يوغوسلافيا: بصمة نار
نص الحلقة
<p> </p>
<p>جورج غالواي: إسمي "جورج غالواي"، مُقدِّم برنامج "كلِمة حرّة" على قناة "الميادين" التلفزيونية. لا أراوغ في كلماتي بل أقول كلمتي حرّة وكذلك يفعل جمهوري. إذاً برنامج "كلِمة حرّة" هو كلمة حرّة لي وكلمة حرّة لكم، تابعونا </p>
<p>مقدّمة:</p>
<p>جورج غالواي: أهلاّ بكم في برنامج "كلِمة حرّة" معي "جورج غالواي" على قناة "الميادين" حيث نوافيكم من (لندن) بحديث عن بلدٍ لم يعُد موجوداً وهو "يوغوسلافيا". ما الدور الذي أدّاه حلف "الناتو" في قصف "يوغوسلافيا" وفي إنهاء وجود دولة صربيّة موحّدة في خضمّ نشوء دولة يُطلِق عليها جزء من العالم على الأقل إسم (كوسوفو)؟ </p>
<p>داعمو حلف "الناتو" يصفونه بمنظّمة دفاعيّة، إلاّ أنّ الشعب الليبي قد يكون لديه ما يقوله حيال ذلك وكذلك بالطبع الشعب الصربيّ. يا لها من منظّمة دفاعيّة تورّطت في حربٍ أهليّة في بلدٍ كان قد بدأ في التفكّك، وفي الحقيقة سهّلَ حلف "الناتو" التحوّل غير القانوني وغير الدستوري لجزءٍ كبيرٍ من (صربيا) إلى نوعٍ من.. لا أدري، نوع من مكان لا يُشبه أيّ شيء، فهو ليس بدولةٍ مُعترَفٍ بها على الأقل من "الأُمم المتّحدة" ومن بلدان أُخرى لكنّه يحظى باعتراف جميع البلدان المألوفة في العالم. البلدان التي ترفض حقّ (القرم) في تقرير مصيرها هي نفسها تُصرّ على حقّ (كوسوفو) في ذلك</p>
<p>لقد أوضحت موقفي حيال هذه المسألة وكنت من أبرز الشخصيّات المُعارِضة في البرلمان البريطاني تحت قيادة النائب الراحل "توني بن" لدور "الناتو" في حرب "يوغوسلافيا" ولم يكن يتجاوز عددنا العشرات ولكن قد يكون العدد رقماً سحرياً. في اعتقادنا، الدور الذي اضطلع به حلف "الناتو" في النزاعات الأخيرة كان مُدمّراً جداً وكنّا قد أطلقنا حملة "لا للناتو" في (لندن) في الشهر الماضي، ومنذ ذلك الوقت بدأت الحملة تنمو سريعاً. يتساءل الكثير من الناس اليوم عن مدى أهمية "الناتو" وإن كان دوره في تفكيك "يوغوسلافيا" تحديداً يستحقّ الدعم. ولَّت أيّام الرئيس "كلينتون" بالطبع، لكن رئيس الوزراء السابق "توني بلير" الذي كان العقل المُدبِّر المُشارك في تدخُّل "الناتو" في "يوغوسلافيا" ما زال حاضراً معنا بصورةٍ ملحوظة، لكنّه أصبح بالطبع أكثر ثراءً عمّا كان عليه سابقاً. لكن هذه الآراء ليست سوى آرائي الخاصّة، في نهاية المطاف البرنامج إسمه "كلمة حرّة" لسبب، لأن للجميع الحق في التعبير عن رأيه وأنا الهاوي المُتحمِّس فحسب</p>
<p>المحور الأول </p>
<p>جورج غالواي: أنا مُحاط بمجموعة من الخبراء الأكاديميين الموثوقين من أعلى المستويات، لكن هذا بالطبع لا يعني أنّهم مُحقّون في وجهات نظرهم، سنكتشف ذلك قريباً. لنستهلّ الحديث مع أحدهم وهو الدكتور "إيدِن هِهر"، باحث في شؤون العلاقات الدوليّة في "جامعة وست منستر" وهو مؤلِّف لعدد من الكُتُب من بينها الكتاب الأكثر ارتباطاً بموضوعنا تحت عنوان "كوسوفو- التدخّل وبناء الدولة" الذي أصدره عام 2010. دكتور "إيدن"، أخبرنا عن النقاط التي أخطأت بها في مقدّمتي عن هذا الموضوع </p>
<p>إيدِن هِهر: لا أعلم من أين أبداً، إذ أنني أُخالفك الرأي حيال نقاط كثيرة. لا أعتقد أنّ "الناتو" كانت لديه خطّة في البداية لتدمير "يوغوسلافيا"، أعتقد أنّ سياساته كانت تُنفّذ تدريجياً بحسب الظروف ومن دون تفكير وأنّه ارتكبَ بعض الأخطاء في أغلب الأوقات. لا أعتقد أنّ "الناتو" قد قدّمَ نفسه على أنّه منظّمة خيريّة مُحايِدة</p>
<p>جورج غالواي: بل كحِلفٍ دفاعي </p>
<p>إيدِن هِهر: نعم، لكن لديه مصالحه الخاصّة بالتأكيد وفي "يوغوسلافيا" في أوقاتٍ مختلفةٍ سعى "الناتو" وراء مصالحه الخاصّة وكانت التأثيرات أحياناً سلبيّة. أمّا في حال (كوسوفو)، أعتقد أنّ التأثيرات كانت إيجابيّة جداً، وفي قدر ما أُقدِّم نفسي كشخصٍ ينتقد "الناتو" بشدّة، علماً أنني لن أؤيِّد السياسة الخارجيّة الأميركيّة أو البريطانيّة قطعاً لكن في هذه الحال بالتحديد، أعتقد أنّ إيجابيّات التدخّل تفوق سلبياته </p>
<p>جورج غالواي: ماذا تقول للذين يرون نهجاً انتقائياً جداً حيال بعض القضايا مثل مسألة (كوسوفو)؟ الكتالونيّون مثلاً الذين بذلوا جهداً لإعلان استقلال (كتالونيا) عن (إسبانيا) قد سُحِقوا بقوّةٍ على يد الدولة الإسبانيّة بدعمٍ كامل من (الاتّحاد الأوروبي)، أو ربما الجدال الذي شهِدناه مؤخّراً عن (القرم)؟ لماذا يجب أن تبقى (القرم) تحت حُكم نظام أوكراني عدائيّ في حين أنّ لـ (كوسوفو) الحقّ في الاستقلال عن دولة (صربيا) التي يُزعَم أنّها عدائية أيضاً؟ </p>
<p>إيدِن هِهر: أتذكّر أنني كنت في (سويسرا) عام 1999 حينما نظّم الكُرد تظاهرة اعتراضاً على ما يحدُث في (تركيا) وكان ردّ فعل "الناتو" على ما كان يحدُث للكرد في (تركيا) مختلفاً جداً عن ردّ فعله حيال الألبان في (كوسوفو). إذاً، إذا كانت التُهَم تفيدنا بأنّ نهج "الناتو" كان مُتناقضاً عندها أنا أوافقك الرأي</p>
<p>جورج غالواي: كلمة "مُتناقض" هي وصفٌ مُلطَّف لنهج "الناتو"، الوصف الأدقّ هو النفاق وازدواجيّة المعايير</p>
