مع الرسول المعجرة عيسى "عليه السلام"

أشاد القرآن والإنجيل بعيسى عليه السلام, كواحد من رسل أولي العزم الذين غيروا مسار البشرية بالكامل في إتجاه الخير والسلام والمحبة والمودة. واستطاع بما حباهُ الله من علوّ ورفعة وأخلاق وعلم وتواضع أن يؤسس لتيار إنساني عالمي. فكيف استطاع طفل المغارة أن يخرج الناس من مغارة الظلمات إلى أنوار الإشراقات والتكامل, والطفل الذي تكلم في المهد صبيّا قدم الله خير تقديم وربط الأرض بالسماء, و أقام الحجة بكل المعجزات التي سلحه الله بها على البشرية جميعا والتي رأت فيه نبيا فريداً من نوعه ومعجزة في حد ذاته. لماذا أشاد القرآن و الإنجيل بعيسى (عليه السلام)؟ وكيف تحول عيسى إلى رسول مغيّر لوجه التاريخ؟ كيف استطاع عيسى (ع) بما حباه الله من علو ورفعة وأخلاق وعلم وتواضع أن يؤسس لتيار إنساني عالمي؟ هل نجح طفل المغارة أن يُخرج الناس من مغارة الظلمات إلى أنوار الإشراقات والتكامل الإنساني؟

نص الحلقة

<p>حيّاكم الله وبيّاكم وجعل الجنّة مثواكم.&nbsp;</p> <p>أشاد القرآن الكريم والإنجيل بعيسى عليه السلام كواحد من الرُسل أُولي العزم، الذين غيّروا مسار البشرية بالكامل في اتجاه الخير والسلام والمحبّة والمودّة، واستطاع بما حَبَاهُ الله من عُلوٍّ ورفعة وأخلاق وعلم وتواضع أن يؤسّس لتيّار إنساني عالمي. فكيف استطاع طفل المغارة أن يُخرِج الناس من مغارة الظُلمات إلى أنوار الإشراقات والتكامُل؟&nbsp;</p> <p>والطفل الذي تكلّم في المهد صبيا قدّم الله خيرَ تقديم وربط الأرض بالسماء وأقام الحجّة بكلّ المعجزات التي سلّحه الله بها على البشرية جميعاً، والتي رأت فيه نبيّاً فريدًا من نوعه ومعجزةً في حدّ ذاته.&nbsp;</p> <p>وقد أولى القرآن الكريم نبيّ الله عيسى أهميةً كبيرةً، فقد ذُكِر عيسى في 13 سورةً من القرآن وفي 33 آيةً منه.&nbsp;</p> <p>ومثلما كان عيسى عليه السلام عظيمًا في كل تفاصيل حياته ونبوّته، كانت أمّه البتول العذراء عظيمةً وتحمّلت من قومها ما لا يُطاق حمله من اتهامات وشائعات وقذف. فلمّا شاع الخبر في بني إسرائيل أنّ مريم عليه السلام حامل أساء بها الظنّ كثيرون، منهم مَن اتّهمها بيوسف النجار الذي كان يتعبّد معها في المسجد، واتّهمها آخرون بنبيّ الله زكريا عليه السلام. وحزنت مريم حُزنًا شديدا، وكان ملاذها الله ربّ العالمين الذي أيّدها بالملائكة وروح القدس، وقد سجّل القرآن هذه اللحظة الحزينة، قال تعالى: "يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا"، كانت البتول مريم من أهل بيتٍ يُعرَفون بالصلاح ولا يُعرَفون بالفساد وكانوا قُدوةً في مجتمعهم. لم تيأس مريم البتول من ربّها بل استسلمت له كلّ الاستسلام، وهي تعلم أنّها في عُهدة مَن لا يُضيّع الودائع، وبرّأها الله تعالى من خلال إبنها الرسول المعجزة يسوع المسيح عليه السلام والذي أنطقه الله فقال: "وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا".&nbsp;</p> <p>"مع الرسول المعجزة عيسى عليه السلام"، عنوان برنامج "أ ل م"، ويُشاركنا في النقاش الدكتور المُفكّر ميشال كعدي، الباحث والأستاذ الجامعي وصاحب مؤلّفات كثيرة في الإسلام أيضًا، ومن فلسطين القلب والبؤبؤ من بيت لحم الأب عبدالله يوليو، رئيس دير الروم الملكيين الكاثوليك في رام الله، ومن الأردن الحبيب الأستاذ الفاضل والعالم الجليل مصطفى أبو رمان. مشاهدينا مرحبًا بكم جميعًا.&nbsp;</p> <p>دكتور ميشال، ميلادٌ مجيد، وكل عام وأنتم بخير إن شاء الله، وما أجمل أن نعيش في ذكريات الأنبياء، فالعطر كلّ العطر في النبوّة والمجد كلّ المجد في الرسل ومنهم عيسى عليه السلام رسول المحبّة والمودّة، مَن يكون عيسى عليه السلام؟&nbsp;</p> <p>ميشال كعدي: قبل البدء بأيّ أحاديث، أنا أشكر يَراعَتَكَ، لأنّها اختصرت الكثير مما يجب أن نقوله نحن وكل مَن يستمع لنا اليوم.&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: حيّاك الله، ونحن نتعلّم منكم دكتور.