مع نائب رئيس الجمعية الفلسفية الأردنية موفق محادين
نص الحلقة
<p>عنّي أنا ومَن أُمثّلهم، والله ما رأينا منكم خيرًا ولا أظنّ أنّنا نرى منكم هذا الخير.</p>
<p>موفّق محادين: لا يُمكن إحداث تغيّرات في المجتمع، لا يمكن إحداث فوضى بصراحة، فوضى في الشرق إلّا بهدم الدولة، لأنّك في الشرق إذا هَدَمت الدولة عمليًا أنتَ هَدَمت المجتمع.</p>
<p>الصراع عربي إمبريالي صهيوني لا نزاع فلسطيني إسرائيلي.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: مع استمرار الأزمة الاقتصادية والمعيشية وتفاقُمها، حَراك شعبي مَطلبيٌ جديدٌ في الأردن يخرج ودماءٌ تَسيل، فما حقيقة ما يجري؟ تطوّرات إقليمية تتفاعل على وَقْع التحوّلات الدولية، كيف يتأثّر الأردن وهل لموقعه من القضية الفلسطينية أَثَرٌ في ذلك؟ مسار نضالي بين الميدان والسياسة والثقافة إلى أين وصل وكيف يُقيّمه؟</p>
<p>نائب رئيس الجمعية الفلسفية الأردنية الدكتور مُوفّق محادين، أهلًا بكَ ضيفًا عزيزًا في برنامج بإيجاز، نوّرتنا.</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: أهلًا.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: أهلًا بك دكتور. </p>
<p>نبدأ وإيّاك من تطوّرات المشهد على الأرض في الأردن، حراك جديد يُمكن أن نقول، لكنّنا اليوم أمام محطّة جديدة قد تبدو مُختلفة أقلّه في ما جرى في الحسينية في معّان، هناك دماء سالت، إلى أيّ حدّ يبدو هذا الحَراك مُختلفًا عمّا سبَقَه من تحرّكاتٍ شعبيةٍ ولماذا عساه قد يكون كذلك؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: مساءُ الخير. </p>
<p>الحِراك الأخير في الأردن هو امتداد لمجموعةٍ من الحِراكات بدأت عمليًا منذ نيسان 89، أيضًا بدأها بالمناسبة سائقو الشاحنات أيضًا في مدينة معّان وامتدّت لتشمل مدينة الكرك حيث هناك تجربة سياسية تُمثّل كل أطياف وألوان العمل السياسي الأردني.</p>
<p>هذه المنطقة في جنوب الأردن تُعْتَبر حسّاسة لأكثر من سبب، ربما السبب الرئيس أنّها شكّلت في ما مضى عنصرًا أساسيًا ممّا يُمكن تسميته بمجتمع الدولة، الطبقة الوسطى التي تخلّت عنها الدولة منذ نيسان 89 تحت ضغط وإملاءات البنك وصندوق النقد الدوليين، كُلّ ما يجري في الأردن من عام 89 وحتى اليوم هو مُحصّلة السياسات العامة التي فرضها البنك وصندوق النقد الدوليان على الاقتصاد وعلى السياسة وعلى المجتمع الأردني وأدّت إلى تفكيك الدولة، تفكيك المجتمع، تحطيم الطبقة الوسطى، اتّساع دائرة الفساد، اتّساع دائرة البَطالة، الجوع. </p>
<p>المُلاحَظ في الحِراكات الشعبية الأردنية أنّها حِراكات مطلبية بالدرجة الأساسية، كلّ محاولات الثورة المُلوّنة باءت بالفشل.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: إسمح لي هنا أن أقف عند مُصطلح الثورة المُلوّنة وموضوع الحراك المطلبي، بمعنى في هذه المحطة رأينا دماء سالت، توقيف عناصر وحتى الحديث عن خلايا إرهابية والحديث أيضًا أنّ هذا حراك مطلبي شعبي وليس حراكًا سياسيًا، علمًا أنّه في السنوات الماضية وبالتزامُن مع ما يُعرَف بـ "الربيع العربي" شهدنا شعارات، بغضّ النظر عن حجمها شعبيًا، تحدّثت عن المَلَكية الدستورية وما إلى ذلك، لكن في هذا العنوان نحن نتحدَّث عن حراكٍ مطلبي شعبي، لا يوجد اختراق من الخارج؟ أو متى حدثت محاولة سيناريو ثورة ملوّنة كما تتفضّل في الأردن؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: ابتداءً للدور المُدمِّر للبنك وصندوق النقد الدولي وإملاءاته التي ركّزت بشكلٍ خاص على إعادة هيكلة الدولة، تصفية الطبقة الوسطى، رفع الدعم عن السِلع والخدمات الأساسية، مجموعة من الموارد العامة للدولة تمّت خصخصتها، وبالأحرى تمّ نهبها باسم الخصخصة، في الأردن حتى البتراء اليوم مطروحة للتأجير، قلاع تاريخية مطروحة للتأجير، بلد تجري خصخصته وأين؟ في تركيبة اجتماعية تشكّلت منذ عقود بوصفها أقرب إلى الحال الاجتماعية الريعية.</p>
<p>في كل الأحوال، الحراك في الأردن ظلّ حراكًا مطلبيًا، ولم تتمكّن قوى الثورة المُلوَنة من فرض أجندتها المرتبطة بالسفارات وخصوصًا السفارة الأميركية، لم تتمكّن، ظلّت القوى المُلوّنة على هامش هذا الحراك. اليوم الشعب الأردني، الطبقات الشعبية الفقيرة المُهمّشة ليست معنية باللجان التي تتشكّل بين الحين والحين لتعديل الدستور أو لتعديل قانون الانتخابات، الناس في الأردن غير معنيين اليوم بلعبة النُخَب السياسية وتحصيل حصصها في قوانين الانتخابات واللجان والمبادرات المختلفة.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: وهذا يبرز كمستوى حسّ وطني عال، نتحدّث هنا حتى في مسار هذه الحركات التي خرجت منذ 89 من القرن الماضي. لكن هذه المحطّة اليوم نريد أن أشخّصها وإيّاك، هل هناك مَن يتدخّل فيها من الخارج؟ ما قصّة الخلايا الإرهابية التي برزت بشكلٍ أو بآخر؟ ونتحدّث عن سقوط أيضًا دماء وحتى شهداء من الأمن في الأردن، نائب مدير أمن معّان أيضًا ممَّن سقطوا في هذه الموجة الأخيرة؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: بالضبط تعبيرك دقيق تمامًا، الشارع الأردني بالمناسبة إحساسه الوطني عال أعلى من الحكومات، بمعنى هو عندما يتحرّك، عندما ينطلق، عندما يُعبّر عن احتجاجاته، كُلّما أدرك أنّ هذه الحِراكات قد تُوظّف بشكل أو بآخر هو يتراجع، الشارع الأردني تراجع اليوم لأنّه رأى أنّ هناك محاولات لتوظيف هذا الحراك أو للتهديد به ولكنّه بالتأكيد سيُعاود الحراك عندما يتمكّن من بناء ظروف محلية لا تسمح للخارج بتوظيفها.</p>
<p>في ما يخصّ الشهداء الذين سقطوا من الأمن العام والرحمة لهم والتعزية بالتأكيد لذويهم، هؤلاء أعزّاء على قلب كل أردني وعربي، هؤلاء الشهداء سقطوا ضمن حيثيات مُعقّدة تحتاج إلى نقاش، كيف؟ الأزمة في الأردن، الحِراك في الأردن هو حِراك مطلبي بدأه سائقو الشاحنات وسائقو النقل العام بشكلٍ عام وحاولت قوى سياسية أن تتضافر مع هذا الحِراك ضمن برامج معروفة ومُتّفق عليها ومُرخَّصة، دائمًا كان هناك داخل السلطة وداخل أروقة الحكومة ومؤسّساتها مَن يذهب إلى أنّه يُمكن أن نُطوّق أيّ حِراك سلمي، أيّ حِراك مطلبي، أيّ حِراك طبقي، يُمكن أن نُطوّقه بإزاحة ما نحو خلايا إرهابية، قد تكون هذه الخلايا حقيقية، قد تكون مُشتبهاً بها، وتوجد خلايا إرهابية في كل مكان، في كل مكان في الأردن وجزء منها ناتج أيضًا من سياسة التواطؤ التي شاهدناها في كل المنطقة عندما قرّروا أن يُحاصروا سوريا، وهذا الملف مفهوم لكل الناس.