لسان العالم

هل هنالك عوامل تدفع إلى مواجهة اللغتين الفرنسية والإنجليزية اليوم؟ من أفريقيا إلى شمال أوروبا نداءات تتجدد في تقليل الاعتماد على اللغتين الفرنسية والإنجليزية. حتى لو كانت الأسباب مختلفة من أفريقيا التي تعتبر الأمر خطوة لاستكمال المواجهة مع الفرنسي والتخلص من بقايا استعماره إلى شمال أوروبا التي باتت تقلق من ضياع لغاتها المحلية، فإن المسألة تفتح الباب واسعاً للنقاش في أصول تمدد هذه اللغات في العالم.

نص الحلقة

<p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: مساءُ الخير.&nbsp;</p> <p>من إفريقيا إلى شمال أوروبا نداءات تتجدّد لتقليل الاعتماد على اللغتين الفرنسية والإنكليزية.</p> <p>حتى لو كانت الأسباب مختلفة من إفريقيا التي تعتبر الأمر خطوة لاستكمال المواجهة مع الفرنسي والتخلّص من بقايا استعماره، إلى شمال أوروبا التي باتت تقلق من ضياع لغاتها المحلية، فإنّ المسألة تفتح الباب واسعًا للنقاش في أصول تمدّد هذه اللغات الإنكليزية والفرنسية في العالم، هل هنالك عوامل تدفع إلى مواجهتها اليوم؟&nbsp;</p> <p>نُناقش ذلك بالتفصيل مع الدكتور نور الدين بكيس، أستاذ علم الاجتماع في جامعة الجزائر، أهلًا وسهلًا بِكَ دكتور بكيس.</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: أهلًا بِكَ، أهلًا أخي الكريم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: بدايةً لنُتابع هذا الفيديو.</p> <p>&nbsp;</p> <p>* فيديو:</p> <p>قبل ألف عام كان في العالم أكثر من 9000 لغة، اليوم وصل العدد إلى ما يُقارب 7000 لغة. انحصرت لغات ولم تعد قَيْد الاستعمال، وتمدّدت لغات أخرى خارج حدود بلدانها ومنها اللغتان الإنكليزية والفرنسية.</p> <p>على الرغم من أنّ نسبة المُتحدّثين بشكل أصيل باللغة الإنكليزية تبلغ 350 مليوناً فقط فإنّ عددَ المُتحدّثين بها كلغة ثانية أو لغة أعمال يصل إلى مليار ونصف مليار. وعلى المنوال نفسه، سارت اللغة الفرنسية التي لا يتجاوز المُتحدّثون بها كلغة أصلية حاجز الثمانين مليوناً أيّ أقل من المُتحدّثين الأصليين باللغة البنغالية الذين يصل عددهم إلى 272 مليون إنسان.</p> <p>يُرجع الباحثون الأسباب الأساسية لتمدّد اللغتين إلى موجات الاستعمار الواسعة التي أطلقتها الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية. وتوسّع انتشارهما في العصر الحديث لاستخدامهما في الشركات العالمية والتجارة والمؤسّسات الأكاديمية في حقبة العولمة الأمريكية.</p> <p>دول عدّة منها إيران وتركيا والسعودية دَعت إلى تعزيز تعليم اللغة الصينية في بلدانها وهيئات اعتبرتها لغة المستقبل.</p> <p>فهل يشهد العالم انحسار لغات الاستعمار القديم وصعود لغات أخرى؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: دكتور بكيس، هل يمكن القول إنّ موجة تحدٍّ جديدة للغلتين الاستعماريتين الإنكليزية والفرنسية قد بدأت؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: أكيد، يمكن قول ذلك، لأنّها هي تُوظّف أحيانًا سياسيًا وتُوظّف من أجل التعبئة، لأنّه عندما تفتقر الكثير من الدول إلى شرعيّات سياسية ويغيب مشروع مُجتمعي يسمح بتنمية حقيقية ونقلة حضارية يُحاول الجميع اللعب على وَتر الأمور