التاريخ السياسي والاجتماعي لغزّة عبر التاريخ

تأسست غزّة قبل الميلاد بـ 3000 سنة في التل المعروف بتل العجول، وكان ثغراً بحرياً تجارياً، وحظيت بسبب ذلك باهتمام دول اليمن القديمة (المعينيون، السبائيون) إضافة إلى الصراع عليها بين العموريين والكنعانيين. 

  • غزّة في العهود المتعاقبة!
    غزّة في العهود المتعاقبة!

من الكتب الهامة التي أرّخت لغزّة وتاريخها السياسي والاجتماعي والاقتصادي عبر التاريخ، كتاب "تاريخ غّزة" الصادر عام 1943 للمؤرخ الفلسطيني الكبير، عارف العارف، والذي أعادت مكتبة "الأسرة" في وزارة الثقافة الأردنية طباعته عام 2024.

من أسماء غزّة: غزاتي، غزاتو، عزاتي، بحسب الأقوام التي سكنتها أو مرت بها (الكنعانيون، المصريون، الآشوريون، الفرس، وغزّة هاشم التي قد تعني العزّة أو الخزنة والثروة)، وكانت غزّة من أهم المدن الفلسطينية الخمس (غزّة، أشدود، أشقلون، عقرون، جات).

تأسست غزّة قبل الميلاد بـ 3000 سنة في التل المعروف بتل العجول، وكان ثغراً بحرياً تجارياً، وحظيت بسبب ذلك باهتمام دول اليمن القديمة (المعينيون، السبائيون) إضافة إلى الصراع عليها بين العموريين والكنعانيين. 

غزّة في العهود المتعاقبة

- في عهد الفراعنة، كانت غزة ذات قيمة حربية واقتصادية للجيوش المصرية وحركتها بين مصر والشام، فكانت من الأماكن التي استوطنها المصريون مبكراً، ومن ملوك مصر الذين مروا منها، تحتمس الأول والثاني، رمسيس الثاني، وتوت عنخ آمون. 

- في عهد الهكسوس، كانت مدينة أساسية من مدنهم وموقعاً لحروبهم وحركتهم. 

- في عهد الآشوريين، كانوا يسمونها عزاتو، وقد فرضوا عليها الجزية فوقفت غزّة مع مصر ضدهم.

- في عهد الفرس، وملكهم قمبيز الذي اهتم بها كمحطة على طريق مصر. 

- في عهد اليونان، حاصرها الإسكندر هي والفرس الموجودين فيها وقتل العشرات منهم خلال الحصار، ولما دخلها وجد فيها كميات كبيرة من المؤن والذخائر والبخور والمجوهرات. 

- في عهد الأنباط، عُدّت من المرافئ الأساسية لهم، وقد حاولوا إنقاذها ومساعدتها خلال حصار الإسكندر لها. 

- في عهد الرومان، تحوّلت إلى مقاطعة رومانية ولا سيما في مرحلة يوليوس قيصر، وشهدت ازدهاراً تجارياً. 

غزّة والمسيحية

من المدن التي عرفت تعايشاً مميزاً بين المسيحية والإسلام، فضلاً عن كونها طريق العائلة المقدسة إلى مصر هرباً من هيرودس واليهود، ومن ذلك شجرة الجميزة المعروفة اليوم باسم "جميزة صالحة"، وقد نبغ من أهلها المسيحيين أدباء ورجال دين وتجّار، وكثيراً ما كان المسيحيون والمسلمون يتشاركون في المواسم وزيارة المساجد والكنائس. 

غزّة والصراع مع اليهود

تحفل أسفار العهد القديم بالكراهية ضد غزّة والتحريض عليها: سفر صموئيل الأول وسفر عاموس وسفر زكريا، إضافة إلى قصة شمشون اليهودي ودليلة الفلسطينية الغزّية. 

غزّة والإسلام

عرفت غزّة قبل الإسلام زيارة جد النبي، هاشم بن عبد مناف، فعرفت بغزّة هاشم، كما زارها عمر بن الخطاب عندما كان تاجراً في الجاهلية وكذلك والد النبي، عبد الله في تجارة أيضاً، كما عرفت غزّة بغزّة الشافعي الذي ولد فيها، وكانت أول مدينة في فلسطين فتحها المسلمون، وتراوحت أهميتها من حقبة إلى أخرى وصارت واحدة من الممالك التي شكلها المماليك (المملكة الشامية، الحلبية، الكركية، الطرابلسية، والغزّية التي شملت عسقلان وقيسارية والعريش وبيت جبرين والخليل ويافا).

غزّة والغزو الصليبي

لم تشمل الغزوة الصليبية الأولى جنوب فلسطين، ولم يحتل الصليبيون غزّة إلا في الغزوة الثانية 1100 ميلادي، حيث قاموا بترميم قلعتها القديمة كمخفر أمامي لهم نحو مصر، وظلت تحت سيطرتهم وصارت جزءاً من صلح الرملة الذي وقّعه صلاح الدين مع الصليبيين، الذين جرّدوها من أسلحتها وفق الصلح. 

