"المونيتور": المياه من أجل النفوذ.. تركيا تتحرك لتخفيف أزمة نقص المياه في العراق قبل الانتخابات

تتحرّك تركيا لتخفيف أزمة نقص المياه في العراق قبل الانتخابات، في خطوة تحاول ضمان بقاء العلاقات مع القيادات العراقية الحالية والمستقبلية قابلة للاستمرار والتعزيز بعد الانتهاء من عملية الاقتراع.

  • "المونيتور": المياه من أجل النفوذ.. تركيا تتحرّك لتخفيف أزمة نقص المياه في العراق قبل الانتخابات

موقع "المونيتور" الأميركي ينشر تقريراً يتناول العلاقات العراقية التركية في سياق أزمة المياه والانتخابات العراقية المقبلة، مسلّطاً الضوء على استخدام أنقرة ورقة المياه والنفط لتعزيز نفوذها السياسي في بغداد، خصوصاً في مرحلة ما قبل الانتخابات البرلمانية المقرّرة الشهر المقبل.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

بينما يستعدّ العراق للانتخابات البرلمانية المقرّرة في الـ 11 من الشهر المقبل، كثّفت تركيا جهودها لتوفير المزيد من المياه لجارتها في محاولة لتخفيف النقص في خطوة تهدف وفقاً للمحلّلين، إلى الحفاظ على نفوذ أنقرة لدى صُنّاع القرار في بغداد.

وتتبدّى خطة تركيا لزيادة تدفّقات المياه من نهرَي دجلة والفرات إلى العراق، واستئناف تدفّق النفط من كردستان العراق إلى تركيا عبر خط أنابيب، في جهود أنقرة لدعم الحكومة العراقية قبل الانتخابات. وبينما هذه الإجراءات تسعى إلى تهدئة القلق العامّ وتعزيز الاستقرار، يحذّر المسؤولون العراقيون من تأخّر تحويل الاتفاقيات الثنائية المتعلّقة بالمياه إلى مشاريع ملموسة، إذ لا تزال هناك حاجة إلى تجاوز العقبات البيروقراطية، وإلى تنسيق إقليمي أوسع تنخرط فيه سوريا أيضاً.

على خلفيّة هذا الأمر، يُواجه رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني ضغوطاً شعبيةً متزايدةً خاصةً في البصرة، حيث اندلعت احتجاجات واسعة النطاق بسبب استمرار نقص المياه وتأثيرها البيئي.

ولطالما عقّد نزاع تقاسم المياه العلاقات بين تركيا والعراق، واعتبر أحد أبرز أسباب التوتر إلحاحاً بين الجارتين، حيث تحمّل بغداد أنقرة مسؤولية تفاقم نقص المياه، مشيرةً إلى السدود التركية التي بنيت على نهري دجلة والفرات، بينما تجادل أنقرة بأنّ البنية التحتية المائية القديمة في العراق وأنظمة الري غير الفعّالة هي السبب في الحدّ من فعّالية المياه المُوفّرة.

الماء مقابل النفوذ

تعاني مستويات خزّانات المياه في العراق من ضغط تاريخي. وتشير التقارير إلى أنّ سدّ دوكان يعمل بنسبة 24% فقط من سعته، وانخفض احتياطي المياه الوطني إلى أدنى مستوىً له منذ ما يقرب من 80 عاماً، مُسجّلاً 10 مليارات متر مكعب، ترافقت مع تقلّص تدفّقات مياه الأنهار، وأدّت إلى تفاقم الجفاف في العراق هذا العام بشدّة، نتجت عنها احتجاجات في مدن الجنوب العراقي، ممّا دفع تركيا إلى زيادة جهودها للحفاظ على علاقاتها الوثيقة مع السوداني، وضمان علاقات قابلة للتطبيق مع الحكومات المستقبلية.

وبحسب الصحافي والباحث المتخصص في العلاقات التركية العراقية محمد علجا، فإنّ تركيا ترى في رئيس مجلس الوزراء العراق، شريكاً موثوقاً به في محاولتها التعامل مع العلاقات المعقّدة مع الجماعات الكردية والحكومتين السورية والإيرانية، وقال علجا لموقع "المونيتور"، لقد نشأ تفاهم متبادل بين تركيا والسوداني، حيث "تنظر أنقرة إلى رئيس الوزراء العراقي كطرف موثوق ويسهل التعامل معه، وخلال فترة ولايته، ظهر السوداني بصورة القائد المستقر الذي يُركّز جهوده على شؤون التنمية".

