"الغارديان": هل يمكن لمؤتمر الأطراف الثلاثين أن يمهّد لعملية التخلص من الوقود الأحفوري؟
يُعدّ إنهاء استخدام الفحم والنفط والغاز أمراً أساسياً في معالجة أزمة المناخ، ولكن حتى الحديث عنه يبقى مثيراً للجدل.
-
ناشطون يحتجّون على استخدام الوقود الأحفوري على هامش مؤتمر كوب 30 في بيليم - البرازيل.
صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً عن قضية التحوّل عن الوقود الأحفوري في سياق مفاوضات مؤتمرات المناخ (COP)، ويوضح لماذا يُعدّ هذا الموضوع محوراً شديد الحساسية والخلاف بين الدول، إضافة إلى استعراض الخلفيات السياسية، وتفاصيل النقاشات، وآفاق المستقبل.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
ما هو التحول عن الوقود الأحفوري؟
يُشكّل الفحم والنفط والغاز جوهر أزمة المناخ؛ فإحراقها يُنتج ثاني أكسيد الكربون، ما يُؤدي بدوره إلى ارتفاع درجة حرارة الكوكب، حتى بلغ إلى الآن 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وربما يتجاوز 2.5 درجة مئوية في المستقبل، وهو مستوى قد يُفضي إلى أضرار واسعة النطاق لا رجعة فيها. ولا يُمكننا أن نأمل وقف ارتفاع درجات الحرارة واستعادة مناخ صالح للعيش إلا من خلال إنهاء استخدام الوقود الأحفوري، لكن الاقتصادات الحديثة ازدهرت بفضل استخدام هذا الوقود على مدى 200 عام، وحتى وقت قريب، خلال الأعوام العشرين الماضية، حين أتاح التقدم في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية إمكانية بناء مجتمعات قائمة على الطاقة المتجددة، لم تكن هناك سوى بدائل قليلة.
لماذا يُعدّ الحديث عن الوقود الأحفوري في مؤتمر المناخ أمراً مثيراً للجدل؟
لأكثر من 30 عاماً، منذ انعقاد اجتماعات مؤتمر الأطراف بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ لعام 1992، كان الوقود الأحفوري بمنزلو "الفيل في الغرفة". تكمن قوة هذه الاتفاقية في أنها تشمل جميع الدول، باستثناء عدد قليل من الدول الفاشلة (حتى الولايات المتحدة، التي انسحبت من اتفاقية باريس ولم تُرسل أي مندوب إلى مؤتمر الأطراف الثلاثين، لا تزال طرفاً موقّعاً على المعاهدة الأم)، لكن هذا أيضاً هو موطن ضعفها، فلتحقيق الشمولية مُنحت الدول النفطية، مثل المملكة العربية السعودية وقطر وروسيا، مكانة متساوية على طاولة المفاوضات مع جميع الدول الأخرى.
وقد استُخدم ذلك لرفض أي مناقشة حقيقية للوقود الأحفوري لمصلحة التركيز على "انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري" (التي قد تنجم أيضاً عن إزالة الغابات والزراعة والمصادر الصناعية، رغم أن مساهمة هذه المصادر أقل بكثير من إجمالي الانبعاثات العالمية مقارنة بالوقود الأحفوري).
متى نوقش هذا الأمر؟
في مؤتمر كوب 28 الذي عُقد في دبي عام 2023، اتفقت الدول للمرة الأولى على "التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري". وقد جاء هذا التعهّد التاريخي مدفوناً في الفقرة 28 من "التقييم العالمي"، وهو تقييم يُبيّن مدى ابتعاد الدول عن تحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
كان إقرار هذا التعهّد مفاجئاً لكثيرين، نظراً إلى المعارضة الشديدة من جانب العديد من الدول المنتجة للنفط والغاز لأي ذكر للوقود الأحفوري في قرارات مؤتمر كوب 28. وقد عُقد المؤتمر في الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة نفطية، وترأسه سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإماراتية.
قبل انعقاد المؤتمر، دعا ناشطون إلى إقالته، غير أنه، خلف الأبواب المغلقة في قاعات المفاوضات، نال إشادة من بعض المشاركين المخضرمين في مؤتمر "كوب 28" الذين رأوا أنه ربما لا يستطيع تحقيق هذا الإنجاز إلا رجل نفط يتمتّع بمؤهلاته وعلاقاته الممتازة في قطاع النفط (ورغم القرار، لم يتخذ الجابر أي خطوة لتقليص الخطط الرامية إلى توسيع استغلال احتياطيات الإمارات العربية المتحدة).
