"فايننشال تايمز": خلاف بين البحرية البريطانية والجيش بشأن سُبل مواجهة روسيا

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تكشف عن انقسام حول نوع الحرب التي ينبغي لوزارة الدفاع البريطانية الاستعداد لها، إذ يدعم البعض موقف البحرية ويُعطي الأولوية للدفاع المباشر عن البلاد بينما يرى آخرون أن بناء قدرات الجيش أمرٌ أساسي لدعم "الناتو".

0:00
  • قوات بريطانية
    قوات بريطانية

تحدثت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية عن وجود خلاف في القوات المسلحة البريطانية بشأن أفضل السبل لمواجهة "التهديد الروسي"، إذ تُجادل البحرية بأنها مُعرّضة لخطر حرمانها من التمويل الكافي لأن وزارة الدفاع تُعطي الأولوية للجيش.

وذكرت الصحيفة أنّ مسؤولين كباراً من القوات المسلحة الثلاث اجتمعوا في وايتهول، في وقت سابق من هذا الشهر، حيث أفاد مطلعون على المحادثات بأن البحرية وسلاح الجو جادلا بأن التهديد الأكبر لبريطانيا سيأتي على الأرجح عبر البحر والجو وليس الحرب البرية.

وأكد الجيش حاجته إلى إعادة بناء صفوفه بعد عقود من نقص التمويل، "في حين أن التطور السريع لحرب الطائرات المسيرة في الحرب الأوكرانية - الروسية أحدث ثورة في أساليب القتال للقوات البرية"، وفق الصحيفة.

فيما، قالت البحرية إنها "تحتاج إلى حصة أكبر من الاستثمار المُخطط له للقوات المسلحة نظراً للتحديات التي تواجهها، والتي تشمل زيادة مراقبة الغواصات الروسية وفرقاطاتها من طراز "Type 45" التي تُشكل الدفاع الرئيسي لبريطانيا ضد الهجمات الصاروخية.

وأوضحت "فايننشال تايمز"، أنّ سلاح الجو البريطاني يؤدي دوراً محورياً في مراقبة وكشف غواصات "العدو".

انقسام في وزارة الدفاع

وكشفت الصحيفة أنّ الوزراء في وزارة الدفاع، منقسمون بشأن نوع الحرب التي يجب عليهم الاستعداد لها، حيث يدعم بعضهم موقف البحرية ويُعطي الأولوية للدفاع المباشر عن البلاد، بينما يرى آخرون أن بناء قدرات الجيش أمرٌ أساسي لدعم حلف "الناتو".

وقال مسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع غادر منصبه في الأشهر الأخيرة: "على الحكومة اتخاذ قرار بشأن نوع الحرب التي يُرجح خوضها".

وأضاف أنّه "إذا كانت الحرب ذات طابع استراتيجي أكثر، وتتعلق بالدفاع عن البلاد كجزيرة، فإن البحرية وسلاح الجو هما القوتان اللتان يجب إعطاؤهما الأولوية. أما إذا انتهى الأمر بحلف الناتو إلى حرب برية في أوروبا، فسيتعين على الجيش أن يكون مستعداً، حيث ستكون القوات البريطانية ملتزمة".

ولفتت الصحيفة إلى أنّ هذا الخلاف يأتي في الوقت الذي تُعِدّ فيه وزارة الدفاع خطتها طويلة الأجل للاستثمار الدفاعي، والتي يُريد وزير الدفاع جون هيلي تقديمها قبل نهاية هذا العام.

وستُحدد هذه الخطة خطط الإنفاق الرأسمالي اللازمة لتنفيذ مراجعة الدفاع الاستراتيجية لهذا العام التي رسمت ملامح مستقبل الجيش البريطاني.

ونقلت الصحيفة عن مقربين من وزارة الدفاع اعتقادهم أنّ تلك الخطط معرضة لخطر التعثر بسبب عدم كفاية التمويل على الرغم من تعهد حزب العمال برفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2027 من 2.3% اليوم تحت ضغط من الولايات المتحدة.

وحددت الحكومة هدفاً لرفع هذه النسبة إلى 3% فأكثر في ثلاثينيات القرن الحادي والعشرين، ولكن لا تزال هناك مخاوف بشأن مصدر التمويل في نهاية المطاف.

وصرحت وزارة الدفاع بأن حقوق السحب الخاصة "خطة قابلة للتنفيذ وبتكلفة معقولة" و"مدعومة بأكبر زيادة مستدامة في الإنفاق الدفاعي منذ نهاية الحرب الباردة"، بما في ذلك استثمار بقيمة 4 مليارات جنيه إسترليني في الطائرات المسيرة.

