أوراق من الحرب الإيرانية -الصهيونية
إذا كان العدو مدعوماً من واشنطن ولندن قد استند في عدوانه على إيران إلى حصاد مراكز أمنية، فإن إيران عرفت الطريق إلى هذه المراكز ورصدتها مبكراً، وكان حصادها وفيراً طيلة أيام الحرب الأخيرة.
-
مشاريع التقسيم الصهيونية – الأميركية لإيران.
بدأت معالم الحرب الإيرانية – الصهيونية تتضح وتتوسع شيئاً فشيئاً بعد نجاح الثورة الإيرانية وإسقاط نظام الشاه الفاسد العميل والحليف الأول للكيان الصهيوني، وأخذت هذه المعالم أشكالاً وحروباً مختلفة، إقليمية ودولية، بينها الأبعاد اللوجستية ومؤسساتها ومراكزها عند الطرفين.
فمن جهة إيران: الاهتمام بالاقتصاد اللوجستي، صناعة الصواريخ الباليستية، تكنولوجيا النانو والمشروع النووي السلمي الاستراتيجي، محور المقاومة والعلاقات مع قوى التحرر العالمية مثل فنزويلا وكوبا، وتوثيق العلاقات مع روسيا الأوراسية والصين (طريق الحرير والحزام).
من جهة العدو: وعلى طريق الشرق الأوسط الإبراهيمي وتفكيك بلدانه ومحيطه واستهداف إيران خصوصاً في هذا التفكيك، أسس لعصب تقني واستخباري متطور تمثّل في عشرات المراكز البحثية والأمنية والحرب البيولوجية، إضافة إلى النسخة الثانية من مفاعل ديمونا، وتحضير ميناء حيفا كعصب للشرق الأوسط الإبراهيمي، وكذلك الحال في الحقل السياسي اعتماداً على معهد هرتزليا داخل فلسطين المحتلة ومعهد واشنطن خارجها.
في ضوء ذلك، إذا كان العدو مدعوماً من واشنطن ولندن قد استند في عدوانه على إيران إلى حصاد المراكز المذكورة، فإن إيران عرفت الطريق إلى هذه المراكز ورصدتها مبكراً، وكان حصادها وفيراً طيلة أيام الحرب الأخيرة.
مشاريع التقسيم الصهيونية – الأميركية لإيران
بالإضافة إلى السيناريوهات المتداولة حول الأجندة الصهيونية – الأميركية وموقع إيران في استهدافاتها الأساسية:
- ما تمثله إيران بحدّ ذاتها كقوة لوجستية كبرى مستقلة (البنى التحتية، احتياط الغاز، والاستراتيجية السياسية).
- قلب ومركز الدول والقوى المقاومة والمناهضة للأطماع والسياسات الصهيونية -الأميركية ومشروع الشرق الأوسط الصهيوني الإبراهيمي.
- ما تمثله إيران، سياسياً وموضوعياً، إزاء الصين (طريق الحرير والحزام) وروسيا الأوراسية.
بالإضافة إلى ما سبق، ثمة بعد هام آخر يتعلق بالاستراتيجية الصهيونية -الأميركية لتقسيم المنطقة وصولاً إلى الشرق الأوسط الإبراهيمي، حيث يحتل تقسيم إيران وتمزيقها اهتماماً دائماً في كل مشاريع التقسيم، علماً بأن غالبية أصحاب هذه المشاريع من اليهود:
1- مشروع الصحفي الإسرائيلي "أوديد نيون" الذي نشر عام 1982 بعد الثورة الإيرانية بفترة قصيرة، وبالتزامن مع الحرب العراقية-الإيرانية.
2- مشروع "برنارد لويس" الذي أقرّه الكونغرس الأميركي عام 1983، ويدعو إلى تمزيق وتقسيم (العالم العربي) والشرق الأوسط إلى كيانات طائفية وجهوية متناحرة، وتغذية الخطاب الطائفي التكفيري لهذه الغاية.
3- مشروع "شارنسكي" عام 2005 ويركز فيه على الثورات الملونة كأدوات للفوضى وتفكيك أمم ودول الشرق الأوسط.
4- مشروع "رالف بيترز" (حدود الدم) المنشور عام 2006 ويدعو إلى تقسيم دول المنطقة، وعلى رأسها إيران، وبما يؤدي إلى كيانات جديدة مثل كردستان الكبرى من أراضي إيران والعراق وتركيا وسوريا، ومثل دولة بلوشستان التي يراد لها أن تتشكل من الجزء الجنوبي الغربي لباكستان والجزء الجنوبي الشرقي من إيران، كما يدعو الجنرال "بيترز" إلى توسيع بعض الدول مثل أذربيجان بضم أجزاء من إيران وتركيا إليها.