<p>إيدِن هِهر: نعم، لكنّي لا أعلم عن أيّة دولة في العالم تعتمد سياسة خارجيّة أخلاقيّة بحتة</p>
<p>جورج غالواي: قبل أن أنتقل إلى الضيف الثاني، ما كانت مصلحة "الناتو" في تسهيل تفكيك "يوغوسلافيا" أكثر فأكثر؟ </p>
<p>إيدِن هِهر: أعتقد أنّ مجموعة من الدوافِع تقف وراء ذلك. الدافع الأهمّ كان رغبة "الناتو" في التوسُّع، إذ كانت بلدان شرق (أوروبا) تتساءل، لماذا قد تنضمّ إلى هذه المنظّمة إن كانت لا تُحرِكُ ساكناً وتحتضر وعاجزة عن التعامل مع هذه الأزمة في (كوسوفو)؟ وكان "الناتو" يشعُر بأنّه بحاجةٍ إلى استعراض قوّته في شرق (أوروبا) ليُظهِر أنّه على قدرٍ من الأهميّة. أعتقد أيضاً أنّ ثمّة مُبرِّر اقتصادي لأنّ "كلينتون" قال حينذاك أنّه إذا أراد ممارسة التبادل التجاري مع (أوروبا) لا بدّ من أن تخلو حدود (الاتّحاد الأوروبي) من أيّ نزاع لذا عليهم التعامل مع هذه المسألة. من الواضح جداً وجود دوافِع للمصالِح الذاتيّة لكن شعر بعض المعنيين أيضاً بضرورة وضع حدٍّ للنزاع إذ شُنّ عدوان صارِخ على الألبان في (كوسوفو) على يد القوّات الصربيّة، وكان قد أعرب "ميلوسوفيتش" سابقاً عن نيّته إخلاء (كوسوفو) من الألبان، وكان لذلك حجّة أخلاقيّة قويّة بالطبع لكنّها لم تكن السبب الوحيد للتدخّل بل أيضاً دوافع مختلطة لا مفرّ منها في العلاقات الدوليّة</p>
<p>جورج غالواي: دكتور "نايل ماكراي"، عضو في نقابة عمّال (إنكلترا) ومُحاضِر سابق في "كليّة كينغز"، ما كان موقفك آنذاك وما هو موقفك الحالي عند الرجوع إلى تلك الفترة التي يُمكن وصفها بتدخّل تجريبي لـ "الناتو"؟ استطعت التمييز بين الأمور بالتأكيد حينذاك، فقد فسّر لنا السيّد "توني بن" قائِلاً أنّه إذا نجحت هذه القوى في تدخّلها في (يوغوسلافيا) سيكون تطبيق النهج نفسه على عددٍ من البلدان الأُخرى مسألة وقت لا أكثر، وبالطبع حدث ذلك في (العراق) و(أفغانستان) و(ليبيا) و(سوريا). ألا ينبع كلّ هذا حتماً مما يصفونه بـنجاح تدخّل "الناتو" في "يوغوسلافيا"؟ </p>
<p>نايل ماكراي: في رأيي، البَلْقَنة كانت الغاية من تدخّل "الناتو" في "يوغوسلافيا". أتذكّر أنّه بعد سقوط الشيوعيّة تحدّث "فرانسيس فوكوياما" عن نهاية التاريخ، وأعتقد أنّ ما قصده بذلك حقاً هو نهاية السياسة. من الآن فصاعداً سيسود نظام عالمي نيو ليبرالي جديد، وهجومه الأوّل على دولة قوميّة بعد سقوط الشيوعيّة وعقب تصريح "فرانسيس فوكوياما" كان على "يوغوسلافيا". ما نشهد الآن هو خلاف مستمرّ حيال (كوسوفو)، وهي منطقة صغيرة في جنوب (صربيا)، وأعتقد أنّ مسألة (كوسوفو) استُغِلّت وما زالت تُسْتَغلّ منذ الحرب في أواخر التسعينات كورقة كُمساوَمة بل وأسوأ من ذلك حتى، فهي إنذار أخير للحكومة الصربيّة يضعها بين خيارين: إمّا أن تنضمّ إلى المشروع الأوروبي وتتبنّى قِيَم "الناتو" والغرب أو سيقتطعون (كوسوفو) منها ولن يتوقّفوا عند هذا الحدّ. نحن نعي مما حصل في الحرب أواخر التسعينات وحجم الاستهداف الذي تعرّضت له حكومة (بلغراد)، فقد دّمِّر هذا البلد على يدّ "الناتو". ربما لما كانت "يوغوسلافيا" لتدوم على أيّة حال عقب سقوط الشيوعيّة لكننا لا نجزم ذلك، لكنّها بالطبع ما كانت لتُلاقي هذا المصير المذبحة إذ استمرّ "الناتو" في قصف (صربيا) لمدّة 78 يوماً ولم يكن يستهدف مصنع الذخائِر "زاستافا" فحسب بل كان يقصف دور الرعاية والمُستشفيات</p>
<p>جورج غالواي: ومحطّات التلفزة مثل هذه المحطّة والسفارة الصينيّة </p>
<p>نايل ماكراي: بالتالي، كنت تتوقّع ذلك يا "جورج" انطلاقاً من طيفك السياسي إلّا أنّني لم أتوقّع ذلك لـ "يوغوسلافيا" كون رأيي محافظاً بعض الشيء، كانت المرّة الأولى التي أدركت فيها مُستوى خبث الغرب و"الناتو" </p>
<p>جورج غالواي: دكتور "يعقوب عزيمي"، صحافي ومدرِّس مُساعِد للدراسات العليا في "كليّة لندن الجامعيّة" في (لندن) في معهد الدراسات السلوفانية والشرق أوروبيّة. يعتقد الدكتور "إيدن" أنّ حلف "الناتو" لم تكن لديه خطّة بينما يعتقد الدكتور "نايل" العكس وأنا أوافقه الرأي. ما هو موقفك؟ </p>
<p>يعقوب عزيمي: طريقة صياغتك للسؤال تحتاج إلى الكثير من المناقشة، لكنّي أعتقد أنّك إذا أردت مُهاجمة البُعد الأخلاقي لـ "الناتو"، اختيار مهاجمتك لهذا البُعد عن طريق مسألة (كوسوفو) خيار خاطئ في اعتقادي. عندما نتحدّث عن تورُّط "الناتو" في (كوسوفو) يغيب عن بالنا تاريخ "يوغوسلافيا" وتفكّكها وانهيارها. التوازن السياسي الذي لطالما ساد قبل رفض (صربيا) استقلال (كوسوفو) الذاتي، علماً أنّ كلاهما عاشا تحت جناح "يوغوسلافيا"، فقد ألغت (صربيا) 8 بنود دستوريّة مُرتبطة بـ "يوغوسلافيا الاتحاديّة" وألغت الحكم الذاتي ودمّرت التوازن السياسي الذي قامت عليه "يوغوسلافيا" الاتحاديّة. لاحقاً، قاوَم الألبان بصورة سلميّة على مدى عشر سنوات ونظّموا حراكاً سلمياً مُحاولين تجنُّب إشعال نيران نزاع كان ليحمل تبِعاتٍ كارثيّة على المنطقة كلّها. يمكنكم مراجعة مُقاربة القوى الغربيّة المُتمثّلة بـ (الاتحاد الأوروبي) و(الولايات المتّحدة) و(روسيا) من أزمة "يوغوسلافيا" وحينها فقط قد تنتقدون الغرب لعدَم تدخّله مُسبقاً في (البوسنة) لمنع إراقة دماء المدنيين هناك. لكن عندما تعلّق الأمر بأزمة (كوسوفو)، استمرّ نظام "ميلوسوفيتش" الصربي في تنفيذ ما أعلنه وكان هدفه الأسمى إلغاء (كوسوفو) من نفوس الألبان، عندها قرّر الغرب و"الناتو" أنّ الكَيْل قد طفح. قد تُقرِّر انتقاد "الناتو" من وجهات نظر مُختلفة لكن عندما يتعلّق الموضوع بـ (كوسوفو) أعتقد أنّه إنْ أردنا فعلاً دراسة السياسة من منظور أخلاقي سنُلاحِظ أنّ هذه الحادثة تتضمّن حِسّاً أخلاقياً على مُستوى السياسة الدوليّة، فقد أنقذت مليونيّ فرد. على الرغم من التدمير الهائِل الذي حصلَ واستمرار القصف على مدار 78 يوماً في (صربيا) غيرَ أنّ هذا كان ضرورياً </p>