كيف وُضع موضع التنفيذ؟
لم يُطبَّق القرار. وبمجرد اختتام مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، حاول بعض الدول، ولا سيما المملكة العربية السعودية، نقض الاتفاق. وزعم المسؤولون السعوديون أنّ "الانتقال من الوقود الأحفوري" لم يكن التزاماً حقيقياً، بل مجرد خيار من بين خيارات عديدة. وعندما حاولت دول أخرى البناء على القرار في العام التالي، خلال مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين في أذربيجان (وهو اقتصاد يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط والغاز)، أُحبطت هذه الجهود بسبب معارضة صريحة وأخرى خفيّة.
لماذا طُرح هذا القرار في مؤتمر الأطراف الثلاثين؟
لم تستسلم الدول التي ترغب في رؤية "انتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري". وتشمل هذه الدول المملكة المتحدة والعديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب مجموعة من الدول النامية الفقيرة والضعيفة.
وتجادل هذه الدول بأن قرارات مؤتمرات الأطراف السابقة لا يمكن محوها، بل يجب البناء عليها، وأن الاتفاق على جدول زمني وخارطة طريق للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري هو السبيل الأفضل لتحقيق أهداف اتفاقية باريس وتجنّب أسوأ عواقب انهيار المناخ.
هل هو مُدرج على جدول الأعمال؟ وهل سيُناقش؟
الإجابة: لا، نعم. لن يُدرج موضوع التحول عن الوقود الأحفوري على جدول الأعمال الرسمي لمؤتمر الأطراف الثلاثين، لكنه سيُناقَش على نطاق واسع وبعمق خلال المؤتمر. وهناك العديد من الأفكار المطروحة للمضي قدماً: فدولة كولومبيا هي المحرّك الرئيسي وراء إعلان مقترح يدعم التحول عن الوقود الأحفوري. وقد انضمت أكثر من اثنتي عشرة دولة إلى "معاهدة حظر انتشار الوقود الأحفوري"، فيما تُفضّل بعض الدول والمنظمات غير الحكومية الأخرى إعداد خارطة طريق. ولا يتعارض أي من هذه المبادرات مع الآخر.
وتُجادل البرازيل، الدولة المضيفة لمؤتمر الأطراف الثلاثين، بأنها لا تملك سلطة حقيقية على جدول الأعمال، إذ لا يمكن توجيهه إلا وفق رغبة الأطراف، وهذا صحيح إلى حد ما، مع أنه إذا رغبت الرئاسة في مناقشة التحول عن الوقود الأحفوري، فيمكنها إدارة ذلك. ومع ذلك، ترى البرازيل أنه لا يوجد دعم كافٍ لإدراج هذا البند في جدول الأعمال، وأنّ أي محاولة لإدراجه، رهن قرار رسمي من مؤتمر الأطراف، قد تفشل، كما حدث في مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين، حين تم التخلي فعلياً عن المناقشات التي كانت ستتضمنه.
إذا لم يكن الأمر مدرجاً على جدول الأعمال، فكيف يُمكن مناقشته؟
مؤتمرات الأطراف هي أماكن كبيرة ومعقّدة، حيث تعقد نحو 200 دولة وعشرات الآلاف من المندوبين اجتماعات تتناول كل شيء، من الأمن الغذائي إلى موجات الحر في المحيطات. وخارج جدول الأعمال الرسمي، الذي يضم 145 بنداً، تُجري البرازيل سلسلة من المناقشات المتوازية تُسمّى "أجندة العمل"، حيث يمكن للدول مناقشة إنجازاتها في "تنفيذ" التزاماتها المناخية.
ولا يمكن إقرار البنود المدرجة على جدول الأعمال الرسمي إلا بالإجماع، وهو مفهوم مُلتبس لا يعني الاتفاق التام، إذ يستطيع الرئيس أن يقرّ القرار بمطرقة التصويت حتى لو بقي عدد قليل من المعارضين، لكنه يعني أن أي بند لا يحظى بدعم شبه عالمي (مهما كان متردّداً) لن يُمرّر.
