فلسطين... الحرب على المقدّسات

لم يوفر الكيان الصهيوني مسجداً ولا كنيسة إلا وطاوله بعدوانه، ناهيك بانتهاكه الدائم للمسجد الأقصى المبارك، إذ دمر الكيان الصهيوني أزيد من 60 مسجداً تدميراً كاملاً، فيما ألحق أضراراً بالغة بأزيد من 100 مسجد، واستهدف 3 كنائس ..كما إن انتهاكه الدائم للإنسانية والطفولة المذبوحة في فلسطين تملي على علماء الدين من الديانتين الإسلامية والمسيحية القيام بواجبهم تجاه إنقاذ الأديان والإنسانية.. وللتذكير فقط، فإن مئات الفتاوى في مرحلة ما سمّي بـ"الربيع العربي" صدرت من كبار العلماء للنفير والجهاد في الجغرافيا العربية والإسلامية، وعندما تعرضت فلسطين لأكبر محنة ومذبحة، سكتت كل تلك الأصوات التي ارتفعت بقوة مضرمة الفتنة في البلاد العربية والإسلامية، فهل يمكن للإسلام أن يقبل بقتل الأخ ويمكّن للعدو الحقيقي لهذه الأمة ومقدساتها؟

نص الحلقة

<p> </p> <p>تقرير:</p> <p>لم تقتصر الإبادة الصهيونية على تدمير البُنيان وقَتْل الإنسان وذبح الأطفال في فلسطين المحتلّة، بل امتدّت إلى تدمير مُقدّسات المسلمين والمسيحيين، المُكوّن التاريخي والديني العريق لفلسطين، وتَرَقّت إسرائيل إلى ذروة الهمجية وباتت تقصف المساجد والكنائس، حيث دمّرت أزيد من 60 مسجدًا تدميرًا كاملًا، فيما ألحقت أضرارًا بالغةً بأكثر من 100 مسجد واستهدفت ثلاث كنائس.</p> <p>وإسرائيل الطارئ المحتلّ لفلسطين تعمل على وأدِ الهوية الإسلامية والهوية المسيحية لفلسطين، التي تضامنت كنائسها مع مأساة العصر التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني، وقد تبلورت وحدة المسار والمصير بين المساجد والكنائس عندما أعلنت كنائس فلسطين إلغاءها احتفالات الميلاد المجيد تعبيرًا عن الحزن الكبير الذي حاق بالشعب الفلسطيني.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.</p> <p>لم يُوفّر الكيان الصهيوني مسجدًا ولا كنيسة إلا وطاوَلها بعدوانه، ناهيك عن انتهاكه الدائم للمسجد الأقصى المبارك. ودمَّر الكيان الصهيوني أزيد من 60 مسجدًا تدميرًا كاملًا، فيما ألحق أضرارًا بالغةً بأزيد من 100 مسجد، واستهدف ثلاث كنائس. كما أنّ انتهاكه الدائم للإنسانية والطفولة المذبوحة في فلسطين تُملي على علماء الدين من الديانتين الإسلامية والمسيحية القيام بواجبهم تجاه إنقاذ الأديان والإنسانية.</p> <p>وللتذكير فقط، فإنّ مئات الفتاوى في مرحلة ما سُمّي بالربيع العربي صدرت من كبار العلماء للنفير والجهاد في الجغرافيا العربية والإسلامية، وعندما تعرّضت فلسطين لأكبر محنة ومذبحة سكتت كل تلك الأصوات التي ارتفعت بقوّة مُضرمةً الفتنة في البلاد العربية والإسلامية. فهل يمكن للإسلام أن يقبل بقتل الأخ ويُمكّن للعدو الحقيقي لهذه الأمّة ومُقدّساتها؟</p> <p>"الحرب على المقدّسات" عنوان حلقتنا الحوارية، ويُشاركنا في النقاش من القدس المطران عطا الله حنّا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذوكس، ومن القاهرة الدكتور الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، وهنا معي الدكتور الشيخ بلال شعبان، الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي.</p> <p>مُشاهدينا مرحبًا بكم جميعًا.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: الأب عطا الله حنّا، ميلاد مجيد ونتمنى لكم كلّ التوفيق في الأرض المحتلّة. </p> <p>مبدئيًا لماذا يحمل الكيان الصهيوني في فكره، في أدبياته، مبدأ المُعاداة للأديان، للمسيحية، للإسلام، لكلّ الأفكار التي جاءت من السماء؟</p> <p> </p> <p>عطا الله حنا: حقيقة هذا الاحتلال الغاشِم هو احتلال عُنصري إقصائي يستهدفنا كفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، كما أنّه يستهدف الأمّة العربية كلّها، ولذلك نحن دائمًا نقول بأنّ القضية الفلسطينية وقضية القدس هي قضية الأمّة العربية من المحيط إلى الخليج، ذلك لأنّ المُتآمر على فلسطين والذي يذبح أهلنا في غزّة في هذه الأوقات العصيبة والذي يستهدف القدس ومُقدّساتها هو ذاته مُتآمر على الأمّة العربية. لا يجوز أن يعتقد بعض العرب أنّ مَن يُعادي فلسطين ومَن يتآمر على فلسطين ومَن يقتل أبناء فلسطين يمكنه أن يكون في وقتٍ من الأوقات صديقًا للعرب. وبالتالي وَجَب أن نقول لأبناء أمّتنا العربية أنّكم عندما تُدافعون عن فلسطين وعندما تُدافعون عن غزّة وعندما تُدافعون عن القدس ومُقدّساتها أنتم تُدافعون عن أنفسكم، عن تاريخكم، عن تُراثكم، عن أصالة وجودكم، وعن ارتباطكم الوطني والروحي بهذه المُقدّسات التي تحتضنها مدينة القدس.