العلويون.. التاريخ والمذابح
إضافة إلى ما تعرض له العلويون، خلال رحلتهم الطويلة من العراق إلى جبال الساحل السوري، وإضافة إلى استغلالهم كفلاحين فقراء من الإقطاع الذي تعامل معهم بقسوة بالغة، تعرّضوا لثلاث مذابح كبيرة.
-
يعود العلويون إلى قبائل يمنية كانت تسكن (عين التمر) في العراق.
يعود العلويون إلى قبائل يمنية كانت تسكن (عين التمر) في العراق، ويُنسَبون إلى محمد بن نصير البكري النميري (قبيلة نمير) وكانت من حلفاء تغلب والدولة الحمدانية في حلب (غولد سميث – دائرة الخوف: العلويون) ص85.
ويستفاد من دراسة (جورج طرابيشي) (من إسلام القرآن إلى إسلام الحديث) أن قبائل مسيحية عربية كانت تسكن عين التمر في الفرات الأوسط، وكان يسكنها التغالبة والنميريون، كما كانت البلدة مركزاً لفلسفة اللاهوت عندما دخلها خالد بن الوليد (ص104).
كما يستفاد من دراسة أخرى لأمين الريحاني (ملوك العرب) أن (عين التمر) كانت مركزاً أيضاً لفرع من عنزة (ص 660).
ويتوزع العلويون على عدد من العشائر، شأن أي مجموعة قبلية عربية ومن أشهرها الحدادين والخياطين والكلبية والحيدرية والقمرية والشمالية والكلازمية.
وخلف محمد بن نصير في الزعامة القبلية أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، الذي انتقل بالقبيلة والدعوة من العراق إلى سوريا، كما امتدت إلى طرابلس وتركستان وبلاد فارس وكردستان وغربي الأناضول.
وإذا شئنا اختصار عقائدهم وطقوسهم فهي كالتالي:
1- التجلي الناسوتي بدرجات متعددة بين النبوة والولاية.
2- بالإضافة إلى محمد كنبي ورسول من الله، قولهم في ثالوث الدعوة: محمد، علي، سلمان الفارسي.
3- ترتيبهم الزعماء الدينيين الكبار بثلاثة: الإمام – النقيب – النجيب.
4- تأكيد شيوخهم، خلال الثورة على الاستعمار الفرنسي، أن كل علوي ينكر القرآن والشهادتين والأركان الخمسة ليس علوياً وليس مسلماً.
5- تأكيدهم الوضوء والصلاة في أوقاتها الخمسة، ومن دون تمييز لصلاة الجماعة.
6- تأكيدهم الزكاة زائداً الخُمس.
7- تأكيدهم الصيام زائداً تحريم المعاشرة خلال هذا الشهر.
8- تأكيدهم الحج.
9- بالإضافة إلى التحريم الإسلامي في المعروف، يحرّمون أيضاً أكل الجمال والأرانب وأنثى الحيوان الحائضة.
10- إيمانهم بتناسخ الأرواح، ولا تعود إلا بعد أن تتحرر من الخطايا.
11- تداخل أعيادهم بالأعياد المسيحية والشرقية، بالإضافة إلى الأعياد الإسلامية: عيد الفطر – عيد الأضحى – عيد عاشوراء – عيد الغدير – عيد الفراش (نوم علي في فراش الرسول لحمايته من قريش) – عيد النيروز – عيد مولد سلمان الفارسي (الـ15 من شعبان).
وبخلاف رأي ابن تيمية ومشايعيه، أصدر شيوخ العلويين عام 1936 بياناً، جاء فيه أن كل علوي مسلم. ويُقِرّ بأن القرآن كتابه المقدس، وبأن محمد رسول الله. وأكد البيان الحاج أمين الحسيني مفتي القدس (ليون غولد سميث، دوائر الخوف: العلويون ص 154-155).
والعلويون، كما كل الجماعات والقبائل التي دخلت الإسلام أو جاءت إليه من ديانات أخرى، حافظت على شيء من ثقافتها الشعبية السابقة. وكان العلويون، قبل التحول إلى الإسلام، يعيشون تحت تأثرات مسيحية دمجوها في طقوسهم التالية.