5- مشروع "بريجنسكي" 2012 كما طرحه في كتابه "رؤية استراتيجية" لتفكيك دول المنطقة وعلى رأسها إيران، وبحسب "بريجنسكي – لويس" فإن التركيبة الاجتماعية الديموغرافية المذهبية بيئة مناسبة للتفكيك والتوظيف وإثارة الغرائز المذهبية.
6- من المراكز والمشاريع والدراسات الصهيونية الأخرى التي تسعى لتقسيم إيران والوطن العربي ودول مثل تركيا والباكستان:
- مؤتمر هرتسيليا السنوي.
- ندوات ومؤتمرات مركز "دايان" – جامعة "تل أبيب".
- ندوات ومؤتمرات مركز وجامعة "بار ايلان".
- ندوات ومؤتمرات مركز "معز جلان".
غلاديو الإيرانية
غلاديو، ربما نسبة إلى السيف الروماني المقدس أو من "جلاديو" أو المجالدون (السجناء المقاتلون الذين يتحاربون حتى الموت في المسرح الروماني القديم كلعبة لها رهاناتها المالية عند نبلاء روما، ومثلها مصارعة الثيران).
في العصر الحديث، غلاديو، هي شبكة مافيات واغتيال وتجسس أسستها المخابرات البريطانية في إيطاليا تحت شعار مواجهة النازية والفاشية، فيما استكملت أدوارها ضد الاشتراكيين بعد أن تم دمجها مع بقية المافيا، ومن الذين فضحوها وفقدوا حياتهم بسببها، رئيس الوزراء الإيطالي "اندريوتي"، والصحفي الأميركي "بول وليامز" في دراسة تعقب فيها تجارة المخدرات وغسل العملة، أما المصدر الثاني الذي فضح غلاديو فهو المؤرخ السويسري "دانيال غانسر" تحت عنوان (جيوش الناتو السرية).
لم تقتصر أدوار غلاديو على بيئتها المذكورة، بل سرعان ما حوّلتها المخابرات الأميركية والبريطانية إلى جزء من شبكة واسعة، حيث تنشط هذه المخابرات ضد هذه الدولة أو تلك، ولم تكتف هذه المرة بدمجها مع المافيا فقط، بل ومع القوى السياسية تحت شعارات مختلفة وفق ظروف كل بلد، ففي أميركا اللاتينية مثل فنزويلا والبرازيل وغيرهما، صارت الذراع الضاربة لليمين السياسي، سواء كان كنسياً أو غير ديني.
وفي الشرق الأوسط، تم تدريب عشرات الآلاف من المجرمين ونزلاء السجون الجنائية ليصبحوا مجاهدين متطرفين، وإذا كان هذا الدور قد اتضحت ملامحه أكثر في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، فقد ظل كامناً في إيران، بانتظار اللحظة المواتية التي تزامنت مع العدوان الصهيوني- الأميركي، واتضح أن شبكات المخدرات والجريمة المنظمة التي تنشط في الأطراف الحدودية لإيران تحوّلت إلى جماعات اغتيال وتجسس وورشات لصناعات المسيرات والسيارات المفخخة، على نحو مجهول أو تحت عناوين سياسية في أوساط وبيئات معروفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وبين تجمعات (قومية ومذهبية).
الاغتيالات في العقل التلمودي
إذا كان صحيحاً أن الاغتيالات ظاهرة عامة ولا تقتصر كما الجنس على جماعة أو فئة بحد ذاتها، فهي جزء أساسي من التقاليد التلمودية، التي ظلت تمارس ولا تزال كمظهر من مظاهر العصابات وأساليبها.
أيضاً، إذا كانت بعض الدول، أياً كان حجمها ومستوى تطورها، قد تمارس الاغتيال السياسي بين الحين والحين في إطار صراعات محدودة أو شاملة، فإن المسألة بالنسبة إلى العدو الصهيوني مختلفة تماماً من حيث دور الاغتيال في العقل الأيديولوجي والسياسي الصهيوني.
وليس بلا معنى أن أشهر تجار السموم وحروبها هم من اليهود، حتى أطلق عليهم أبناء الأفاعي وظلّت الأفعى حاضرة بقوة في قاموسهم.