<p>جورج غالواي: كان ضرورياً، حسناً. عزيزي الدكتور "يعقوب"، كنتُ شخصياً في (كوسوفو) في وقتٍ تساءل مُعظم شعب (بريطانيا) إنْ كانت كلمة (كوسوفو) هي إسم طعام أو شراب أو وسيلة نقل لذا، لا أحتاج لأيّة مُحاضرة عن (كوسوفو) و"ميلوسوفيتش" و(صربيا). لقد شغلت في الماضي منصب رئيس "المجتمع الألباني في (بريطانيا) العُظمى"، وانطلاقاً من منصبي كنتُ موجوداً في (بريشتينا). أنا أُعارِض وضع حال (كوسوفو) النهائيّة ضمن (صربيا)، لكن ادّعاء أنّ الهجوم قد شُنَّ باسم جمهوريّة "يوغوسلافيا" هو ببساطةٍ عارٍ من الصحة</p>
<p>يعقوب عزيمي: بل صحيح</p>
<p>جورج غالواي: كانت (كوسوفو) محافظة في (صربيا) التي بدورها كانت جزءاً أساسياً من "يوغوسلافيا" </p>
<p>يعقوب عزيمي: هل في إمكاني مناقشتك في الموضوع؟ </p>
<p>جورج غالواي: بالطبع </p>
<p>يعقوب عزيمي: ما بين عامي 1912 و1913 خلال حروب (البلقان) وبعد انسحاب العُثمانيين من المنطقة لم تكن (كوسوفو) جزءاً من (صربيا)، (صربيا) احتلّت (كوسوفو) وضمّتها، وبالاستناد إلى القوانين الدوليّة لم تمثّل (كوسوفو) قط.. </p>
<p>جورج غالواي: وفي الوقت عينه آنذاك كانت (الكويت) جزءاً من (العراق)، لا تجعلني أُعدِّد الحالات المماثلة المُثيرة للنقاش </p>
<p>يعقوب عزيمي: إسمح لي من فضلِك. لم تكن (كوسوفو) في يومٍ من الأيّام جزءاً من (صربيا) ضمن إطار قانوني دولي، يتطلّب تحقيق ذلك اجتماع المجلس النيابي والتركي آنذاك وإبرام اتّفاق غير أنّ ذلك لم يحدُث بتاتاً. ضُمّت (كوسوفو) آنذاك كجزءٍ من مملكة "يوغوسلافيا" إلى جانب (صربيا) و(سلوفانيا) و(كرواتيا) لكنّها لم تكن يوماً جزءاً من (صربيا). على نحو مماثل وأثناء الحرب العالميّة الثانية ضُمَّت (كوسوفو) جزئياً إلى (صربيا) قبل ارتقاء مكانتها تدريجاً، لذا في عام 1974 أضحت (كوسوفو) جزءاً من "يوغوسلافيا" الاتحاديّة إضافةً إلى (فويفودينا) وستّ جمهوريّات أُخرى. لما كان في استطاعة (صربيا) تغيير دستورها من دون موافقة (كوسوفو) و(فويفودينا) لكنّها مضت في ذلك من دون موافقة الطرفين مُتبجّحةً بقوّاتها العسكريّة وشبه العسكريّة والشُرطة لتضغط على (كوسوفو) ودسّت كيانات مختلفة لاقتحام برلمان (كوسوفو) والاستيلاء عليه وتغيير دستور(كوسوفو). بعد ذلك كما ذكرت سابقاً، ردّ الألبان سلمياً على مدى عشر سنوات </p>
<p>جورج غالواي: هل كان "جيش تحرير (كوسوفو)" منظّمة سلمية؟ </p>
<p>يعقوب عزيمي: لا يُمكنك تصنيف منظّمة عسكرية على أنّها سلميّة لكن "جيش تحرير (كوسوفو)" لم يظهر إلّا بعد إبرام "اتفاقيّة دايتون" التي فشلت في ضمّ (كوسوفو)..</p>
<p>جورج غالواي: هل ظهر "جيش تحرير (كوسوفو)" فجأة؟ </p>
<p>يعقوب عزيمي: تضمّن هذا الجيش بدايةً فِرقاً صغيرة تألّفت من ثلاثة أو أربعة أفراد في (كوسوفو) ثمّ توسّعت آفاقه تدريجاً في العامين 1997 و1998 لأنّ في ذلك الوقت لم يتوفّر أيّ بديل آخر</p>
<p>نايل ماكراي: بدعمٍ من الـ "سي آي أي" أليس كذلك؟</p>
<p>جورج غالواي: على قدر من الغموض نموّ المنظّمة من فردين أو ثلاثة إلى حجمها لاحقاً، لكن دعونا نستمع إلى رأي ينضمّ إلينا من (بودابست) في (هنغاريا) وهو البروفيسور "جورج ساميولي" في "معهد السياسات العالميّة" ومؤلِّف كتاب مُرتبِط بموضوعنا أيضاً إسمه "قنابل من أجل السلام: حرب "الناتو" الإنسانيّة في يوغوسلافيا". أهلاً بك بروفيسور "جورج" في برنامجنا</p>
<p>جورج ساميولي: شكراً جزيلاً على استضافتي</p>
<p>جورج غالواي: دكتور "جورج"، لماذا قصف "الناتو" "يوغوسلافيا" في عام 1999؟ وهل كان ذلك شرعياً؟</p>
<p>جورج ساميولي: بالتأكيد لا أعتقد أنّ القصف كان شرعياً، أظنّ أنّ "الناتو" أراد إظهار عَظَمَة شأنه بعد أقلّ من عقدٍ على تفكُّك حلف (وارسو) وتزايُد القلق الغربي، فانهيار الحلف يُلغي ضرورة استمراريّة "الناتو" لذا ابتكر "الناتو" فكرة لنفسه ووضع على عاتقه مسؤوليّة توفير الحماية. بمعنى آخر، لم يكن ذلك سوى ذريعة من أجل التدخّل. استخدام القنابل من أجل إنقاذ الألبان في (كوسوفو) من الصرب كان ادّعاءات غير صحيحة، هذا السبب الأول. السبب الثاني هو أنّ "الناتو" رأى أنّ الصرب وكلاء لـ (روسيا) وكانت غايته إلغاء النفوذ الروسي في (أوروبا) نهائياً وكان تجمُّع البلقانيين، لاسيّما الصرب منهم، على علاقةٍ متينةٍ مع (روسيا). حينها رصَدَ "الناتو" فرصة ذهبيّة لطرد (روسيا) وإلغاء نفوذها إلى الأبد</p>