وأضاف علجا، "المياه تشكّل بنداً رئيسياً على أجندة السوداني، خاصة في الفترة هذه التي تسبق الانتخابات، وتركيا ترغب في المساعدة". ومنذ نحو أسبوعين التقى وفد عراقي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين ووزير المياه عون دياب مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان وفريقه في أنقرة، لإجراء محادثات مهمة بشأن هذه المسألة. وبالفعل أعلن بعد الاجتماع في مؤتمر صحفي مشترك عن توصّل أنقرة وبغداد إلى "اتفاق إطار" بشأن تقاسم المياه، من دون أن يُذكر أيّ تفاصيل أخرى. ووفي وقت لاحق صرّح متحدّث باسم وزارة الخارجية العراقية أنّ تركيا، "ستزيد تدفّق المياه من سدودها من 420 متراً مكعباً في الثانية إلى 50 مليون متر مكعب في الأسابيع المقبلة".

يقول الباحث علجا، "تتوقّع بغداد استمرار تدفّق المياه حتى موسم الأمطار، بينما أتاحت تركيا لكميات إضافية من المياه بالتدفّق كبادرة حسن نية في السابق، وقد تفعل ذلك مجدّداً لمساعدة حكومة السوداني التي تفضّل أنقرة بقاءها في الحكم".

وكان السوداني بعد أن أصبح رئيساً للوزراء في عام 2022، جعل معالجة النقص المزمن في المياه في العراق وتعزيز المشاريع من أولوياته، ممّا دفعه إلى السعي إلى تعاون أوثق مع تركيا. وفي الربع الأول من العام الماضي، حظر العراق "حزب العمال الكردستاني"، تلبيةً لطلب أنقرة المستمر بتصنيف هذه الجماعة المسلحة منظمة إرهابية. وذكر أنّ الحزب المذكور الذي يتخذ من جبال شمال كردستان العراق مقرّاً له، يقاتل تركيا منذ عام 1984 من أجل الحكم الذاتي، ولكنّه أعلن في أيار/مايو الماضي، عن عزمه نزع سلاح الحزب وحلّه في إطار محادثات السلام الجارية مع أنقرة.

التقارب بين أنقرة وبغداد

قبل تصنيف حزب العمال الكردستاني منظّمةً إرهابية، كانت أنقرة وبغداد على خلافٍ كبيرٍ بشأن الغارات الجوية التركية المتكرّرة على مواقع الجماعة في كردستان العراق. وقد اتهمت بغداد تركيا بانتهاك السيادة العراقية خلال ملاحقتها المسلحين الكرد. وبعد تصنيف بغداد لـ "حزب العمال الكردستاني" منظمة محظورة، وافقت أنقرة على تنسيق عملياتها العسكرية في شمال العراق مع السلطات الأمنية العراقية. والآن أوقفت تركيا تلك الغارات بعد أن أعلن حزب العمال الكردستاني قراره بحلّ نفسه.

وعلى خلفيّة تحسّن العلاقات، قام الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بزيارة إلى العراق في نيسان/أبريل 2024، بعد نحو عقد من الزمن عن زيارته السابقة. وبعد أشهر قليلة وقّعت أنقرة وبغداد اتفاقية تعاون عسكري وأمني. كما انضمّ العراق إلى آلية بقيادة تركيا تضمّ ​​5 دول من ضمنها لبنان وسوريا والأردن، تهدف إلى مواجهة التحدّيات الأمنية الإقليمية، ولا سيما مكافحة تنظيم "داعش".

وفقاً للباحث والصحافي علجا، فإنّ تكثيف تركيا جهودها للمساعدة على تخفيف مشكلات المياه في العراق قبل الانتخابات لا يدلّ على دعمها الكامل للسوداني، بل إنّ هذه البادرة الطيبة تهدف إلى ضمان بناء العلاقات مع أيّ حكومة تتولّى السلطة بعد ذلك. وأضاف، "لا يبدو أنّ إعادة انتخاب السوداني لولاية ثانية رئيساً للوزراء ستكون سهلة".

