تعرف إلى حمى الضنك: أسبابها وأعراضها وطرق الوقاية والعلاج

كيف تسبّب لدغة بعوضة صغيرة شعوراً بتكسّر العظام؟ هذا ما يحصل عند الإصابة بـ"حمى الضنك". ما أسبابها؟ وكيف يمكن علاجها والوقاية منها؟ ستجد هنا كلّ ما تحتاج معرفته.

  • بعوضة
    بعوضة "الزاعجة المصرية"

تخيّل أمّاً تستيقظ في ليلة عادية على بكاء طفلها ذي الأعوام الخمسة فجأةً. تجد حرارته مرتفعةً، وجسده الصغير يرتجف. لا يكون الأمر مجرّد نزلة برد عادية، فالألم الذي يشكو منه الطفل يبدو أعمق من ذلك.

هذا السيناريو المقلق أصبح واقعاً للعديد من العائلات حول العالم، حيث تشير منظمة الصحة العالمية إلى أنّ نحو نصف سكان العالم معرّضون لخطر الإصابة بمرض يُعرف باسم حمى الضنك.

ما هي حمى الضنك (Dengue fever) بالضبط؟ إنها عدوى فيروسية تنتقل إلى البشر عبر لدغات البعوض المصاب، وهي منتشرة بشكل خاص في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية.

تعريف حمى الضنك والفيروس المسبّب

حمى الضنك، التي يُطلق عليها أحياناً "حمى تكسير العظام"، هي مرض يسبّبه واحد من 4 فيروسات مترابطة (DENV-1, DENV-2, DENV-3, DENV-4).

الإصابة بأحد هذه الأنواع تمنح مناعةً دائمةً ضده فقط، لكنها تترك الشخص عرضةً للإصابة بالأنواع الثلاثة الأخرى.

والسبب في تسميتها بحمى تكسير العظام هو الألم الشديد الذي تسبّبه في العضلات والمفاصل، حيث يصفه المصابون وكأنه شعور بتكسّر عظامهم بالفعل.

طرق انتقال حمى الضنك

بعوضة صغيرة، تُعرف بـ"الزاعجة المصرية" (Aedes aegypti)، تعمل كناقل صامت للفيروس.

عندما تلدغ أنثى البعوض شخصاً مصاباً بحمى الضنك، يصبح الفيروس جزءاً منها. وبعد فترة حضانة تستمر من 8 إلى 12 يوماً، تصبح البعوضة قادرةً على نقل الفيروس إلى شخص سليم عبر لدغة أخرى.

من الحقائق التي قد تفاجئ الكثيرين أنّ هذه البعوضة تنشط بشكل أساسي خلال النهار، خصوصاً في ساعات الصباح الباكر وقبل غروب الشمس.

أسباب حمى الضنك

لماذا نسمع عن تفشّي أسباب حمى الضنك في مناطق لم تكن موبوءةً من قبل؟ القصة أكثر تعقيداً من مجرد بعوضة.

تصوّر قريةً لم يعتد سكانها رؤية الزاعجة المصرية. لكن بعد موسم أمطار غزير وغير معتاد، تجمّعت المياه في كل مكان، من إطارات السيارات القديمة إلى أوعية النباتات المنسية على الشرفات. هذه البرك الصغيرة بيئة مثالية لتكاثر البعوض. ومع ارتفاع درجات الحرارة، تسارعت دورة حياته، ما أدى إلى انتشار حمى الضنك بشكل لم يسبق له مثيل.

هذا المثال المصغّر يوضح كيف تتضافر العوامل البيئية والسلوكية لتمهّد الطريق لانتشار المرض.

البعوض الناقل وعوامل الانتشار

  • سكان قرية ديلا باز في بينان الفليبينية يتنقلون من وإلى منازلهم عبر الزوارق، عقب فيضان ضرب البلاد في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وزارة الصحة أعلنت حينها ارتفاع معدل الإصابة بحمى الضنك.
    سكان قرية ديلا باز في بينان الفلبينية يتنقّلون من وإلى منازلهم عبر الزوارق، عقب فيضان ضرب البلاد في تشرين الثاني/نوفمبر 2024. وزارة الصحة أعلنت حينها ارتفاع معدل الإصابة بحمى الضنك.