الحسّاسة العاطفية، ومن أهمّ هذه الأمور الحسّاسة هو فكرة أنّنا دائمًا ضحيّة المستعمر وأنّ المستعمر هو الذي تسبّب في كل مآسينا، فيبحثون عمّا يُواجهون به ذلك المستعمر أو الدخول أو تعبئة الناس في نوعٍ من النزاعات أو نوع من التدافُع ويتمّ ذلك أحيانًا عبر نقاش حول اللغة، لغة المستعمر كاستعماري، وتُحوّل اللغة على أساس أنّها لغة تحمل هوية وليست وسيلة فقط للتواصل، وهنا يبدأ النقاش ويتّسع ويأخذ استقطاباً في الكثير من المجتمعات.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: سوف نُفصّل أيضًا في هذه الجوانب دكتور بكيس الآن في إطار فقرات البرنامج.</p> <p>&nbsp;الأسباب زائدًا السياق تُساوي الحدث.</p> <p>في الأسباب، ما عوامل التحدّي للغتين الإنكليزية والفرنسية؟&nbsp;</p> <p>وفي السياق، كيف تكرّست الامبريالية اللغوية أو الامبريالية اللسانية في العالم؟</p> <p>في الأسباب نُناقش، عوامل التحدّي الجديدة، أولًا الثورة اللغوية، هنا نتحدّث عن تحدٍّ لانتشار اللغة الفرنسية تعاظم مؤخّرًا مثلًا في مالي وعدد من دول الساحل الإفريقي وله تاريخ طويل أيضًا في الجزائر.</p> <p>ثانيًا، تملمُل الأصدقاء، لم تعد المسألة تحدّيًا للاستعمار أو بقاياه فقط، مثلًا في شمال أوروبا ثمّة تملمُل من استخدام اللغة الإنكليزية على حساب اللغات المحلية، ومن الأمثلة على ذلك الدنمارك والنرويج.</p> <p>العامل الثالث، هو اللغات الصاعدة، بما أنّ الصين باتت القوّة الاقتصادية الأهمّ، الاقتصاد الأكبر، مصنع العالم، ثمّة دعوات الآن إلى تعلّم لغتها في إطار التكيّف مع العالم الجديد أو مع لغة المستقبل.</p> <p>نَشرت الواشنطن بوست مادة بعنوان مالي تُخفّض مرتبة اللغة الفرنسية، لغة مستعمِرها السابق في خطوةٍ رمزيةٍ تقول في العنوان، تقول المادة: "في كلّ مرة يهبط فيها البروفيسور شريف كيتا في مسقط رأسه مالي ويدخل سيارة الأجرة يسمع على الراديو ضيوفًا أقل يتحدّثون الفرنسية".</p> <p>طبعًا كما نعرف وافق الماليون على دستور جديد ينقل اللغة الفرنسية من لغةٍ رسميةٍ في مالي إلى لغةٍ عاملة. ترافق ذلك مع وقاف اتفاقيات أمنية مع فرنسا، طرد القوات الفرنسية وغيرها من الإجراءات التي تواجه فرنسا، لذلك نحن هنا نتحدّث عن حُزمةٍ كاملةٍ من قرارات المواجهة ضدّ الفرنسيين.&nbsp;</p> <p>الغرب يستخفّ بالخطوة المُتعلّقة باللغة في مالي، يقول لديكم في مالي 70 لغة محلية، سوف تعودون إلى اللغة الفرنسية مُضطّرين بشكلٍ أو بآخر لأنّكم لن تجدوا لغة للتواصل بينكم في ما بين المجموعات الكثيرة. ما رأيك في ذلك دكتور بكيس؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: هذا الذي حدث في الهند، رغم كلّ المحاولات أصبحت الهند تعتمد كلغةٍ رسميةٍ الإنكليزية لأنّه لم يحدث توافق بين مختلف الفئات حول لغة جامعة، حول لغة وطنية جامعة. هنا يجب التفريق بين معركة الشعارات ومعركة الأدوات، اللغة هي وسيلة قد تتحوّل إلى آلية هيمنة وأداة هيمنة، السؤال المطروح هو لماذا يحتاج الناس إلى اللغة؟ ماذا يُريدون بها؟ سواء كانت لغة محلية أو لغة دولية أو لغة أجنبية لأنّ وظيفية اللغة هي التي تلعب دوراً، قد ندخل في صراعٍ من أجل مقاومة الفرنسي على أساس أنّ فرنسا المستعمرة تسبّبت بالكثير من الآلام وعطّلت التنمية والترقية على مستوى البلد، لكن من الجهة المقابلة ماذا لدينا كبديلٍ لذلك؟ لأنّه لا يمكن مُعاداة شيء من دون تقديم بديل يصلح لأنّ يُعوّض ذلك الفراغ الذي يُحدثه ما تعوَّد عليه الناس في تعاملاتهم اليومية، في تعاملاتهم التجارية، وبالتالي اللغة تحمل أكثر من دلالةٍ وتُعبِّر عن أكثر من وظيفةٍ واحدة. وبالتالي يجب تجزئة النقاش بناءً على طبيعة الوظيفة، لأنّنا نجد اليوم المواطن البسيط يلجأ إلى اللغة الأجنبية من دون إذن من السلطات أو من دون الارتكاز على مشروع مُجتمع ونظام تربوي، لأنّه يعتقد بأنّ لغة الترقية قد تكون هي اللغة الأجنبية، لأنّ لغة المستعمر تتدعّم بإمكانية وجود حلول وترقية لدى ذلك المستعمر، لذلك قبل أن تُهاجر الألسن هاجرت الأبدان ورأينا الهجرة كبيرة جدًا للدول الغربية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: دكتور بكيس، ما هي الحلول التي يُمكن تقديمها لحلّ هذه الإشكالية، وجود 70 لغة محلية، يُمكن توحيد بعض اللهجات، اعتماد لغة؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: هو من المفروض أن نُفكّر بعقل المواطن، المواطن لديه عدّة احتياجات، لا يمكن أن نُعوّض اللغة المحلية، اللغة الوطنية بلغةٍ أجنبية، لأنّ اللغة الوطنية المحلية هي لغة الحياة، لا يمكن في نهاية المطاف لأنّ القصص الشعبية، النُكت، الغناء، الرقص، أيّ شيء، اللقاءات العائلية، أي شيء يحتاج إلى لغةٍ مُتجذّرةٍ، لغة تنبع من ثقافة المجتمع. فبالتالي من الصعب جدًا تخيّل أن يأتي مجتمع ثمّ يتخلّى عن لغته الأصلية ولغته المحلية من أجل اللغة الأجنبية. أما الذهاب للغة الأجنبية يعتبر أنّه جِسر.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: جميل.&nbsp;</p> <p>دكتور بكيس، أنتم في الجزائر لديكم تجربة تعريب مُهمّة جدًا، استعمار استمرّ أكثر من 130 عاماً، هوّاري بومدين ومولود قاسم بَدَآ مشروع التعريب على قاعدة في كلّ سنة صف دراسي واحد، كانت هنالك مُعاناة في تغيير أسماء الشوارع لديكم في الجزائر، المحال التجارية، الأماكن العامة، ولكن في نهاية المطاف التجربة نجحت، ربما تكون التجربة الجزائرية من النماذج التي تُقرأ في استعادة اللغة وحمايتها.</p> <p>كيف تُقيّمون مدى نجاح هذه التجربة؟ وكيف يمكن الاستفادة منها اليوم في نماذج أخرى في إفريقيا، في هذه الانتفاضة الكبيرة التي تحدث في دول الساحل الإفريقي التي تريد أن تستغني وتضع جانبًا كل الآثار الاستعمارية التي واجهتها؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: أكيد التجربة الجزائرية كانت ناجحة لأنّها ارتكزت على نفسية المُنتصر، عندما خرج الجزائريون من الاستعمار كانت هناك رغبة جامحة - لأنّ كلّ شيء كان محطّمًا - من أجل البناء والعودة للغة العربية لأنّها كانت تُمثّل الأصل، لأنّه كان تحت القهر، عندما كانت نشوة الانتصار والإحساس بالفخر والاعتزاز كان التوجّه سريعًا لأنه لم يكن يُفكّر الجزائريون في تحقيق مكاسب مالية اقتصادية مادية من خلال العودة للغة العربية ولكن كانت الرغبة هي إصلاح الخلل، إصلاح العُطب الذي حصل داخل المجتمع كي تُحدِث نوعًا من الوحدة الوطنية على أساس اللغة وخاصة أنّ الجزائر تتميّز بتنوّع كبير في الأعراق وتنوّع كبير في العادات الخ... وحتى وجود اللهجات.