<p>جورج غالواي: يُحظِّر ميثاق "الأُمم المتّحدة" الدول الأعضاء من مُهاجمة نظرائِها من دون موافقة "مجلس الأمن"، إذاً لماذا مضوا في خطّتهم تلك؟ </p>
<p>جورج ساميولي: هذا صحيح بالفعل، لقد أدركوا فشلهم المُحتَّم في الاستحصال على موافقة "مجلس الأمن" وتأييده للقصف، لذلك لم يبذلوا جهداً في اللجوء إلى "مجلس الأمن" وانتظار صدور قرار رسميّ عنه لأنهم علموا أن (روسيا) وكذلك (الصين) قد تستخدما حقّ النقض "الفيتو" ضدّ هكذا قرار، وكان هذا في الحقيقة التدخّل العسكري الأول من سلسلة هجماتٍ غربيّةٍ تُشنّ في ظلّ غياب أيّ قرار رسمي صادِر عن "مجلس الأمن" </p>
<p>جورج غالواي: لماذا لم تُحرِّك الأُمم المتّحدة ساكناً بخصوص إجراءات "الناتو"؟ لقد حاول "كوفي أنان" تجنُّب الحديث عن مدى شرعيّة الموضوع وقانونيّته لكن هذا لا يعني منذ ذلك الوقت حتى اليوم أنّ في إمكان "الناتو" توجيه ضربة لأعضاء في "الأُمم المتّحدة" من دون موافقة الأُمم المتّحدة على هذه الضربة</p>
<p>جورج ساميولي: حسناً، هل في إمكان حلف "الناتو" توجيه ضربة؟ هل هم فعلياً مؤهّلون لتوجيه ضربة؟ نعم، لأنّ (الولايات المتّحدة) و(المملكة المتّحدة) و(فرنسا) شاركوا في ذلك وجميعهم أعضاء في حلف "الناتو" وجميعهم من أبرز القوى النوويّة وهذا ما يخوّلهم فعل أيّ شيء يريدونه. في الواقع، عندما عبّرت (روسيا) عن رفضها القاطع لهذا التدخّل وضعوها أمام أمرٍ قاطع وقالوا لها: "نعلم أنّ الصرب حلفاؤكِ لكت لا يمكنكِ فعل شيء، هل تريدين شنّ حربٍ نوويّة من أجل "صربيا"؟" فأجابتهم (روسيا) بالنفي. لكن في العودة إلى "كوفي أنان"، لطالما تهرّبَ "كوفي أنان" من الموضوع وصرّحَ قائِلاً أنّه على الرغم من عدم قانونيّة الهجوم لكنه شرعي. هذه أقرب نُقطة تجرّأ على الوصول إليها، في نهاية المطاف لا بدّ له من رفض ممارسة القوّة من دون موافقة أو ضمانة من "مجلس الأمن" غير أنّه اعترف بشرعيّة الهجوم متحجّجاً بالنيّات والأهداف الإنسانيّة القابعة وراءه </p>
<p>جورج غالواي: ينطوي كلامه على الكثير من التضليل، لكن ما قيل آنذاك دفاعاً عن "الناتو" هو أنّ ميثاق الأُمم المتّحدة يمنع الدول الأعضاء من مهاجمة أعضاء آخرين، لكن حلف "الناتو" ليس دولة لكن يُمكنني الجدال في أنّه في طريقه إلى أن يُصبِح دولة واحدة </p>
<p>جورج ساميولي: بالطبع لا. من المُفتَرض أن يُمثِّل الناتو حلفاً عسكرياً، لكن الغريب في الأمر هو أنّ "الناتو" اكتسبَ كياناً قاريّاً يُظهِره بهيئة دولة واحدة. تكلّم الرئيس "بايدن" عن استعداده للدفاع عن كلّ شبرٍ من أراضي "الناتو" لكن منذ متى امتلك حلف "الناتو" أي نوعٍ من الأراضي؟ "الناتو" هو حلف عسكري لا يمتلك أيّة أراضٍ، لكن مع توسُّع "الناتو" ستّصبح هذه المناطق مناطق "الناتو"، أو دولة يديرها "حلف "الناتو"، وهذه حقيقة تتحوّل إلى واقعٍ ملموسٍ يوماً بعد يوم ما يُعدّ انتهاكاً لميثاق حلف "الناتو" </p>
<p>جورج غالواي: ما هو الدرس الذي يُمكننا استخلاصه بعد إجراءات "الناتو" في "يوغوسلافيا" في العام 1999؟ </p>
<p>جورج ساميولي: يُمكنني استخلاص أنّه كان يجب حلّ "الناتو" بعد انتهاء الحرب الباردة وأن استمراريّة حلف "الناتو" وتوسّعه يهدّدان الأمن الدولي والبلدان المُجاوِرة، وستظلّ المشكلات تُطارده مع تمسّكه بخططه التوسّعيّة ما يُشعِل فتيل النزاعات مع بلدانٍ أكثر فأكثر. ما حدثَ في "يوغوسلافيا" كان أولى حروب "الناتو" وأتى نتيجة طموحاته التوسّعيّة وحسبانه أنّ الصرب مقرّبون من (روسيا) كما ذكرت وليسوا على علاقةٍ جيّدةٍ نوعاً ما مع أعضاء حلف "الناتو"، لذا كان لا بدّ من الإطاحة بهم. إذاً، شعوري يقول إنني لا أرى أيّ سلام وأمن وتعاون بين الأُمم ما دام حلف "الناتو" موجوداً. الحلّ المنطقي الوحيد هو وضع هيكلية أمنيّة تحتضن (أوروبا) و(أور-آسيا) لتضمن للجميع مصالِحهم الأمنيّة وليس فقط الدول الأعضاء في حلف "الناتو" </p>
<p>جورج غالواي: يا له من نقاشٍ حادٍّ وسترتفع حدّته في الجزء الثاني من حلقتنا، ابقوا معنا </p>
<p>المحور الثاني </p>
<p>جورج غالواي: أنتم تشاهدون برنامج "كلِمة حرّة" معي "جورج غالواي" على قناة "الميادين" حيث نوافيكم من (لندن) بحديثٍ عن بلدٍ أصبح في طيّ النسيان وهو "يوغوسلافيا". دكتور "إيدن"، قبل الفاصِل ذكّرَنا البروفيسور من (بودابست) بما يمكننا تسميته بـ "عقيدة شيكاغو" التي وضعها "توني بلير" و"بيل كلينتون" حيث تُعطي القوى العُظمى لنفسها الحق في حماية الآخرين. أليس هذا بالضبط ما تقوم به (روسيا) في (أوكرانيا)؟</p>
<p>إيدِن هِهر: كلّا، كلّا</p>
<p>جورج غالواي: ألا تحمي الناطقين باللغة الروسيّة في شرق (أوكرانيا)؟ </p>
<p>إيدِن هِهر: زعم المتحدّث السابق أنّ هذا الأمر يتعلّق بمبدأ المسؤوليّة عن الحماية عام 1999 ولكن لم يكن لهذا المبدأ أي وجود حتى العام 2001 </p>
<p>جورج غالواي: طُرِحَ الأمر على أنّه نظريّة </p>
<p>إيدِن هِهر: فكرة التدخّل لأغراضٍ إنسانيّةٍ تعود إلى آلاف السنين، أمّا مبدأ المسؤوليّة عن الحماية فقد ظهرً بعد عامين من.. </p>
<p>جورج غالواي: كان محض نظريّة، هذه العقليّة تعود إلى العام 1999</p>