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: تُريد أن تقول دكتور محادين بأنّه تمّ تعطيل هذا الحِراك باستحضار هذه الورقة من جهات، وكأنّك تُشير بأصابع مباشرة إلى جهات في داخل الحُكم لتطويق هذا الحراك، لا أدري إذا كانت هذه المحطّة انتهت أم أنّها خَبَت إلى أن تتجدّد بشكل أو بآخر، لكن هل يوجد تدخّل خارجي بجملة حتى نُنهي هذه النقطة في النقاش؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: الأردن اليوم لأسبابٍ عديدة تحتاج إلى حلقات، الأردن اليوم أيضًا يعيش علاقات مُتوتّرة وباردة مع قوى في الإقليم، هو اليوم يعيش علاقة مُتوتّرة مع شريكه في معاهدة وادي عربة والشعب الأردني كلّه لديه موقف منها بل أنّ البرلمان الأردني دعا إلى إسقاطها وإلغائها والسلطة ظلّت مُتعنِّتة على هذا الصعيد. اليوم مع عودة نتنياهو، مع عودة هذا الخيار، خيار الترانسفير، تصفية القضية الفلسطينية في الأردن بشكل أو بآخر، العلاقة الأردنية - الإسرائيلية مُتوتّرة على هذا الصعيد، ولكنّها في حقول أخرى علاقات تسير، على الصعيد الاقتصادي، على الصعيد الاجتماعي، الحكومة الأردنية رغم التهديدات الإسرائيلية لم تُفكّر مرّة واحدة في الطلب من سفير العدو أن يُغادر على سبيل المثال. هناك أيضًا العلاقات السعودية الأردنية علاقات باردة، علاقات مُتوتّرة لأسبابٍ عديدة طبعًا لسنا بصَدَد الحديث عنها، أيضًا كلّ القوى الإقليمية في لحظات صراع سياسي تُحاول أن ترى المشهد بعيونها، بمصالحها، بأدواتها، الخ... لكن بالتأكيد الشارع الأردني، القوى السياسية الأردنية الصاحية، إحساسها الوطني عالٍ جدًا، هي لن تتخلّى عن مطالبها ولكنّها لن تسمح للقوى الإقليمية بالتدخّل والدخول على أيّ حراك.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: دكتور، لافت ما طرحته، لأنّه عندما نتحدّث عن الأردن في واقعه الإقليمي كيف يتفاعل، هناك تحوّلات كبري تجري دوليًا وتتأثّر فيها المنطقة، والأردن له أهمية جيو- سياسية كبيرة إنْ كان بالنسبة للأمن المباشر في أرضنا المحتلة فلسطين على دولة الاحتلال، أو حتى في الأمن الإقليمي على دولة الاحتلال والعديد من الدول، مساحة الحدود كبيرة، هناك حدود بحريّة على خليج العقبة، الحدود الأردنية السورية، الحدود الأردنية السعودية، الأردنية العراقية، الأردنية الفلسطينية، رغم المساحة الصغيرة للأردن لكن لديه حدود جيو- سياسية يُفترض أن تضعه في مكان في مِظلّة تحميه ولا تتخلّى عنه لا على المستوى الإقليمي، دول الخليج، ولا حتى على المستوى الغربي، الولايات المتحدة الأميركية، كيف يمكن أن نفهم هذه المُفارقة؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: الأردن بالمعنى الجيو- سياسي ساحة ارتطام حسّاسة للغاية لكل ما يجري في الإقليم، ونحن اليوم نشهد الأردن كيف بدأ يتحوّل من دولة " buffer state" ضمن تركيبة رَيْعية إلى دولة جسر "State" بين العدو الصهيوني وبين الخليج، وضمن شكل جديد للدولة الأردن بدأ ينتقل من الدولة الرَيْعية إلى دولة الجباية، عمليًا الأردنيون اليوم أمام أخطار مُضاعفة مع هذا التحوّل من " buffer state" إلى الجسر "State". </p>
