغربية وهو غير مذبوح، غير مزكّى على الطريقة الإسلامية، وأسأل كيف تجيزون لأنفسكم أكله يقولون نضعه تحت الماء ونكبّر ثلاث تكبيرات فيطهر، قلت لهم على هذا حتى الخنزير يطهر بهذه الطريقة، أيضًا أمور أخرى، التحايل على الدولة، مثلاً تجد السليم الصحيح القوي يدّعي أنّه مريض وعلى وشك الانحطاط ويُقدّم عمودًا فقريًا مُنحنيًا حتى يحصل على عطايا من الدولة، أو ما يُسمى بالزواج الكاذب والطلاق الكاذب، تجد المسلم يُطلّق زوجته في الأوراق ليحصل على عطايا مزدوجة للزوجة وله، لكن في الليل يلتقي بها وفي النهار يجمع من خلالها أموالاً.</p> <p>ضعني في صورة البلاءات التي ابتُلي بها المسلمون فأوجدوا لها أحكامًا شرعية مُزوّرة، مُزيّفة، وبذلك أفسدوا الإسلام وألقه وطهره بالدرجة الأولى؟</p> <p>حسان موسى: الحقيقة نحن ما بين فتاوى تأتينا من عالمنا العربي الذي لا يُراعي فقه النص وفقه الواقع فيقصفنا بجملة من الفتاوى تنحو منحى التشدد والغلو والتطرف أو الاكراه، وهذه الفتاوى أثّرت على واقع الأقليات المسلمة في بلاد الاغتراب، وبين منتحلين للشريعة أو للفقه أو للحديث باسم الدين فيأتون بفتاوى تقوم على فقه الاستحلال والتكفير والتفجير وجزّ الرؤوس وقتل الأنفس وإزهاقها وخراب العمران والبُنيان، وبين كذلك جالية ولا أستعمل كلمة الجالية لأنها من الجلاء ولكن أريد دائمًا أن أكرّس كلمة الأقلية لأنّ الأقلية لها مفهوم قانوني في الأمم المتحدة يُعطي جملة من الحقوق، لأنّ الأقلية قد تكون تختلف عن الأغلبية عرقًا أو دينًا أو ثقافةً أو لونًا. جاء فقه هذه الأقليات من خلال عمل جاد الحقيقة للكثير من المرجعيات الدينية بدأها الأزهر الشريف، حيث أسّس مرصدًا للأقليات وعقد العديد من المؤتمرات، كما قامت رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بطرح موضوع الأقليات عبر مسائل وأقضية تُناقش في بحوث، وكذلك المجمع الفقهي الدولي الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي الذي تُشارك فيه جميع الدول وجميع المذاهب المعتمدة والمعتبرة المُمثّلة في بُلداننا الإسلامية. جئنا إلى أوروبا فوجدنا أولاً جالية تُفكر في الرحيل بعد أن تنقضي دراستها أو تُحقّق بعض الأرزاق وبعض الأموال وانتقلنا من مفهوم الجالية إلى مفهوم الأقلية ومن مفهوم التوطين إلى مفهوم المُواطنة، ومن هناك انتقلنا إلى بناء مؤسسات فقهية ومرجعيات شرعية، لكن للأسف دائمًا نأتي بأقذر وبأمراض في عالمنا العربي والإسلامي فننقلها فنُشتّت شملنا وتمزّق صفنا وتدعونا دائمًا كما ذكرت إلى الخلاف. لكن رغم هذا الظلام الحالك هناك جهد جماعي من خلال جهود فردية ومؤسساتية لإيجاد حلول لهذه المسائل التي استجدت. وصراحةً ممكن بعض المستمعين الآن يقولوا ما هذا الفقه؟ فقه المغترب وفقه الأقليات أو فقه المسلمين في بلاد غير الإسلام، هو فقه أيّها الإخوة نوعي يُراعي ارتباط الحكم الشرعي بظروف الجماعة والمكان الذي تعيش فيه، وهو فقه عام لا يُمكن إدراجه ضمن فقه الفروع بل لا بدّ من إدراجه ضمن الفقه العام، لكن له خصائص ومميزات وحدود يُراعي فيها بعض القواعد الفقهية، مثلاً المسلمون عند شروطهم - أبدأ بهذه النقطة - معناها أنت لا يجوز لك أيّها المسلم كما قلت دكتور يحيى أن تتحايل أو أن تغش أو أن تسرق أو أن تستحل أو أن تعتبر هذه دول كفار فتأخذ أموالها وتستبيح أعراضها. أنت تواجه مشكلة في الأكل الحلال، في المواد الغذائية، في اللحم الحلال، في قضية إبرام بعض العقود التي فيها شروط ربوية، هنا المشقة تجلب التيسير وأنّ الأمور بمقاصدها وأنّ ما لا يتمّ &nbsp;الواجب به فهو واجب، وأنه لا ضرر ولا ضرار، وأنّ الضرر يُدفع بقدر الإمكان، وأنّ الضرر يُزال بقدر الإمكان، وأنّه يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، وأنّ درأ المفسدة مُقدّم أولى من جلب المصلحة، وهكذا وأنّه لا يزال المنكر بمنكر أكثر منه، وأنّ المتشدّد يشدّ الله عليه. بعض القواعد التي يُمكن أن نلتزم بها عندما نتعامل مع النصوص.&nbsp;</p> <p>بعض الأسئلة، ممكن أنا أريد المشاهد العربي حتى يستفيد لأني أنا أعيش في الغرب لا أعيش في العالم الإسلامي، واحدة متزوجة بأوروبي من أي جنسية كانت تعيش في سعادة ووئام وعندها أولاد أسلمت، إذا أخذنا بموروثنا الفقهي فنحن سوف نُسبّب لها حرجًا وقد تترك الإسلام لأنّها تكون بين خيارين، بين حياتها الاجتماعية وبين أن تعيش هدي الإسلام. أعطيك مثال ثانٍ، شاب أسلم، والده من الأغنياء الأثرياء، وبعد أن توفي والده إذا ذهبنا إلى القول أنّه لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولم نبحث في فقهنا وموروثنا فسوف نجعله يعيش في عَنَتٍ وهذه الأموال تذهب إلى إدارات حكومية قد تستخدم حتى ضدّ الإسلام. سؤال ثالث، أطرح تساؤلات، رجلٌ مثلاً يشتغل في مطعم، هذا المطعم يبيع الخنزير والخمر إلى غير ذلك، فإذا قلنا له لا تشتغل، ما هو الحل وما هو البديل؟ لهذا امرأة يا سيدي، عندنا الأزمة العراقية كثير من العائلات، وعندنا الآن في الأزمة السورية كثير من النساء لا أب لها ولا عم ولا خال وتريد أن تتزوج وهناك من المذاهب وعلى رأسها المذهب المالكي والشافعي والحنبلي وغيرها من المذاهب تشترط الولي، فمن أين نجد لها الولي، وهل نُعضلها ونجعلها تعيش في عَنَةٍ. مثلاً موضوع الاستحالة، كل المواد فيها مولد جلاتين.</p> <p>يحيى أبو زكريا: نعم أستاذ حسان، أشرت إلى بلاءات حقيقية وأنا أعلم أنّ في جعبتك مئات ألاف المصاديق.</p> <p>حسان موسى: حتى نُكمل الفكرة حتى لا يفهمني المشاركون خطأً، أُكمل الفكرة، نحن لا نأتي بفقه جديد، نحن نعود إلى تراثنا وموروثنا الفقهي عند المذاهب المعتبرة والمعتمدة والمعمول بها عند جميع الطوائف والمذاهب، ثم نتعامل معها من خلال نصوص الوحيين أي ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء في القرآن، ثم نرجع إلى القواعد الفقهية والأصولية التي ذكرت البعض منها، ثم نتعامل مع واقع فيه تتغير الفتوى زمانًا ومكانًا من خلال الفقه العام لنجلب التيسير للناس، والمشقة كما تقول القاعدة الفقهية المشقة تجلب التيسير.