كيف يؤثر نظام مناوبات العمل الليلية على الصحة النفسية والجسدية؟

يعمل البعض ضمن نظام المناوبات الليلية وفقاً لطبيعة عمله.. ونظراً لذلك، فقد يكون عُرضة أكثر من غيره لعدّة مشكلات صحية جسدية ونفسية.. ما هي؟

  • كيف يؤثر نظام مناوبات العمل الليلية على الصحة النفسية والجسدية؟
    أظهرت دراسات علمية حديثة أنّ العمل بنظام المناوبات له آثار سلبية على الصحة النفسية والعقلية

أصبحت مناوبات العمل الليلية (نظام الشيفتات) Shift Work منتشرة بشكل متزايد حالياً في مختلف المهن، وخصوصاً في مراكز الرعاية الصحية. ومع ذلك، فإنّ العمل في الليل يمكن أن يعطّل الإيقاع اليومي الطبيعي للفرد، ويؤدي إلى آثار ضارة محتملة على الصحة البدنية والعقلية.

في الوقت الذي يستعد فيه كثيرون إلى الخلود للنوم، تبدأ مناوبة عمل جديدة لآخرين، من أطباء وممرضين وصحافيين وعاملين في المطارات وعُمال مصانع ورجال أمن، وغيرهم ممن يعملون وفق نظام المناوبات أو الشفتات.

قد يجد البعض منا أنه مضطر للعمل ضمن نظام المناوبات وفقاً لطبيعة عمله، ونظراً لذلك، فقد يكون عُرضة أكثر من غيره لعدّة مشكلات صحية ونفسية وعقلية، وكذلك مشكلات على مستوى حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية نتيجة اختلاف وتغيّر مواعيد العمل خلال الأسبوع.

منذ الثورة الصناعية، استخدمت قطاعات التصنيع والخدمات العمل وفق نظام المناوبات بهدف زيادة الإنتاجية والربحية. وقبل تسعينيات القرن الماضي، لم يكن معروفاً سوى القليل عن تأثير العمل بنظام المناوبات على صحة العاملين.

المقصود بنظام المناوبات هو توزيع ساعات العمل على مدار اليوم والأسبوع، إذ يتناوب الموظفون على العمل وفق مناوبات متتابعة لضمان استمرارية العمل وتلبية احتياجاته وعدم توقّف عجلة الإنتاج. وتتراوح المناوبات عادة بين مناوبتين أو ثلاث في اليوم، وقد تشمل ساعات العمل الليلية أو الصباحية المبكرة، بحيث تستمر كل مناوبة لمدة 8 إلى 9 ساعات، بشرط ألا تتجاوز عدد ساعات العمل الفعلية، وفق نظام منظمة العمل المحلية والدولية.

العواقب السلبية لأنماط العمل الليلي 

أظهرت دراسات علمية حديثة أنّ العمل بنظام المناوبات له آثار سلبية على الصحة النفسية والعقلية، ويزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني، والخرف والوفاة المبكرة بشكل عام.

ففي دراسة علمية أُجريت قبل عدة أعوام ونُشرت في مجلة علم نفس الصحة المهنية (Journal of Occupational Health Psychology) التي تصدر عن الجمعية الأميركية لعلم النفس، أفادت بأنّ الأشخاص الذين يعملون بنظام المناوبات معرّضون بنسبة أعلى للإصابة بالاكتئاب والقلق واضطرابات النوم، مقارنةً بالعاملين وفق نظام دوام ثابت.

وأظهرت دراسات أخرى أنّ العاملين في مناوبات العمل الليلية أكثر عرضة لاضطرابات النوم، بما في ذلك الأرق، مقارنةً بنظرائهم الذين يعملون أثناء النهار. ويمكن أن يُعزى هذا الاضطراب إلى عدم التوافق بين الإيقاع اليومي الداخلي والإشارات البيئية الخارجية، مما يؤدي إلى صعوبات في النوم والأرق، وفي النهار بقاء الشخص نائماً ومتعباً. كما أنّ  النوم في التعب يؤثر  على جودة حياة الفرد اليومية.

ووجدت دراسة في منتصف التسعينيات من خلال استخدام البيانات السريرية أنّ الممرضات العاملات ليلاً أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي، وازداد هذا الخطر مع عدد السنوات التي قضينها في أداء العمل بنظام المناوبات.

الساعة البيولوجية والاكتئاب من أكبر التحديات الصحية

اضطراب الإيقاع اليومي للفرد يمكن أن يؤدي عند البعض إلى اختلال تنظيم الناقلات العصبية والهرمونات المختلفة، بما في ذلك السيروتونين والكورتيزول، والتي تؤدي دوراً حاسماً في تنظيم الحالة المزاجية. وقد وجُد أنّ العمل في مناوبات الليل لفترات طويلة يزيد من احتمالية الإصابة بأعراض الاكتئاب والقلق. 

تتحكّم الساعة البيولوجية في إفراز الهرمونات وتنظم عملية النوم والمزاج وعندما يُفرض على الجسم العمل في وقت الراحة الطبيعي، يتأثر نظامه بالكامل. الأمر لا يقتصر فقط على النوم، بل يشمل الذاكرة والانتباه والعلاقات الاجتماعية كذلك.

العمل وفق نظام المناوبات له تأثيرات على الجانبين العقلي والنفسي، إذ قد ينتج عنه ضعف في القدرة على أداء المهارات اليومية بالشكل الاعتيادي ووظائف الدماغ الدنيا والعليا، مثل التركيز والتفكير والتواصل والإبداع.

أظهرت دراسة حديثة أنّ الأشخاص العاملين بنظام المناوبات تكون جودة نومهم أقل، وقد تزداد لديهم المشكلات النفسية. وهناك دراسة أخرى أظهرت أنّ العاملين وفق هذا النظام معرضون بنسبة 30 في المئة للاكتئاب، وأنّ الإناث أكثر عرضة للاكتئاب بنسبة 70 في المئة، وهو ما يشير إلى العزلة نتيجة عدم قدرة من يعملون بنظام المناوبات على قضاء وقتهم مع عائلاتهم أو أصدقائهم مما ينعكس سلباً على حالتهم المزاجية والنفسية.

كيف يحافظ العاملون بنظام المناوبات على صحتهم؟

- تنظيم النوم بشكل محدد، وذلك عبر المحاولة بالنوم في التوقيت نفسه بعد كل مناوبة، وتوفير بيئة مظلمة وهادئة.

- التعرّض للضوء الطبيعي، وهو ما يساعد في إعادة ضبط الساعة البيولوجية، خصوصاً بعد مناوبة العمل الليلية.

- توزيع المناوبات بطريقة صحية، إذ لا بد من تجنّب التحول المفاجئ من مناوبة ليلية إلى نهارية والعكس.

- الحفاظ على نظام غذائي متوازن، والتقليل من تناول الكافيين والسكريات خلال فترات الليل.

- ممارسة النشاط البدني بانتظام، إذ يُفضّل ممارسة أي نشاط رياضي لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام أسبوعياً.

- تحسين جودة النوم وتعزيز الصحة الذهنية.

- ممارسة تمارين التنفّس العميق وتمارين الاسترخاء العضلي والعقلي، وذلك لزيادة اليقظة والتركيز والنشاط.

- طلب الدعم النفسي عند الحاجة وعدم التردّد في مراجعة الطبيب أو المختصّ النفسي عند ظهور مؤشرات كالإجهاد العقلي أو الاكتئاب.

هل فكّرت يوماً إن كان عملك وفق نظام المناوبات أحد عوامل إصابتك بأمراض نفسية أو جسدية؟