"فورين بوليسي": العلاقة بين أميركا و"إسرائيل" تشكل خطراً أخلاقياً
حان الوقت لواشنطن أن تتحوّل من راعية إلى شريكة في علاقتها مع "إسرائيل"، وإلا ستكون هناك عواقب تاريخية.
-
"فورين بوليسي": العلاقة بين أميركا و"إسرائيل" تشكّل خطراً أخلاقياً
مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تنشر مقالاً يتناول التوتر في العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب و"إسرائيل"، في ظلّ شعور البيت الأبيض بالإحباط من السياسات الإسرائيلية التي تعرقل أهداف واشنطن في الشرق الأوسط.
يناقش المقال إخفاقات العلاقة الأميركية – الإسرائيلية خلال ولاية ترامب الثانية، والحاجة إلى إعادة توازنها عبر تحويل "إسرائيل" من دولة مدعومة بلا شروط إلى شريك استراتيجي يخضع لالتزامات متبادلة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:
يشعر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاروه البارزون بالإحباط من "إسرائيل". فهل يمكن لومهم؟
لقد قامت "إسرائيل" مؤخّراً بقصف دمشق، الأمر الذي أضرّ بالجهود الدبلوماسية البارزة التي يبذلها ترامب لتعزيز استقرار سوريا ووحدتها وسحب القوات الأميركية منها. كما أدّى ضرب "إسرائيل" لإيران في حزيران/يونيو إلى إحباط جهود ترامب للتفاوض على اتفاق نووي جديد مع طهران، وجرّ بالتالي الولايات المتحدة إلى مستنقع الحرب الاختيارية لـ"إسرائيل" ضد إيران.
تمنع حرب "إسرائيل" على حماس في غزة توسيع نطاق اتفاقيات "أبراهام"، وهي أولوية قصوى في ولاية ترامب الثانية. وخلال الأسابيع الأخيرة، رفعت "إسرائيل" مستوى الضغط على ترامب لاستئناف الحرب ضد إيران واليمن، والتي كان ترامب قد توسّط فيها للتوصّل إلى اتفاقيات لإنهائها. إضافة إلى ذلك، أطلقت القوات الإسرائيلية والمستوطنون النار على كنيستين في غزة والضفة الغربية في تموز/يوليو، ما أسفر عن مقتل مسيحيين في حرب يُفترض أنها تهدف إلى تدمير حماس.
ليس مستغرباً أن يتصل ترامب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرتين الشهر المنصرم ليصرخ في وجهه. كذلك ليس مستغرباً أن تتصرّف "إسرائيل" على نحو يتعارض مع مصالح ترامب. وقد سبق أن توقّع عدد من الخبراء حدوث ذلك. لماذا؟ لا يكمن السبب في رغبة إسرائيلية عميقة في الانتقام بعد هجمات حماس التي وقعت في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 فحسب، بل في الديناميكيات الهيكلية التي تُشكّل جوهر العلاقة الأميركية – الإسرائيلية أيضاً. فهذه الديناميكيات تحمي "إسرائيل" من عواقب سلوكها، وتُتيح لها القيام بأعمالٍ محفوفة بالمخاطر تتعارض مع المصالح الأميركية.
باختصار، إنّ السياسة الأميركية مسؤولة بشكل جزئيّ عن تقويض "إسرائيل" لأهداف ترامب الطموحة في الشرق الأوسط. وقد حان الوقت لواشنطن أن تتحوّل من راعية إلى شريكة في علاقتها مع "إسرائيل".
يُطلق علماء السياسة على هذا النوع من المشكلات اسم "الخطر الأخلاقي". ويميل هذا النوع إلى الظهور عندما تتعهّد قوة عظمى بتوفير خدمات أمنية قوية للدولة راعية أضعف وأكثر رجعية، أي دولة تسعى جاهدة لإصلاح مشكلاتها الأمنية و/ أو تغيير النظام الأمني السائد فيها. وبعد ضمان حصولها على دعم القوة العظمى، تُصبح الدولة الحليفة أكثر تقبّلاً للمخاطر وأقل استجابةً لمطالب القوة العظمى، التي غالباً ما تدفع تكاليف عدوان شريكتها الأضعف.
يُعدّ الخطر الأخلاقي مشكلة شائعة في العلاقات الدولية، وهي مشكلة واجهها كل رئيس أميركي بعد الحرب الباردة مع "إسرائيل". وفي الوقت الذي تُشكّل "إسرائيل" ركيزة العلاقات الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط، فإنّ التعديلات في هذه العلاقة ضرورية لمعالجة هذه المشكلة.
وعند ترقية "إسرائيل" إلى صفة شريك، يتعيّن على واشنطن تحديث طبيعة التزامها بوضع الشريك بجعله أكثر مشروطية، وهي خطوة في ضوء القوة الإسرائيلية اليوم. وقد يكون اتباع النموذج التايواني هنا مُجدياً، بحيث تتعهّد واشنطن بدعم سيادة "إسرائيل" مع التحذير من أنها تحتفظ بالحقّ في تحديد الوقت والكيفية لتنفيذ هذا التعهّد وفقاً للمصالح الأميركية.