</p> <p>حقيقةً هذا الاحتلال الإقصائي يستهدف المسجد الأقصى ويستهدف المقدّسات والأوقاف الإسلامية، كما أنّه يستهدف أيضًا مُقدّساتنا وأوقافنا المسيحية في كلّ يوم، في كلّ الأوقات هنالك تعدّيات. ولكن إسمح لي أن أُوضّح نقطة يجب أن تسمعونها مني كرجل دين أمثّل كنيسةً عريقة عُمرها أكثر من ألفي عام في فلسطين وفي القدس تحديدًا، عندما يُعتدى على المسجد الأقصى لا يُعتدى فقط على المسلمين، بل يُعتدى علينا جميعًا، وعندما يُعتدى على مُقدّساتنا وأوقافنا المسيحية يُعتدى علينا جميعًا، إنّ مقاومة هذا الاحتلال وهذا المدّ العنصري الإقصائي يجب أن تكون من خلال الوحدة، من خلال التضامُن، من خلال التفاعُل، ومن خلال نبذ ورفض أيّ خطاب إقصائي، أيّ خطاب عنصري، أيّ خطاب هدفه إثارة الضغينة والتشرذُم في مجتمعاتنا.</p> <p>طبعًا الاحتلال سياسته فرّق تَسُد، يُريدنا أن نكون منقسمين ومُفكّكين، ولذلك وَجَب علينا أن نواجه هذه السياسة بالوعي، بالوحدة، بالرَصانة، وبالتمسّك بالوحدة الوطنية والإنسانية التي تجمعنا كمسيحيين ومسلمين، ولا أستثني طبعًا اليهود، اليهود الذين لا يتبنّون الفكر العنصري الإقصائي الذين هم يقفون معنا ويُدافعون عنّا وعن قضيّتنا ويرفضون الاحتلال وسياساته العنصرية.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: نعم أبانا عطا الله حنّا، أشرت إلى أنّ الأديان كلّها في الواقع هي ضدّ الظلم، الغطرسة، استعباد الإنسان، لكن إذا كانت الكنيسة المشرقية واضحةً في موقفها تجاه العدوان الصهيوني، هل موقف الكنيسة في الغرب كذلك؟ باعتبار أنّ الجغرافيا الغربية سياسيًا هي مُتحالفة مع الكيان الصهيوني وداعِمة له، فهل صوت الكنيسة واحد في دعم نضال الشعب الفلسطيني والانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني؟</p> <p> </p> <p>عطا الله حنا: بما أنّنا نعيش في هذه الحُقبة التي فيها نحتفل بعيد الميلاد المجيد، طبعًا تمّ الاحتفال بعيد الميلاد حسب التقويم الغربي، ويوم السابع من يناير نحتفل بعيد الميلاد حسب التقويم الشرقي، وبعد أيام نستقبل أيضًا رأس السنة المدنية الجديدة. من وَحي هذه المناسبة الروحية، من وَحي عيد الميلاد المجيد، ومن أرض الميلاد، يجب أن نُذكّر العالم المسيحي في كلّ مكان في مشارِق الأرض ومغارِبها بأنّ مَهْد المسيحية هو فلسطين، نحن لم نستورد المسيحية من الغرب كما نستورد اليوم كلّ التقنيات والتكنولوجيات، قبل أكثر من ألفي عام هنا ولِدَ السيّد المسيح ومن هنا انطلقت رسالته إلى مشارق الأرض ومغاربها، ولذلك نحن نُذكّر الكنائس المسيحية في العالم، الأرثوذوكسية والكاثوليكية والإنجيلية، كلّ الكنائس نُذكّرهم بواجباتهم الروحية والإنسانية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية وتجاه الشعب الفلسطيني، ونقول لهم في عيد الميلاد وفي كلّ الأعياد والمواسم أنّكم عندما تُدافعون عن فلسطين أنتم تدافعون عن المسيحية في مهدها، تُدافعون عن أقدس بُقعة في هذا العالم ولِدَ فيها السيّد المسيح ومنها انطلقت رسالته الخلاصية إلى مشارق الأرض ومغاربها، لا يجوز الصمت، لا يجوز الاكتفاء فقط بإضاءة الشموع والصلوات، طبعًا إضاءة الشموع والصلوات والأدعية مُهمّة جدًا، ولكن نحن نريد أن يرتفع الصوت المسيحي في كلّ مكان في هذا العالم مُناديًا بوقف هذه الحرب ومُناديًا بشكلٍ أوسع بالعدالة، العدالة في بلادنا مُغيّبة، هنالك احتلال، هنالك استعمار، هنالك مظالِم يتعرّض لها الشعب الفلسطيني ويجب أن يلتفت إليها المسيحيون، المرجعيات الدينية المسيحية وكلّ المرجعيات الروحية حقيقة، يجب أن يقوموا بواجبهم تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. </p> <p>أودّ أن أنوّه، أنا أعتذر للإطالة، ولكن أنتهز هذه الفرصة لكي أقول إنّ الكنائس المسيحية عندنا ألغت كلّ المظاهر الاحتفالية بعيد الميلاد المجيد وأبقت فقط الصلوات والطقوس احترامًا لمُعاناة شعبنا وآلام شعبنا في غزّة، ولكن هذه بحدّ ذاتها هي رسالة أطلقتها الكنائس المسيحية والمسيحيون في ديارنا إلى كلّ الكنائس في العالم بضرورة أن يتحرّكوا نُصرةً لهذا الشعب المظلوم، هذا الشعب المنكوب في غزّة وفي الضفة وفي القدس، المؤامرة على القدس مؤامرة خطيرة جدًا، ولكن نحن  اليوم نتحدّث بنوعٍ خاصٍ عن غزّة ونقول بأنّ رسالتنا وموقفنا، وأعتقد أنّ الإخوة أصحاب الفضيلة وكلكم تُشاطرونني هذا الموقف، موقفنا في هذه الأيام العصيبة هو أنّنا يجب أن نتوحّد في المُطالبة بوقف هذه الحرب، بوقف هذا العدوان حقنًا للدماء ووقفًا للدمار.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: أرجو أن تبقى معي سيّدنا المطران عطا الله حنّا، سأذهب إلى القاهرة إلى الدكتور أحمد كريمة من علماء الأزهر الشريف.</p> <p>دكتور أحمد يُبكيك كثيرًا عندما تسمع الأب المطران عطا الله حنّا وتستذكر الأب شنودة والمطران كبوجي ورجالات المسيحية المقاومين الذين نافحوا عن قدسنا ومظلومية الشعب الفلسطيني، وتلتفت إلى الأصوات العُلمائية الإسلامية التي سكتت بالكامل عندما ذُبِحت فلسطين، نفس الأصوات صَدَحت بالدعوة إلى النفير، الجهاد المُقدّس في كلّ الجغرافيا العربية والإسلامية، لماذا في زمن الفتنة هذه الأصوات اندلعت وانطلقت تدعو إلى الجهاد في الداخل العربي والإسلامي؟ لكن عندما ذُبِحت فلسطين سكتت تِلكم الأصوات؟ فمَن ذا الذي أسكتها دكتور أحمد؟</p> <p> </p> <p>أحمد كريمة: بسم الله الرحمن الرحيم، قال ربّ العالمين في قرآنه المجيد " وإنِ اسْتَنْصَرُوكم في الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ"، الآية من سورة الأنفال. أولًا معلوم أنّ في زمن التمحيص الذي نحياه الآن في الحرب الطاحنة في فلسطين العربية هو تمييز الموافق من المنافق، وما أشبه الليلة بالبارحة، ففي معركة الأحزاب علّل المنافقون، قالوا كما حكى الله في القرآن الكريم " إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ ۖ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا" كما في سورة الأحزاب، وفي نفس السورة أنبأنا الله عن المرجفين والمخذلين في كلّ زمان ومكان، فقال سبحانه وتعالى " لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا، مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا"، جريمة الإرهاب وجريمة التخذيل من المنافقين موجودة في كلّ زمان وأوان ولكن تتصاعد في وقت الأزمات كالتي نحياها الآن. </p> <p>أودّ أن أشير إلى نقطة مُهمّة، أولًا ليس تعصّبًا لبلدي أو لمحل عملي ودراستي الأزهر الشريف، النبي صلّى الله عليه وسلّم قال "جاهدوهم بأبدانكم وبأموالكم وبألسنتكم"، جهاد البدن هذا موكول للجيوش بنظر ولاة الأمور، وهناك جهاد اللسان من العلماء، وهناك جهاد الأموال من الأغنياء.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور أحمد مع احترامي لما تقول، جهاد اللسان، هذه الألسنة كانت سليطة على الواقع العربي والإسلامي إلى الجهاد في ليبيا، إلى الجهاد في سوريا، إلى الجهاد في اليمن، إلى الجهاد في العراق، إلى الجهاد في الجزائر، فلسطين لا وجود لها في الوجدان العربي والإسلامي، لا وجود لها في العقل العربي والإسلامي، لا وجود لها في القرآن الكريم والسنّة النبوية؟</p> <p> </p> <p>أحمد كريمة: الأزهر الشريف سيّدي الكريم، الحمد لله هذا الشهر والذي سبقه وسنة 2019 عقد مؤتمرًا عن القدس وفلسطين، ومؤسّستي الخيرية "التآلف بين الناس" عندنا قسم وثائقي كامل عن فلسطين وأصدرت أنا عدّة كتب "فلسطين عربية الجزء الأول" و "فلسطين عربية الجزء الثاني" سيُرسل إلى عنايتكم، و"القدس والمسجد الأقصى"، بخلاف أنّ الأزهر الشريف أرسل مساعدات عبر معبر رفح إلى الأشقاء في فلسطين العربية.</p> <p>دعني أقول لك بصراحة، الحمد لله دور الأزهر واضح ومعروف. أمّا ما تتحدّث عنه عن التنظيمات والميليشيات سواء القاعدة، طالبان، "بوكو حرام"، السلفية الجهادية، أنصار لست عارفاً من بيت ماذا، الشباب الصومالي، الإخوان المسلمون، كلّ هؤلاء صنيعة المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية، فكيف يخرج المصنوع على صانعه، لأنّ "هرتزل" حينما عقد مؤتمر "بازل" في سويسرا سنة 1897 هيّأ المنطقة العربية لقبول الكيان الغاصب الصهيوني الإسرائيلي، فتمّ إنشاء محمد بن عبد الوهاب النجدي ليُفرّق شمل هذه الأمّة، وحسن البنا في مصر، ثمّ تفرّعت هذه التنظيمات كما قلت، القاعدة، طالبان، السلفية الجهادية، "بوكو حرام"، أنصار بيت المقدس، الشباب الصومالي، كلّهم صنائع من المخابرات البريطانية والمخابرات الأمريكية الآن، فبداهةً هل هؤلاء يخرجون عن تعليمات من أوجدوهم ودعموهم؟ كذلك الدواعش صنيعة الاستعمار الأمريكي في العراق، كيف يخرج هؤلاء عمّن أنشأوهم وجعلوهم أشواكًا وقذى في أمّتهم العربية، بل بطبيعة الحال هؤلاء لن يُحرّكوا ساكنًا لأنّهم صنيعة المخابرات الغربية.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: والدليل على ذلك تدميرهم للأمن القومي العربي والإسلامي وتحصينهم للأمن الصهيوني. لكن في ما يتعلّق بالأزهر الشريف دعني أسأل الشيخ بلال شعبان، الأزهر بين زمنين شيخ بلال، العام 1948 عام النكبة الكبرى والإقرار بتأسيس دولة للكيان العِبري، شيخ الأزهر في ذلك الوقت الشيخ حسنين محمد مخلوف أصدر فتوى تدعو المسلمين إلى الجهاد العام والنفير العام في فلسطين المحتلّة وقال "لا يجوز للمسلم أن يقعد بل عليه أن يُدافع بالسلاح والرصاص والبندقية عن فلسطين". كيف تقرأ موقف الأزهر بين زمنين، زمن مضى كان جميلًا، وبالمناسبة حتى الشيخ عبد الحليم محمود رحمة الله تعالى عليه لديه فتوى صريحة لنُصرة فلسطين جهادًا وبالرصاص، وموقف الأزهر اليوم، هل هنالك تبايُن أم أنّ السياسات أيضًا لها مدخلية في صناعة الفتاوى؟</p> <p> </p> <p>بلال شعبان: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه، كلّ التحية لكم، كلّ التحية والتهنئة للمطران الحبيب عطا الله حنّا ولشيخنا الكبير الدكتور أحمد، أسأل الله سبحانه وتعالى  له الصحة والعافية.