&nbsp;</p> <p>ميشال كعدي: أدامك الله.&nbsp;</p> <p>أولًا فُتِحت لي آفاق كثيرة هي أنّ الشعور في مكانه دائمًا عندما نقول المسيح ومُحمّد نعتبرهما صنوان لا يُمكن أن أُفرّق بينهما على الإطلاق، ولكن لكل إنسان سِمات، منها مثلًا بين عيسى والرسول العربي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، لكل واحد منهما شخصية كبيرة، ولا سيما هذه الشخصية ما لها حدود من العَظَمة في الدنيا، لأنّ المسيح الذي وُلِد واصطفاه الله ليكون من مريم هو نفسه ما اصطفاه الله ليكون للرسول محمد بن عبد الله ليكون أيضًا له مكانه عظيمة في الوجود والإنسانية قاطبةً.&nbsp;</p> <p>فلذلك الحديث صحيح أنّ الحديث عن المسيح العظيم والرسول العظيم الذي له مكانة كبيرة لا في قلوب الناس وحسب حتى في الكتب السماوية الرسول له مكانة كبيرة، بدليل أنّني ما قرأت من كتب سماوية على الأرض إلا أنّ المسيح وأنّ الأنبياء وأنّ الرسل القُدامى قد بشّروا بالرسول محمد بن عبد الله على الأرض، فلذلك سيكون للمسيح هذه العَظَمة الكبيرة وهذه القدوة الإنسانية الكبيرة ولا جدال، وسيكون طبعًا للنبي الأعظم وللنبي الأكرم الذي خَصَصته اليوم بملحمة إلى جانب ملحمة المسيح، خَصَصت الرسول العربي بملحمة لكي أجعل للقارئ كل ما يجب أن يعرفه لا كل ما يجب أن يسمعه أو سمعه من الآخرين. محمد هو رسول الله على الأرض والمسيح هو رسول الله على الأرض بدلائل كثيرة.&nbsp;</p> <p>أنا دكتور حقيقةً تعلّمت حبّي للمسيح من خلال القرآن، أنا تعلّمت حبّي &ndash; أُعيدها &ndash; تعلّمت أن أحبّ المسيح من خلال القرآن، عندما جبرائيل بشّر مريم العذراء المُصطفاة من الله لتكون أمًّا لعظيم من عظماء الأنبياء في العالم، والمسيح خلّص البشر بآلامه وخلّصه من الخطيئة الأصلية تمامًا كما اصطفى الله الرسول العربي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ليكون رسولًا مُخلّصًا للبشرية على الأرض من كل عوامل الشر، من كل عوامل الفساد، من كل ما يجب أن يُقال بهذه الأرض جُمِعت في كتاب الرسول وجُمِعت في الإنجيل، وكلاهما كان لكل البشر من دون نزاع ولا جدال.</p> <p>يحيى أبو زكريا: ولله درّ هؤلاء الأنبياء، فعيسى عليه السلام أتباعه اليوم يدنون من 3 مليارات، وأتباع محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم على وشك أن يصبحوا مليارين، فانظر هذه العَظَمة التي تمتّع بها الرسول عيسى والرسول محمد.&nbsp;</p> <p>من فلسطين الحبيية الأب عبد الله يوليو ميلادٌ مجيد، ونتمنّى أن يرتفع الاحتلال وترتفع القيود لنؤازركم ونحتفل معكم سويًا بطفل المغارة في مسقط رأسه.&nbsp;</p> <p>أستاذ وأبانا عبد الله يوليو، عيسى عليه السلام بُعث في مرحلة تاريخية سوداء، كانت البشرية تقطع الرقاب، تتقاتل، الصراعات، المعارك، كيف استطاع عيسى عليه السلام أن ينشر ثقافة الحبّ في مجتمعات الكراهية ويؤسّس لتيّار إنساني أصبح في ما بعد تيّارًا عالميًا سلام الله عليه؟&nbsp;</p> <p>الأب عبد الله يوليو: أسعد الله مساءكم جميعًا وكل عام وأنتم بخير، وأنا أيضًا أقول لي شرفٌ كبير أن أشارك في هذه الحلقة من هذا البرنامج الذي دائمًا وأبدًا نُتابعه. لو تعطيني الفرصة أن أتكلّم في هذه المناسبة ونحن نستعدّ للاحتفال بعيد الميلاد المجيد عن سيّدنا المسيح، ونحن على أرض فلسطين مهد الرسالات الثلاث وحيث مهد السيّد المسيح في بيت لحم، فأنا أعتقد أنّه هدية الله الكبرى للبشرية جمعاء، وأتت هذه الهدية في زمن كان فعلًا يحتاج إلى هذه الهديّة.&nbsp;</p> <p>المسيح هو كلمة الله الذي أصبح إنسانًا، إن كان بمفهوم عقيدة الإسلام بالمفهوم الإسلامي تحوّلت الكلمة إلى كتابٍ، بمفهوم المسيحية تحوّلت الكلمة إلى إنسانٍ هو المسيح. القرآن الكريم ذكر " ما أرسلناك إلى رحمةً للعالمين"، والمسيح كان وسيبقى "آية للناس ورحمةً منّا" كما يقول الكتاب الكريم القرآن الكريم. بالتالي أعتقد أنه بالنسبة للمسيح لم يكن فقط يُبشّر بهذه الرحمة التي تُعبّر عن ودّ الله لكل الناس من خلال لسانه إنما جسّدها في حياته، ودفع ثمنًا غاليًا لإعطاء المحبة لكل الناس.