وتماشياً مع الاقتراحات الواردة في تقرير حديث صادر عن مؤسسة "هيريتيج" (Heritage Foundation) المحافظة، ينبغي على الولايات المتحدة تعديل تحويلات مساعداتها العسكرية لـ"إسرائيل". كما ينبغي عليها إيقاف جميع التمويلات العسكرية لها، وأن تشترط عليها ضعف ثمن جميع المعدات التي تشتريها من الولايات المتحدة.
وكما هو الحال مع تايوان، يتوجب على الولايات المتحدة أيضاً التحوّل تدريجياً إلى تزويد "إسرائيل" بمعدات عسكرية دفاعية خاصة. فـ"إسرائيل" تمتلك مجمّعاً صناعياً عسكرياً ضخماً، وهي تاسع أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم، ما يعني أنها قادرة على التكيّف مع التحوّل إلى المعدات والمبيعات الدفاعية بدلاً من التمويل. ولضمان تفوّق "إسرائيل" العسكري النوعي في الشرق الأوسط، وفقاً لما يقتضيه القانون، قد تحتاج الولايات المتحدة، التي تُزوّد المنطقة سنوياً بنحو نصف الأسلحة، إلى تقليص عمليات نقل الأسلحة إلى دول أخرى أثناء قيامها بهذه التغييرات. وهذا ليس بالأمر الجديد، فواشنطن تُجري بانتظام مثل هذه التعديلات.
وستخدم هذه التغييرات في عمليات نقل الأسلحة غرضين في ما يتعلّق بالحد من المخاطر الأخلاقية. أولاً، سيؤكّد التحوّل إلى المعدات الدفاعية مجدّداً أنّ تعهّد الولايات المتحدة بالدفاع عن سيادة "إسرائيل" يركّز في المقام الأول على حماية حدود "إسرائيل" الحالية، وليس بالضرورة طموحاتها الأوسع في المنطقة. ثانياً، من دون المساعدات المالية الأميركية، سترتفع تكاليف الأمن بالنسبة لـ"إسرائيل" لأنها ستكون وحدها المسؤولة عن تكاليف معداتها العسكرية.
ومع تراجع الثقة بشأن دعم الولايات المتحدة لجهودها الإقليمية، ستكون "إسرائيل" منفتحة على مسارات أقل تكلفة وأكثر تعاوناً لتأمين نفسها. وبالنسبة إلى الأزمات الأخيرة التي أحبطت إدارة ترامب، فإن هذا يعني المزيد من ضبط النفس الإسرائيلي في سوريا، والمزيد من التكيّف على طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب في غزة، ومحاولة للتوافق مع تفضيلات ترامب للتوصّل إلى حلّ تفاوضي للأزمة النووية الإيرانية.
سترحّب الدول العربية المعتدلة بارتقاء العلاقات الأميركية – الإسرائيلية إلى مستوى الشراكة، ليس لأنّ ذلك يفتح الباب أمام مزيد من الترهيب لـ"إسرائيل"، بل لأنه سيشجّع هذه الأخيرة على البحث عن سبل أكثر تعاوناً وأقل قوة لتأمين نفسها. وسيكون هذا مفيداً لبناء النظام متعدّد الأطراف في الشرق الأوسط، الذي يحظى بشعبية في أوساط السياسة الأميركية أيضاً، بما في ذلك بين المحافظين.
وفي حال أدى ذلك يوماً ما إلى قيام دولة فلسطينية، فمن المرجّح أن تتبدّد الهجمات بالوكالة على "إسرائيل" بشكل ملحوظ أيضاً، نظراً لمركزية هذه القضية بالنسبة للوكلاء. وعليه، فإنّ ترقية "إسرائيل" إلى شريك للولايات المتحدة سيجعلها أكثر أماناً مما هي عليه الآن كـ"دولة" راعية.
يسعى ترامب إلى أن يكون شخصيةً محوريةً في الشرق الأوسط، وأن يُعيد النظر في الالتزامات الأمنية الأميركية الأوسع نطاقاً لمرحلة جديدة من المنافسة بين القوى العظمى. ولحسن الحظ، مع نضوج "إسرائيل" ووصولها إلى مستوى القوة العظمى، أعطى التاريخ ترامب فرصةً- إن كان مستعداً لاغتنامها. وسيتطلّب ذلك من ترامب كسر القواعد التقليدية مجدّداً. وقد سبق أن فعل ذلك مع "إسرائيل". فلنأمل أن يفعل ذلك مجدّداً بتحويل "إسرائيل" من راعية إلى شريكة، وهو أمرٌ قد تكون عواقبه تاريخية.
نقلته إلى العربية: زينب منعم.