</p> <p>يوجد شيء إسمه لا اجتهاد في معرض النصّ، يعني لا تحتاج إلى أن تقول "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا" لا تحتاج إلى فتوى، كما الله عزّ وجل يقول "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ" قال "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ"، هل تحتاج إلى فتوى لصيام شهر رمضان، لا اجتهاد في معرض النصّ وإن كان تأكيد المُؤكّد جيّد جدًا على مستوى الفتوى. </p> <p>ما يجري اليوم أخي الدكتور هناك في كلّ شيء قسمان إثنان، هناك علماء هداية وعلماء هواية، وهناك مطارنة يقفون مع الأقصى والقدس وهناك مطارنة قد يقفون في مواكب الظالمين.</p> <p>لذلك التركيز والتأكيد على هذه المحورية يدفعك لفَهْم حقيقة المشهد، يتحدّث الدكتور علي شريعتي رحمه الله عن ثلاثية السلطان والإعلام والعلماء أو الطغيان، وثلاثية فرعون وقارون و "بلعم بن باعوراء"، هناك مثل أعتقد من أمريكا الجنوبية يقول "عندما يتقيّأ أو عندما يبول الحاكم الظالم على أُمّته يأتي دور الإعلام من أجل أن يقول لك بأنُها تُمطر، ويأتي بكلّ أسف موقف رجال الدين ليقول لك بأنّه المطر المُقدّس"، لذلك أنت يجب أن تقسم وتفصل في ما بين مشروعين، لأنّ كلّ ما يوجد على وجه الكرة الأرضية باستثناء وعّاظ السلاطين هم الذين يُريدون أن يُعرّوا أهل فلسطين من الغطاء، ولكن أنىّ لهم وقد تحوّلت الكرة الأرضية إلى حياة بسبب تلك الدماء، أنّى لهم أن يقفوا مثل هذا الموقف.</p> <p> الله عزّ وجل يقول "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"، منكم الضمير يعود إلى الأمّة، إلى المؤمنين، كلّ هؤلاء الموجودين اليوم عندما يتحدّث طاعة وليّ الأمر مَن قال لك لا يوجد رئيس انتُخب بقرار شعبي بكل أسف، عندما أتحدّث عن بلدي لبنان، لبنان اليوم مُستقلّ عن فرنسا وهو يطلب عَوْن فرنسا من أجل اختيار رئيس للجمهورية وقِس على ذلك، دونالد ترامب في يومٍ من الأيام قال لكلّ الدول النفطية لولا دعمنا لا يبقى أحد منكم أسبوعاً في هذا المكان أو في سُدّة الرئاسة.</p> <p>لذلك هناك علماء قادوا الجهاد من الشيخ عزالدين القسّام إلى الشيخ سعيد شعبان إلى السيّد عباس الموسوي وإلى الشيخ أحمد ياسين، كلّ حركاتنا الجهادية هي حركات قادها السادة العلماء، من عبد الكريم الخطابي إلى اللالا فاطمة إلى عُمر المختار، كلّ هؤلاء كانوا ثوّاراً ضدّ الاحتلال وضدّ الاستعمار والأزهر كان في طليعة كلّ أولائك. ولكن هناك حَفْنة من أولائك المُسترزقين ولا أفضّل أن يُسلّط الضوء عليهم.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: لكن نحن لا نتحدّث عن التاريخ شيخ بلال، نحن نتحدّث عن واقع مضى قبل عشر سنوات، القاهرة شهِدت اجتماعًا كبيرًا إسمه اجتماع النفير من أجل سوريا، ودعا العلماء إلى النفير العام في سوريا، ورأينا في العراق ماذا جرى، في الجزائر، ورأينا في ليبيا كيف اعتبر أحدهم الجهاد مع الناتو هو بمثابة خدمة الشريعة الإسلامية؟</p> <p> </p> <p>بلال شعبان: وأزيدك في ذلك أننا ذهبنا مع سماحة الشيخ سعيد شعبان إلى أفغانستان وإلى الجهاد وفي عزّ الحروب التي كانت توجد في لبنان في عام 1982 كان هناك مَن يُسوّق للجهاد ضدّ الكفّار السوفيات ولا يُسوّق للجهاد ضدّ المُحتلّين في لبنان.</p> <p>لذلك أنا أقول هذه الشريحة هي جزئية من الثلاثية الفاجِرة التي تُريد أن تُسوّق لكلّ ذلك المُحتلّين.</p> <p>أما اليوم فكل الكرة الأرضية بمسلميها، بمسيحييها، بأحرارها على امتداد العالم، ببركة دماء غزّة هي التي عاشت من جديد.</p> <p>اليوم الأغنية فلسطينية على مستوى الكرة الأرضية أنا دمّي فلسطيني، الشكل الهندسي هو ذلك المثلّث الرائع، الشعار هو الكوفية الفلسطينية، الهتاف هو الهُتاف الفلسطيني. اليوم كُنّا نعتقد أنّ غزّة مُحتلّة إذا بغزّة وفلسطين هي تلك الأرض المُحرَّرة التي يجب أن تُحرَّر كلّ تلك العقول. لذلك نحن نعيش اليوم عصرًا من العصور الذهبية، هنيئًا لمَن يعيش هذا العصر، وكلّ أولائك الذين وقفوا من أجل أن يُحرّضوا على القتل الداخلي وعلى الذبْح الداخلي إلى مزبلة التاريخ ولا يُدوَّن في خانة العلماء وإنما يُدوَّن في خانة العملاء.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: قلت أنا دمّي فلسطيني، كنت أحب أيضًا أن تقول وعيسى عليه السلام فلسطيني، أليس كذلك أبانا المطران عطا الله حنّا؟