&nbsp;</p> <p>وأيضًا لا نستطيع إلا أن نؤكّد أنّ هنالك علاقة ما بين المسيح والرسول محمد عليه الصلاة والسلام من خلال أيضًا ما يعيشه المسلم أمس واليوم، أنا لا أنسى ما قاله لي صديق عزيز وأنا شاب هنا في فلسطين، هو يتكلّم عن المسيحيين والمسلمين، قال لي للأسف كثيرًا ما ينسى المسيحيون بأننا نحن أيضًا المسلمون في انتظار المسيح عندما سيعود، نحن أيضًا على موعد مع سيّدنا المسيح. فبالتالي أعتقد كل نبي، كل رسول، عطيّة الله للبشرية جمعاء. وعلى أرض العرب بين المسيحية والإسلام هناك تواصل وتداخل، وبالتالي في كل مسيحي هنالك في قلبه الإسلام موجود، وفي كل مسلم أيضًا المسيح موجود. فالمهم أن نُجسّد نحن أيضًا في الحياة اليومية هذه العلاقة، هذه المودّة المُتبادلة وهذه المسؤولية المشتركة في بناء الإنسان. ونحن كم بحاجة اليوم في فلسطين وفي كل المنطقة العربية على أن نكون أكثر فأكثر معًا وسويةً في كل المجالات، في كل الميادين، حتى نُساهم في بناء إنسان الغد وحتى نصنع مستقبلًا أفضل.&nbsp;</p> <p>نحن ما زلنا في فلسطين نعيش تحت الاحتلال، ولكن أنا على يقين أن الليل سينجلي بفجر جديد. ما زلنا نحن عندما نستمع إلى السيّدة فيروز وهي تُغني أنا القدس، قدسنا الحبيبة، تقول في أغنيتها "زهرة المدائن": "والطفل في المغارة وأمّه مريم وجهان يبكيان". نعم، ما زالت مريم والطفل يسوع يبكيان، ولكن إنْ شاء الله إنْ شاء الله سينتهي هذا الليل العربي والفلسطيني الطويل بفجر جديد بإذن الله وسنحتفل معًا وسويةً في القدس وفي بيت لحم وسنسمع فعلًا الملائكة يسبّحون الله ويقولون المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المَسَرّة.</p> <p>يحيى أبو زكريا: أبانا عبد الله يوليو ذكرت عيسى عليه السلام الباكي، هو صدقًا باكٍ على آلام البشرية وأوجاع الإنسانية والمُدلهِمّات الكبيرة التي تُحيق بالبشر اليوم، لكنه إنْ شاء الله سوف ينزل ثانية وسوف يُضحكنا جميعًا ويُسعدنا جميعًا.&nbsp;</p> <p>الشيخ مصطفى أبو رمان من الأردن الحبيب حيّاك الله تعالى، فعلًا تصوّر معي بشرية من دون أنبياء، بشرية من دون نبوّة، إنسانية من دون رسائل السماء، وهنا السؤال، كيف ينظر الإسلام إلى عيسى عليه السلام؟ لعمري خصّ الله تعالى مريم العذراء بسورة كاملة إسمها سورة مريم، والرسول عندما كان يتحدّث عن عيسى - الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم - كان يقول أخي عيسى، وعيسى عليه السلام بشّر بأحمد الذي سوف يأتي بعده، هذه الأخوّة بين الأنبياء والعلاقة بين الأنبياء يعني صدقًا مهما قُلنا في الأنبياء العجز عن التعبير أبلغ من كل تعبير، صدقًا غيّروا وجه التاريخ عندما ربطوا الأرض بالسماء وقدّموا الله ربّ العالمين مَن أوجدنا، تفضّل شيخ مصطفى.&nbsp;</p> <p>الشيخ مصطفى أبو رمان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله ربّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا محمد وعلى أخيه عيسى بن مريم وعلى جميع الأنبياء والمُرسلين وآل كلٍّ وصحب كلٍّ أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وكل عام وأنتم بخير، وجزاك الله خيرًا دكتور يحيى على اختيارك، يعني لكل مقام مقال ولكل حدثٍ حديث، فجزاك الله خيرًا وشكر الله لك اختيارك هذا الموضوع في هذا الشهر الثاني عشر من السنة 2022 حتى ننتهي بتقديم التهنئة والتبريك في كل يوم نتلاقى على المحبّة والمودّة التي أمرنا الله عزّ وجلّ بها.