&nbsp;</p> <p>وبالتالي كانت الدافعية كبيرة، لكن في نفس الوقت كان يحدث تشويش لأنّ لغة الترقية في الجزائر آنذاك وحتى لوقت قريب كانت الفرنسية، لأنّ الفرنسية كانت هي لغة الاقتصاد في الجزائر، لغة البنوك، لغة المؤسّسات المالية والبنكية وكلّ شيء مُرتبط بذلك.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: دكتور بكيس، لماذا يتمّ التوجّه الآن في الجزائر إلى الإنكليزية كخيارٍ بديل؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: اليوم العائلة هي التي قرّرت أن تُعلّم أبناءها الإنكليزية لكي يكون لهم حظوظ في الترقية سواءً داخليًا مع المؤسّسات الأجنبية العاملة في الجزائر أو عن طريق تصدير الأبناء إلى البلدان الأجنبية، لأنّ المواطن اليوم براغماتي لا يبحث عن الوطنية بقدر ما يبحث عن ظروفٍ تسمح له بأن يعيش حياة كريمة، وثمّ يُحاول دائمًا المقارنة بين الأجور التي تُقدّمها المؤسّسات الوطنية والأجور التي تُقدّمها المؤسّسات الأجنبية وفُرَص الترقية خارج الوطن. وبالتالي ترسّخت قناعة لدى المواطنين بأنّهم يحتاجون إلى الإنكليزية، ليس على حساب العربية، وإنّما هي لغة تِقنية لتحقيق ترقية اقتصادية.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: ومع هذا الانتشار الكبير للغة الإنكليزية في ميدان البنوك والشركات العالمية وما إلى ذلك، إلا أنّ ثمّة تململاً في العالم من انتشار اللغة الإنكليزية حتى في دوائر الأصدقاء إنْ جاز التعبير.</p> <p>في مادة منشورة في الإكونومست بعنوان "في شمال أوروبا ردّ فعل يدور ضدّ اللغة الإنكليزية"، يمكن تلخيص ردّ الفعل هذا في هولندا والدنمارك مثلًا كالتالي:</p> <p>في هولندا ثمّة قلق من أنّ اللغة المحلية سوف تفتقر إلى المُفردات والمُصطلحات العلمية لاحقًا بسبب عدم استخدامها في التعليم وفي الأوساط الأكاديمية وما إلى ذلك.</p> <p>في الدنمارك ثمّة قلق مُختلف، طلاب يتعلّمون باللغة الإنكليزية - طلاب أجانب أعني - يُغادرون من دون تعلّم اللغة المحلية في هذا البلد وبالتالي من دون الإسهام في عَجَلة الاقتصاد الداخلي.</p> <p>دكتور بكيس، على ماذا تدلّ هذه المواقف التي تصدر من دول صديقة، هولندا والدنمارك والنرويج صديقة للولايات المتحدة الأمريكية وتستعمل لغتها الإنكليزية بطلاقة أساسًا، على ماذا تدلّ هذه الأشكال من ردود الأفعال؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: أكيد أنّ هذه المواقف طبيعية وصحية لأنه يجب مقاومة كلّ ما يزيد عن حدّه، أنظر إلى اللغة الإنكليزية هي ليست لغة واحدة، اللغة الإنكليزية في بريطانيا تختلف عن الأمريكية وهي أقلّ درجة في إيرلندا وهي تقريبًا مُهمّشة وليس لها طابع استعماري أو على الأقل هيمنة، وبالتالي نحن نعيش أمام مرحلة الحاجة المُلحّة للإنكليزية لكن ليس على حساب أشياء أخرى، هنا ربما يجب طرح سؤال حقيقي، هل هناك منظومات تربوية تسمح بتجذّر وترسيخ اللغات الوطنية؟ إذا نجحت المنظومة التربوية في مختلف الدول التي تشتكي من هذا الهاجس في التجذّر وفي تكريس اللغة الوطنية تُصبح وتبقى دائمًا اللغة الإنكليزية مهما تقدّمت لغة أجنبية، أمّا الخلل الأساس الذي ربما يغضّ عنه الكثير النظر وهو فشل المنظومات المحلية الوطنية ربما في إعطاء القيمة الحقيقية للغة الوطنية وهذا يقتضي نجاحاً على مختلف المؤسّسات، مثلًا يجب التشجيع على النشر الثقافي والتفاعُلات الاجتماعية باللغة الوطنية، هذا لن يمنع ذلك. وقد رأينا أنّه حتى الدول الغربية اليوم، مثلًا &nbsp;بريطانيا هي تُقدّم لغة لكن تُعاد لها اللغة بثقافة أخرى. أنظر إلى البرنامج الباكستاني مثلًا في التربية، في الإبتدائي يُركّز في تعليمه اللغة الإنكليزية على المواقف الوطنية وضرورة التمسّك بالمواقف الوطنية والدينية وكأنّ هناك تحريضاً على الغرب، وبالتالي تتحوّل الوسيلة التي يتواصل بها تتحوّل إلى نوعٍ من التعبئة تُملأ بشيء يُدافع عن الوطنية، تُملأ بشيء يُعيد إنتاج المجتمع لأنّ وظيفة اللغة الأساسية هي إعادة إنتاج المجتمع لأنّ العلم ليس مُجرّد تقديم معلومات فقط وإنما هناك بناء منهجي، بناء فكري، بناء ذهني للإنسان، هل هو المطلوب إذا أخفقت اللغة الوطنية في تحقيق ذلك فالعيب ليس باللغة الأجنبية لأنّ الناس تحتاج إلى لغةٍ أجنبيةٍ إذا كانت هي التي تُمثّل مركزاً وثقلاً اقتصادياً ومركزاً وثقل التشبيك العالمي، وبالتالي نحن اليوم أمام تناقضات.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: أيضًا بقدر ما تكون مُساهماتنا في دولنا في الإنتاج العلمي العالمي بقدر ما نتمكّن من نَحْتِ شكلٍ من أشكال المُصطلحات العلمية الخاصة ونُساهم في تشكيل المُصطلحات العلمية في العالم.</p> <p>بالترافق مع كلّ ذلك هنالك صعود للغات جديدة وآفاق لانتشارٍ أوسع لها وتحديدًا في هذه الحال اللغة الصينية.</p> <p>في كتاب "صعود اللغة الصينية كلغةٍ عالمية: الاحتمالات والعوائق" للكاتب "جيفري جيل"، يقول الكاتب: "مئة مليون إنسان يتعلّمون اللغة الصينية في هذه اللحظة"، الكتاب صادر في منتصف العام 2021، إذًا الكاتب يتحدّث عن تلك اللحظة، "تحوّل اللغة إلى العالمية محكوم بشبكةٍ من العوامل" يقول الكاتب، "وليس فقط القدرة التنافُسية للدولة. توفّر اللغة الإنكليزية مُعظم الروابط اللغوية، واللغة الصينية تُواجه عدّة تحدّيات من الجمود"، هكذا يقول الكاتب.&nbsp;</p> <p>طبعًا دكتور بكيس، في المرحلة السابقة شهدنا في المنطقة اهتمامًا مُتعاظمًا باللغة الصينية. في إيران موافقة على إمكانية تدريسها في عددٍ من المدارس، في السعودية أضيفت كلغةٍ تعليميةٍ ثالثة، ثمّة اتفاقيات مُشابهة مع جامعات في تركيا.</p> <p>إذًا بالعودة إلى المؤلّف جيفري جيل، كيف يُمكن أن نقرأ هذا الصعود للغة الصينية في العالم؟ هذا الاهتمام من الدول باللغة الصينية في العالم؟ كيف نقرأ هذا الاهتمام؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: جيفري جيل هو يتحدَّث عن وظيفية اللغة، الناس أصبحت جزءًا من البشرية وهي تحتاج إلى اللغة الصينية لأنّ الصين أصبحت هي رئة العالم الاقتصادية، ورأينا ذلك بشكلٍ واضحٍ أثناء جائحة كورونا. لكن المشكل الذي تفتقد إليه الصين، أولًا الكتابة الصينية هي ليست بالأمر السهل ومن الصعب جدًا أن يتعوّد عليها الكثيرون في مختلف المجتمعات، وبالتالي مَن يذهب للصينية تذهب ربما فئات نُخبوية. النقطة الثانية، هي أنّ اللغة الصينية ليس لها حامل سوسيو ثقافي &nbsp;جذّاب للبشرية، نتذكّر جيّدًا أثناء جائحة كورونا الكل كان يُشيد بالنموذج الصيني عندما استشعروا الخطر عندما استطاع أن يُدخل مليار شخص إلى البيوت ويفرض نظاماً عجزت عن فرضه الولايات المتحدة الأمريكية ودول كبرى. لكن من كان يقبل أو يرضا بالعيش في الصين؟ الكل يريد الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا أو فرنسا والدول الكبرى، لأنّه يجب أن يكون هناك مشروع مجتمع أو على الأقل نموذج عيش جذاب للناس. اللغة الإنكليزية انتشرت بقوّة عندما كانت أكبر أول قصّة في العالم وأشهر فيلم في العالم وأشهر أغنية في العالم باللغة الإنكليزية، وبالتالي في نهاية المطاف هناك نوع من الجاذبية في المشروع الغربي غير متوافرة في المشروع الصيني، لذلك الصين يجب أن تعمل على هذا الجانب، هذه القوّة الناعمة التي تفتقد إليها، صحيح أنّها فرضت نفسها ماديًا وهي تتطوّر وتدخل باستثماراتٍ كبيرة، لكن النموذج الصيني غير جذّاب.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: دكتور بكيس، أريد أن أسألك في هذا الاتجاه، اللحظة الأولى التي دخلت فيها اللغة الإنكليزية على العالم وأصبحت لغة عالمية أيضًا كانت لغة غريبة عن العالم وكانت لغة تُثير الدهشة وكانت لغة بحاجة إلى مهارات لكي أنت تتعلّمها، 400 و500 سنة من الاستعمار هي التي فرضت انتشار هذه اللغة ومن ثمّ أُلحقت بتجربة العولمة الأمريكية.</p> <p>الآن حتى أيضًا اللغة الإنطليزية تمّ استخدام ما يُسمّى "غلوبش" (Globish) "غلوبل إنغلش" (Global English)، نحن لا نتحدّث الإنكليزية بالمناسبة بنفس المستوى كما تحدّث الفيديو على سبيل المثال، هناك 350 مليون مُتحدّث أصيل، ولكن التحدّث بالباقي هي بالكلمات المفتاحية حتى نتفاهم على مسائل معيّنة. الآن الصين تُحاول تقديم نموذج إسمه " simplified Chinese"، يعني بمعنى آخر تبسيط هذه اللغة الصينية كما تمّ العمل باللغة الإنكليزية وربما ليس بنفس المنطق الامبريالي الذي تمّ تقديمه من بريطانيا وفرنسا بالتأكيد. فما رأيك بهذا النموذج " simplified Chinese"، أن يتمّ تسهيل هذه اللغة، هل يمكن أن يُفيد؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: هي خطوة في الطريق الصحيح بالنسبة للصينيين، لكن على المستوى المتوسّط والمستوى البعيد لا يُمكن للغة الصينية أن تُعوّض اللغة الإنكليزية لأنّها لا تمتلك الشروط الضرورية لذلك، ولكن الصين تعمل على ذلك. أنظر مثلًا، كلّ شبكات التواصل الاجتماعي هي مَنتوج غربي والولايات المتحدة الأمريكية، لكن عندما حضر "تيك توك" غيّر المعادلة وأصبح 70% من الطلبة الجامعيين في أمريكا كانوا يعتمدون على تصفّح الجانب الهزلي في "تيك توك" ثمّ أصبح مصدراً للمعلومة، وبالتالي هذا لا يمنع الصين لأنّها تمتلك قوّة كبيرة وقدرات مالية ضخمة وتمتلك رؤية بأن تتطوّر في هذا الباب والدليل على ذلك أنّه حتى الإنكليزية في حدّ ذاتها ليست الإنكليزية الامبريالية لأنّها تُفرّغ من محتواها بشكل دائم.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: لذلك دكتور بكيس في السياق نُناقش نقطة واحدة وهي مُصطلح الامبريالية اللغوية أو الامبريالية اللسانية كما يُسمّيها البعض، يعني كما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مارست دورًا امبرياليًا عسكريًا واقتصاديًا يرى البعض أنّها مارست ما يُمكن تسميته الامبريالية اللغوية أو اللسانية، لنُتابع هذا الفيديو.