عرف العلويون، شأن معظم القبائل العربية الفلاحية في الأرياف السورية، عدداً من الثورات الفلاحية بسبب الضرائب أو التجنيد أو مصادرة الأراضي، ومنها الثورة على المماليك بعد محاولة هؤلاء توطين التركمان في أراضيهم، والثورة على الاحتلال الفرنسي.
شكل الزعيم العلوي صالح العلي مع الزعيم الدرزي، سلطان الأطرش، والزعيم الكردي السنّي، إبراهيم هنانو، أبرز قادة الثورة السورية ضد الفرنسيين، الذين سعوا لتقسيم سوريا إلى دويلات طائفية، وصمّموا لها العلم (الذي ترمز فيه النجوم الحمراء الثلاث إلى الكيانات الطائفية).
وفيما يخص محاولات الفرنسيين تشكيل فيلق سوري من أبناء البلد، لم يتخرج خلال الفترة بين عامي 1921 و1946، من مدارس الإعداد الفرنسية، سوى 18 علوياً.
في مرحلة لاحقة بعد الجلاء الفرنسي، انخرط العلويون في المعارضة السورية آنذاك، مثل حزب البعث (أسسه زكي الأرسوزي واثنان من حي الميدان الدمشقي)، والحزب السوري القومي والحزب الشيوعي. وكانت هذه المعارضة ناشطة في صفوف الجيش السوري.
وأدت الصراعات التالية بين مختلف الأجنحة في الحركة القومية واليسارية، السورية، إلى وضع السلطة في يد شخصية عسكرية بعثية من أصول علوية، تمثلت بحافظ الأسد، الذي جرى تصنيفه (كحالة وسط) بين يسار البعث ويمينه، وهو التصنيف الذي انتقل إلى ابنه الدكتور بشار الأسد عندما قرر الفريق الحاكم تكليفه الرئاسة.
وبحسب ليون غولد سميث، صاحب الدراسة التي عدّها باحثون غير محايدة، أو أنها كُتبت تحت تأثير (نائب الرئيس الأسبق، عبد الحليم خدام)، فإن حقبة الأسد، الأب والابن، لم تنعكس في تحولات أو تطورات ذات شأن على مسقط رأس عائلة الأسد (القرداحة).
كما أن المؤلف (سميث)، في زيارة للقرى العلوية عام 2009، لاحظ أن هذه القرى لا تتمتع بأي امتيازات في أي قطاع كان، وتعاني تردي الخدمات العامة، مثل الكهرباء والماء، ولا تزال تعتمد على الزراعات البدائية، مثل التبغ، ومثل ذلك سكان (التجمع العلوي) قرب العاصمة (بلدة عش الوروار).
ومن اللافت للانتباه هنا، بحسب سميث، ما قاله المراقب العام السابق للإخوان المسلمين، البيانوني، من أن من الخطأ توصيف النظام السوري بأنه نظام علوي، مفضّلاً إطلاق صفات أخرى عليه، كالعلمانية.
ومن الملاحظات الأخرى، التي تسترعي الانتباه، النسبة الكبيرة للعلويين في أوساط اليسار المعارض غير البعثي، مثل رابطة العمل الشيوعي، وفي الأوساط الثقافية، مثل أدونيس وسعد الله ونوس وهاني الراهب وكمال خير بك وحيدر حيدر وممدوح عدوان.
المذابح ضد العلويين
إضافة إلى ما تعرض له العلويون، خلال رحلتهم الطويلة من العراق إلى جبال الساحل السوري، وإضافة إلى استغلالهم كفلاحين فقراء من الإقطاع الذي تعامل معهم بقسوة بالغة، تعرّضوا لثلاث مذابح كبيرة:
- الأولى، بعد احتجاجهم على محاولات المماليك ترحيلهم من كسروان وإبدالهم بالتركمان. وهناك رواية أخرى ردت ذلك إلى الصراع بين المماليك الذين حكموا المنطقة باسم السنة، وبين المغول الإيليخانيون المتشيعون.
وأيا كانت موضوعية الروايات المتعددة، فقد جرت المذبحة الأولى في كسروان مطلع القرن الرابع عشر، بقيادة ابن تيمية (تسببت أفكاره المتطرفة ضد معظم التيارات الإسلامية، وخصوصاً الأشاعرة، وتفضيله لمفكر يهودي لم يُتفق على إسلامه، هو أبو البركات البغدادي، على معظم الأئمة، الأمر الذي تسبب باعتقاله بعد إجماع الفقهاء في مصر والشام ضده.