<p>إيدِن هِهر: كلّا، هذا الأمر مُختلِف، شتّان ما بين المسؤوليّة عن الحماية والتدخّل لأغراض إنسانيّة، هما منفصلان كلياً. الفرق أنّ التدخّل لأغراض إنسانيّة هو الإجراءات المتّخذة ردّاً على الجرائِم الفظيعة التي تُرتَكب في دولةٍ ما </p>
<p>جورج غالواي: من دون الرجوع إلى تفويضٍ دولي؟ </p>
<p>إيدِن هِهر: من دون موافقة "مجلس الأمن" أو الدولة المعنيّة. أمّا المسؤوليّة عن الحماية..</p>
<p>جورج غالواي: أعطني مثالاً على ذلك </p>
<p>إيدِن هِهر: (كوسوفو) عام 1999 </p>
<p>جورج غالواي: لا، أقصد قبل تلك المدّة </p>
<p>إيدِن هِهر: مثال عن التدخّل لأغراضٍ إنسانيّة؟ </p>
<p>جورج غالواي: أيّ بلد غزا بلداً آخر في فترةٍ سبقت غزو "يوغوسلافيا" لأسبابٍ إنسانيّةٍ من دون موافقة "مجلس الأمن"؟ </p>
<p>إيدِن هِهر: حسناً، تورَّطت (تنزانيا) في (أوغندا)، وتورَّطت (الهند) في شرق (باكستان) وتدخّلت (كمبوديا) في (فيتنام) وإذ عدت أكثر في التاريخ سترى العديد من الأدلّة على ذلك حتى ما بعد حقبة تأسيس "الأُمم المتّحدة". لكن أعتقد أنّه من الضروري العودة إلى الحقائِق الأساسيّة والحقائِق هنا لا توحي بأنّ "الناتو" أقدَمَ على أمرٍ ما لأنّه كان مدفوعاً بأسبابٍ أخلاقيّة بحتة. إذا كان هذا هو الحدّ الأقصى للتدخّل الإنساني بالنسبة لك فمن الواضح أنّه هذا لم يحدُث في العام 1999 ولستُ مُتفاجأً حيال دوافع "توني بلير" أو الخطاب الذي ألقاه في (شيكاغو) في أبريل/ نيسان عام 1999. لديهم مصالح خاصّة، لدى حلف "الناتو" مصالحه الخاصّة ولا يُخفى ذلك على أحد، لكن نَسب التدخّل في (كوسوفو) إلى خطّة رئيسيّة وجعل الأمر كالتالي: لأنّ مَن تدخّلوا في (كوسوفو) عام 1999 كانوا نسبياً الأشخاص أنفسهم الذين تدخّلوا في (العراق) في عام 2003، فهذا يعني أنّ عام 1999 يجب أن يُنظَر إليه على أنه المشروع نفسه، هذا أمر سخيف. فكرة أنّ "الناتو" هو مَن دمَّرَ "يوغوسلافيا" لا تمُتّ للحقيقة بصِلة، القوميّون الصرب هم في الواقع مَن دمّروها</p>
<p>جورج غالواي: إسمح لي أن أُعطيك مثالاً على احتمال وجود خطّة آنذاك. في مبنى "بوش هاوس"، الذي على الأرجح أصبح بناءً من الشقق الفاخرة الآن، كان مقرّ الإذاعات العالميّة للـ "بي بي سي" وكان يضمّ محطّة إذاعيّة لكلّ المكوّنات اليوغوسلافيّة التي كانت تبثّ بروباغاندا للقوميين والانفصاليين في تلك البلدان وكانت "وزارة الخارجيّة البريطانيّة" تموِّل تلك الإذاعة لفعل ذلك، يبدو لي أنّ هذا الأمر كان خطّة مُحكمة</p>
<p>إيدِن هِهر: حسناً، جيّد، إذاً تُشارِك (المملكة المتّحدة) في إسقاط مصالِحها في الخارِج من خلال دعم مجموعات معيّنة، لكن هذا لا يعني أنّ المجموعة نفسها غير شرعيّة في الأساس! كما سبَق وذُكِر، ظهرَ "جيش تحرير (كوسوفو)" بعد العام 1995 أي بعد "اتفاقيّة دايتون للسلام" التي فرضها الغرب على "يوغوسلافيا" السابقة على أمل أن تضع حداً لأيّ نوعٍ من الانفصاليّة، لكن هذا الأمر كان كارثياً بالنسبة إلى سكّان (كوسوفو) الألبان. فكرة أنّهم قد وضعوا خطّة لفصل (كوسوفو) عن (صربيا) لا تُشبِه ما حصل عام 1995، بعد عام 1995 قال الغرب إنّ "ميلوسوفيتش" هو الرجل المنشود في (البلقان) وفي إمكانهم التعامل معه وأنّه مَن سيُحافِظ على استقرار البلاد لأنّ الغرب لم يرغب في التدخّل في (كوسوفو) على الإطلاق إلى أن حلّ العام 1998. في عام 1998، "روبرت غيلبارد" الذي تولّى منصب سفير (الولايات المتّحدة) لدى "يوغوسلافيا"، وصف "جيش تحرير كوسوفو" بالمنظّمة الإرهابيّة. لذا، حتى في تلك الفترة من عام 1998 كان النهج الذي اتّبعه الغرب تجاه "جمهوريّة يوغوسلافيا الاتحاديّة" قائِماً على ترك الأمور كما هي ووضع حدّ للانفصاليّة من دون أن يعير الغرب أيّ اهتمام للألبان في (كوسوفو)، وفي ظلّ تسريع اعتماد سياسات "ميلوسوفيتش" أصبح هذا الأمر صعبَ المنال. لكن الفكرة القائِلة أنّ في عام 1991 جلس أحدهم في "البيت الأبيض" وقرّر قطع أوصال "يوغوسلافيا" هي فكرة في غاية السخافة</p>
<p>جورج غالواي: هل هذا صحيح يا "نايل"؟ وفقاً لما اقتُبِس، "جيش تحرير كوسوفو" كان منظّمة إرهابيّة، لكننا أصبحنا قوّتها الجويّة. كيف حدث ذلك؟ كيف لـ "جيش تحرير (كوسوفو)" الذي ضمّ ثلاثة أو أربعة أشخاص أن يوضع في خانة المنظّمات الإرهابيّة وأن يُصبح لاحقاً المُستفيد من حملة القوّات الجويّة التابعة لـ "الناتو"؟ </p>
<p>نايل ماكراي: هذا الأمر بمثابة ضربة نيو ليبراليّة ومشروع مُحافِظ جديد لـ "الناتو"، و(الاتحاد الأوروبي) في غاية السعادة حيال استخدام المتطرّفين العِدائيين لخدمة مصالحه. أعتقد أنّ "جيش تحرير كوسوفو" يتّسم بالعناصر الفاشيّة نفسها التي تتّسم بها "كتيبة آزوف" في (أوكرانيا). لكن (الاتحاد الأوروبي) و"الناتو" سيستخدمان هذه الجماعات لأنّها عدائيّة ومُتطرِّفة ولأنّ هذا سيضمن لهما الحصول على أفضل النتائِج، هذا ما يؤمنان به، يؤمنان أنّ الناس يهابون العُنف وذلك صحيح. الناس كانوا يهابون "كتيبة آزوف" في (أوكرانيا) على غرار الكثير من (الصرب) الذين عاشوا في (كوسوفو) وكانوا يهابون "جيش تحرير (كوسوفو)"</p>
