عندما يتحوّل الشعر البشري إلى لوحات فنية ساحرة!
لا يعدّ فنّ تطريز شعر دونغتاي مجرّد تراث تقليدي يربط بين الماضي والحاضر، بل هو أيضاً عنصر حي في حياة الناس المعاصرة. ويواصل تطوّره جيلاً بعد جيل، متقدّماً نحو المستقبل بين أنامل الفنانين الذين يورثونه بإبداع ومحبة.
-
يمكن ملاحظة الشعر في اللوحات بواسطة المكبّر (صحيفة الشعب الصينية)
يعمل "تشن بويو"، وهو أحد ورثة فنّ تطريز دونغتاي في مصنع "دونغتاي جيالي" لتطريز الشعر، ومع كلّ صباح وبعد أن يستوي على مقعده، يمسح نظّاراته ويبدأ ممارسة عمله في تفانٍ.
يُعرف تطريز دونغتاي، أو ما يُطلق عليه أيضاً "تطريز الحبر"، بأنه فنّ تقليدي مميّز، يستخدم شعر الإنسان كخيط للتطريز. ويُعدّ من الفنون التراثية المتميّزة في سوتشو، بما يتميّز به من ملمس خاص وأسلوب تعبيري فريد.
وترجع أصول هذا الفن إلى تقاليد دينية في عهد أسرة تانغ، حيث كانت المؤمنات يطرّزن تماثيل بوذا بخصلات شعرهن. ولهذا الفن تاريخ يمتد لأكثر من 1300 عام، وعلى مدى قرون، ظل هذا التطريز حكراً على المعابد والدوائر الدينية، وكاد أن يُنسى لولا جهود الإحياء في القرن العشرين.
في خمسينيات القرن الماضي، قام معهد سوتشو لأبحاث التطريز بجمع وتوثيق هذه التقنية المنسية، وساهم الرسّامون والمطّرزون في إعادة إحيائها من خلال التطوير والإبداع، حتى أعيد نشر هذا الفن في مدينة دونغتاي بمقاطعة جيانغسو.
وفي عام 2021، أُدرج فن تطريز شعر دونغتاي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي على المستوى الوطني. ويُعدّ "تشن بويو" أحد أبرز حملة هذا الإرث، إذ قضى أكثر من أربعين عاماً في دراسة هذا الفن، مستنداً إلى خبرات الأجداد، ومضيفاً لمساته الإبداعية من خلال تطوير نماذج تطريز تلائم موضوعات متنوّعة.
لا تقتصر أعمال "تشن" على الزهور والطيور والمشاهد الأدبية والتاريخية، بل استلهم أيضاً من الثقافة المحلية والعادات الشعبية، وقد نالت العديد من أعماله جوائز مرموقة في الصين.
واليوم، وبعد عقود من التطوير، يشهد تطريز شعر دونغتاي مرحلة جديدة من الابتكار. فقد بدأ الفنانون في استخدام الشعر المصبوغ لإضفاء ألوان نابضة على "تطريز الحبر" التقليدي، محوّلين إياه إلى "تطريز ملوّن".
ومن خلال تقنيات جديدة مثل تقصير مسافة الإبرة وزيادة طول الخيط، أضافوا إلى الأعمال لمسات ملمسية غنية تُبرز نعومة الشعر وتُحاكي ملمس القطيفة الحيوانية. كما وسّع الفنانون من نطاق اللغة البصرية، فباتت الأعمال تتميّز بتدرّجات بين الكثافة والخفة، الجفاف والرطوبة، القرب والبعد، والعمق والسطحية.
اقرأ أيضاً: عن جذور الثقافة والقِيم الصينية
لا يعدّ فنّ تطريز شعر دونغتاي مجرّد تراث تقليدي يربط بين الماضي والحاضر، بل هو أيضاً عنصر حيّ في حياة الناس المعاصرة. ويواصل تطوّره جيلاً بعد جيل، متقدّماً نحو المستقبل بين أنامل الفنانين الذين يورثونه بإبداع ومحبة.