</p> <p>&nbsp;</p> <p>* فيديو:</p> <p>اللغة الإنكليزية تمنح الناس مكانة اجتماعية واقتصادية أكبر. على سبيل المثال، يمنح الناس إمكانية الوصول إلى وظائف أعلى، إنّه يسمح بمزيدٍ من الهيبة وربما حتى السلطة السياسية. دائمًا ما تُترك لهجات السكان الأصليين غير المتداولة لتندثر، والمتحدّثون بهذه اللغات غير قادرين على نقل أساسيات ثقافتهم إلى الأبناء. لذلك، يُحرَم جيل الشباب من الحصول على المعرفة المتراكمة عبر الأجيال. على الرغم من أنّ الإمبريالية اللغوية كما أشرت، هي قضية مُتفشّية في تايلاند إلا أنّها بعيدة كل البُعد عن كونها ظاهرة معزولة. وأنا على ثقة بأنّ هذه الظاهرة تحدث أيضًا في جميع بلدانكم، وأنا على ثقة أيضًا بأنّه في جميع البلدان التي تنتمون إليها تمتلك جميع المجتمعات الضعيفة شيئًا يستحقّ الحفاظ عليه، سواء كان علمًا، أم أساطير، أم رقصًا، أم ثقافةً، أم تاريخًا، وكل ذلك.&nbsp;</p> <p>وعلى سبيل المثال، شعب كالاوايا في بوليفيا الذي لديه لغة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالنباتات الطبيّة في الغابات الممطرة وبعض من هذه المعرفة غير معروف حتى للعلم الغربي. أو مثلًا لغة سورا لدى بعض القبائل التي تعيش في ولاية أوريسا في الهند، تعتبر الخصائص الموفولوجية ذات قيمة عالية لدراسات علم اللغة.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: دكتور بكيس، تحت هذا العنوان العريض يتناول "Ted Talk" فكرتين أساسيتين:&nbsp;</p> <p>الأولى، هي أنّ اللغة الإنكليزية تُسيطر في حدّ ما، أنّها باتت تذكرة الدخول إلى الوظائف الأفضل، إلى مستوى الحياة الأفضل في كلّ العالم وليس فقط في بلدٍ مُحدّد.</p> <p>الفكرة الثانية، هي أنّ هذه الامبريالية كما يُوصّفها المتحدّث في "Ted Talk"، كما تمحو اقتصادات الدول أو قوّاتها العسكرية من خلال مفهوم الامبريالية هي أيضًا تمحو ثقافتها وتاريخها وتراثها وفنونها ولغتها.</p> <p>ما رأيكم في ذلك؟ وكيف يُمكن الربط بين الامبريالية اللسانية أو اللغوية والامبريالية كما نفهمها نحن في الإطار الواسع والعام والعولمة الأمريكية وانتشار اللغة الإنكليزية؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: في الحقيقة الامبريالية وحب التوسّع والهيمنة هي أمر طبيعي عند أيّة دولة، أيّة دولة تُريد أن تكون لها هيمنة واستمرارية ودواماً وسلطة على باقي الدول مهما كان الأمر، المشكل الإساسي في ردّ الفعل، المشكل الأساسي في الإنسان، لأنّ اللغة عندما تأتي تجد محتوى، تجد مضموناً، ولا تجد إنسانًا خاويًا. سأعرض مثالاً بسيطاً عشته شخصيًا يُبيّن أنّ جزءاً من العُطب هو داخلي، نحن اليوم في الجزائر وزارة التعليم العالي قرّرت أن يتمّ تدريس غالبية المواد في الجامعة باللغة الإنكليزية في حين أنّه يتمّ تدريس غالبية المواد في الجامعات الصينية باللغة الصينية وفي ألمانيا باللغة الألمانية وفي اليابان باللغة اليابانية، إلا استثناء بعض التخصّصات باللغة الإنكليزية. عندما ذهبنا لندرس الإنكليزية في معهد خاص تمّ التعاقد معه وجدنا أنّهم يُدرّسوننا الإكليزية عندما يتحدّثون عن الأكل وعندما يتحدّثون عن القطار بركوب القطار في الهند التي كانت مستعمرة لبريطانيا وساعة "بيغ بن"، غير معقول، هل عجزت هذه المؤسسة على الأقل أن تصنع برنامج محتوى دراسياً تحتفظ به بنفس القواعد ولكن تُغيّر النموذج، تُغيّر الصورة، هذا غير طبيعي.