<p>جورج غالواي: لنستمع إلى رأيٍ من (بلغراد). الدكتورة "إيلينا" أهلاً بكِ معنا </p>
<p>إيلينا إيفانوف: أشكركم على دعوتي </p>
<p>جورج غالواي: دكتورة "إيلينا"، وفقاً لتحليلاتِك حيال الدور الذي أدّته البروباغندا في أحداث عام 1999 ماذا تبيّن لك؟</p>
<p>إيلينا إيفانوف: اكتشفت أنّ البروباغندا أدّت دوراً مهماً جداً في التحفيز على استخدام العُنف ضدّ المدنيين أو أقلّه في تعزيز دعم الأنظمة التي تدعو إلى اعتماد العُنف. في حال "يوغوسلافيا" بالتحديد ساد التعايُش بسلامٍ في البلاد لعقودٍ من الزمن، وفجأة انهار على نحوٍ عنيف في غضون عشر سنوات، والدور الرئيسي الذي أدّته البروباغندا في ذلك برأيي هو نشر خطابات التهديد التي صوَّرت الطرف الآخر على أنّه خطِر وبرَّرت بذلك أعمال العنف التي ارتكبتها مُختلف القوّات</p>
<p>جورج غالواي: هلّا شرحتِ لنا أكثر عن الدور الذي أدّاه "الناتو" أو أعضاؤه في حملة الدعاية هذه؟ </p>
<p>إيلينا إيفانوف: نعم. أعتقد أنّ حلف "الناتو" على الصعيد السياسي أدّى دوراً مهماً جداً في المنطقة. على سبيل المثال، شهِدنا كيف شنّ "الناتو" الحملات الجويّة في "يوغوسلافيا" السابقة بسبب العنف الذي انتشَر في (كوسوفو) ما بين العامين 1998 و1999. لذا من الواضح أنّ حلف "الناتو" كانت له أهميّة كبيرة على الصعيد السياسي في التسعينات، وقد أُحاجج أنّه حتى يومنا هذا يستمرّ "الناتو" في تأدية دور مهم جداً في (كوسوفو). أظن أنّنا كلّما شهِدنا احتداماً للوضع في (كوسوفو) يسأل الناس إذا كنّا على مشارِف حربٍ جديدةٍ فيها، وفي كلّ مرة يسألني أحدهم عن ذلك أُجيبه دائمِاً أنّ ذلك لن يحدُث ما دامت قوّات KFOR التابعة لـ "الناتو" منتشرة في البلاد. واقع أنّ هذه القوّات مُتمركزة في (كوسوفو)، هذا يؤدّي دوراً رئيسياً في منع التصعيد وهو عامل ردع لكِلا الطرفين، أي (صربيا) و(كوسوفو) على حدٍّ سواء لكيلا يتصعّد الوضع. إذاً، على الصعيد السياسي يُمثِّل "الناتو" عاملاً رئيساً للحفاظ على السلام في المنطقة </p>
<p>جورج غالواي: وفقاً إلى ما توصّلتِ إليه، هل من مُبرِّر لما أقدَم عليه "الناتو" من دون قرار صادر عن "مجلس الأمن"؟ </p>
<p>إيلينا إيفانوف: لم يكن "الناتو" ليحظى أبداً بتفويضٍ من "مجلس الأمن" لأنّ (روسيا) و(الصين) أوضحتا أنّه مقابل أيّ نوعٍ من أنواع التدخُّل سيستخدمان حقّ النقض/ الفيتو، فكلاهما من الدول الخمس كاملة العضويّة ولديهما القدرة على ذلك. إذاً، لو أراد "الناتو" انتظار "مجلس الأمن" التابع لـ "الأُمم المتّحدة" لما توالت فصول الحملة من الأساس. أعتقد أنّ هذا ربما أول جدال حيال التدخّل، في أنّ ما أقدم عليه "الناتو" لم يكن قانونياً من الناحية التقنيّة ودارت جدالات أُخرى حيال التدخّل أيضاً، على سبيل المثال: في أبريل/نيسان من العام 1999 قصف حلف "الناتو" مقرّ إذاعة وتلفزيون (صربيا) وقد تكون هذه المرّة الأولى في التاريخ المُعاصِر التي تُعدّ فيها مؤسّسة إعلاميّة هدفاً مشروعاً لكن برّر "الناتو" ما فعله بذريعة أنّ بعض البنى العسكريّة كان مركزها في ذلك المبنى وأنّ البروباغندا التي كانت تنشرها "إذاعة وتلفزيون (صربيا)" كانت ضارّة جداً برأيه وأدّت دوراً كبيراً في التشجيع على اعتماد العُنف ما جعلها هدفاً مشروعاً. أعتقد أنّ كلّ ذلك يعني أنّ الخطابات التي كانت تدور حول "الناتو" و(صربيا) كانت سلبيّة للغاية. لكن في الوقت نفسه، لو لم يُحرِّك "الناتو" ساكناً حينها ما الذي كان سيحدُث في هذه المنطقة وإلى ماذا كانت ستؤول الأمور؟ في العودة إلى عام 1995 ومذبحة (سربرنيتسا) عندما لم تكن الرغبة في التدخّل كبيرة مقارنةً بالعام 1999، حينها وقفَ المُجتمع الدولي مكتوف الأيدي بينما وقعت مذبحة (سربرنيتسا). لذا من وجهة نظر "الناتو" آنذاك ساد قلق شديد حيال تصاعُد العنف في (كوسوفو) على نحوٍ لا رجعة فيه ومن الأفضل أن يتدخّل لوضعِ حدٍّ لهذا العُنف عوضاً أن يجلِس مكتوف الأيدي. كان من الواضح أنّ "محلِس الأمن" التابع للأُمم المتّحدة لن يوافق على التدخّل </p>
<p>جورج غالواي: مثّلَ عام 1999 انطلاقة جديدة لـ "الناتو" إذ كان يُهاجِم إحدى الدول الأعضاء في "الأُمم المتّحدة" التي لم تُهاجِم دولة عضواً أُخرى، وكان ذلك نذيراً بما سيحدُث في المستقبل أليس كذلك؟</p>
<p>إيلينا إيفانوف: حسناً، أعتقد أنّ التدخُّل لأغراضٍ إنسانيّةٍ ليس بالأمر الجديد فقد شهِدنا ذلك في الماضي وأعتقد أنّه إذا سادَ قلق كبير ولم يُتّخَذ أيّ إجراء لمعالجته حينها سيُمارَس العنف ضدّ المدنيين. من المُحْتَمل أن نشهد تدخّلاً لأغراضٍ إنسانيّة، وفي حال تعرّضت أيّ من الدول الأعضاء في "الناتو" للهجوم سنتوقّع ردّاً من "الناتو". في ما يتعلّق بالمسائِل الأُخرى، أعتقد أنّ اتّخاذ القرارات سيعتمِد على المسألة المطروحة، فإن كان هناك إجماع بين الدول الأعضاء في "الناتو" حيال مسألةٍ ما، من المُحْتمل أن يتحرّك "الناتو" لكن إن لم تتوصّل الدول الأعضاء في "الناتو" إلى إجماع من هذا القبيل حينها لن نشهد على أيّ نوع من أنواع التدخّل. أعتقد أنّ الأمر سيعتمِد على كلّ مسألة على حدة في الإجراءات التي سيتّخذها "الناتو"</p>
