هدية من السماء: تجار نيازك موريتانيا على "تيك توك"

على الرغم من أنّ النيازك قد تسقط في أي مكان على الأرض، إلّا أنّ الصحراء الكبرى وقرب الحدود الموريتانية أصبحت منطقة رئيسية لاكتشافها، في تسعينيات القرن الماضي، وبدأ صائدو النيازك وسماسرتها بالظهور لتبدأ القصة.

0:00
  • الموريتاني لامين ولد حنون، جالس على سجادة في الهواء الطلق يحمل مصباحًا على رأسه ويحمل حجرًا يفحصه/ صورة: داودا كوريرا / (ذي غارديان)
    الموريتاني لامين ولد حنون، جالس على سجادة في الهواء الطلق يحمل مصباحًا على رأسه ويحمل حجرًا يفحصه/ صورة: داودا كوريرا / (ذي غارديان)

يُعرّض تزايد التصحّر سبل العيش التقليدية للخطر في غرب أفريقيا، ويُشجّع على البحث عن الأحجار النادرة.

في الليل، يعمل لامين حنون حارسًا في مستشفى في بئر أم كرين، قرب حدود موريتانيا وفي النهار، يُشغل هاتفه، مُتفقدًا تطبيقي "تيك توك" و"فيسبوك"، اللذين يستخدمهما لبيع النيازك لبقية العالم.

تتابع صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، في هذه المدينة التي كانت ثكنة استعمارية فرنسية سابقة، تتذبذب إشارات الشبكة كالرياح المُغبرة. في صباح أحد الأيام، عندما انقطع الاتصال مجددًا، ولم يكن اتصال ستارلينك متاحًا في مكتب الجمارك المحلي، قاد سيارته ميتسوبيشي GLX الفضية إلى أطراف المدينة.

جالسًا متربعًا على قطعة قماش زرقاء تحت ظل شجرة صمغ عربي عارية، مزق الرجل الموريتاني البالغ من العمر (40 عامًا) صفحة من مذكراته القديمة ليُشعل نارًا صغيرة تُدفئ إبريق الشاي، وهو يروي قصة دخوله هذه التجارة.

قال حنون، الذي يتقن الإسبانية والفرنسية والحسانية، اللهجة الموريتانية العربية:  "عملت لمدة عشر سنوات في مجال البناء في الأندلس، ولكن بعد ذلك مرضت والدتي المسنة".  ويضيف: "عدتُ لأكون راعي ماعز، وفي أحد الأيام بدأتُ أبحث عن الأحجار"، متابعاً وهو يسكب شاي النعناع بين الأكواب ليبرد. في النهاية، باع ماعزه - لتمويل سفر أخيه إلى إسبانيا ولإعالة والدته المريضة - وركز على تجارة النيازك.

في هذه الأيام، ينتظر غالبًا صائدي النيازك ليحضروا له الأحجار ليفحصها. إذا اعتقد أنّ الحجر ثمين، فإنه يساوم على السعر ثم يعيد بيعه على وسائل التواصل الاجتماعي. أحيانًا، يغامر في الصحراء الكبرى لإجراء عمليات بحثه الخاصة.

السماسرة والمشترون

  • حنون يتفقد الأشياء التي أحضرت إليه
    لامين حنون يتفقد الأشياء التي أحضرت إليه

على الرغم من أنّ النيازك قد تسقط في أي مكان على الأرض، إلّا أنّ الصحراء الكبرى أصبحت منطقة رئيسية لاكتشافها، ويعود ذلك جزئيًا إلى مناخها الملائم لحفظها، بالإضافة إلى سهولة رصدها نسبيًا على الرمال.

في تسعينيات القرن الماضي، بدأ صائدو النيازك وسماسرتها بالظهور، ولكن لم يجتاح جنون النيازك المنطقة إلّا بعد اكتشاف "تيسنت"، وهو نيزك مريخي ضخم، في المغرب عام 2011.

قاعدة بيانات نشرة النيازك، وهي فهرس عالمي للنيازك المعتمدة، تُسجل الآن أكثر من 300 نيزك مُصنّف من موريتانيا، مما يجعلها من أفضل الدول الأفريقية. بير أم كرين مدرجة على القائمة.

رسميًا، يُعاني 10% من سكان موريتانيا من البطالة. لكن العديد ممن وردت أسماؤهم في الإحصاءات الرسمية كموظفين يعملون في وظائف غير رسمية بأجور زهيدة وغير آمنة أو في أعمال موسمية. يعمل الكثيرون في وظائف متعددة، وخاصةً رعاة الماعز، الذين يُصعّب عليهم التصحّر الناجم عن تغير المناخ البقاء على قيد الحياة.

