"الغارديان": احتجاج ضخم في سيدني دعماً لغزة… تجاهل الرأي العام لم يعد ممكناً
كانت مسيرة جسر هاربور مختلفة. حضرت المدينة بأكملها، ليس فقط الطلاب والناشطون، بل الجدات والآباء والأمهات مع عربات الأطفال.
-
احتجاج ضخم في سيدني دعماً لغزة (أ ف ب)
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقال رأي تناول الاحتجاج الجماهيري الضخم الذي شهدته سيدني دعماً لغزة، والذي شارك فيه أكثر من 100 ألف شخص رغم الأمطار، في مشهد وُصف بأنه موجة من الأمل والعزيمة في مواجهة الإبادة الجماعية الإسرائيلية والحكومة الأسترالية المتقاعسة عن اتخاذ موقف حازم.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لم يستطع المطر أن يوقفنا. سيطر ما لا يقل عن 100 ألف شخص على منطقة الأعمال المركزية وساروا عبر جسر ميناء سيدني احتجاجاً على استمرار الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزة. وبدا الأمر وكأنه موجة جماعية من الطاقة والأمل والعزيمة ضدّ التعنّت المؤسسي والحكومي، والإنكار، والتعتيم، والتمكين الذي جعل الكثير منا يشعر باليأس والاشمئزاز والقلق.
لماذا لا يستمعون؟ كيف يستمر هذا الرعب بلا هوادة من دون عقاب؟ لماذا لا تفرض أستراليا عقوبات وتدعو إلى حظر توريد الأسلحة ضد جرائم القتل العبثية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق المدنيين، والتي أطلقتها بعضٌ من أكثر الأسلحة ذاتية التشغيل منهجيةً وفتكاً على وجه الأرض، وآلات الذكاء الاصطناعي التي تُوجّه القنابل، كما تزعم مصادر استخباراتية؟
بينما يوثّق الأطباء وعمال الإغاثة ومواقع التواصل الاجتماعي أنقاض المدن التي تُبثّ مباشرةً، نشاهد قتل الأطفال، والأشخاص الذين يُقتلون في الخيام أثناء نومهم، والجوعى الذين تُطلق عليهم النار ويُقتلون في مراكز الإسعاف، ويُجبرهم الجوع على لعب الروليت الروسي بحياتهم. ستون ألف روح بشرية، نصفهم تقريباً من النساء والأطفال، قُتلوا، وعشرات الآلاف مُشوّهين، جُرحوا بلا رحمة ولا إغاثة. واحد وعشرون شهراً من كابوسٍ لا يُصدّق للفلسطينيين.
عامٌ من الاحتجاجات أيام الأحد عند نافورة هايد بارك أشبه بكنيسة علمانية، أو جلسة علاج جماعي ألتقي فيها بمجموعة "قرّاء ضد الإبادة الجماعية"، وأستمع إلى القادة الفلسطينيين، ونقرع الأواني جماعياً، ونحزن، ونتساءل لماذا تبدو الاحتجاجات في بعض الأسابيع أصغر من غيرها. نأسف على زملاء تعرّضوا للتشهير، والفصل، والتهديد، والحرمان من التمويل، وإجبارهم على الاستقالة.
بينما تُحطّم "إسرائيل" أرقاماً قياسية جديدة في عدد الصحافيين القتلى - ما لا يقل عن 225 صحافياً فلسطينياً شهدوا على ذلك، وفقاً لنقابة الصحافيين الفلسطينيين - نحاول أن نستعد لمواجهة مناخ متزايد من الخوف والترهيب السائد في الفنون والإعلام والأوساط الأكاديمية الأسترالية، حيث تهيمن قواعد ضبط النفس الأورويلية. ليس القتل، بل التعبير عن الرأي والاحتجاج على هذه الانتهاكات، وكيفية تنفيذها، هو ما يُراقَب ويُنظر إليه على أنه مصدر للأذى والعنف، ويُقابل بالاستخفاف والعقاب.
كان يوم الأحد مختلفاً. حضرت المدينة بأكملها، ليس فقط الطلاب والناشطون، بل أيضاً الجدات والآباء من الطبقة المتوسطة مع عربات الأطفال. كان الأطفال أكثر ما يلفت الانتباه. آباء وأمهات مع أطفالهم الصغار يركبون أكتافهم، ممسكين بأيدي صغارهم برفق وهم يقفون بصبر في معاطف المطر وسط الحشود، أو يحتضنون رؤوسهم الصغيرة النائمة على أكتافهم، حاملين لافتات، جميعهم يرددون الشيء نفسه: قتل الأطفال وتجويعهم، أطفال مثلنا تماماً، أمرٌ خاطئ، ونحن لا نوافق عليه.
لا نوافق على قوانين الاحتجاج المشدّدة التي أقرّها رئيس وزراء نيو ساوث ويلز، كريس مينز، والتي نذرت بتعرّض مرشحة حزب الخضر السابقة، هانا توماس، للكمة في وجهها، مما جعلها في مرحلة ما معرّضة لخطر فقدان البصر في إحدى عينيها. لا نوافق على موت عدد كبير من السكان من الجوع وسوء التغذية، بينما تتعمّد "إسرائيل" منع إمدادات وفيرة من الغذاء والمساعدات المنقذة للحياة.
للمرة الأولى منذ عامين، شعرت أنني من الأغلبية. كما أعطى ذلك الأغلبية صورة عن حقيقة هذه الاحتجاجات: إعلانات سلمية وقوية ومحبة للحرية والديمقراطية في العمل.
بينما كانت طائرات الهليكوبتر التابعة للشرطة تحلّق في سماء المنطقة، ورسائلها النصية ومكالماتها الهاتفية تُعلن إغلاق الجسر المؤدي إلى الشمال، وضرورة العودة. بدا وكأن الانقسام قد انكسر وانحل في مدينة ثرية مُقسّمة جغرافياً وثقافياً واقتصادياً، حيث يُمكن لرمزك البريدي أن يُحدّد مستقبلك، بدا وكأنّ لا شرق أبيض ثرياً، ولا غرب عرقياً، ولا جنوب مشاركاً، ولا شمال مُتميّزاً. لم يبقَ سوى "نحن" جماعية.
حافظت الحشود الجريئة والمسالمة على هدوئها وسط الفوضى، تتحرّك بقوة وجبروت كسحابة مُلوّنة من المظلات فوق هذه المدينة الساحلية. لم يكن هناك ما يوقف هذا المد، وهي رسالة يجب على حكوماتنا ووسائل إعلامنا وقادة الفنون الانتباه إليها: لم يعد بإمكانهم عزل الأصوات المُعارضة في صفوفهم وإدانتها، لأن وراءهم ملايين.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.