واختلف الرواة بشأن سكان كسروان آنذاك: هل قُتل العلويون وحدهم، أم طال القتل الدروز، كما تذهب بعض الروايات، لكن الروايات التاريخية المتداولة قلما تذكر استهداف المسيحيين، الأمر الذي يدحض أيضا تبرير المذبحة بالحرب مع الغزو الصليبي، بل إن هناك من قال إن المذبحة ساهمت في الاستيطان المسيحي في كسروان.
ومما تذكره الروايات بشأن المذبحة أن سلطان المماليك، الذي جيّش الحملة المذكورة واستند إلى فتاوي منسوبة إلى ابن تيمية، دعا إلى سبي النساء والفتيات، وتخصيص دينار لكل رأس ذكر مقطوع، حتى لو لم يمكن بالغاً.
- أما المذبحة الثانية فنظمتها وأدارتها الجاسوسة البريطانية، هستر ستانهوب. وكما في الذرائع المزوّرة، التي تروّجها فضائيات عالمية ونفطية بشأن المذبحة الأخيرة على أيدي الجماعات التكفيرية بقيادة جبهة النصرة، تم ترويج المذبحة الثانية بذرائع أكثر سذاجة، وهي أن الجاسوسة ستانهوب نظمت هذه الحملة الواسعة انتقاماً لعشيقها، الكولونيل بوتان، وهو فرنسي جندته لمصلحة بريطانيا، ووُجد مقتولاً في جبال العلويين، بينما الوقائع المحيطة بتلك الحملة شديدة الصلة بصراع آخر، وهو الصراع بين الاحتلالات الثلاثة آنذاك: بريطانيا وفرنسا وتركيا العثمانية.
وفي مقابل التحالف البريطاني – العثماني، بدأت جماعات عربية مشرقية تتطلع إلى مصر بزعامة محمد علي كمنقذ لها وكانت نزعاته التوحيدية لمصر والشام بدأت تتبلور وتبحث عن تحالف مغاير مع فرنسا، التي كانت تسوّق نفسها بعد الثورة البرجوازية كصديق لشعوب العالم، قبل أن تتحول إلى حالة استعمارية كغيرها من بلدان أوروبا.
بالتوازي، كانت جبال العلويين في سوريا ولبنان جزءاً من ملاذات العصاة العرب في كل المشرق. ومن المرويات عن المذبحة أن ستانهوب، بعد أن اتخذت من أنطاكيا مركزا لعملياتها، حشدت آلاف المرتزقة من البدو الذين أقامت علاقات بهم في البادية السورية، ومن مرتزقة تابعين لوالي صيدا العثماني، مصطفى آغا بربر، وقاموا، في عام الجراد، 1815، باقتحام جبال العلويين.
وبشأن ذلك، يقول فواز طرابلسي في كتابه، حرير وحديد، "إن المهاجمين نهبوا 30 قرية واستباحوها وأحرقوا لا أقل من 300 رجل وامرأة، وجروا النساء إلى طرابلس، بحيث بِعن كجاريات أو إماء، إضافة إلى قطع رؤوس العشرات من الشبان".
أما الجاسوسة هستر ستانهوب، التي تم تسويقها كمعجبة في الشرق أو هاربة من نبوءة زلزال كوني في انتظار أوروبا، فهي حكاية فريدة من عالم الجاسوسية البريطانية النسائية في الشرق، على غرار سارة أرنسون وصانعة العروش، الخاتون بيل. وورد ذكر ستانهوب في كتابين: الأول (رحلة إلى الشرق) لـ كنغليك، ترجمة محمود العابدي، عمان 1971. والثاني الكتاب المشار له لـ فواز طرابلسي. ويتفق المصدران على السيرة الشخصية لهذه الليدي، التي تنتمي إلى عائلة أرستقراطية، وكان خالها هو رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وليام بت الثاني، جاءت إلى الشرق (عام 1810) بحراً، بدءاً من الإسكندرية، واستقرت في شمال صيدا، في قرية جون، وكان بيتها أشبه بقلعة محصنة، وأقامت علاقات واسعة بالوالي العثماني وزعماء المنطقة وشيوخ القبائل فيها.