</p> <p>لولا الأنبياء في البشر لما كانت محبّة ولما كانت رحمة، فنبيّ الله عزّ وجلّ، نبيّ الله عيسى عليه السلام الذي يُوصَف بالمحبة، ومحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي يوصف بالرحمة، هؤلاء وكل الأنبياء عندما يوصَفون بأوصافٍ ربّاهم الله عزّ وجلّ عليها وأدّبهم عليها، "أدّبني ربي فأحسن تأديبي"، وعندما نقرأ تعاليم المسيح وتعاليم الحبيب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، تعاليم الإنجيل وتعاليم القرآن، الخاصة بهذا الباب خاصة، نجد أنّ في كتاب الله عزّ وجلّ " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، ويربط لنا علاقتنا مع غيرنا من أهل الكتاب خاصة " لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ &nbsp;إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، بل وأرقى من ذلك، في القواعد التي وضعها الله عزّ وجلّ للبشرية ووحدة الإنسان، الأصل الإنساني، " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا".&nbsp;</p> <p>تجد سيّدنا عيسى عليه السلام عندما نجد في تعاليمه المحبّة وهي من أعظم الوصايا، يقول: "بهذا أوصيكم حتى تُحبّوا بعضكم بعضاً"، ويقول عليه السلام: "إن قال أحدٌ أنا أُحبّ الله ولكنه يبغض أخًا له فهو كاذب لأنه إنْ كان لا يُحبّ أخاه الذي يراه فكيف يقدر أن يحب الله الذي لم يَرَه قط"، في العهد القديم يقول: " إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً"، وكذلك "كنتُ جائعًا" ومثل هذا الكلام أيضًا الذي هو في إنجيل متّى مثله هناك حديث عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مع اختلاف الألفاظ يقول: " كنتُ جائعًا فأطعمتموني وعطشانًا فأسقيتموني غريبًا فآويتموني مريضًا فزرتموني، هؤلاء يدخلون الفردوس والحياة الأبدية". هذا المنهج في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هو الذي يُنقِذ البشرية، فلولا الأنبياء كما ذكرت دكتور يحيى، لولا وجود الأنبياء كيف كانت حال البشرية؟ لولا هذه الرسائل، رسائل المحبّة والرحمة كيف تكون حال البشرية بلا رحمة ولا محبّة؟&nbsp;</p> <p>إذًا التأثير الذي أوجده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الكتب المقدّسة أو في وصاياهم هو هذا التأثير الذي يُغيّر البشرية من البغض والكراهية إلى المحبّة والمودّة والتي أمرنا الله عزّ وجلّ بها، يعني الله سبحانه وتعالى عندما وضع لنا منهجًا ومشاركة بين أبناء الأديان، عندما يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة آية 62 " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ"- هنا الاشتراك &ndash; " مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، ما هذا التشارك العجيب بين أتباع هذه الأديان عندما يذكر الله عزّ وجلّ &nbsp;"الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ"، يعني جميع أتباع الأديان إذا كانوا يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الصالحات فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إذًا المشترك بين أتباع الأديان وهذه الوصايا التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، والله سبحانه وتعالى يقول ليحدّد لنا مسار كل واحد فينا "وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ، &nbsp;قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا"، سبحان الله العظيم عندما يقول الإنسان يصف نفسه عمله بالإجرام وعمل غيره بالعمل، وهذا أدب ربّاني، يُؤدّبنا الله عزّ وجلّ " قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ، قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ"، فهذا الوصف الذي يُؤدّبنا الله عزّ وجلّ عليه ويُربّينا عليه ونتخلّق بهذه الأخلاق إنّما هي من أخلاق الكتب السماوية وأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين هم قُدوتنا كما ذكر الأب عبد الله جزاه الله خيرًا، عندما نقول إنّ هؤلاء هم قُدوة وهذه القُدوة لأنّهم الإنسان الكامل، أنا أقتدي بإنسان كامل، بنبيّ أرسله الله عزّ وجلّ بتعاليم، هذه التعاليم تستحقّ أن يُقتدى بها وأن يُعمَل بها، فنسأل الله العظيم، رب العرش العظيم بهذه الأيام المباركة أن نكون دُعاة لوحدة الصف، وكما قال الأب عبد الله وهذه كلمة أيضًا مشهورة ومأثورة في الأردن أنّ في قلب كل مسيحي أردني مسلم وفي قلب كل مسلم أردني مسيحي، لهذا نحن في قلوبنا نؤمن بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام القدوة ولنعمل بما جاؤوا به من محبّة ورحمة وهداية ومودّة.