<p>جورج غالواي: أنتِ مواطنة صربيّة وتعيشين في (بلغراد)، ما شعور الناس حيال ما يحصل حالياً وما قد يحصل في المستقبل؟ هل هم سعداء من تدخّل "الناتو" أم يناهضونه؟ </p>
<p>إيلينا إيفانوف: أعتقد أنّ الإجابة تعتمد على مَن تطرح عليه هذا السؤال، فإن سألت أناساً من (كوسوفو) أنا متأكِّدة من أنّهم سعداء جداً بالتدخلّ ويدعمونه، لكن إنْ سألت أناساً من (صربيا) واطّلعت على بيانات الأبحاث التي أُجرِيت عن هذه المسألة في (صربيا) ستجد أنّ الناس هناك يشعرون بالإحباط من ذلك. بالنسبة لهم تدخّل "الناتو" أمر لا يُغْتَفر، ويشعُر الناس في (صربيا) أنّ منظمة دوليّة أجنبيّة قد هاجمتهم من دون أيّة أسباب مشروعة. إذاً تختلف الآراء في هذه المسألة، فالأمر يعتمد على العرق الذي تنتمي إليه أو المدينة التي تقطن فيها، وهذا الأمر سيؤثِّر في رأي المرء حيال "الناتو". إذا كنت تعيش في بلدٍ أو تنتمي إلى عرقٍ معيّن تلقّى الدعم من "الناتو" حينها ستؤيِّد تدخّله من دون أدنى شكّ، لكن إن لم يكن الأمر كذلك سترى تدخّل "الناتو" أمراً لا يُغْتَفر. لذا، يعتمد الأمر في الحقيقة على مَن تطرح عليه هذا السؤال</p>
<p>جورج غالواي: دكتور "يعقوب"، شعَرَ الدكتور "إيدن" بالذعر من مُقارنتي بمحنة شعب (دونباس) الذي قصفته قوّات نظام الحُكم في (كييف) على مدى ثماني سنوات ولقيَ أربعة عشر ألف شخص حتفهم بسبب ذلك. هل كان التدخّل الروسي لحماية شعب (دونباس) يقع ضمن حقّهم في الحصول على تلك الحماية؟</p>
<p>يعقوب عزيمي: في رأيي، لا تتوفّر أدلّة كافيّة في أنّ الأوكرانيين مارسوا العُنصريّة على سكّان (دونباس) أو هاجموهم. لقد عاش سكّان (دونباس)..</p>
<p>جورج غالواي: وثّقَ تقرير "منظّمة الأمن والتعاون في (أوروبا)" ذلك وفي إمكانك الاطّلاع عليه </p>
<p>يعقوب عزيمي: عانى سكّان (دونباس) أو الشعب الروسي في (أوكرانيا) بسبب كونهم يمثّلون (روسيا) في (أوكرانيا) </p>
<p>جورج غالواي: هذا رأيك ولكن رأيي مختلف، لدى "منظّمة الأمن والتعاون في (أوروبا)" أدلّة كثيرة تفيد بأنّ هذا ما حصل بالضبط </p>
<p>يعقوب عزيمي: أنت تتحدَّث عن "منظّمة الأمن والتعاون في (أوروبا)" أي عن أبطال مجلس (أوروبا) مثل "ديك مارتي" الذي استغلّته البروباغندا الصربيّة والروسيّة لإصدار التقارير المناهضة لـ "جيش تحرير كوسوفو"؟ هذه تقارير مُسيّسة </p>
<p>جورج غالواي: أنت تُعبِّر عن رأيك على نحوٍ انتقائي، هذه كلّها مسائل انتقائيّة. "منظّمة الأمن والتعاون في (أوروبا)" موجودة هنا ولكنها غير موجودة هناك، وحقّ الحماية مُطبّق هنا لكنّه غير مُطبّق هناك. أليست هذه فوضى ما يُسمّى القواعِد القائِمة على النظام الدولي مقارنةً بالقانون الدولي بحسب ما يُعبِّر عنه "ميثاق الأُمم المتّحدة"؟ </p>
<p>يعقوب عزيمي: إسمح لي أن أطرح عليك سؤالاً مُضادّاً، هل كان ضرورياً أن تقوم (روسيا) بغزو (أوكرانيا)؟ هل منحَ ذلك (روسيا) الحقّ الشرعي لغزو (أوكرانيا)؟ </p>
<p>جورج غالواي: لقد قلت أنّ ذلك منح "الناتو" حقّ غزو (صربيا) </p>
<p>يعقوب عزيمي: لم تعِش منطقة (دونباس) وأمثالها الظروف التي عاشتها (كوسوفو). مُجدّداً، كانت (كوسوفو)..</p>
<p>جورج غالواي: إن كان حق الحماية حقاً إنسانياً، أي حين يتعرّض المدنيون للقصف والقتل، يحقّ للقوى الكبرى المجاوِرة، وفي هذه الحال قوى "الناتو" لم تكن مجاورة جداً، التدخّل من أجل حمايتهم. لماذا ينطبق هذا الحقّ على سكّان (كوسوفو) ولا ينطبق على سكّان شرق (أوكرانيا)؟ </p>
<p>يعقوب عزيمي: قد ترغب في طرح السؤال على النحو التالي، لماذا لا نُعزِّز قوات "الأُمم المتّحدة" عسكرياً ونختار أين يحقّ لها التدخُّل؟ </p>
<p>جورج غالواي: لا جدوى من تكهّن ما كان سيحصل في الظروف غير الواقعيّة. الحقيقة هي أنّ (روسيا) تدخّلت في شرق (أوكرانيا) لحماية سكّان شرق (أوكرانيا) من القصف الذي تعرّضوا له طوال ثماني سنوات. أنت استنكرت هذه الحقيقة وفي الوقت عينه أثنيت على تدخّل "الناتو" ضد (صربيا) على المبدأ نفسه الذي ترفُض على أساسه التدخّل الروسي في (أوكرانيا)</p>
<p>يعقوب عزيمي: لكن سيّد "غالواي"، لم يبدأ النزاع في الأساس في (دونباس) بل بدأ عام 2014 لأسبابٍ مُختلفةٍ تماماً</p>
<p>جورج غالواي: لست أتحدَّث عن الأسباب بل عن النتيجة. فلنترك الأسباب ولنركِّز على النتيجة</p>
<p>إيدِن هِهر: عفواً إسمح لي</p>
<p>جورج غالواي: "إيدن" تفضّل </p>
<p>إيدِن هِهر: لا يُمكنك المقارنة على الإطلاق </p>
<p>جورج غالواي: أعرِف أنّك لا تريد المقارنة بل أسألك فكرياً </p>
<p>إيدِن هِهر: موضوعياً، لا يُمكنك المُقارنة. أنت تُقارِن بين المسألتين ولكن يستحيل ذلك في أية طريقة كانت. (أوكرانيا) دولة ذات سيادة و(روسيا) دولة ذات سيادة. ضمّت (روسيا) (القرم) عام 2014 واجتاحت شرق (أوكرانيا)، وفي خضمّ هذا الصراع ردّت (أوكرانيا) وردّت (روسيا) ونشب صراع في تلك المنطقة تحديداً. طبيعة هذا الصراع مُختلفة تماماً عن القمع الذي ترعاه دولة والذي بدأت بممارسته القوّات الصربيّة في (كوسوفو) من دون أيّ مُبرِّر منذ عام 1989 عندما ألغى "ميلوسوفيتش" الحكم الذاتي الذي كان يتمتّع به إقليم (كوسوفو) وهذا يتعارِض بشدّةٍ مع دستور "يوغوسلافيا"، "ميلوسوفيتش" بدأ هذه العمليّة برمّتها فحاول شعب (كوسوفو) حينها مقاومة التضييق الصربي سلمياً وفي نهاية المطاف تحوّل هذا التضييق إلى جرائِم مروِّعة ما أجبر شعب (كوسوفو) على حمل السلاح في وجه الصرب. هذا وضع مُختلف تماماً عن غزو (روسيا) لشبه جزيرة (القرم) عام 2014</p>