ومن النادر أن تجد دولة في العالم إلا الكيان الصهيوني وأشباهه مثل الولايات المتحدة الأميركية، تنشغل بالسموم وتؤسس لها مختبرات وبرامج خاصة، كما في معهد "يتس تسيونا" في بئر السبع.
في هذا الإطار، يمكن التمعن في عمليات الاغتيال الإجرامية المتلاحقة التي طالت قادة المقاومة والمحور في لبنان وفلسطين وإيران وسوريا، وانتقلت من الأشكال والأساليب التقليدية إلى أحدث التقنيات التكنولوجية، ناهيك بمئات الاغتيالات التي نفذتها الصهيونية قبل وبعد إعلان دولتها الشيطانية، فطالت علماء وأدباء وسياسيين فلسطينيين وغير فلسطينيين.
وتم تنفيذها عبر الشبكات التابعة للموساد والشاباك وأمان ووحدات المستعربين ويمام وغيرها.
الحرب على الجبهة الإعلامية
تعود التعبئة الإعلامية ضد إيران إلى الثورة الإيرانية وإطاحة نظام الشاه العميل الفاسد، والحليف الأول للكيان الصهيوني، فمنذ اليوم الأول لسقوط الشاه، والإعلام العربي التابع يستهدف الثورة ويحرض عليها ويستخدم كل الأدوات والوسائل وعلى رأسها التحريض الطائفي، ويستخدم خطابين لهذه الغاية: أحدهما خطاب منحاز جهاراً نهاراً للإمبريالية والصهيونية، والآخر خطاب مقنع مغلف بالعروبة أحياناً لخداع الشارع.
في ما يخص الحرب الإيرانية – الصهيونية والأميركية الأخيرة، وبالإضافة إلى محاولات إنكار الخسائر الفادحة التي لحقت بالعدو ومراكزه اللوجستية وعجزه عن حماية كتلته البشرية في كل المدن المحتلة، ومنها طلبات الهجرة الواسعة ولا سيما من الاشكناز، وما أعلنته الصناديق الاجتماعية والصحية والإسكانية ومؤسسات التأمين والضمان الاجتماعي وغيرها (50 ألف طلب تعويض)، لجأ الإعلام العربي التابع إلى التطاول على التراث الإسلامي من خلال تأويل آيات ومرويات وتوظيفها في السياق الصهيوني- الأميركي لتطويق الانقلاب العارم في الرأي العام إلى جانب إيران بعد سنوات من الاستغفال والتضليل والتحريض.
ومن أشكال هذا التطاول:
1- ترويج دعاء لا مصدر له في الإسلام هو (ضرب الظالمين بالظالمين) لوضع إيران في موقع العدو الصهيوني – الأميركي، علماً بأن هناك مرويات ترده إلى تأويل منسوب إلى أحد كتب اليهود (الزبور)، وقد شاع استخدامه في الأوساط المشبوهة بعد أن روّجه القرضاوي لتبرير العدوان الأطلسي على ليبيا.
2- ترويج تأويل للآية الكريمة من سورة الروم (غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون)، وقد فسرت في حينه كتعاطف مع روما المسيحية ضد فارس الزرادشتية، وقد استخدم هذا التأويل لتبرير تبعية الرجعية العربية لواشنطن خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، وفي التعقيب على التأويل المذكور لا بد من الملاحظات الآتية:
o في حين أن روما بقيت على المسيحية الخاصة بها، فإن بلاد فارس أسلمت زرافات ووحداناً، إضافة إلى أن مسيحية روما غير المسيحية الشرقية، فمسيحية روما اختلطت بالوثنية الرومانية القديمة والحاجة إلى تبرير أيديولوجي لمرحلة الرق والعبودية.
o إن مملكة فارس المقصودة التي انتصرت على روما ثم هزمت، هي مملكة سابور أو "شابور" الأول في القرن الثالث الميلادي، والذي تبنى أفكار ماني الأقرب إلى مسيحية تشبه مسيحية روما، أي أنه لم يكن زرادشتياً ولا وثنياً، بل إنه تعرض لردة مجوسية عاصفة انتهت بقتله.