السبب الرئيسي لانتشار حمى الضنك هو وجود البعوض الناقل.

تحتاج أنثى البعوض إلى المياه الراكدة، حتى لو كانت بكميات قليلة جداً، لتضع بيضها. أي وعاء مكشوف يمكن أن يجمع مياه الأمطار أو الري في حديقتك أو على شرفتك قد يتحوّل إلى حضانة للبعوض.

هذا هو السبب في أنّ جهود المكافحة تركّز بشكل كبير على التخلّص من مصادر المياه الراكدة.

دور التغيّر المناخي والتوسّع السكاني

يؤدّي التغيّر المناخي دوراً حاسماً في توسيع رقعة انتشار حمى الضنك.

ارتفاع درجات الحرارة يعني أنّ البعوض يمكنه البقاء على قيد الحياة والتكاثر في مناطق كانت باردة جداً في السابق. كما أنّ مواسم الأمطار الطويلة تزيد من أماكن تكاثره.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ التوسّع الحضري غير المخطّط له، مع وجود أنظمة صرف صحي غير كافية، يخلق بيئات مثالية لتكاثر البعوض في قلب المدن المكتظة بالسكان.

أعراض حمى الضنك

فلنعد إلى الأم وطفلها البالغ من العمر 5 أعوام. عندما بدأت أعراضه، لم تكن الأم متأكّدةً مما تواجهه. أهي مجرّد إنفلونزا قوية، أم أنّها أمر آخر؟ ماذا عن الارتفاع المفاجئ في الحرارة؟

معرفة أعراض حمى الضنك المبكرة هي خط الدفاع الأول لحماية أطفالنا. تظهر الأعراض عادةً بعد 4 إلى 10 أيام من لدغة البعوضة المصابة، ويمكن أن تتراوح من خفيفة إلى شديدة جداً.

الأعراض العامّة

تتشابه الأعراض الأولية لحمى الضنك مع أعراض الإنفلونزا، مما قد يجعل التشخيص صعباً في البداية. الأعراض الأكثر شيوعاً تشمل:

  • حمى شديدة مفاجئة تصل إلى 40 درجة مئوية.
  • صداع حاد، خاصة خلف العينين.
  • آلام شديدة في العضلات والمفاصل.
  • غثيان وقيء.
  • طفح جلدي يظهر عادةً بعد يومين إلى 5 أيام من بدء الحمى.
  • تضخّم الغدد الليمفاوية.

أعراض حمى الضنك عند الأطفال

قد تكون أعراض حمى الضنك عند الأطفال والرضّع أقلّ وضوحاً.

بدلاً من الشكوى من صداع أو آلام في العضلات، قد يظهرون ببساطة حمى مع طفح جلدي. المهمّ هنا هو المراقبة. انتبهي إلى علامات مثل:

  • البكاء المستمر.
  • التهيّج الشديد.
  • فقدان الشهية.
  • الخمول.

الطفل لا يستطيع دائماً التعبير عبر الكلمات، لكنّ سلوكه هو المؤشر الأفضل على حالته الصحية.

علامات تحوّل العدوى إلى نزيف

هنا تكمن الخطورة الحقيقية، وهو ما يقلق كلّ أمّ.

في نسبة صغيرة من الحالات، يمكن أن تتطوّر حمى الضنك إلى شكل حادّ يُعرف باسم حمى الضنك النزفية. هذه حالة طبية طارئة تتطلّب عنايةً فوريةً، والعلامات التحذيرية التي يجب الانتباه إليها تشمل:

  • آلام شديدة في البطن.
  • قيء مستمر (3 مرات على الأقل في 24 ساعة).
  • نزيف من اللثة أو الأنف.
  • وجود دم في القيء أو البراز.
  • ظهور كدمات أو بقع دم صغيرة تحت الجلد.
  • صعوبة في التنفّس أو تنفّس سريع.
  • برودة الأطراف وشحوب الجلد.
  • شعور بالتعب الشديد أو الأرق.
  • إذا ظهرت أيّ من هذه العلامات، يجب التوجّه إلى أقرب قسم طوارئ على الفور.