</p> <p> </p> <p>عطا الله حنا: شكرًا، حقيقة فلسطين هي مَهْد المسيحية، والسيّد المسيح ولِدَ في فلسطين، وأعياد الميلاد في هذا العالم مُكرَّسة من أجل الصلاة والدعاء من أجل أن تتوقّف الحرب ولكي يتوقّف هذا العدوان الدموي الهمجي على غزّة. وأنا أعتقد بأنّني ألمس في هذا العالم أنّ هنالك لربما صحوة ضمير، هنالك صحوة ضمير في كثير من  الأصقاع وفي كثير من الدول بما في ذلك أمريكا التي فيها القيادة السياسية الداعِمة للاحتلال والمُموِّلة للاحتلال، في كلّ الدول العالمية نشهد مسيرات وتظاهرات، توحّدت الإنسانية في الدفاع عن غزّة، توحّدت الإنسانية بكافة انتماءاتها الدينية والعِرقية في رفع شعار لا للعدوان، الحرية لفلسطين، الراية الفلسطينية تُرفَع في كلّ مكان. ولذلك أعتقد بأنّ العدوان على غزّة، هذه المشاهد المُروّعة التي تخرج من غزّة حرّكت الكثيرين في هذا العالم وخاصة أولائك الذين عندهم أحاسيس، عندهم إنسانية، عندهم أخلاق، كلّ إنسان لديه إنسانية وأخلاق لا يمكن أن يكون مُتفرِّجًا أو صامتًا على هذه الجرائم التي تحدث في غزّة، مليون ونصف مليون فلسطيني في غزّة أصبحوا نازحين ولاجئين في وطنهم وهم أصلًا كانوا لاجئين منذ عام 48، تعرّضوا للنكبة وها هي نكبة جديدة تُلاحقهم في وطنهم وفي أرضهم وفي غزّة الأبية. </p> <p>هذه المأساة الفلسطينية يجب أن توحّدنا أولًا كأبناء للأمّة العربية الواحدة في دفاعنا عن أنبل وأعدل قضية عرفها التاريخ الإنساني الحديث، وكذلك الأمر في مُخاطبتنا لكافة شعوب العالم، هذه القضية قضية فلسطين هي قضيتنا كفلسطينين بالدرجة الأولى ولكنها قضية الأمّة العربية وهي قضية كافة الأحرار في عالمنا، وبالتالي هذه القضية لها بُعد أممي، كلّ الأحرار في هذا العالم يتبنّون مسألة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وقد اتّسعت رُقعة التضامن والتفاعُل مع القضية الفلسطينية بعد العدوان على غزّة لأنّ صورة لطفل يبكي وصورة للآلام والأحزان التي تحدث في غزّة هي أبلغ من أيّ خطاب، يُمكننا أن نتحدّث ساعات وساعات ولكن الصوَر المُروّعة التي تخرج من غزّة هي تختزل كلّ هذه الآلام وهذه المُعاناة التي يجب أن تُحرّك كل إنسان عنده ضمير سواءً كان مسيحيًا أو مُسلمًا أو حتى  يهوديًا غير مُتبنٍّ للفكر الصهيوني أو كلّ الأحرار في هذا العالم من كلّ الأعراق، من كلّ الجنسيات وحّدتهم هذه المُعاناة.</p> <p>رسالتنا اليوم من خلال قناة الميادين التي نُحيّيها ونشكرها على ما تقوم به، رسالتنا لكلّ الأحرار في هذا العالم، توحّدوا، كونوا أسرةً واحدة في دفاعكم عن فلسطين وفي دفاعكم عن غزّة المنكوبة، وليكن شعارنا ورسالتنا فلتتوقّف هذه الحرب وهذا العدوان حَقْنًا للدماء ورفضًا للدمار.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: المطران عطا الله حنّا أعلم أنّه لديك ارتباط بُعيد قليل، ما أملك أن أقوله لك أنّ عقولنا، أفكارنا، أرواحنا، دموعنا، دعاءنا، يرحل إليكم كلّ يوم، شكرًا جزيلًا لك مطراننا وأتمنّى لك كلّ التوفيق ولا تنسانا أيضًا من صالح دعائك مُطراننا العزيز.</p> <p> </p> <p>عطا الله حنا: شكرًا لكم.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: تقديري الكبير، احترامي.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور أحمد كريمة، المطران عطا الله حنّا طرح مسألة أنْسَنة الوضع في فلسطين، فلسطين لطالما كانت رمزًا للأديان كافة، المسيحية، الإسلام، واليهودية أيضًا قبل أن تُسرَق من قِبَل الحركة الصهيونية. هل يُمكننا فعليًا أن نتحرّك لخلق تيّار عالمي إسلامي مسيحي مع اليهود الذين هم أعداء للحركة الصهيونية وقد تظاهروا في واشنطن وفي أوروبا، "ناطوري كارتا" على سبيل المثال، هل يمكن أن نتعاون جميعًا من أجل وقاية فلسطين وننتصر لمظلومية الشعب الفلسطيني؟</p> <p> </p> <p>أحمد كريمة: بسم الله الرحمن الرحيم، أبشّركم أو أذكّركم، في عام 2019 مؤتمر القدس بالأزهر الشريف برعاية فضيلة الأستاذ الإمام الدكتور أحمد الطيب حفظه الله ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف في الجهاد العلمائي لنُصرة فلسطين، في رحاب الأزهر تمّت دعوة بعض الحاخامات من اليهود الذين يرفضون إقامة الكيان الإسرائيلي الصهيوني على أرض فلسطين، وأيضًا تمّت دعوة المرجعيات والقيادات المسيحية في مصر، وأنا شَهِدت هذا المؤتمر وصدرت مجلة الأزهر خاصة بنضال الشعب الفلسطيني وحضره الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن سنة 2019. أنا معك أنّه يجب على المؤسّسات الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية الموادعة وليست المُعتدية أو المُتمالئة أن تتوحّد لإنقاذ فلسطين من الحركة الصهيونية الاستعمارية، وبايدن الأمريكي قالها منذ أسابيع، قال لو لم تكن إسرائيل لأوجدنا إسرائيل، فيجب أن تتوحّد الكلمة. لكن أنا معك أنّ المؤسّسات المعتمدة، أمّا الكيانات الطفيلية السلفية والغُلاة والخوارج، هؤلاء لا يُقيمون لفلسطين وزنًا، وبضرب المثال يتّضح المقال، أين أشياخ المُتسلّفة وأحدهم كان يأمّ الناس في المسجد الحرام في مكّة المكرّمة ويتباكى ثمّ يُبرّر ويُعلّل ويُشكّك ويُخذّل، هذه جرائم يندى لها الجبين. أشياخ المُتسلّفة وغيرهم والذين يُقيمون في الفنادق الفاخرة سواء في دول عربية أو دول أوروبية ويتحدّثون عن فلسطين وهم لا يُعانون ثُمن ما يُعانيه الشرفاء، أين هؤلاء؟ حتى جهاد المال، حتى جهاد اللسان، جهاد القلم، هؤلاء خرِسوا جميعًا، نسأل الله أن يُعافينا من العمالة. ومن منبركم من قناة الميادين أنا أقترح فعلًا عقد مؤتمر عالمي عُلمائي دَعَوي للمسلمين ورَعَوي لأهل الكتاب من المسيحيين واليهود الموادعين لإعلان وثيقة عالمية بأنّ فلسطين التي عمّرها العرب اليوبيسيون قبل مجيء العبرانيين بـ3000 عام، عمّرها الملك "مِلكا صادق" واختطّها الملك العربي "اليوبوسي سالم" الذي للأسف العرب ينطقون "أورشاليم" وهي في الواقع "أور سالم"، نعم يجب عقد مؤتمر دولي علمائي لأتباع الشرائع السماوية الثلاث لإعلان كلمة واحدة أنّ فلسطين عربية.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور أحمد وأتصوّر أنّ الدكتور أحمد الطيب رئيس الجامع الأزهر والإمام الأكبر يستطيع أن يُبادر إلى الدعوة لمثل هذه الفكرة، ومثلما اجتمع مع البابا فرانسيس في أبي ظبي يستطيع أيضًا أن يدعو لمؤتمر عالمي لدعم الشعب الفلسطيني والانتصار على الأقل للأطفال المذبوحين من الوريد إلى الوريد. ابقَ معي دكتور أحمد. </p> <p>شيخ بلال، طبعًا هناك استثمار واسع للورقة المذهبية، تُلاحظ وتتأمّل مسار التاريخ المعاصِر، لا نذهب إلى التاريخ القديم، كلّما تُسجّل الأمّة نُقطة لصالح نهضتها، نُموّها، تكاملها، تنعق أصوات الفتنة والمذهبية لتُحطّم هذه الإنجازات، رأينا ذلك في بداية سنة 2000 عندما انتصرت المقاومة الإسلامية المباركة في جنوب لبنان وطردت الكيان الصهيوني، رأينا ذلك في حرب تموز عندما بدأوا بمَذْهبة المقاومة، واليوم تندلع أصوات أيضًا لتقول أنّ حماس رافضية، أنّ حماس ماجوسية، أنّ حماس تعتمد على إيران في حربها ضدّ الكيان الصهيوني، وأنّ هذه الحرب هي حروب الرافِضة مع الصهاينة ونحن لا شأن لنا بهذه الحروب. بربّك ما رأيك في هذه الأصوات؟</p> <p> </p> <p>بلال شعبان: في الفترة السابقة من خريف الدم العربي أو من عشريّة النار كان كلّ أولائك يُسوّقون لفناء نصف الشعب السوري من أجل أن يعيش الآخرون ومن أجل استئصال العراق وذبح ليبيا، وكلّ تلك الحروب كانت سبحان الله تحدث في دول خارج الدائرة الأمريكية وكأنّ الدول التي تحت العباءة الأمريكية لا يوجد فيها لا قهر ولا ظلم، وأفتوا بمئات العمليات الانتحارية والانغامسية وما إلى ذلك، وكان التأكيد الدائم على أنّ الذي يُريد أن يسلك أقرب طريق إلى الجنّة يجب أن يكون سلوكه عبر قتل كلّ أولائك الظالمين والفَجَرة ومن يدور في فلكهم، وإذا بالذي يدور في فلكهم هو كلّ الشعب العربي والمسلم، اللّهم إلا الكيان الصهيوني الغاصب. </p> <p>اليوم ترى المُعادلة، كلّ أولائك الذين كانوا ينغمسون في داخل دولنا العربية والإسلامية لا ينغمس شخص واحد منهم في هذه المعركة لأنّها إن شاء الله معركة الأطهار.</p> <p>اليوم بالنسبة لما تفضّل به المطران عطا الله حنّا، قدسية الأقصى والقدس وفلسطين هي أنّها مهد عيسى عليه الصلاة والسلام ومسرى رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم وهي أرض التين والزيتون التي أقسم الله تبارك وتعالى بها، وهي ميدان المعركة الأخيرة التي سيُحطَّم فيها كبرياء كلّ تلك الدول الطاغية والفاجرة. اليوم نحن عندما نتحدّث في طرابلس عن رَفْد المقاومة وسنرفدها وسنتجاوز كلّ الحدود المصطنعة، لا نؤمن بخطوط ولا حدود دولية ولا خط أزرق ولا أخضر، نتحدّث عن ذهابنا إلى مهد عيسى عليه الصلاة والسلام لنقف عند مكان ميلاده في كنيسة المهد لنقرأ له الفاتحة، ولنقف في مسرى رسول الله محمّد صلّى الله عليه وسلّم لنرسم صخرة عليائنا إن شاء الله.</p> <p> ما يجري اليوم بكل بساطة هو لست مضطرًا أن أقنع اليهود ودول العالم بأنّ القدس عربية أو غير عربية، هناك حقّ القوّة وقوّة الحقّ، حقّ القوّة عندهم هو أن يُسيطروا على كلّ شيء، ولكن قوّة الحقّ عندنا، باعتصامنا، بتضامننا يجب أن تتضافر من أجل أن تعود، لا يوجد في هذا العالم شيء إسمه مجتمع دولي، هناك مجموعة من اللصوص والقراصنة انتصروا في الحرب العالمية الثانية وسرقوا أرضنا وبعد ذلك تحوّلوا إلى تجزئة بلادنا، اليوم لا يستطيع اللبناني مثلًا بين قوصين أن يتضامن مع الفلسطيني، ذلك مخالف للحدود الدولية وللقانون الدولي، أما أن تأتي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وكلّ شُذّاذ الآفاق بكل بوارجهم وطائراتهم ليتضامنوا مع الكيان الغاصب ويدخلوا حتى إلى أرضنا، إلى مطار بيروت، إلى مطار حامات من دون تأشيرات دخول فذلك لا يُخالف القانون الدولي ويجب علينا أن نستأذن لنخلع بوابة رفح أو لنخلع بوابة الأردن أو لنخلع أيّة بوابة من بوابات الطوق، يجب أن ندوس على كل الحدود الدولية لنتدفّق من قاهرة المعزّ، من خلفي الدكتور ومع الدكتور أحمد وكلّ الشرفاء من أجل أن ندخل بالملايين لكي يتغيّر المشهد، من أجل أن نُقيم بعد ذلك عصرنا، العصر اليوم هو عصر فلسطيني وكرامة فلسطينية.