<p>الخبر الأول أنّ الدولة تتفكّك في سياق هذا الشكل من شكل الجسر "State"، بمعنى نحن اليوم الأردنيون أمام ثلاث قوى خطرة موجودة في الأردن، أولًا العدو الصهيوني من خلال معاهدة وادي عربة وهي ليست معاهدة أمنية أو معاهدة سياسية محصورة بدوائر مُعيّنة، هذه المعاهدة تشمل حقولاً واسعة من الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخ... وهذا العدو بالذات لديه أجندة لتصفية القضية الفلسطينية في الأردن، بُعْد طبقي مُركّب أيضًا على بُعْد وطني، لدينا اليوم عدد من القواعد الأميركية في الأردن وهذه مسألة خطيرة جدًا واليوم كلّ العالم يتحرّر من القواعد الأميركية، نحن اليوم لدينا قواعد أميركية. القاتل الاقتصادي الثالث هو البنك وصندوق النقد الدولي بسياساته وإملاءاته. </p>
<p>الأردنيون يواجهون خطرًا مركّبًا طبقيًا وطنيًا تُضاف له حال الفساد المُستشري وهي حال عمليًا نَهبت وبدّدت الموارد العامة وبدأت تُعوّض استحقاقات الموازنة (الحكومة) بدأت تُعوّضها بفرض عشرات الضرائب، اليوم الأردني الذي كان ضمن الدولة الرَيْعية اليوم يُصرف على دولة تتفكّك وفي نفس الوقت هو يُعاني من ضائقة مالية واقتصادية ومعيشية فائقة للغاية.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: انطلاقًا من ذلك دكتور، ذكرت موضوع القواعد الأميركية، جاءتك أيضًا من المشاركات على مواقع التواصل الاجتماعي حُوِّل لك سؤال من رائد إسماعيل يقول: "كم تستهلك القواعد الأميركية في الأردن من النفط الأردني مجانًا - كما يطرح هو - هل صحيح بقدر 40000 برميل يوميًا بما يُعادل 3 مليارات دولار سنويًا - وفق حساباته - مُقابل إعطاء الأردن مُساعدة سنوية حوالى 850000 دولار بالسنة؟ تعليق؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: أولًا القواعد الأميركية كما نُشرت الاتفاقية الموقّعة فيها تسهيلات غير مسبوقة، فيها تسهيلات سواءً على هذا الصعيد أو على صعيد آخر، هذا الموضوع يحتاج إلى تفاصيل أخرى، ولكنها بالتأكيد قواعد غير مُرحَّب بها من الشعب الأردني، ولماذا توجد قواعد في الأردن؟ الجيش الأردني قوّة معروفة في المنطقة والأمن الأردني، لماذا هذه القواعد؟ اتفاقية دفاع مع مَن وضدّ مَن؟ هذا هو السؤال الكبير، إلا إذا كانت لها وظيفة في الإقليم، والأردن أمنه الوطني لا يحتمل وجود مثل هذه القواعد بهذه الأهداف.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: دكتور، وكأنّك تقول إنّ الأردن مُستهدَف، وأنت تحدّثت عن علاقات باردة بين السعودية والأردن وشهدنا منتدى أو قمّة بغداد الثانية في الأردن وحضرتها أيضًا المملكة العربية السعودية؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: هذه القمّة بصراحة وبالتشخيص العام هي لم تنجح بشكل أو بآخر، وهي قمّة غريبة على أية حال، لماذا تُعقد قمّة حول العراق في الأردن ويجري استثناء سوريا، أيضًا هذه مسألة أنت تُشرك كل القوى الإقليمية بما فيها إيران.