رحيل المناضلة "مريم بن محمد".. 100 عام من النضال وشاهد على تاريخ الجزائر

رحيل المناضلة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، مريم بن محمد، الملقبة باسم "ميمي" عن عمر ناهز 100 عام.

0:00
  • المناضلة الجزائرية الراحلة مريم بن محمد
    المناضلة الجزائرية الراحلة مريم بن محمد

شهدت الجزائر، اليوم الأربعاء، رحيل قامة وطنية باسقة هي المناضلة، مريم بن محمد، المعروفة باسم "ميمي"، عن عمر يناهز 100 عام. لم تكن "ميمي" مجرد امرأة عاشت طويلاً، بل كانت شاهدة حية على قرن كامل من تاريخ الجزائر المضطرب، من كَبَد الاستعمار الفرنسي وويلات الثورة، إلى بناء الدولة المستقلة. يمثل رحيلها لحظة للتوقف والتأمل في إرث جيل سطر بدمائه وتضحياته صفحات المجد، وشخصيات نسائية كان لهن دور محوري في تشكيل الهوية الجزائرية الحديثة.

شاهدة على قرن من التحديات: عمر "ميمي" بين الماضي والحاضر

إن بلوغ مريم بن محمد سن المائة ليس مجرد رقم، بل هو مرآة تعكس عمق الصعوبات والتحديات التي عاشتها الجزائر. ولدت "ميمي" في فترة كان فيها الاستعمار الفرنسي يطبق قبضته على البلاد، مهيمناً على كافة مناحي الحياة ومهمشاً السكان الأصليين. هذا السياق التاريخي، بكل ما حمله من ظلم وتمييز، كان بلا شك دافعاً رئيساً لانخراطها في الكفاح المسلح، ليتحوّل هذا العمر المديد إلى سجل حي يروي فصول المقاومة والصمود. ما الذي يمكن أن يخبرنا هذا العمر الطويل عن تأثير فترة الاستعمار على حياتها؟ إنه يشي بأنها عايشت التحولات العميقة التي طالت المجتمع الجزائري، وشهدت على تطور الوعي الوطني من خلال تجارب شخصية مباشرة، ربما تأثرت بمذابح مثل تلك التي وقعت في سطيف وقالمة عام 1945، والتي كانت نقطة تحول في مسار النضال الجزائري.

"ميمي" المناضلة: أيقونة الصمود ودور المرأة في الثورة

لقب "ميمي"، الذي لازم مريم بن محمد، يحمل في طياته دلالات الود والقوة، وهو ما قد يكون ساعدها في بناء الثقة مع رفاقها في السلاح. كانت المرأة الجزائرية ركيزة أساسية في ثورة التحرير، ولم يقتصر دورها على الدعم اللوجستي أو العناية بالثوار. بل انخرطت نساء مثل "ميمي" بشكل مباشر في العمليات، حيث تنوعت أدوارهن بين الممرضة التي تضمد الجراح، والمرسالة التي تحمل الأخبار والأسرار، والمناضلة التي تشارك في العمليات العسكرية. بالرغم من أن التفاصيل الدقيقة لدور "ميمي" في "جبهة التحرير الوطني" لا تزال غير واضحة من المصادر المتاحة، فإن وصف وزير المجاهدين لها بـ"المجاهدة البطلة" يعكس تقديراً كبيراً لمساهماتها الجليلة.

واجهت "ميمي" ورفيقاتها تحديات جمة، على رأسها خطر الاعتقال والتعذيب في سجون الاحتلال، مثل سجني تيللفال والحراش، التي كانت شاهدة على قسوة المعاملة بحق النساء المناضلات. نجاة "ميمي" واستمرارها حتى سن المائة هو شهادة على صمودها وقوة عزيمتها، وهو ما يميزها عن شهيدات عظيمات سقطن في ميدان الشرف مثل مريم بوعتورة. تضحيات هؤلاء النسوة، من التخلي عن حياة مستقرة إلى مواجهة الموت، هي التي أسست لقيم الحرية والكرامة التي تنعم بها الجزائر اليوم.

إرث خالد: تكريم "ميمي" ودورها في بناء الهوية الوطنية

كانت زيارة وزير المجاهدين، العيد ربيقة، لـ"ميمي" في منزلها في نيسان/أبريل 2025، بناءً على تعليمات من رئيس الجمهورية، برفقة رفيقات دربها، جميلة بوباشة، والمجاهد، عز الدين كوموندو، تعبيراً عن المكانة الرفيعة التي تحظى بها كرمز وطني حي. هذه الزيارة لم تكن مجرد بروتوكول، بل كانت تكريماً لجيل كامل صنع الاستقلال، وتأكيداً على أن الأمة لا تنسى أبناءها البررة.

عند وفاتها، وصفها الوزير بـ"المجاهدة البطلة" في برقية تعزية مؤثرة، ما يؤكد على أهمية دورها المركزي في تاريخ الجزائر. لقد عاشت "ميمي" لترى الجزائر تستعيد سيادتها وتبدأ مسيرة البناء، وكانت شاهدة على التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع الجزائري. إرثها يتجاوز كونها مجرد مناضلة، فهي تمثل نموذجاً يُحتذى به للأجيال المقبلة، يجسد قيم الوطنية والتضحية والوفاء للوطن.

إن قصة مريم بن محمد "ميمي"، وإن كانت تفاصيلها الدقيقة قليلة، تظل مصدر إلهام يذكرنا بعظمة التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري من أجل حريته.

اخترنا لك