هرتزليا، العقل الاستراتيجي للعدو
هو معهد صهيوني تأسس عام 2000، واشتق اسمه من هرتزل (مهندس فكرة دولة اليهود أواخر القرن التاسع عشر)، ويعد مؤتمر المعهد الذي يعقد كل عام بمنزلة العقل الاستراتيجي للكيان، ومنذ المؤتمر الأول الذي عقد تحت عنوان (ميزان المناعة والأمن القومي) وإيران تحتل أهمية أساسية في مداولات المؤتمر، بما في ذلك علاقتها مع سوريا وقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية وكذلك مشروعها النووي، وهو الأمر الذي بقي يتكرر في كل المؤتمرات اللاحقة.
ضرب العقل الاستخباري
تعد الجاسوسية ودور الجنس فيها عنصراً أساسياً في العقل التلمودي، ابتداء من "استير" و"راحوب" مروراً بشبكة "سارة" خلال الحرب العالمية الأولى، وليس انتهاء بملفات واسعة طالت مئات السياسيين والعلماء والإعلاميين ورجال الأعمال من مختلف الدول.
وبقدر ما أظهرت معركة إيران ضد العدوان من تحضيرات واختراقات صهيونية – أميركية اختلطت فيها شبكات الجواسيس مع شبكات المخدرات، بقدر ما أظهرت التحضيرات الإيرانية من رصد واستهداف لأخطر وأكبر مراكز الأمن والجاسوسية الصهيونية، المنتشرة حول "تل أبيب" وبئر السبع، ومن ذلك مراكز الموساد – الشاباك – أمان – يمام – وحدات المستعربين، وكذلك المعهد الإسلامي الخاص لإعداد كوادر مستعربة ومتأسلمة ونشرها على هيئة مجاهدين أجانب في بلدان عديدة.
وكذلك لإعداد خطابات نشر الفتنة الطائفية والجهوية (سنة – شيعة، مسلمون ومسيحيون.. وهكذا)، كما يشار إلى وحدة الدراسات الاستخبارية المكلفة بضرب أي حوار وتواصل عربي -إيراني وتأصيله تحت عنوان الحرب الفارسية-العربية.
استهداف حيفا
شكل ميناء حيفا منذ أن سقط تحت الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى، واحداً من أهم الموانئ التي يعتمد عليها هذا الاحتلال على طريق الهند الشرقية، وبعد سقوطه الثاني تحت الاحتلال الصهيوني أصبح أهم وأخطر ميناء للعدو وركناً أساسياً في المشروع الأميركي لإحياء طريق الهند الشرقية الموازي لطريق الحرير الصيني، إضافة إلى دوره اللوجستي في المنظومة الاستراتيجية الصهيونية.
فهو يتضمن مراكز أساسية للغواصات البحرية "دلفين" وشركة "رافائيل" وغيرها من الشركات الأمنية وتجنيد وتدريب المرتزقة، كما يضم حاويات الأمونيا والمصفاة ومجمع البتروكيماويات الصهيوني الذي ورث تاريخ خط كركوك – حيفا.
يشار إلى أن مدينة حيفا من أعرق مدن فلسطين على كل الصعد، الثقافية والاقتصادية والصحافية، وقد أنجبت عشرات الأعلام في كل الحقول.
وبحسب دراسة للباحث جوني منصور، فقد عرفت المدينة صناعات مبكرة وكانت مركزاً للصحافة الفلسطينية، كما شكلت نقطة البداية للشيخ الشهيد السوري عز الدين القسام الذي اختار المجاهدين من العمال والفلاحين، وعرفت حيفا كذلك بتنوّعها الديني.
ضرب العقل التقني الصهيوني
مما لا شك فيه أن العدو الصهيوني يمتلك قدرات ومراكز عالية التقنية، بدأت الصهيونية باستثمار إرهاصاتها مبكراً قبل قيام الكيان نفسه، من خلال بيع خلاصات وتجارب كيماوية وبيولوجية ونووية خلال الحربين العالميتين، وواصلت تطويرها بعد الإعلان عن قيام الكيان.
وقد تبيّن أيضاً أنها برسم المراقبة والرصد الإيراني المبكر وتحوّلت سريعاً إلى بنك أهداف في المعركة الأخيرة، مثل:
- معهد وايزمان (جنوب يافا)، وهو سابق لتأسيس الكيان برعاية الاحتلال البريطاني عام 1934.
- معاهد للحروب البيولوجية والكيماوية والنووية، مثل: سوريك الذي تأسس بالتزامن مع تدشين مفاعل ديمونا في خمسينيات القرن الماضي، معهد "غام يام"، مركز "نس تسيونا" المتخصص في الحروب البيولوجية والسموم منذ عام 1952.