<p>جورج غالواي: أتمنّى لو تتجوّل أنت في المناطق التي قصفتها قوّات (كييف) لمدّة ثماني سنوات وتشرح لأهالي الأطفال الذين قتلوا هناك أنّ أطفالهم كانوا أطفالاً من مُستوى أدنى وأنّهم لم ينجحوا في استيفاء معايير اختباركم لحقّ الحماية لكن أطفال (كوسوفو) استحقّوه. يا له من مثالٍ رائِع على ازدواجيّة المعايير </p>
<p>إيدِن هِهر: لا، ليس كذلك على الإطلاق. من الواضح أنني أعرِف تماماً أنّ الموت أمرٌ مُفجِع ولا أشعر سوى بالتعاطف مع الأشخاص الذين فُرِضَت عليهم هذه الحرب تحديداً </p>
<p>جورج غالواي: هلّ لديهم الحقّ في الحماية؟</p>
<p>إيدِن هِهر: عندما تنظُر إلى الجهة التي تسبَّبت بالصراع في شرق (أوكرانيا)، هي (روسيا)</p>
<p>جورج غالواي: حتّى لو كان ذلك صحيحاً، وهو ليس كذلك، لكن حتى لو كان ذلك صحيحاً هل أطفال (دونباس) أدنى من غيرهم؟ </p>
<p>إيدِن هِهر: كلّا بالطبع </p>
<p>جورج غالواي: إذاً مَن سيحميهم؟ </p>
<p>إيدِن هِهر: مَن تسبَّب في المُشكلة؟ </p>
<p>جورج غالواي: بصرف النظر عمّن تسبّب بها، كان الأوكرانيون يقتلونهم بأسلِحة "الناتو" وهو "الناتو" نفسه الذي تدعمه حضرتك في (كوسوفو) </p>
<p>جورج غالواي: أنا لا أنكُر أنّ القوّات الأوكرانيّة قد ارتكبت جرائِم ضدّ الروس الأبرياء، لسنا على خلاف في ذلك، إنّما وجهة النظر التي لا أوافقك الرأي فيها هي اقتراحك أنّ الوضع في (كوسوفو) في عام 1999 هو نفسه ما يجعل (روسيا) .. </p>
<p>جورج غالواي: أرى سبب عدم ارتياحك. دكتور "نايل"، المسألة باختصار هي أنّ خطّتهم نجحت. أصبحت (كوسوفو) الآن فعلياً دولة مُستقلّة مُعتَرَف بها عند جميع الدول الأعضاء في "الناتو" باستثناء دولتين على ما أعتقد لكنّها غير معتَرف بها عند أغلبيّة دول العالم، لكن هكذا هو العالم، العالم مؤلَّف منهم ومنّا. لقد تدمّرت "يوغوسلافيا" ولم تعد دولة موجودة بعد مرور فترة قصيرة على الانقسام النهائي ما بين (صربيا) و(مونتينيغرو)، أي الجبل الأسود، وأصبحت (صربيا) بمفردها، والآن تُجبَر الحكومة في (بلغراد) على القبول والاعتراف بما يُعدّ حماية "الناتو" الفعليّة في (كوسوفو). أنا أُحاجج بأنّه في كلّ تفصيل من تلك التفاصيل نجد نموذجاً لما حدث لاحقاً كما توقّعنا آنذاك! نجاح عمليّة "الناتو" في "يوغوسلافيا" أدّى مباشرةً إلى غزو (أفغانستان) وغزو (العراق) وغزو (ليبيا) ومُحاولة غزو (سوريا). هل أنا مُخطئ أم مُحقّ؟ </p>
<p>نايل ماكراي: من المثير للاهتمام في رأيي، لأنّه جرى الحديث كثيراً عن المقارنة بين (كوسوفو) و(دونباس) وعن ازدواجيّة المعايير في ذلك، أنّ البروفيسور على ضفاف نهر (الدانوب) الذي تحدّثَ إلينا سابقاً قال إنّ الصرب استُخدِموا بصفتهم وكلاء للروس وأكّد على الكراهية العميقة لـ (روسيا) في مؤسّسة المُحافظين الجُدُد النيو ليبراليّة التي كانت موجودة منذ عقود. لم تضمحل هذه الكراهية مع سقوط الشيوعيّة بل في الحقيقة يُمكن القول إنّ الأمر قد ازداد سوءاً على مدار العشرين سنة الماضية، لكنّه عبّرَ عن نُقطة مثيرة جداً للاهتمام لأنّها تُظهِر أننا كنّا نتحدّث بالفعل عن الفكرة نفسها. المسألة ليست مسألة أخلاقيّات إنسانيّة، هذا هجوم على شعب لن يتماشى مع الطريقة الغربيّة ولن يتماشى مع "الناتو". لو استمعت إلى آراء الأشخاص العاديين من الشعب الصربي لوجدتهم على خلاف مع الحكومة الصربيّة ومع المؤسّسات الداعية إلى العولمة في (بلغراد) التي روّج لها أمثال "معهد توني بلير". أنا واثق ومتأكِّد أنّ الناس العاديين من الشعب الصربي يريدون السلام لأنفسهم ولشعب (كوسوفو) ولجيرانهم الآخرين لكن لديهم روابط قويّة مع (روسيا)، إنهم يُهيبون بما يفعله "فيكتور أوربان" في (هنغاريا) الذي يتصدّى لفرض القِيَم الليبراليّة التقدّميّة المُفترضَة لـ "الناتو" والغرب لكنها في الواقع قِيَم استبداديّة. يحقّ للشعب الصربي أن يعيش كما يحلو له والأمر نفسه ينطبق على شعب (دونباس) وكذلك يحق لشعب (هنغاريا) أن يعيش كما يحلو له. ثمّة فجوة مُتنامية بين حكومات هذه البلدان في جميع أنحاء (أوروبا) وبين الناس العاديين، وسأخبرك "جورج"، أنت تستمِع إلى هذه الفكرة بعقليّة رافضة لـ "الناتو" لكن ثمّة استياء مُتزايِد من هذه الحرب التي تُخاض ليس بإسمي ولا باسمك ولا بإسم عدد متزايِد من الناس في هذا البلد </p>
<p>جورج غالواي: إن كنتم تعتقدون أنّ "توني بلير" تصرّفَ وفق دوافع إنسانيّة في "يوغوسلافيا" أو في أيّ مكانٍ آخر في حياته البائِسة، فستكونون في قمّة السذاجة. كنت معكم أنا "جورج غالواي" في برنامج "كلمة حرّة". شكراً على المتابعة </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>
<p> </p>