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: لكن أنا أقصد شاركت السعودية وشاركت إيران، هذا ماذا يعني؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: نعم، المشاركة السعودية لم تكن لا على مستوى الملك ولا وليّ العهد، هي مشاركة متواضعة، وهناك مشكلة بالعلاقة السعودية الأردنية وأيضًا السعوديون لا يريدون هذا المحور الذي يتشكّل المحور الأردني المصري الإماراتي العراقي، بالمناسبة هذا المحور له جذور في مجلس التعاون العربي، الخ... دائمًا السعودية لديها حساسية من هذا المحور الذي يتشكّل بين الحين والآخر بقراءات أميركية تحت عناوين مثل الاحتواء المزدوج، الضغط هنا، الابتزاز هنا الخ... لكن في كل الأحوال شكل المؤتمر لم يُحقّق أهدافه.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: لكنّه أيضًا يُعتبر محطّة مهمّة في الأردن، واقع الأردن، التحوّلات في المنطقة، وهذا يدفعنا إلى الحديث عن دور الأردن، تأثّره في هذه التحوّلات في المنطقة وموقعه من القضية الفلسطينية. كيف يُمكن تقيّيم حضور الأردن من القضيّة الفلسطينية، هنا لا نتحدّث بأنّه حضور عادي، الفلسطيني في الأردن هو فاعل ومُكوّن أساسي وفاعل على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لا نتحدّث عن لاجئين فلسطينيين كما دول أخرى، في سوريا مثلًا، لبنان وغيره، نتحدّث عن شكل مُختلف ومؤثّر وفاعل، لكن موقع الأردن من القضيّة الفلسطينية كيف يُمكن تقيّيمه لاسيما مع التطوّرات التي نُشاهدها على الأرض وانتخاب المواجهة في الضفة الغربية كخيار؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: الفلسطينيون في الأردن لا يُشبهون، بالتأكيد هم مُكوّن أساسي من مكوّنات الحال والدولة الأردنية، هم ليسوا بالضبط توصيفك دقيق للغاية، هم جزء أساسي ومكوّن أساسي في كل الحقول وفي كل القطاعات والمؤسّسات، الآن في البداية الأردن أصلًا عُنِيَ به كما كل دول المنطقة كلّها هو عبارة عن شظايا من سوريا الطبيعية، أقصد سوريا ولبنان والأردن وفلسطين.</p>
<p>الأردن أحد الأسباب التي كانت وراء دعمه وحمله من قِبَل الإنكليز وغيرهم ثمّ الأميركان هو أن يكون بمثابة خزّان بشري لأزمات المنطقة بدءاً بالأزمة الفلسطينية، ثمّ الأزمة العراقية، ثمّ الأزمة السورية الخ... ولكن الاستحقاق الفلسطيني هو الأكبر لأنّ العراقيين والسوريين لم يندمجوا بالمجتمع الأردني وليس مطلوبًا منهم هكذا في الأجندة الأميركية، الفلسطينيون جزء أساسي واليوم يُحاول العدو أن يدخل على هذا الشكل ويقول أنّه بوسع الفلسطينيين أن يحلّوا قضيّتهم في الأردن، وهنا أنا أريد أن أحذّر الأدرنيين والفلسطينيين، التوطين الذي يتحدّث عنه العدو الصهيوني في الأردن ليس توطينًا سياسيًا العدو يتحدّث عن توطين سكاني، بل أنّ معاهدة وادي عربة وإملاءات البنك الدولي بدأت تقطع تطوّر المجتمع الأردني نحو مجتمع مدني وتودّ إعادته كما لو أنّه مُجتمع سكان، العدو والأميركي يتعاملان مع الأردن كجغرافيا وليس كدولة ويتعاملان اليوم مع الأردنيين كسكان وليسوا كمواطنين.