&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخ مصطفى في هذا الميلاد المجيد ندعوه تعالى والمتوسّل بالأنبياء تُستجاب دعوته، أن لا يحرمنا الله تعالى من تعاليم الأنبياء ونحن أحياء وأن لا يحرمنا من صُحبة الأنبياء يوم نلقاه جلّ في عُلاه عندما ننتقل إليه في الرفيق الأعلى.&nbsp;</p> <p>مشاهدينا فاصل قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>المحور الثاني</p> <p>&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلًا بكم من جديد، مَن أدرك حلقتنا الآن نحن نُقدّم عيسى عليه السلام الرسول المعجزة إبن مريم البتول الذي غيّر وجه التاريخ.&nbsp;</p> <p>دكتور ميشال، في الفكر الإنساني القديم والمعاصر، كثيرًا ما يُشار إلى شخصيات مُسالِمة، مُهادِنة، غيّرت باللاعنف، بالسلام، يُذكر المهاتما غاندي، يُذكر مارتن لوثر كينغ رجل الإصلاح الذي قُتِل في الستينيات، لماذا أولًا لا نعود إلى ثقافة الأنبياء؟ نحن في العالم العربي تحديدًا ضُرِبت القِيَم وفُسِّخت القِيَ، مسيحيًا وإسلاميًا، وجيء بقِيَم جديدة، إفرازات العولمة ملؤها الشهوات والإنحراف، ألا ترى أنّ العودة إلى ثقافة الأنبياء سوف تُحصّننا؟ هذا من جهة. ثانيًا، كيف استطاع عيسى عليه السلام أن يُواجه كلّ تلك الآلام بفكر الحبّ، بفكر الإيثار، بفكر التعاون، بفكر التلاقي، بفكر البسمة، تصوّر شخصاً يُعذّب أو يُصلَب ويتبسّم، يدعو إلى الحبّ؟</p> <p>ميشال كعدي: من الطبيعي بمكان أن أتحدّث بتجرّد، عندما نتكلّم على شخصية المسيح يجب أن لا نذكر شخصية أخرى &ndash; إسمحوا لي &ndash; يجب أن لا نذكر شخصية أخرى في العالم مهما كانت درجة عَظَمتها، المسيح لم يكن عاديًا، هو إنسانٌ سماوي على الأرض بدليل ما قاله القرآن، لأنه عندما أقول تعلّمت من القرآن الكثير عن محبّتي للمسيح لا أعني شيئًا آخر إلا المحبّة للمسيح، المسيح عندما وُلِد وُلِد روحًا لله على الأرض، هكذا قال القرآن الكريم، فإذًا هو روح الله على الأرض، عندما أقول هو روح الله على الأرض يعني يجب ألا أُفرّق بينه وبين إنسانٍ آخر، أنا عندما أتحدّث عن المسيح أتحدّث في عُرفنا نحن أنّ المسيح هو الله، كمسيحيين، أنا أتحدّث كمسيحي، هو الله على الأرض، فإذًا لا يجوز على الإطلاق إلا أن أتحدّث عن المسيح بعَظَمته كإنسان، وعندما قيل لي بالأسئلة هو عملاق، لا، هو أكبر من عملاق، هو يوصَف بأكثر بكثير من أي شيء آخر ومن أي إنسان آخر.&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: طبعًا هذا من البدايات، جاء من دون أبّ، كما آدم جاء من دون أبّ وأمّ، وأيضًا المعجزات التي أوتِيَها لم يُسمع أنّ نبيًا أوتِيَها، إحياء الموتى، بَرء الأكمه والأبرص، استدعاء الطيور، اجتياز المياه، معجزات خارقة جدًا إلى أقصى درجة.&nbsp;</p> <p>ميشال كعدي: طبعًا، وأكثر، إذا أردنا أن نتحدّث بعد نتحدّث أكثر، عندما قال جبرائيل مُبشّرًا العذراء بأنّها ستكون المكان الصحيح للمسيح، وأتى من دون مساس، فإذًا القرآن، أُعيد مرة أخرى، يجب أن يسمع العالم، عندما أتحدّث عن ميلاد المسيح وعندما أتحدّث عن المسيح بالذات أخذت محبّتي مرة ثالثة ورابعة يجب أن تعلم ما أعلم، أخذت محبّة المسيح من القرآن الكريم. هي شخصية سماوية على الأرض، علّمنا كلّ شيء، تصوّر دكتور، تصوّر عندما أخذوه إلى الصلب، إلى الموت، إلى العذاب، إلى إلى إلى آخره... ماذا قال لهم؟ "اغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يدرون ما يفعلون"، هذه لا عَظَمة تُعانيه عَظَمة على الأرض من إرادة المسيح على الأرض ليكون محبّة خالصة للبشرية كلّها، والمسيح ما كان لفئة، المسيح ما كان لفئة معيّنة على الأرض. أنا أقول مُناهضًا قول مَن قال هناك المسيح وهناك عيسى، هو نفسه عيسى، المسيح نفسه عيسى، وعندما يسمعني المطران أقول هناك أناس يقولون عيسى والمسيح يجب أن نعرف أنّ عيسى هو المسيح نفسه على الأرض. فلذلك علّمنا المحبّة، علّمنا التضحية، خلّصنا من الخطيئة، أتى من فوق، يعني جاء على هذه الأرض ليُخلّص البشرية جمعاء من كل مصائبها، من كل مشاكلها، من كل ما يجب أن يكون هناك عيب، يعني حتى العيوب لغاها المسيح على الأرض. المطران يُدرك أنّني كنت تلميذ القدّيسة في دير الأباء البيض القدّيسة حنّة، ويمكن هو أيضًا من دير القدّيسة حنّة، يكون يعرفها، كل هذا تعلّمته أنا في دير الأباء البيض، يُقال لهم " les p&egrave;res blancs" وكانوا موجودين في لبنان. فإذًا شخصية المسيح هي شحصية ليست عادية فقط، إنّها شخصية سماوية على الأرض أتت لتكون مُخلّصة للبشرية.&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: وتأمّل معي عَظَمة عيسى عليه السلام، رغم كل ما أُوتيَ من قوى خارقة، اليوم أجهزة المخابرات العالمية، الجيوش العالمية، تبحث عن شيء إسمه القوّة الخارقة من الطبيعة حتى تُسيطر أكثر، حتى تستعمر أكثر، عيسى رغم تلك القوّة الجبّارة التي أوتِيَها، المعجزات، كان دائمًا يقول أنا عبدٌ تابع للسماء، إلهنا الذي في السماء، حتى في قرآننا عندما الله تعالى يسأله سؤالًا استنكاريًا وليس استفهاميًا، أأنت قلت للناس اتخذوني إلهًا؟ قال له يا ربي لم أقل إلا ما تعلمه أنت، أنا لا أقول هذا، وحتى لمّا أنطقه الله صغيرًا أرشد لمَن؟ لله، أوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّا، يعني التواضع، تعامل الأنبياء مع الله لأنّهم يعرفون الله وقُدسية الله وحضرة جلال الله وكمال جلال الله فإنّهم يخضعون له ويُخضِعون البشرية له، لم يستخدم تلك القوّة لصالحه إنّما استخدمها لخدمة ربّ العالمين، ألا تقولون في التعبير الكنسي "خُدّام الربّ"، يعني اللّهم اجعلنا خُدّامًا لربّ العالمين.&nbsp;</p> <p>الأب عبد الله يوليو من بيت لحم ونتمنّى لكم إن شاء الله احتفالًا مجيدًا بالميلاد المجيد من دون مُنغّصات هذه السنة بحول الله.&nbsp;</p> <p>عيسى عليه السلام إذًا شخصية تغييرية، بنظرك ما هي الأشياء الإضافية في شخصية عيسى عليه السلام التي جعلته بهذه الطريقة نبيًا، رسولًا، مؤثّرًا، مغيّرًا، مُحوّلًا البشر السلبيين إلى بشر إيجابيين؟ وأيضًا حبذا لو أيضًا تتحدّث عن أمّه البتول عليها السلام، مريم العذراء، مريم المقدّسة، تفضّل أبانا العزيز.&nbsp;</p> <p>الأب عبد الله يوليو: عندما نتكلّم عن المسيح، صحيح المسيح بالنسبة إلينا كمسيحيين الله حاضرٌ فيه، هو روح الله، لكن المسيح أيضًا أولًا وأخيرًا كان إنسانًا حقيقيًا مثلنا ولكن إنسانيته لا يستطيع إبليس أن يمسّها كما لم يمسّ إنسانية مريم البتول، بالتالي المسيح هو أيضًا الإنسان الكامل، ومن خلال رسالته إذا نحن اتّبعنا المسيح في حياته وبعد أن اعتمد على يد يوحنّا المعمدان، النبي يحيى في مياه نهر الأردن، يبدأ سيّدنا المسيح برسالته، ولكن هنالك نلاحظ تطوّرًا في رسالته، يبدأ قبل كل شيء رسالته ضمن إطار بني إسرائيل، ولكن وفاءً لرسالته وللأب الذي أرسله، شيئًا فشيئًا يتعدّى هذه الحدود، وأصبح المسيح يتعامل خارج هذا الإطار، نرى المسيح يتعامل مع المرأة الكنعانية، يتعامل المسيح مع السامريين، والمسيح يتعامل مع الإنسان وخاصة الإنسان المتألّم الذي يحتاج أن يلمس رحمة الله. فبالتالي نرى المسيح يتعدّى هذه الحدود الضيّقة، حدود القبيلة، حدود العشيرة، حدود الطائفة، تعدّى كلّ الحدود، وهذا كان السبب الذي جعل الناس ينقلبون عليه. بالتالي ليس من السهل أن نتّبع المسيح، ومن المهم جدًا أن نُجسّد نحن إيماننا المسيحي بالحياة اليومية، فكما سمعنا ماذا قال المسيح ليس من حبٍّ أعظم من مَن يبذل نفسه في سبيل مَن هو يعشقه، يُحبّه، والمسيح في حياته بقي مُخلصًا لهذه الرسالة وجسّد محبّة الله الكبيرة لكل الناس، كل إنسان إن جاز التعبير عزيز على قلب الله، الله لا ينظر إلى الطائفة، إلى العشيرة، إلى الطبقة الاجتماعية، والمسيح جازف بحياته دفاعًا عن هذه المبادئ. وأيضًا هنالك بقي إبليس الشيطان يُجرّب المسّ بإنسانيّته، وكانت آخر تجربة لإبليس عندما كان المسيح على الصليب، بعد أن حمل الصليب وتعرّض للجَلْد وللشتائم، للبصاق، ورأى أنّ كل الناس ابتعدوا عنه، كان وحيدًا، هنالك المسيح نفسه الإنسان جُرّب في إنسانيّته، كلماته على الصليب ولكن ليست هي الكلمات الأخيرة، "إلهي إلهي لماذا تركتني"، أين أنت؟ كان ربما ينتظر المعجزة الكبرى من الله أن يُنقذه، ولكن بقي المسيح واثقًا بالله، بمحبّة الله للإنسان، بقيت ثقته بالله لم تتزعزع، آخر كلماته كانت "بين يديك أستودع روحي"، استودعها لله كليّا. وبالوقت نفسه من الرغم أنه هو في داخله، يسوع، عيسى الإنسان، عندما رأى كل الناس ينقلبون عليه دفاعًا عن مصالحهم الشخصية، عندما رأى حتى تلاميذه، أتباعه يتخلّون عنه خوفًا، قال "اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ما يعملون".&nbsp;</p> <p>بالتالي أصبح المسيح الآن قدوة عظيمة، كيف نحن نؤمن بالله، نستسلم لله تعالى وكيف لا نسمح للغضب، للشعور بالثأر، الانتقام، الكراهية، لا نسمح لهذه المشاعر أن تدخل قلبنا، هنا الصعوبة، كيف نُجسّد نحن في عالمنا العربي، في وطننا فلسطين، في بيوتنا مع الجميع، مع الجيران، مع الأقرباء، مع الجميع، هذا التعليم العظيم الذي لم يُعطنا إياه المسيح فقط من خلال اللسان، عاشه ودفع الثمن غاليًا، وأيضًا هو يُعلّمنا بأنّ على كل نبي، على كل صاحب رسالة أن يدفع ثمنًا غاليًا، علّمنا أيضًا أنه لكل صليب، لكل موت وراؤه قيامة.</p> <p>ومريم العذراء والدته الطاهرة كانت أمّا للمسيح ولكن هي أيضًا تعرّضت لكلام الناس، أمور كثيرة كانت تحصل ولربما لم تكن تفهم كل شيء، يقول الإنجيل "كانت تحفظ كل شيء في قلبها"، يعني كانت ككل الأمّهات، كانت "تبلع" كلّ شيء، ولكن دائمًا وأبدًا هي أيضًا بقيت ثابتة في إيمانها.&nbsp;</p> <p>فكل هذه التعاليم نتمنّى أن تتحوّل إلى حياة نعيشها، ونحن بأمسّ الحاجة فعلًا لكي نُعيد بناء الإنسان العربي في وطننا ومجتمعنا، ولا ننسى أنّ حضارتنا الكبيرة وثقافتنا وتاريخنا العربي المسلم والعربي المسيحي سويةً صنعا هذه الحضارة وهذه الثقافة وهذا التاريخ.</p> <p>يحيى أبو زكريا: أبانا عبد الله، يعني حقيقة نستطيع أن نُقدّم عشرات آلاف الحلقات عن عيسى عليه السلام، لكنّي أدعو الناس أن يقرأوا عن أخلاق عيسى مع أمّه، كيف كان هذا النبي البار، كيف كان هذا الرسول البار؟ بالمناسبة الأنبياء جميعًا كما قال رسولنا الحبيب صلّى الله عليه وآله وعلى الأنبياء جميعًا "أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم"، منذ بداية حركة تاريخ النبوّة الأنبياء يقتلون، هابيل قتله قابيل، إبراهيم رُمي في النار، موسى رُمي في اليمّ ثمّ هجّره فرعون، إسماعيل عليه السلام تشرّد إلى أرض الحجاز، رسول الله ضُرب بالحجارة في الطائف وقال الله اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون، على أجيالنا اليوم أن تعي أنّ فكر النبوّة وفكر الرسالة وإرث الأنبياء لم يأتِ بالهيّن، لم يأتِ بالسهولة، فعليهم أن يلتفتوا إلى هذا قبل أن تجرفهم العولمة وتيارات الفساد في العالم، لأنّ هناك فكراً عالمياً يريد طمس إرث الأنبياء، أليس كذلك شيخ مصطفى أبو رمان؟&nbsp;</p> <p>&nbsp;</p> <p>الشيخ مصطفى أبو رمان: نعم يا سيّدي جزاك الله خيرًا، حقيقةً إسمح لي أولًا في برّ الأنبياء لأمّهاتهم وأنت أحد البارين بأمّك لما أقرأ من كتاباتك دائمًا. سيّدنا عيسى عليه السلام، هذه الأخلاق وأخلاق الأنبياء جميعًا عليهم الصلاة والسلام، نعم يُحاولن طمسها لأنّها ضدّ مشاريعهم، مشاريع الأنبياء هي ربط الناس بالله عزّ وجلّ، ربط الناس بأرحامهم، ربط الناس بالناس، ولهذا عندما يصف الله عزّ وجل نبيّه عيسى عليه السلام " وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا"، هذه الأخلاق النبوية في عيسى عليه السلام لا يريدونها اليوم أن تكون بارّاً بوالديك وأن تكون ذا أخلاق حميدة في