أما خارج جدول الأعمال الرسمي، سواء في مناقشاته أو في نقاشات موازية أخرى، فلا يشترط توفر هذا النوع من الإجماع.
هل يُمكن لمؤتمر الأطراف الثلاثين أن يُنتج خارطة طريق للانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري؟
الإجابة لا. لا يوجد وقت كافٍ خلال أسبوعين من المناقشات لإنتاج وثيقة معقدة كهذه. يجب أن تُحدد خارطة الطريق جدولاً زمنياً، مهما كان غامضاً، وتدابير توافق الدول على اتخاذها، إضافة إلى المعالم الرئيسية التي ينبغي بلوغها. ونظراً إلى التفاوت بين الدول، بدءاً من تلك التي تفتقر إلى موارد الوقود الأحفوري، وصولاً إلى تلك التي تعتمد عليها بشكل شبه كامل، سيستلزم ذلك معالجة اختلافات واسعة النطاق.
ما يأمله مؤيدو خارطة الطريق هو أن يوافق مؤتمر الأطراف هذا على بدء عملية قد تستمر لعدة سنوات، تتضمن دورة ثانية أو ثلاث رئاسات لاحقة لمؤتمر الأطراف، ما يُنشئ منتدىً تشارك فيه جميع الدول المنتجة والمستهلكة للوقود الأحفوري في محادثات مفتوحة وغير ملزمة وصريحة. ويقول أحد ناشطي المجتمع المدني: "الأمر يتعلق بتهيئة مساحة آمنة تُسمع فيها أصواتهم".
هل تكون خارطة الطريق مُلزمة؟
بالتأكيد ليس في مراحلها الأولية، وربما لن تكون مُلزمة أبداً. لا يزال التعهد الأصلي، الوارد في الفقرة 28 من قرار مؤتمر الأطراف 28 بشأن التقييم العالمي، سارياً ومُلزماً بموجب عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ولكن معظم المؤيدين يرون أن جمع "تحالف من الراغبين" الذين يوافقون على بدء الرحلة نحو التخلص التدريجي من الأسلحة النووية هو الخطوة الأفضل في الوقت الراهن، بدلاً من السعي إلى التزام أقوى يمكن إسقاطه بسهولة أكبر.
من يدعم التحول عن الوقود الأحفوري؟
تدعم العديد من دول الاتحاد الأوروبي التحول عن الوقود الأحفوري، مع أن الاتحاد الأوروبي ككل لم يتخذ موقفاً تفاوضياً رسمياً بعد. تدعم المملكة المتحدة وأستراليا والعديد من الدول الجزرية الصغيرة وعشرات الدول الضعيفة وبعض الاقتصادات النامية متوسطة الحجم، بما في ذلك كولومبيا وتشيلي وكينيا، هذا التحول. حتى نيجيريا، الدولة المعتمدة بشكل كبير على النفط، أبدت اهتمامها. يدعم نحو 60 دولة الفكرة، وفقاً لأحد التقديرات، ولكن يُعتقد أن 40 دولة على الأقل تعارضها.
ما هي النتيجة المحتملة؟
إذا تقدم عدد كافٍ من الدول لدعم خارطة طريق أو صيغة مماثلة، فيمكن إنشاء منتدى خلال مؤتمر الأطراف هذا لجمع الدول في مناقشات جارية قد تؤدي إلى خارطة طريق بحلول مؤتمر الأطراف الحادي والثلاثين أو الثاني والثلاثين.
سيكون ذلك خطوة كبيرة إلى الأمام، لكن إحراز التقدم سيعتمد على رئاسات مؤتمر الأطراف المستقبلية. في الوقت الحالي، من غير المعروف ما إذا كانت أستراليا أو تركيا ستفوزان في المنافسة على استضافة مؤتمر الأطراف الحادي والثلاثين، وسيعقد مؤتمر الأطراف الثاني والثلاثون في إثيوبيا. إنّ مؤتمر الأطراف الثالث والثلاثين قد يعقد في الهند، التي أصرت في المراحل النهائية من مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في غلاسكو على ضرورة "التخلص التدريجي" من الفحم، والذي اتفقت عليه جميع الأطراف، وتحويله إلى "خفض تدريجي".
نقلته إلى العربية: بتول دياب.