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: وعصر الانتصارات إن شاء الله. كيف تقرأ هذا التلاحُم، هذا التماهي، هذا الانسجام بين المقاومة الإسلامية في لبنان التي تتبع مدرسة أهل البيت عليهم السلام وبين المقاومة في فلسطين التي تتبع مدرسة الصحابة رضوان الله عليهم، أليس هذا مِصداق لوحدة الأمة وانسجامًا مع قول الله تعالى "إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"؟</p> <p> </p> <p>بلال شعبان: بلا أدنى شكّ نحن أمّة واحدة، زرع الشقاق والخلاف بين المسلم والمسيحي، بين السنّي والشيعي، بين العربي والفارسي والكردي والتركي هو مشروع فرعون، إقرأ في سورة القصص "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا"، المشروع الاستعماري البريطاني كان يقوم على كلمتين "فرّق تَسُد". اليوم مثلًا بعد موقف المطران عطا الله حنّا ومواقف كلّ المطارنة التي تتحدّث عن أنّه إذا مُنِع الأذان في المساجد فسيُرفع الأذان من الكنائس، هذا تحوّل في معركة من المعارك إلى قصف المستشفى المعمداني وإلى قصف المجمع المعمداني والكنائس التي لجأ إليها الفلسطينيون، في القدس في الانتفاضة الثانية لجأ المقاومون إلى الكنائس لماذا؟ لأنّهم يعتبرونها أنّها دور العبادة لعيسى عليه الصلاة والسلام، هذه الوحدة على المستوى الديني، نحن عندنا في بعض المناطق نتيجة هذا الموقف كانت هناك حال من حالات التحرّك لإحراق شجرة ميلاد هنا أو هناك من أجل أن يزرعوا الشِقاق داخل لبنان، نفس الأمر يحصل عندما يتضامن السنّي والشيعي، من المُحرّمات الدولية أن يجتمعوا، لماذا؟ لأنّه عندما يجتمع السنّي والشيعي عُدّ واحد إثنين ثلاثة لن يعود هناك كيان غاصب ولا أمريكا. يجب أن تتلاحم الأمّة، يجب أن تتلاحم في ما بينها من أجل أن تصنع عصرها الجديد. لذلك كلّ التحية للدماء الطاهرة المُتدفّقة من جنوب لبنان وليست دفاعًا عن لبنان وإنّما دفاعًا عن فلسطين قبل لبنان لأنّ تحرير الأقصى والقدس هو أولوية دولية وعربية ولبنانية قبل حتى أن تكون فلسطينية لأنّها أرضنا، نحن لا نؤمن بالتجزئة، لا يوجد شيء إسمه لبنان، لبنان وطن نهائي ما هذا الكلام؟ لِم لا تكون أمريكا وطناً نهائياً، لِم أوروبا اتّحدت فما بينها ونحن أمّة "واعتصموا" لا نعتصم، ثمّ بعد ذلك يقول لك قضية القدس قضية الفلسطينيين بينما قضية "أورشاليم" وتل أبيب هي قضية كلّ المُستكبرين في الكرة الأرضية.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: دعني أذهب إلى الدكتور أحمد في السياق ذاته، طبعًا "برنار لويس" يوصي أمريكا أنّه إذا أردتم أن تبقوا عليكم أن تُدمّروا وحدة المسلمين.</p> <p>دكتور أحمد، كيف يُساهم تكريس مشروع الوحدة الإسلامية في العَجَلة لإعادة فلسطين إلى الجغرافية العربية والإسلامية؟</p> <p> </p> <p>أحمد كريمة: بسم الله الرحمن الرحيم، اللقاء ثري وعظيم ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يؤتي ثماره المرجوّة. </p> <p>في ما يتعلّق في الوحدة الإسلامية هي المدخل الأساسي لذلك، ولنا في سيرة سيّدنا النبي محمّد صلّى الله عليه وآله القدوة الحسنة والأسوة الطيّبة، النبي عليه الصلاة والسلام في مُجتمع يثرب المدينة عمل دستوراً أو صحيفة أو وثيقة المدينة من 54 مادة تُقرّر الوحدة الإنسانية حتى مع غير المسلمين، النبي محمّد صلّى الله عليه وآله آخا بين المهاجرين والأنصار، الله تعالى في القرآن الكريم نعى على هذه الطائفية المُفتعلة في سورة الأنعام "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ"، وقال في سورة الروم "وَلَا تَكُونُوا من الْمُشْركين مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"، وقال في سورة الشورى "أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ" وقال في سورة آل عمران "وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ".</p> <p>من المُفترض أن يكون الجهاد المشروع لاستنقاذ الأرض المحتلّة في فلسطين العربية وللزوّد عن العرض وللزوّد عن ممتلكات المسلمين في فلسطين أن يكون المسلمون على قلب رجل واحد. نقرأ في سورة الصف "إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِى سَبِيلِهِۦ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَٰنٌ مَّرْصُوصٌ".