</p> <p>وبهذا نحن لا نبتدع فقهًا جديدًا ولا نخرج على مصادر التشريع الإسلامي وهي القرآن والحديث والإجماع.</p> <p>&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: أستاذ حسان، في آليات الاجتهاد من الحيوية والديناميكية ما يصنع أحكامًا شرعية حتى لسكان المريخ إذا وجدوا وسكان عطارد إذا وجدوا، لكن المسلمين اختاروا تجميد العقل والجمود على النص.</p> <p>بالإضافة إلى ما ذكرته، هنالك إشكالية أخرى، أنّ بعض المسلمين أرادوا أن يحققوا أرباحًا طائلة من خلال تزوير الإسلام، وقد أجريت تحقيقًا موسعًا عن اللحوم الشرعية في أوروبا لأنّ اللحوم الشرعية صارت مثل النفط تجلب ربحًا كبيرًا جدًا لحرص المسلمين على الحلال، فيذهب التاجر يشتري لحوم من المحلات الدنماركية، السويدية، النرويجية، البريطانية ويجلبها إلى محله ويضعها في أكياس جديدة مكتوب على الأكياس الجديدة حلال فيُقبِل المسلمون على شراء أكياس الحلال.</p> <p>لقد تاجرنا حتى في الحلال وأدمنّا الحرام، لذلك سلب الله منّا التوفيقات.</p> <p>دكتور محمد هشام، ما قاله الأستاذ حسان هي بلاءات واقعية، أنتم مثلاً في الهيئات الإسلامية العربية هل ناقشتم ذات يوم ما يتعرض له المسلم في الغرب من بلاءات، عندما مثلاً تأتي الشرطة وتأخذ الأولاد من الرجل المسلم في الغرب كيف يجب أن يتصرف؟ عندما الزوجة تضيع أو البنت تضيع كيف نُحصّنها بالإسلام؟ أم أنّنا نحن في الإسلام نحب الشِعر ونُحب الشعارات هذا ديدننا وهذا مدى علاقتنا بالإسلام؟</p> <p>محمد هشام سلطان: في هذا الموضوع، هذه البلاءات التي ذكرتها والتي يعرفها الأستاذ حسان، بلاءات كثيرة ولا شك أنّها دخلت ضمن الحوارات التي تُعقد في كثير من المنتديات والمؤتمرات، لكن الموضوع يمكن ربما يكون أكبر من ذلك، لأنّ ما يجري في داخل المؤتمرات عبارة عن تنظير، تنظير لما هو موجود أو في بعض القضايا، مع العلم أنّ الذي يجري في الواقع أمر آخر ويحتاج فعلاً إلى معالجة حقيقية، وهنا الأمر يُعيدنا إلى المقارنة، أنّنا إذا نظرنا إلى فقه الاغتراب في الماضي والحاضر، عندما نظرنا إلى المسلمين الذين ذهبوا في الماضي إلى شرق آسيا، إلى اندونسيا، إلى البلاد غير الإسلامية، وتحولت هذه البلاد من هؤلاء الناس البسطاء إلى بلاد إسلامية وأصبحت اندونسيا أكبر دولة إسلامية دون أي قضية من القضايا التي يُركّز عليها العالم الخارجي، المسلمون في طبيعتهم عندما يُتركون وطبيعتهم الطبيعية يقومون بمعالجة كل الأمور، ومن الناحية الفقهية كما هو معلوم بالنسبة إلى الناس الآن تأخذ بالفقه الأصيل والفقه الأصيل فيه كلّ ما يحلّ المشاكل، وكما تفضلت لو أنّنا الآن نريد أن نذهب إلى المريخ لوجدنا من الناحية الفقهية أو عند الفقهاء لوجدنا هذه القضايا تُوضّح لنا كيف نحل هذه المعضلات. وفي تصوري أنّ المؤتمرات الإسلامية فاشلة في هذا الموضوع، لأنّ هذه المؤتمرات كلها كما أشرت في البداية تابعة لدول، هذه المؤتمرات تتحدث الآن بصفة دول معينة، إن كان منظمة المؤتمر الإسلامي أو رابطة العالم الإسلامي أو أي رابطة من الروابط، كلها كانت تتبع فكرًا واحدًا