المجتمع، يريدونك كما وصفت الآية "جبّارًا شقّيا" وهذا هو الطمس، طمس تلك الأخلاق التي نستمدّها من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. الصدّيقة الطاهرة عليها السلام، لو قرأت نساؤنا، هذا أيضًا طمس للطهارة والعفّة في نسائنا، فلتقرأ نساؤنا مسيحيات ومسلمات طهارة وعفّة مريم عليها السلام التي جعلها الله عزّ وجل آية كبقية الصدّيقات، مريم وآسيا وخديجة وفاطمة الزهراء، تلك هن قدوة نسوتنا، نساء هذا الزمان وبناتنا، حتى لا تُطمس هويتنا ولا تُطمس ثقافتنا ولا أخلاقنا ولا ديننا بهذه الأفكار الغربية أو المستوردة أو التي تأتينا بأسماءٍ مثل حقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل إلى غير ذلك، لنرجع إلى تلك النساء وإلى هؤلاء الأنبياء لنقتدي بهم، اسمع مثلًا قول الله عزّ وجل " إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ"، فكيف نحن نقتدي بوجيه في الدنيا مقرّب في الدنيا والآخرة بسيّدنا رسول الله " لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا".&nbsp;</p> <p>إذًا الأنبياء والصدّيقات الطاهرات هم قدوة للنساء والرجال في هذا الزمان أمام هذا الزحف الغربي علينا والزحف الصهيوني الذي يريد للأمّة أن تنسلخ من أخلاقها ومن اقتدائها بهؤلاء الذين هم حقًا لا نتركهم أبدًا. ولهذا السيّدة مريم عليها السلام وسيّدنا المسيح عليه السلام هيّأهم الله عزّ وجلّ قبل الولادة، يعني حتى السيّدة مريم عندما تقول " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي &nbsp;إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ &nbsp;وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". هل نحن الآن أمام ما ذكرت دكتور يحيى أمام هذا الزحف الذي يريد أن يسلخنا هل نستعيذ بالله عزّ وجلّ ونُعيذ ذريّتنا من الشيطان الرجيم؟ " فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، هذا اليقين بالله عزّ وجلّ لو كان عندنا أبناؤنا وبناتنا من أنّ الحياة والموت والرزق والسعادة كلها بيد الله سبحانه وتعالى، لنتعلم من مريم ومن الصدّيقات ومن الصحابيات ومن المؤمنات اللواتي هنّ قدوة لنا في حياتنا. لهذا أمام ما نحن فيه من هذا التيار الذي يريد أن يُغيّرنا ما ليس لنا إلا أن نتّبع الأنبياء عليهم والصلاة والسلام ونقتدي بهم ونبحث عن المشتركات بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لنصل إلى المحبّة والسلام والمودّة والرحمة.&nbsp;</p> <p>يحيى أبو زكريا: وأتصوّر أنّ الله تعالى من خلال القرآن ومن خلال الرسول العملاق صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أوجدوا هذا المشترك، عندما يُشيد الإسلام بقدسيّة وعَظَمة مريم وآسيا سلام الله عليها التي بشّرها الله بالجنة، زوجة فرعون، وأيضًا بخديجة بنت خويلد التي حمت رسول الله ودافعت عنه، وأيضًا القدسية فاطمة بنت محمد أمّ أبيها، فتلك النسوة الأربع مثال للمرأة العربية، مثال لأجيال البنات اللاتي يُراد أخذهن إلى المتاهات، تحيّة لفكر الأنبياء، تحيّة للنسوة اللاتي ساهمنا في نشر الرسالة وهكذا الإسلام لا يُقدّس الذكر بل يُشير إلى دور الأنثى، فالذكر والأنثى في ميزان الله واحد.&nbsp;</p> <p>الشيخ مصطفى أبو رمان ببركة عيسى ومحمد عليهما السلام نسأل الله أن يتقبّل منّا هذا القليل، شكرًا جزيلًا لك شيخ مصطفى.&nbsp;</p> <p>أبانا العزيز عبد الله يوليو، رئيس دير الروم الملكيين الكاثوليك من بيت لحم شكرًا جزيلًا لك، وأتمنّى أن تدعو لي أبانا، أبانا عبد الله خُصّني بدعوة وأنت بجوار مسقط رأس المسيح سلام الله عليه.&nbsp;</p> <p>دكتور ميشال كعدي مُفكّرنا وكاتبنا وصاحب المُصنّفات الجميلة، لك كتاب عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها، شكرًا جزيلًا لك.&nbsp;</p> <p>مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها، إلى أن ألقاكم هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبدًا ودائعه..&nbsp;</p>