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: انطلاقًا من ذلك دكتور، الآن بالنظر للتفاعلات على الأرض في فلسطين المحتلة ولاسيما في الضفّة، وبرزت مقابلة الملك مع الـ"CNN" قال: "الانتفاضة الثالثة تعني انهيارًا كاملًا للنظام والقانون وهو ما لم يستفِد منه الإسرائليون ولا حتى الفلسطينيين"، نُريد أن نُقيّم هذا الموقف وقُدرة الحضور الأردني لاسيما الوصاية الهاشمية على المُقدّسات، هل هي في تراجع ولماذا؟ بإيجاز لو سمحت؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: لا، الآن هناك قراءة في الدولة الأردنية أنّه إذا اندلعت انتفاضة في الضفّة الغربية يُمكن أن تهدم السلطة، سلطة الحُكم الذاتي، يمكن أن تهدم هذه السلطة ولا تُوفّر بديلاً آخر وتحصل انعكاسات وارتدادات على الأردن بشكل مختلف، هذه قراءة، ولكن عمليًا الانتفاضة الفلسطينية مُرحَّب بها، نحن لا نتحفّظ على هذه الانتفاضة، هذه قراءة وهذه قراءة. في كل الأحوال، تصريح الملك، قراءات المعارضة، كلّها ترى كل ما يحدث بجدل علاقة مُركّب ومُعقّد بين الحال الأردنية والحال الفلسطينية، هو التصريح جاء من هذه الزاوية.</p>
<p>ثانيًا، هو تأكيده دائمًا على الوصاية الهاشمية، هو تأكيد على وصاية دينية وليس وصاية سياسية على الأماكن المُقدّسة الإسلامية والمسيحية، وجزء من هذا التأكيد جزء منه في مواجهة هذا التغوّل لداعش اليهودية التي تحكم إسرائيل اليوم، وأيضاً هناك حساسية من محاولات سحب هذه الوصاية كلّما توتّرت العلاقة السعودية الأردنية تخرج أصوات من هذا القبيل.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: دكتور، ونحن نتحدّث أيضًا عن مسارك النضالي ليس فقط في المستوى السياسي أنت تأتي إلى السياسة من عالم الثقافة ولديك كتب وصلت حدّ الـ30، ما شاء الله عنك مكتبة بحدّ ذاتها، مُنتجاتك الفكرية، وأنت رئيس سابق لرابطة الكُتّاب الأردنيين ومنتدى الفكر الاشتراكي واليوم نائب رئيس الجمعية الفلسفية الأردنية. ما الذي أتى بك من الوسط الثقافي إلى الوسط السياسي؟ لماذا يبدو الوسط الثقافي الأردني أغنى بشكل أو بآخر من واقع الوسط السياسي حاليًا؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: أولًا شكرًا على هذه الملاحظة وهذا الاعتراف، نعم الوسط الثقافي في الأردن ظاهرة تحتاج إلى نقاش حتى على الصعيد العربي لأنّ هذا الوسط أولًا ليس بسيطاً، هذا وسط يشمل مجموعة من الهيئات الثقافية بحقولها المختلفة، منها الجمعية الفلسفية، منها رابطة الكتّاب، مُنتدى الفكر الاشتراكي، المُنتدى العربي، هناك مجموعة من هذه الهيئات وكلّها مُنخرطة في العمل وفي الشأن الوطني العام. المثقّفون في الأردن باستثناء طبعًا للسلطة يوجد مُثقّفوها وبعض المنابر الخليجية أيضًا تتنافس في الأردن، قطر، الإمارات، المركز العربي، مؤمنون الخ... والسفارة الأميركية