وهذا الفكر يريد أن يُهيمن على الفكر الإسلامي العام، وهذا أمر لا يقبل، ولذلك نحن الآن نرى أنّ هناك نوع من الانفراج في الناحية الفكرية وأنّ على الناس الذين يعيشون في بلاد الغرب والذين يعيشون في العالم الآخر عليهم أن يختاروا دعاة، علماء، فقهاء، يحلوا مشاكلهم، هذه ليست مشاكل معقدة هذه مشاكل عادية ومشاكل كلها لها حلول عند الفقهاء، لكن يحتاجون إلى العلماء الذين يقومون بهذه المهمة وبصورة التقوى وبصورة المرح.</p> <p>يحيى أبو زكريا: لكن دكتور محمد، بالله عليك وأنت متخصص في الشريعة الإسلامية، أين كُتب فقه الاغتراب؟ لماذا ظلت هذه المنطقة منطقة فراغ كبير وعملاق في الأحكام الشرعية؟ أين فقه الاغتراب ككتب؟ أتحدى أي باحث وأكاديمي يُعطيني عشر كتب في مجال فقه الاغتراب والأحكام الشرعية للمغتربين في كل البلاءت، بلاءات العبادات والمعاملات، وما استجد أيضًا على المسلمين؟</p> <p>محمد هشام سلطان: للأسف الشديد، أنا بالأمس كنت أبحث عن هذا الموضوع، عن بعض المؤلفات في فقه الاغتراب فما وجدت شيئًا، وجدت ما يتعلق بفقه الأقليات، فقه الأقليات هذا لا يعتبر فقها، لأنّ هذه الأقليات تابعة إلى ما هي تابعة إليه &nbsp;إن كانت منظمات أهلية أو منظمات دولية أو منظمات تتبع لدول معينة، هذا للأسف غير موجود، مع العلم طبعًا أنّ هناك مؤامرة أصلاً على الفكر الإسلامي من أوله إلى آخره، مؤامرة إن كانت على الناحية العقائدية أو كانت على الناحية الفقهية، الناحية الفقهية نفسها هي كانت تعيش في حالة حجر. ولذلك ما يدعو إليه بعض العلماء في قضية الاجتهاد هذا أمر هام وللغاية، ولذلك نحن ندعو إلى فتح باب الاجتهاد في قضايا فقه الاغتراب وفي جميع القضايا الفقهية في الفقه الإسلامي، لأنّ هذا هو الذي يُيسّر لنا الحل في حل قضايا المغتربين الذين يعيشون في عالم الاغتراب. والمصلحة الإسلامية يعني جلب المنافع ودرأ المفاسد هذه باعتبار كأنّها قاعدة فقهية يسير عليها العلماء، والاجتهاد بالفعل هو الذي ينظر أين هي المنافع وأين هي المضار وأين هي المفاسد وكيف نَرعى العالم الإسلامي في غَربه وشرقه؟ هذا ما أردت قوله في هذا المقام.</p> <p>يحيى أبو زكريا: يا دكتور محمد، الاجتهاد اجتهادان، اجتهاد تفكير، واجتهاد تكفير، نحن للأسف الشديد اجتهدنا في التكفير ولم نجتهد نهائيًا في التفكير.</p> <p>دكتور فوزي العلوي، بنظرك ما هي الطرائق والأساليب البحثية التي يُمكن اعتمادها لتعبئة منطقة الفراغ هاته ونوجد فقه اغتراب ونصيغ أحكامًا شرعية تُسهّل حياة المسلمين في الغرب ولا تُعقّدهم؟</p> <p>فوزي العلوي: أكيد قبل الاشارة إلى فقه الاغتراب يجب أن نؤسّس لفقه المواطنة وما أحوجنا نحن المسلمين إلى أن نؤسّس لفقه مواطنة تجعل المسلم في وطنه ليس غريبًا، والقوانين الدستورية والمؤسسات والأعراف كلها تنسجم مع روحية الفقه والفقيه، هذا من جهة. من جهة ثانية، يجب على المؤسسة الفقهية أن يُعاد بناؤها بعيدًا عن الإمّيّات، إمّا هذا وإمّا هذا، ذلك بأن &nbsp;تضطلع بمهام توفيقية فلا يمكن للعقلية الفقهية أن تتوقف عند دائرة الشريعة والتشريع فحسب بل عليها أن تذهب أيضًا لمُلامسة الحقيقة الصوفية العرفانية من خلال مؤازرة الشريعة والشرعي بالحقيقة والمعرفة.