من جهة أخرى قال مسؤول تركي مطلع على المناقشات الثنائية حول هذا الموضوع لموقع "المونيتور"، شريطة عدم الكشف عن هويته، إنّ هناك حداً لكمية المياه الإضافية التي يمكن أن توفّرها تركيا. وما تقوم به أنقرة اليوم "يحدث في ظلّ أسوأ جفاف تشهده تركيا في تاريخها المنظور، وفي الحقيقة ليس لدينا مياه أكثر من العراق"، حيث انخفضت مستويات خزّانات المياه في جميع أنحاء البلاد إلى أقلّ من 40% في المتوسط، واقتربت بعض الخزّانات في المقاطعات الغربية من النضوب.

كما أنّ إطلاق كميات إضافية من المياه بمثابة بادرة حسن نيّة، وأشار المسؤول أيضاً إلى استئناف تدفّق النفط الشهر الماضي من إقليم كردستان العراق شبه المستقلّ إلى تركيا عبر خط أنابيب أغلقته أنقرة قبل أكثر من عامين، مما أدّى إلى توقّف استيراد النفط من كردستان العراق في العام 2023، في حين كانت تتوقّع اتخاذ إجراء من جانب بغداد.

كذلك أصدرت المحكمة التجارية الدولية حكماً بشأن شكوى رفعتها بغداد عام 2018 بشأن واردات النفط من دون موافقتها. وفي نيسان/أبريل 2023، قضت المحكمة ومقرّها باريس، بأنّ واردات تركيا عبر خط الأنابيب بين عامي 2014 و2018 تُشكّل انتهاكاً لسيادة بغداد، وغرّمت تركيا 1.4 مليار دولار كتعويضات. بعد توصّل بغداد وأنقرة وشركات النفط العالمية المعنية إلى تفاهم الشهر الماضي، عاد النفط إلى التدفّق عبر خط الأنابيب، وستُحوّل عائداته إلى شركة النفط العراقية الاتحادية "سومو".

وأضاف المسؤول التركي، "مع فتح خط الأنابيب مرة أخرى، نأمل أن نرى آلية تمكّن الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان من الوصول إلى أموال النفط الجديدة، وهذا سيمكّنهم من تمويل الاستثمارات التركية في البنية التحتية للمياه".

وجهة نظر بغداد

من منظور بغداد، يظلّ تحويل الاتفاقيات الثنائية من ضمنها تلك المتعلّقة بقضايا المياه، إلى واقع عملي أمراً صعباً، حتى مع زيادة الجهود من جانب تركيا. كما يشير حسن الجنابي وزير الموارد المائية العراقي السابق وهو سفير العراق السابق لدى تركيا، إلى أنه على الرغم من أنّ البلدين وقّعا اتفاقية إطار لمدة 10 سنوات تركّز على تعميق التعاون في عدة مجالات، بما في ذلك الدفاع والمياه خلال زيارة إردوغان إلى بغداد العام الماضي، إلا أنّ التنفيذ كان بطيئاً، وقال لموقع المونيتور، إنّ "تحويل النيات الحسنة إلى مشاريع ملموسة ما زال متأخراً".

وبموجب الاتفاقية التي وُقّعت خلال زيارة إردوغان في عام 2024، التزمت تركيا والعراق بتنفيذ مشاريع مشتركة لإدارة المياه، بما في ذلك تحديث أنظمة الري، وتحسين كفاءة استخدام المياه، وتنسيق تدفّق نهري دجلة والفرات لمعالجة النقص ودعم الاحتياجات الزراعية والبلدية، بينما تعهّد فيدان بتسريع الجهود نحو تنفيذ تلك المشاريع وإلى جواره وزير الخارجية فؤاد حسين في تركيا منذ نحو أسبوعين.

وبحسب الجنابي، يحتاج الموظفون الحكوميون في كلا البلدين إلى صلاحيات أكبر لتنفيذ المشاريع المتفق عليها. وقال إنّه إضافة إلى المناقشات الثنائية، "يجب على تركيا والعراق أيضاً التنسيق مع سوريا، لأنّ النزاعات حول تقاسم المياه من نهري دجلة والفرات كانت مشكلةً كبيرةً بين العواصم الثلاث". ولتفادي سوء الفهم، يجب على الحكومات أن تعمل على أساس واحد من البيانات، مشيراً إلى أنّه سيكون من الضروري إنشاء محطّات قياس متصلة عبر الأقمار الصناعية على الحدود التركية السورية والسورية العراقية لمراقبة تدفّق نهر الفرات، وهذا من شأنه "أن يقلّل وربّما يزيل أيّ نزاع حول كمية المياه التي تطلق".

نقله إلى العربية: الميادين نت.