لديها أيضًا أجندتها الثقافية كما البريطانية، ولكن هذه الاختراقات محدودة، الوسط الثقافي الأردني مُحصّن إلى حدٍّ ما وهو يشكّل صمّام أمان وطني ضدّ الثورات المُلوّنة، ضدّ هذا الخطاب الليبرالي الذي يمرّ عبر أشكال مُختلفة وأيضًا ضدّ اللعب على الهويّات والعصبيات المحليّة، لأنّ هذا الوسط يتراوح بين أطياف يسار راديكالي، لا أتحدّث عن اليسار الاجتماعي، اليسار الاجتماعي موجود في الأردن ولكنّه بدأ يتخلّى عن سِماته وينخرط في الثورات المُلوّنة أكثر فأكثر، أتحدّث عن اليسار الراديكالي، أتحدّث عن عوروبيين، عن قوميين، عن تيار واسع في الوسط الثقافي مؤيّد للمقاومة، هذه مسألة مُهمّة، ثقافة المقاومة بكلّ تياراتها أيضًا حاضرة في هذا الوسط.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: ولأنّك تحدّثت عن المقاومة وهذا الانتخاب لخيار المقاومة أيضًا في الوسط الثقافي الأردني، نُريد أن نُعرِّج لأنّه هناك كُثر لا يعرفون أنّ الدكتور موفق محادين أيضًا مُنخرط في مجاله النضالي في الميدان والمقاومة وأنت خبرت الاعتقال والسجون وهناك قضايا مرفوعة بحقك وغادرت الأردن هروبًا إن صحّ التعبير أواخر العام 74 ومطلع الـ75 حتى التسعينات بين جنوب لبنان ودمشق. لكنني أريد منك أن تروي للمشاهدين قصّة العمل خلف خطوط العدو أو العملية التي شاركت فيها؟</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: بالمناسبة من المعروف أنّ المقاومة الفلسطينية خلال فترة وجودها في لبنان هي عمليًا كانت إطاراً استوعب كلّ حركات التحرّر العربي والعالمي، من أقصى أفريقيا إلى أقصى آسيا إلى أميركا اللاتينية إلى كارلوس إلى كل هذه الحركات كانت كلّها موجودة، والمنفيّون العرب، الهاربون العرب كلّهم عمليًا عاشوا في شارع جمهورية الفاكهاني كما كانت تُسمّى، بين جمهورية الفكهاني وبين جنوب لبنان.</p>
<p>أنا بين عديد الأردنيين انخرطنا بهذه المقاومة، عشنا في جنوب لبنان مع المقاتلين، والعملية التي تتحدّثين عنها في اجتياح آذار 1978 وجدنا أنفسنا ضمن تشكيلات للمقاومة خلف خطوط العدو، منطقة الخردلي وهذه معروفة طبعًا والعيشية والمحمودية والديمشقية، يعرفها المقاتلون، وكنّا نتسلّل ليلًا ونزرع ألغاماً ونعود، هذه تجربة من التجارب التي عشناها مع المقاومة الفلسطينية.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: وهذا أيضًا يُسجَّل...</p>
<p> </p>
<p>موفّق محادين: في المقابل القسم الآخر أنا كنت باحثاً أيضًا في مركز الدراسات الفلسطينية في دمشق، وأيضًا عملت في مَجلّات المقاومة الفلسطينية، في الهدف، في نضال الشعب، في حقل البحث إلى جانب هذه التجربة مع المقاتلين الفلسطينيين والمقاتلين اللبنانيين في جنوب لبنان.</p>
<p> </p>
<p>راميا الإبراهيم: هذا يُسجَّل لك وشكرًا جزيلًا لك دكتور موفّق محادين نائب رئيس الجمعية الفلسفية الأردنية، وأنت الباحث أيضًا والكاتب ضيفنا كنت معنا في هذه الحلقة من برنامج بإيجاز.</p>
<p>والشكر لكم مشاهدينا أينما كنتم، موعد جديد يتجدّد الأسبوع المقبل ودائمًا بإيجاز، إلى اللقاء.. </p>