غزّة تحت السيطرة التركية

سقطت غزّة تحت السيطرة التركية خلال حركة السلطان سليم العثماني إلى مصر، وبحسب الكتاب، لم تتقدم على مدارج الحضارة، وتعرضت كما غيرها للنهب والفساد والضرائب، وكان من أشهر العائلات التي حكمتها، عائلة رضوان، وكانت غزّة قد تحوّلت إلى سنجق تابع لولاية سوريا وكانت ضرائبها من نصيب أمير اللواء العثماني. 

تضررت غزّة كغيرها من الحرب التي شنّها العثمانيون على ظاهر العمر، والي عكا، بعد اتساع قوته ونفوذه وطالها بلاء كبير بعد سيطرة الوالي العثماني الجديد، أحمد الجزار، وكذلك محمد باشا أبو المرق، ثم عبد الله باشا، الذي ثارت غزّة عليه بقيادة مصطفى الكاشف 1831. 

ومما يذكره عارف العارف في كتابه أيضاً، عن تلك الثورة نقلاً عن المحفوظات الملكية المصرية رسالة وجّهها عبد الله باشا إلى أهالي غزّة وجاء فيها: 

"طرق مسامعنا طردكم لوكيل الجمرك والأموال الأميرية المرتبة من قديم الأيام وسالف العصر والأوان، وحتى لا يكون عدم تبصركم بالأمور مادة تصير سبباً لإباحة دمكم وعرضكم ومالكم وتصيرون عبرة لمن اعتبر... إن عساكرنا بحوله تعالى وافرة ومتأهبون للانتقام من كل متعد للحدود، وأيديهم على براجق السيوف، وتصبحون بين أرجل عساكرنا وتندمون حيث لا ينفعكم الندم... المراد أن تجمعوا كباركم وعقلاءكم وأفنديتكم وتمعنوا النظر وترموا القبض على الشقي مصطفى الكاشف، وتتعاطوا أشغالكم وأعمالكم، فإن فعلتم فعليكم أمان الله وإن أبيتم وتماديتم فها هي عساكرنا المنصورة مهيأة للقتال كما ذكرنا". 

غزّة والكفاح ضد الترك

لم يكن في غزّة أي أندية ولا جمعيات، فقد كان الحكم مطلقاً حتى قامت جمعية "الاتحاد والترقي" وأعلنت الدستور في 23 تموز/يوليو 1908، وانعقد البرلمان الخاص بالمناطق الخارجية (مجلس المبعوثين)، وفيه 273 نائباً عن المناطق العربية، ثلاثة منهم من لواء القدس، أحدهم من غزّة هو أحمد عارف الحسيني، لكن سرعان ما خاب الرجاء بسبب التتريك، فتألفت جمعيات عربية عديدة معارضة كان لبعضها فروع في غزة، فردت عليهم الحكومة التركية باجتماع 1914 الذي أخذ قرارات تعسفية بحق العرب، مثل إقصاء الضباط العرب وإلغاء الأحزاب والجمعيات العربية، وتأليف ديوان عرفي عسكري في عاليه نفذ عشرات عمليات الإعدام بحق العرب، شملت عدداً من أبناء غزّة، مثل أحمد عارف الحسيني وابنه مصطفى، مع عقوبات أخرى بالاعتقال أو النفي شملت العشرات من أبناء غزّة، مثل عاصم بسيسو، رشدي الشوا، سعيد الحسيني، رشيد أبو خضرا، الحاج سعيد أبو رمضان، وأحمد أبو حلاوة. 

غزّة والاحتلال البريطاني 

عندما قرر الترك مهاجمة مصر وإشغال الاحتلال البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، تحوّلت غزّة إلى أهم ساحة للاشتباك البريطاني-التركي، وفشل الأتراك في كل حملاتهم المتتالية، بالرغم من تعبيد الطرق وإنشاء السكك الحديدية لهذه الغاية، فقد عزز الإنكليز قوتهم وغيّروا قادتهم وتمكنوا بقيادة الجنرال اللنبي في السابع من /تشرين الثاني/نوفمبر 1917 من هزيمة الترك واحتلال غزّة ما تسبب في دمار كبير. 

في وصف غزّة 

في القرن السابع عشر، من وصف السائح التركي اوليا جلبي عام 1649: 

- إن هذا السنجق مأهول بالسكان ومزدهر بالعمران ورجال ماهرون في مختلف الحرف والصنائع. 

- غزّة مدينة تاريخية فوق سهل منبسط وسيع، ولها ستة أحياء وألف وثلاثمئة منزل من الحجر، وفيها عدة سرايا وقصور. 

- في المدينة سبعون مسجداً ذات محاريب، بينها مسجد الجمعة، الذي لا نظير له في الجمال إذ تسابق بناؤون ومهندسون من القاهرة ودمشق والقدس لبنائه، وحول المسجد تكايا ومئتا سبيل ماء. 