وأضافت أنّ جميع قطاعات الدفاع تُنفّذ هذه الخطة التحويلية، عبر القوات المسلحة الثلاث، و"سنُعلن المزيد عند نشر خطة الاستثمار الدفاعي هذا العام".

وبحسب الصحيفة، فإنّ الخطط تعطلت بسبب تأخر تعيين مدير جديد للتسليح الوطني في وقت سابق من هذا العام، حيث لم يُعيَّن روبرت بيرس، الرئيس السابق لشركة تشغيل الأقمار الصناعية "Inmarsat"، للإشراف على مشتريات الأسلحة إلا الشهر الماضي.

استراتيجية "الشمال العالي"

وتطرقت "فايننشال تايمز" إلى وجود جدال لدى مقربين من البحرية البريطانية بضرورة اتباع البلاد استراتيجية "الشمال العالي"، بما في ذلك الاستثمار في حاجز دفاعي يُعرف باسم "الحصن الأطلسي" لمنع الغواصات الروسية من اختراق بوابة غرينلاند - أيسلندا - بريطانيا إلى المياه الأوروبية.

ونقلت الصحيفة مخاوف من إمكانية تقليص الخطة، التي تجمع بين أجهزة استشعار تعمل بالذكاء الاصطناعي وطائرات مسيّرة تحت الماء، من دون تمويل كافٍ.

ويخشى مسؤولو البحرية من أن تمول وزارة الخزانة قدرة الكشف - المعروفة باسم "الشبكة الأطلسية" - من دون توفير التمويل اللازم لعدد كافٍ من السفن لاعتراض المناورات المشبوهة، وفق الصحيفة.

وأوضحت الصحيفة أنّه كان يُنظر إلى البحرية البريطانية على نطاق واسع على أنها "الرابح الأكبر في مراجعة الدفاع الاستراتيجي"، حيث سيتوسع أسطولها من الغواصات الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية من 7 إلى 12 غواصة، إلا أن المقربين من البحرية قلقون من أن تجد قطاعات أخرى، مثل الفرقاطات والطائرات البحرية المسيرة، نفسها في مواجهة ضغط.

وفي هذا السياق، رجّح مسؤول بريطاني رفيع المستوى أن يأتي التهديد الروسي من ميناء مورمانسك (الروسي في القطب الشمالي) أكثر بكثير من السهول البولندية.

وهنا، أكد هذا المسؤول أنّه "إذا كانت الأولوية للدفاع عن الوطن، فهذا هو المكان الذي يجب أن تُخصص له الأموال".

وحددت الصحيفة أنّ استراتيجية "الشمال العالي" ستلبي طلباً رئيسياً من الولايات المتحدة، التي تريد من بريطانيا و"الناتو" تحمل مسؤولية أكبر في "مراقبة النشاط الروسي في شمال الأطلسي".

وأيد وزير الدفاع جون هيلي استراتيجية "الناتو أولاً" لبلاده، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها جزء من جهود استمالة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

فيما أشارت "فايننشال تايمز" إلى أنّ الحاجة إلى توفير جيش قادر على المساعدة في الدفاع عن حلفاء التحالف في دول البلطيق جعلت هيلي يُفكر في أي خيار يُعطيه الأولوية.

وأكدت الصحيفة وجود حالة من الغضب في بعض أوساط المؤسسة العسكرية بسبب عدم زيادة الإنفاق الدفاعي بسرعة أكبر، حيث أشار البعض بأصابع الاتهام إلى وزارة الخزانة لعدم أخذ طبيعة التهديد المتطور على محمل الجد بدرجة كافية.

وصرح هيلي الشهر الماضي أن بريطانيا "شهدت زيادة بنسبة 30% في السفن الروسية التي تهدد المياه البريطانية"، وسلط الضوء على "حقبة جديدة من التهديدات"، بما في ذلك سفينة تجسس روسية تعمل بالقرب من جزر شتلاند.

ورأى جيمس كارتليدج وزير الدفاع في حكومة الظل، وهي هيئة معارضة رسمية، يقودها حزب المحافظين، أنّ الحكومة بحاجة إلى "التعامل مع التهديد الروسي بمزيد من السرعة".

وقال كارتليدج: "الأمر كله يتلخص في سؤال مباشر: هل تعتقد الحكومة في قرارة نفسها أن هناك تهديداً كبيراً للمملكة المتحدة، وهل هو تهديد وشيك؟".

وأجاب بنفسه: "لو كانت تعتقد ذلك حقاً، لما تصرفت على هذا النحو ولوفرت التمويل اللازم فوراً"، معتبراً أنّه "كان يجب علينا إعادة تسليح قواتنا بسرعة أكبر".

اقرأ أيضاً: الكرملين: أوروبا تُدمر اقتصاداتها بسباقها نحو التسلح