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: عندما نتحدَّث عن توسّع الدول أيضًا ربما لا نستطيع أن نُقارن أو أن نُساوي بين المشاريع الدولية بشكل مُوحّد. بمعنى آخر، يُمكن القول التجربة الصينية بموروثها الطويل تشكّلت امبراطوريات، تشكّلت ممالك، كانت قادرة أن تخرج خارج حدودها ولكنها لم تفعل، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية عندما هيمنت على العالم خاضت الكثير من الحروب وقتلت آلاف آلاف البشر خلال فترة بسيطة استطاعت من خلالها أو تمكّنت من خلالها أن تقود نظام حُكم أُحادي القطبية من بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. فإذًا ألا ترى أنّ المساواتية بين هذه النماذج قد تكون غير مُنصفة أحيانًا؟</p> <p>&nbsp;</p> <p>نورالدين بكيس: يجب أن نعترف بالواقع، هناك دول متطوّرة وهناك دول مُتخلّفة، ماذا فعلت الدول المُتخلّفة من أجل أن تخرج من تخلّفها؟ اليوم الهجرة هي هجرة عكسية، نرى أنّ غالبية النُخب في مُختلف المجتمعات المُتخلّفة تُهاجر إلى المجتمعات الغربية، هل تُهاجر من أجل الذوبان ومن أجل تبنّي الثقافة الإنغلوسكسونية؟ أعتقد أنّ مسألة الإسلاموفوبيا كما طرحت تُبيّن في جزءٍ منها بأنّ المجتمعات الغربية تُعاني من الذوبان، هي تشكو من الذوبان وتغيير في لغتها وتغيير في هويّتها الثقافية وتُعاني من الولادات وكأنّنا نحن ننتقل إلى عالمٍ آخر مُتغيّر، وهذا هو الحاصل. أنظر ماذا فعل الهنود عندما ذهبوا إلى الدول الغربية، أقاموا أحياءً لهم، والصينيون كذلك، تجد ثقافات محلية فرعية قائمة بلغتها بكل شيء، وبالتالي ما الذي يمنع من اللجوء إلى هذا النوع من المقاومة، وبالتالي تحقيق المُنجَز الذي هو بطبيعة الحال هو في صالح الدول الغربية على أساس أنّه نحن الذين نحتاج إلى تطوّرها واقتصادها لكن هذا لا يمنع من أن نتطوّر من دون أن نفقد خصوصيّتنا، هذا هو المطلوب، يجب أن يكون هناك نوع من المقاومة، هم لا يطلبون منّا الذوبان وإنّما هناك نُخَب لديها قابلية للذوبان.</p> <p>&nbsp;</p> <p>محمد فرج: نحن نترك للفترة المقبلة أيضًا صوغ النظام الدولي الجديد على كلّ المستويات من الجانب الاقتصادي إلى الجانب اللغوي واللساني.</p> <p>لنصغ معًا مُعادلة لسان العالم والذي يتشكّل من خلال عوامل مُواجهة ضدّ الاستعمار كما يحدث في مالي وعدد من دول الساحل الإفريقي زائدًا تململ دائرة الأصدقاء كما يحدث من تحفّظات في شمال أوروبا وهولندا زائدًا صعود لغات جديدة كما هي الحال مع اللغة الصينية في سياق زمن طويل ممّا يُسمّى الامبريالية اللغوية أو اللسانية وهكذا يتشكّل لسان العالم.</p> <p>دكتور بكيس شكرًا جزيلًا على هذه المشاركة المُثرية في هذا الاتجاه والمُعمّقة.</p> <p>أعزّائي المشاهدين على لقاءٍ يتجدّد الأسبوع المقبل بمعادلةٍ جديدةٍ، نراكم على خير....&nbsp;</p>