</p> <p>لكن كما قلت في حلقتنا المباركة هذه مشروع هرتزل يقوم على تجزئة المُجزّأ من الدول العربية خاصة والدول الإسلامية عامة، أذكر وأُذكّر من مضار المذهبية الطائفية البغيضة في المجتمعات المسلمة. في تسعينات القرن الماضي خرج أحد مرجعيات المُتسلّفة الوهّابية بفتوى تُدمّر الجهاد المشروع في فلسطين حينما قال "إنّ العمليات الاستشهادية في فلسطين انتحار"، أنا رددت على هذا الوهّابي المُتسلّف في موطن نشأته، قلت له إقرأ قول الله تعالى "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ" وقرأ سبب النزول أنّها الواحد من الفدائيين المسلمين يقدم على جماعة من أعداء الإسلام.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور أحمد يبدو أنّ هذا الشيخ وقد عرفت مَن هو لم يقرأ قوله تعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، فالحركة الصهيونية اعتدت على الأرض والعرض والناموس والمقدّسات وها هي تذبح أطفالنا رضوان الله تعالى عليهم جميعًا من الوريد إلى الوريد وأمام شاشات العالم كله. ابقَ معي دكتور أحمد رجاءً.</p> <p>شيخ بلال، فلسطين بين زمنين، للأسف الشديد في القرن الفارِط عام 1967 فُرّخ شيء إسمه تيار النكسة، ثقافة النكسة، وانتشر هذا في الخطاب العربي والأدبيات العربية. بعد سنة 2000 بدأت الانتصارات تتصاعد كما قال سماحة المجاهد السيّد حسن نصرالله، "زمن الهزائم ولّى وبدأ زمن الانتصارات"، رأينا هذا الخط التصاعُدي البياني لضربات المقاومة وكَبُر حجم محور المقاومة أيضًا. هل يُمكننا أن نؤسّس على طوفان الأقصى في سبعة تشرين الأول أكتوبر2023 ثقافة جديدة، ثقافة صعود، ثقافة نهوض، ثقافة كرامة، ثقافة عودة المُقدّسات والدفاع عن المُقدّسات لتكون مُقابل تيار النكسة وثقافة النكسة وخارطة النكسة إنْ صحّ التعبير؟</p> <p> </p> <p>بلال شعبان: غزّة قلبت الموازين وغيّرت المفاهيم، ومَن كان كبيرًا صار صغيرًا حقيرًا، ومَن كان يُعْتَقد أنّه صغير بدا هو الكبير. لبنان بمقاومته بحزب الله، فلسطين بمقاوميها، واليمن، مَن كان ينظر إلى اليمن ويُفكّر باليمن، اليوم يجتمع أمام ناظري علي كرّم الله وجهه مع أبي بكر ويجتمع حمزة مع جعفر ويجتمع جعفر مع خالد ويجتمع أويس القرني اليمني مع إبن عباس ويجتمع أبو خالد الضيف مع السيّد حسن نصر الله، هناك ملحمة جديدة. أنا أطلب من أبطال فلسطين ألا يفتحوا مجلس عزاء، كلّ الذين يتحدّثون عن الأطفال والنساء والأشلاء والشيوخ كلّ أولائك كانوا يُحبّذون القتال داخل بلادنا وداخل عواصمنا العربية في عشريّة النار وفي خريف الدم العربي، سقط أكثر من نصف مليون في سوريا، في العراق أكثر من مليونين، في زلزال تركيا 53000، اليوم نحن قدّمنا أكثر من 25000 شهيد ولا يُقدّم هذا الثمن إلا مَن قال الله تبارك وتعالى بهم "بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ" الله عزّ وجلّ وسّد تدمير مشروع مئوية أمريكا على يد "إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ"، لا تفتحوا مجلس عزاء، افتحوا مجلس عزاء لكل أولائك العملاء من العلماء ومن السلاطين وانطلقوا نحن معكم قولًا وعملًا، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن تستيقظ كلّ شعوبنا، اليوم لدينا مثل يقول "لا يحنّ على العود إلا قشره" ولا يحنّ على الفقير إلا الفقير، لكن ستنطلق مليونية الشعب المصري مع الشيخ أحمد ومع كل أولائك من أجل أن يخلعوا بوابة رفح لأنّ الالتزام بالحدود الشرعية أهم من الالتزام بالحدود والقوانين الدولية المُصطنعة، وإذ ذاك سيكون عيدنا وإذ ذاك سيكون ميلادنا. هذه الأيام هي أيام ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام وهناك مخاض، مخاض الأمّة قادم سيكون ميلاد أمّة الأنبياء في وجه كلّ أولائك الطُغاة والأشقياء.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: وتكتمل الفرحة بافتتاح بوابة الأردن وبوابة الجولان مفتوحة بالأساس وبوابة جنوب لبنان مفتوحة منذ زمن.</p> <p> </p> <p>بلال شعبان: ويلتحم الدم والكرامة على تلك الأرض الطيّبة الطاهرة.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخ بلال، ستقرأ الأجيال مستقبلًا أنّ المُقدّسات الإسلامية والمسيحية ظلّت محفوظة وقائمة ببركة دماء الشهداء ولذلك دعني أقول المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.</p> <p> </p> <p>بلال شعبان: كلّ المؤتمرات التي تُعقَد والمؤتمرات النظرية تبقى في الدائرة النظرية، الوحدة واعتصموا تكون بامتزاج الدم، امتزاج الدم العربي واللبناني والأردني والمصري والفلسطيني وكلّ الدماء العربية والعجمية، هذا الذي يصنع واعتصموا.</p> <p> </p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخ بلال سعيد شعبان، رحم الله والدكم الذي كنت أحترمه جدًا، شكرًا جزيلًا لك. الدكتور أحمد كريمة من مصر شكرًا جزيلًا لك. المطران عطا الله حنّا من القدس قبلتنا الأولى شكرًا جزيلًا لك.</p> <p>مشاهدينا وصلت حلقتنا الخاصة إلى تمامها، هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبدًا ودائعه.</p>