- في غزة حمامات عمومية مثل حمام الباشا وحمام العسكر، وستمئة دكان وسوق مبني من الحجارة. 

- للمدينة جو بديع وهواء عليل وهي مشهورة بالقطن والبشاكير والحنطة والشعير والزيتون والكرمة والبلح. 

- أهلها ذوو عزم وإحساس ونشاط وكرم. 

غزّة أواخر القرن الثامن عشر

- كان في غزّة نحو4 آلاف منزل وخمسمئة دكان وأربعين نولاً للنسيج والعديد من المعاصر والمطاحن ومعامل البلاط والدباغة. 

غزة حتى عام 1943

- تنتشر الحدائق والبساتين وأشجار الفاكهة والزيتون والنخيل فيها، ماؤها عذب وهواؤها عليل، وهي من أهم أسواق فلسطين بعد اللد. 

- تنقسم غزّة إلى قسمين، غزة الجديدة وتسمى الحارة الغربية أو الرمال التي تحاذي البحر، وغزة القديمة المكونة من خمسة أحياء: حي الدرج، حي الزيتون (بسبب أشجار الزيتون)، حي التفاح (بسبب أشجار التفاح)، حي الشجاعية (نسبة إلى شجاع الدين الكردي الذي استشهد في غزّة خلال الحروب الصليبية) وينقسم هذا الحي إلى الشجاعية الجديدة والتركمان. 

- يعيش في غزة 33 ألف نسمة غالبيتهم من العرب، بينهم 2000 من المسيحيين و33 يهودياً. 

- من مفارقات غزّة ما يعرف بالتقويم الغزّي الخاص كما يذكر الكتاب. 

- في ما يخص التعليم عام 1933، في مدرسة البنين 16 مدرساً و536 طالباً بينهم 70 طالباً مسيحياً، أما في مدرسة البنات فكان هناك 13 معلمة و423 طالبة، إضافة إلى كلية غزّة التي أسسها وديع ترزي وشفيق فلفل. 

- بلغت واردات البلدية برئاسة مصطفى أفندي العلمي نحو 12 ألف جنيه، علماً بأن البلدية تأسست سنة 1893.

- ضمت غزّة عام 1941 مطاراً وعشرات المحال المختلفة، مثل: دكاكين، مخازن حبوب، معامل بلاط وفخار، مطاحن، محال صياغة، مصابغ، ومصانع تدار بالكهرباء، سروجية، حمامات، أنوال حياكة، خمارات، بالإضافة إلى 4 فنادق. 

- اشتهرت غزة بالنخيل والعنب والحمضيات والزهور والشعير (لصناعة الجعة)، والزيتون (كان الجيش التركي قد قطع 95 % من هذه الأشجار من أجل الحطب في تسيير القطارات).

- أهالي غزّة أقرب إلى بعض المناطق من سكان المتوسط من حيث بشرتهم القمحية والشعر الكستنائي والعيون السود، ومن المظاهر الاجتماعية عندهم: التدين، زيارة القبور، النجدة، الصبر، الشجاعة، شدة المراس، الوفاء، سرعة الغضب، الأخذ بالثأر، تعدد الزوجات، الاهتمام بالخيل، مولعون بالتبغ والتنباك، وينتشر الحجاب في المدن أكثر من الريف. 

- كثرة المساجد، وأشهرها المسجد الكبير ومسجد هاشم، بالإضافة إلى مساجد بلا مآذن لا تقام فيها صلاة الجمعة. 

- لهم أعيادهم الخاصة التي تشبه موسم النبي موسى في القدس، والنبي صالح في الرملة، وتختلط في مواسم غزّة الطقوس الإسلامية مع المسيحية، ومن أشهرها: 

o باب الدارون (الدار – روم)، وهو موسم مسيحي يشارك فيه المسلمون. 

o موسم الخمسان (كل خميس)، هو موسم مسيحي – إسلامي مشترك ويتضمن خميس فات (خميس السيد) وخميس البنات وخميس الزهور وخميس الحلوى وخميس الأموات (زيارة القبور). 

o موسم أربعة أيوب (أربعاء أيوب)، وفيه يذهب الناس إلى البحر اعتقاداً منهم بأن الله أبرأ أيوب من مرضه بعد اغتساله بالبحر، ويقام الموسم في وادي النمل حيث يوجد مقام للحسين، ويأتي الناس إلى المنطقة حاملين أعلامهم راكبين خيولهم وهم يرقصون ويرتلون ألحاناً جميلة. 

o موسم السيد هاشم (جد الرسول)، ومن معالمه إقامة الزينة في المسجد.

o موسم المنطار، وهو موسم مشترك بين المسلمين والمسيحيين ويقام في نهاية الصوم المسيحي في تل المنطار وتقدم فيه الشموع إلى جانب تجمع للدراويش وأصحاب الطرق.