إنّ الرغبة في إبرام الصفقات تدفع الكثيرين الآن إلى الانخراط في تجارة النيازك. يستخدم رعاة الماعز حيواناتهم ككشافة، ويسهر بعض الصيادين ليلًا، ينتظرون بصبر سقوط صخور جديدة من السماء. ينقل السائقون ما يجدونه عبر البلاد، سعداء بالحصول على نسبة من المبيعات.

على تطبيق "فيسبوك"، توجد مجموعات تضم عشرات من المتحمسين من جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يناقشون لون وأصل وكثافة الأحجار القادمة من موريتانيا. وعلى تطبيق "تيك توك"، يستخدم السماسرة الأغاني العربية الكلاسيكية ووسومًا متعددة لعرض كتالوجهم.

يصعب الحصول على الأحجار الكريمة حقًا، ومعظم ما يُعثر عليه حول بير أم كرين هو "كوندريت" منخفض القيمة. يروي السكان المحليون قصصًا عن عائلات تحمل 20 لترًا من الماء والوقود في صندوق شاحنة رباعية الدفع، لتعود خالية الوفاض بعد أيام أو أسابيع من الصحراء. ومع انخفاض عدد الاكتشافات، يلجأ بعض الصيادين والوسطاء إلى وسائل أخرى.

يقول الوسطاء إنه كلما كان الحجر داكنًا، زادت قيمته على الأرجح. لكن الانشغال بالألوان أدى إلى الخداع؛ إذ يضيف بعض الوسطاء الآن فلاتر "تيك توك" أو "كوندريت" مبلل لتغميقه وخداع المشترين البعيدين الذين يتعين عليهم أولاً الحصول على الأحجار للتحقق منها.

لا يُحب الجميع الوساطة على مواقع التواصل الاجتماعي، بمن فيهم محمد العمرو، رئيس الجمعية الموريتانية للأحجار الكريمة والنيازك من أجل الحماية، والمقيم في نواكشوط.

يقول العمرو: "إذا كان الناس يبيعون النيازك على تيك توك لتحقيق ربح سريع، فإنّ ذلك يضر بالاقتصاد"، مضيفاً:  "هذه الممارسات تفيد الوسطاء.. النيازك قيّمة ونادرة، ولا ينبغي بيعها بثمن بخس عبر قنوات غير رسمية".

في جميع أنحاء الصحراء الكبرى، يوجد اقتصاد صحراوي مجزأ يبيع فيه الصيادون بأسعار منخفضة للوسطاء داخل بلدانهم الأصلية وخارجها. في النهاية، ينتهي الأمر بالأحجار بأضعاف سعر بيعها الأصلي لدى العلماء وهواة الجمع في أماكن بعيدة مثل أستراليا والولايات المتحدة. يقدم حنون مثالاً على حجر يزن 285 غرامًا يُباع بحوالى 50 يورو في موريتانيا، ويصل إلى ضعف هذا السعر في أوروبا، ولكنه يصل إلى 1000 دولار (740 جنيهًا إسترلينيًا) للغرام في الولايات المتحدة.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، تمّ اكتشاف أكبر نيزك مريخي تمّ العثور عليه على الإطلاق في شمال غرب النيجر قبل أن يشق طريقه إلى معرض خاص في إيطاليا. وفي الشهر الماضي، بيع حجرٌ وزنه 25 كيلوغرامًا مقابل 5.3 مليون دولار في مزادٍ بنيويورك، مما دفع السلطات في نيامي إلى فتح تحقيق. وفي بيانٍ أقرّت فيه الحكومة النيجرية بعدم وجود تشريعٍ خاصٍّ بالنيازك، أشارت إلى "احتمال وجود اتجارٍ دوليٍّ غير مشروع".

حاليًا، لا يوجد في موريتانيا إطار وطني للنيازك، لذا فإنّ هذه التجارة غير منظّمة تمامًا وحجمها غير معروف.

يقول حنون إنه دفع في إحدى المرات 5000 أوقية (93 جنيهًا إسترلينيًا) مقابل رخصة لمدة خمس سنوات ولم يجددها منذ ذلك الحين، لكن معظم الصيادين والوسطاء يعملون بشكل غير رسمي. هز كتفيه مضيفاً: "يقولون إنك بحاجة إلى ترخيص، لكن لا أحد يدفع".

في نواكشوط، حتى المسؤولون الحكوميون لا يعرفون الكثير عن هذا القطاع المتنامي. يقول سيدي مولود، المتحدث باسم وكالة تشجيع الاستثمار في موريتانيا: "يُعتبر العثور على النيازك مجالًا متخصصًا في شمال البلاد. إنها ليست تجارة شائعة حقًا".

اخترنا لك