تشخيص حمى الضنك وعلاجها

بالعودة إلى الأم مجدداً، فإنّها شعرت ببعض الطمأنينة لدى وصولها إلى المستشفى. شرح لها الطبيب أنّه على الرغم من عدم وجود دواء سحري محدّد لـعلاج حمى الضنك، إلا أنّ الرعاية الطبية الداعمة هي مفتاح الشفاء.

يبدأ الأمر بالتشخيص الصحيح، والذي يعتمد على الأعراض والفحوصات المخبرية، ثم ينتقل إلى خطة علاج تهدف إلى إدارة الأعراض ومنع المضاعفات.

طرق التشخيص المخبري

لتأكيد الإصابة بحمى الضنك، وتحديد شدّة الحالة، يعتمد الأطباء على فحوصات الدم. يمكن لاختبارات الدم، مثل فحص تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) الكشف عن وجود الفيروس في الدم خلال الأيام الأولى من المرض.

كما يمكن لفحوصات أخرى الكشف عن الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم لمكافحة الفيروس.

العلاج والرعاية الداعمة

لا يوجد علاج محدّد يقضي على فيروس الضنك، لذا يركّز العلاج على تخفيف الأعراض. تتضمّن الرعاية الداعمة ما يلي:

  • الراحة التامة: يحتاج الجسم إلى كلّ طاقته لمحاربة الفيروس.
  • الإكثار من السوائل: شرب كميات كبيرة من الماء وعصائر الفاكهة والمحاليل الفموية لمنع الجفاف.
  • مسكنات الألم: يمكن استخدام الباراسيتامول (الأسيتامينوفين) لخفض الحمى وتسكين الألم. من المهم جداً تجنّب مسكنات الألم مثل الأيبوبروفين والأسبرين، لأنها قد تزيد من خطر النزيف.

في الحالات الشديدة، قد يتطلّب الأمر دخول المستشفى لتلقي السوائل عن طريق الوريد ومراقبة ضغط الدم وعلامات النزيف من كثب.

الوقاية من حمى الضنك

الوقاية تبدأ من كل بيت، من كل شرفة، وتنتقل لتصبح مسؤولية الحي بأكمله.

إن مكافحة البعوض هي الطريقة الأكثر فعّاليةً لمنع انتشار حمى الضنك. وهذا يتطلّب جهداً فردياً وجماعياً، حيث تؤدّي البلديات والمجتمعات المحلية دوراً حيوياً في تنظيم حملات الرشّ والتوعية وإزالة مصادر المياه الراكدة من الأماكن العامّة.

التدابير الفردية

على المستوى الشخصي، يمكنك حماية عائلتك من خلال اتخاذ خطوات بسيطة وفعّالة:

  • استخدام طارد الحشرات على الجلد المكشوف.
  • ارتداء ملابس طويلة وفاتحة اللون تغطي معظم الجسم.
  • تركيب شبك يمنع مرور البعوض من النوافذ والأبواب.
  • استخدام الشبك فوق الأسرّة، خصوصاً للأطفال الذين ينامون في أثناء النهار.
  • التخلّص من أيّ مياه راكدة في محيط المنزل أسبوعياً.

جهود مكافحة البعوض المجتمعية

يمكن أن تبدأ المبادرة المجتمعية لمكافحة البعوض بتنظيم يوم لتنظيف أسطح الأبنية في الحي، أو التخلّص من الحاويات المهملة التي تجمع مياه الأمطار.

دعم حملات التوعية التي تنظّمها السلطات الصحية والمشاركة فيها يساهم أيضاً في خلق بيئة أكثر أماناً للجميع.

عندما يعمل أفراد المجتمع يداً بيد، يصبح تأثير جهود الوقاية أقوى بكثير.

راقب.. ثم استشر طبيبك!

قد تكون حمى الضنك مقلقة، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بصحة أطفالنا. لكن بالوعي والمراقبة الدقيقة والوقاية، يمكننا حماية عائلاتنا بشكل كبير.

بمراقبة بسيطة وتعاون عائلي، يمكن حماية الأطفال من أخطار النزيف. وتذكّر دائماً، عند الشك في ظهور أي من الأعراض المذكورة، فإن استشارة الطبيب هي الخطوة الأولى والأكثر أماناً لك ولعائلتك.