</p> <p>إذًا الجمعُ بين المسألتان هما بحاجة إلى التأسيس للفقه العالِم والفقيه العالِم، لاسيما أنّ كبار الفقهاء والأدوار الفقهية الكبرى في تاريخنا الإسلامي وفي مدونتنا التراثية كان فقهًا عالِمًا، أما أن تضطلع المسألة الفقهية بدوائر محدودة إنّما هي إساءة لدور الفقه ولدور الفقهاء، هذا من جهة. من جهة ثانية، يجب أن نُثمّن ما قام به الإمام الخميني رحمة الله عليه حين أعاد ترتيب أولويات الفقه الأصغر والأكبر، فجعل من الفقه الأصغر وهو الفقه في دلالاته الكلاسيكية وهو الأدوار المعهودة على الفقهاء في وظائفهم ومهامهم المعهودة ليجعل من الفقه الأصغر وهو الأدوار المعرفية والعرفانية متآزرة، متضامنة ومتكاملة، وبذلك أعطى...</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور فوزي، نحن لم نصل بعد إلى مرحلة تشارك العقل الإسلامي، اليوم السني لا يأخذ من الشيعي والشيعي لا يأخذ من السني، وكل طرف يرى الآخر بلاءً بل ونجاسة، أنت كيف تُريد أن تعمّم فكرة إسلامية سيُقال لك هذه مصدرها شيعة أو مصدرها السنة، دعنا مبدئيًا نؤسّس لعقل جماعي، لعقل إسلامي، على قاعدة لا إله إلا الله محمد رسول الله ثم بعد ذلك نتحدث عن اجتهاد هنا واجتهاد هناك، كل بلاء المسلمين اليوم هذه الفرقة المذهبية قتّلها الله تعالى.</p> <p>فوزي العلوي: يُضاف إلى ذلك أنّ هذا الخلل البنيوي في ثقافتنا اليوم وفي تديننا وليس في ديننا، ديننا براء من هذه الترهات بل هو في تمثلنا وفهمنا للدين وتمثلنا أيضًا للدور الفقهي والفقهاء. ثمّ علينا أن نُشير أيضًا إلى أنّ هناك مؤامرة لا تتعلق بوقف باب الاجتهاد بل تتعلق أيضًا بأدوار سياسوية لها علاقة بالآخر من خلال تكريس نمط معين للدين وتصور نمطي للإسلام ولفقه معين والعمل على ترويجه عالميًا حتى يُقدّم صورة لا حضارية، صورة متوحشة، غرائزية، لا علاقة لها لا بالزمان ولا بالمكان، لا بالزمانية ولا بالمكانية أيضًا، فعلى الفقه أن يُراعي الزماني والمكاني، ولنا في تجربة الإمام الشافعي خير دليل على ذلك، فالإمام الشافعي خلال إقامته في العراق أفتى جملة من الافتاءات، عند انتقاله إلى مصر غيّر 16 حكمًا شرعيًا، ليس حوّله فأصبح الحرام حلالاً والحلال حرامًا، &nbsp;بل في التفاصيل وفي تنزيلها على الواقع المصري، لأنّ الزمانية المكانية المصرية ليست هي الزمانية والمكانية العراقية رغم أنّنا ننتمي إلى جغرافيا واحدة لكنّها غير متماهية من حيث التفاصيل ومن حيث الدلالات.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور فوزي، لا تنسى أنّ محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله تعالى كان أصوليا وكان فقيها وقد سمح له علم الأصول أن يُعطي ديناميكية للاستنباط الشرعي.</p> <p>أستاذ حسان، لقد جئت أو وصلت إلى عمدة البحث أيضًا، الإسلام المذهبي، التسنّن، التشيّع، التصوّف، هل أثّر عليكم في الغرب؟ هل مازالت عقليات المسلمين في الغرب مُشتّتة بين مُكفّر ومتبرئ من هذا المذهب؟ أرجو أن تضعنا في الصورة من فضلك.</p> <p>حسان موسى: أستاذ يحيى لو سمحت لأنّه هناك خلط وأنا أستمع لبعض إخواننا الذين يعيشون في العالم العربي كأنّهم يعتبرون أنّ فقه الأقليات يتناقض مع &nbsp;الأقليات، أولاً المغترب هو الذي يعيش في بلاد غير الإسلام ولهذا نحن نبحث له عن إجابات عن بعض الأقضية والقضايا التي تلامس حياته اليومية في مأكله ومشربه ومعاملاته وزواجه وطلاقه وحضانته لأبنائه ومعاملاته المالية ومعاملاته الإنسانية. ولهذا أنا ألتمس العذر لمن لم يعش في بلاد الغرب ولا يُدرك هذه الكلمات، نحن عندما نقول الجالية هي جاءت من الجلاء وكأنّ هذه الوفود والمجاميع البشرية وصلت وسوف ترحل وتجلى عن هذا البلد، ولهذا نحن بحثنا كعاملين في العمل الإسلامي وفي الدعوة وفي التوجيه عن كلمة تُلامس، توافق، توائم بين المصطلحات القانونية والمصطلحات الشرعية وهي الأقلية، الأقلية لها حقوق وعليها واجبات ويمكنها أن تتمايز بخصائص وأن تستفيد من بعض التشريعات.</p> <p>يحيى أبو زكريا: أستاذ حسان، أجبني على سؤال لأنّ الوقت انتهت وسوف تختم الحلقة أنت.</p> <p>حسان موسى: للأسف للأسف أخي يحيى نحن جلبنا معنا هذه الخلافات الفقهية والمذهبية وأقولها بأعلى صوتي لا يدّعي أحد من أي الطوائف أو المذاهب أنّه بعيد عن التنمر كما قلت أو التكفيري أو التجهيلي أو التفسيقي أو الاقصائي أو النظرة السلبية إلى الآخر، لا تخلو طائفة ولا مذهب شيعة وسنة وإباضية وزيدية فالكل دلا بدلوه في هذا الفضاء ولم يقصّر بحق الآخر. ولكن مع مرور الزمن واصطدامنا بالواقع المرير والواقع الغربي المُتسارع وهذه الشعبوية وهذا اليمين المتطرف أعتقد أنّنا بحاجة إلى أن نعود إلى أنفسنا وأن نقرأ نصوص القرآن وهدي النبي عليه الصلاة والسلام وأفعال الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين قراءة صحيحة، علينا أن نعود إلى موروثنا الفقهي بما فيه وأن نُطبّق قاعدة...</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور حسان، ذات يوم كنت استمع إلى بحث، كنت حاضر في بحثٍ للمستشرق السويدي كريستان هيدين في جامعة أوبسالا، يقول كلمة جميلة، يقول العجيب أنّ الكتلة الغربية ترى المسلمين أمّة واحدة بشيعتهم وسنّتهم وإباضييهم وزيدييهم واسماعيلييهم وما إلى ذلك، لكنّ المسلمين يتعاملون معنا في الغرب أُمما شتى شيعًا وفرقًأ، متفرقين كل واحد يذمّ الآخر، فعجبت لهذه العقليات التي لم تتعلم من عظمة الإسلام في التاريخ.</p> <p>تلك مصيبتنا، تلك بليتنا، أخي حسان موسى أتمنى لك أيام هنيئة، وندعو الله تعالى أن يوفّق المسلمين جميعا في الغرب شكرًا جزيلا لك. الدكتور فوزي العلوي من تونس الحبيبة شكرًا جزيلا لك. الدكتور محمد هشام سلطان من الأردن الحبيب شكرًا جزيلاً لك.</p> <p>مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها، إلى أن ألقاكم مرة أخرى هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبدًا ودائعه.&nbsp;</p>