حملت "الطبل" وخرجت: يا نايم وحّد الدايم"!

تسترجع السيّدة العصامية التي تؤدي مهنة رجالية بامتياز الذكريات "كنت أستمتع وأنا صغيرة بصوت إيقاع طبلة والدي وهو يوقظ الجيران للسحور. كان الصوت يملأ الحي، وكأنّه يحمل الأمل في كل ضربة و اليوم، أريد أن يبقى هذا الصوت حاضراً، لا أريد له أن يختفي مع الزمن".

0:00
  • حملت

حملت "الطبل" وخرجت: يا  نايم وحّد الدايم"!

قد يعجب المرء عندما يسمع صوت إمرأة تنادي ليلاً "يا نايم وحّد الدايم"، في موعد السحور.

سرعان ما تقع العين على سيدة ستينية تجوب أحياءمحافظة المنستير شمال شرق تونس، وتخرج منيرة، أو "منورة" كما يلقبها جيرانها، ذات ، حاملة في يديها طبلة قديمة تجوب الشوارع مُعلنةً عن حلول موعد السحور.

ومنيرة من بين النساء القلائل اللاتي كسرن قاعدة المهن الرجالية، حيث امتهنت مهنة "البوطبيلة" التي ارتبطت في ذاكرة التونسيين بالرجال. حيث قررت منيرة أن تكون جزءًا من هذا التراث الرمضاني، فحملت الطبلة وبدأت في إيقاظ الجيران للسحور متحديةً بذلك المألوف.

"الحاجة تبتكر"، هذا هو لسان حال منيرة الكيلاني، التي لم تتوقع يوماً أن تحمل طبلة والدها الراحل، الذي كان يُعدّ أحد أبرز "المسحراتية" في حيّهم، وتكمل مسيرته بعد وفاته منذ 5 سنوات.

تسترجع السيّدة العصامية الذكريات "كنت أستمتع وأنا صغيرة بصوت إيقاع طبلة والدي وهو يوقظ الجيران للسحور. كان الصوت يملأ الحي، وكأنّه يحمل الأمل في كل ضربة و اليوم، أريد أن يبقى هذا الصوت حاضراً، لا أريد له أن يختفي مع الزمن."

"بدأت بالخروج للعمل كـ"بوطبيلة" منذ سنة 2019 فأصبحت هذه المهنة مورد رزقي الذي أساعد به عائلتي طيلة شهر الصيام".

 

 “أتذكر عندما كنت صغيرة أقوم بتتبع أبي عندما يخرج لأرى كيف يضرب الطبل وكيف يمشي وينادي "قوموا تسحروا" تعلمت هكذا وأصبحت أفعل مثله”، تعود بها الذكرى.

أضحي من أجل عائلتي

وعن هيمنة الرجال على مهنة المسحراتي تقول “هذا العمل مخصص للرجال لكني الآن أنا امرأة تقوم بهذا العمل وذلك من أجل عائلتي وأخي فأنا أضحي من أجلهم”.

وبات الجيران يعتادون على صوت طبلتها ويسألون عنها إذا غابت. وتقول “في بعض الأحيان لا أذهب إلى العمل، تتأسف الناس، يقولون لي لماذا لم تأت ليلة البارحة يا منيرة؟ أقول لهم إنني كنت مريضة لم أستطع فلتسامحوني هذه المرة”.

من أقدم المهن

وتتحدث منيرة عن عاداتها قبل القيام بمهمتها قائلة “أفيق من النوم، أشرب القليل من الماء ثم أقوم بتثبيت الطبلة وبعدها أخرج إلى الشارع على الساعة الثالثة صباحا تقريبا، أخرج من البيت أجوب كل الأحياء وأقول “قوموا تسحروا، قوموا تسحروا”، عندها يستفيق الناس ليأكلوا قبل بداية الصيام”.

و المسحراتي، كما يُطلق عليه في العديد من الدول العربية، هو الشخص الذي يحمل طبلة وعصا صغيرة ويجوب الأحياء والشوارع لإيقاظ الناس للسحور خلال شهر رمضان، مردداً عباراته الشهيرة: "قوموا تسحروا... قوموا تسحروا".

وتعد مهنة "البوطبيلة" من أقدم المهن في تونس والعالم العربي، وهي جزء لا يتجزأ من التقاليد الرمضانية، ولكن هذه العادة بدأت تتلاشى وأصبحت مقتصرة على بعض المدن والقرى، لكن في حي منيرة، كان الحال مختلفًا، فهي إحدى القلائل اللاتي قرّرن أن يحملن طبلة المسحراتي في يديهن والحفاظ على هذا الموروث الثقافي.

اخترنا لك