"نيويورك تايمز": الحرب التي وعد ترامب بإنهائها.. مستمرّة
إنّ وعد دونالد ترامب بإنهاء الحرب في أوكرانيا قبل أن يصبح رئيساً لم يتحقق.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر مقالاً، كتبه بيتر بيكر، يتحدث فيه عن عدم وفاء الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، بوعده بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لا يتباين دونالد ترامب عن معظم رؤساء الولايات المتّحدة. بعد فوزهم بالمنصب الرئاسي وانتقالهم إلى البيت الأبيض، يتراجعون عن وعودهم الانتخابية. لكن ترامب ونائبه، جي دي فانس، لن ينتظرا كلّ هذا الوقت، فبمجرّد أدائهما لليمين الدستورية، يكونان تراجعا عن وعد مهمّ في حملتهما الانتخابية، بحيث تعهّد ترامب، على نحو متكرّر ومثير للإعجاب، وإن كان غير معقول، ويتّسم بعواقب جيوسياسية عميقة، أنّه سينهي الحرب في أوكرانيا في غضون 24 ساعة. وليس فقط في يوم واحد، بل إنّه سيفعل ذلك قبل أداء اليمين الرئاسية، وقبل أن يصل إلى المكتب البيضاوي. وقال "بمجرّد الفوز بالرئاسة، سأعمل على التسوية بشأن الحرب الرهيبة بين روسيا وأوكرانيا". وقال أيضاً، خلال مناظرته التلفزيونية مع نائبة الرئيس (السايق) كامالا هاريس، في أيلول/سبتمبر الماضي،" سوف أنهي الصراع بين روسيا وأوكرانيا، حين انتُخب فوراً".
لم تكن تصريحات ترامب وتعليقاته عابرة، وهو كررها كحجّة أساسية من أجل انتقاد أكبر حرب برّية في أوروبا منذ سقوط ألمانيا النازية. لذلك، لم يفشل ترامب في الوفاء بوعده فحسب، بل إنّه لم يبذل أيّ جهد حقيقي وواضح لإنهاء الحرب منذ انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر، وحتّى بعد تنصيبه ودخوله البيت الأبيض.
يقول السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت ريتشارد بلومنثال إنّه "لا يمكن تسوية الحروب بالخطب الرنّانة. والحلقة المفقودة في تفكير ترامب أنّه فشل في أن يفهم أنّ الأوكرانيين لن يلجأوا إلى التسوية إلّا إذا كان موقفهم في المفاوضات قويّاً، مع أنّه قوّضَ موقفهم في الحقيقة، وهذا أحد الأسباب التي منعته من إنهاء الحرب قبل تنصيبه".
لا يبتعد ترامب في خطاباته عن المبالغة. وتأكيده الوقح أنّه يستطيع وحده، بسهولة وبسرعة، وقف الحرب بنقرة إصبع، على نحو يتوافق مع الصورة القديمة التي يحب ترامب تقديمها إلى الجمهور عن نفسه، ومفادها: "أنا وحدي قادر على إصلاح الأمور".
وعلى مدى ما يقرب من عقد من السنين في السياسة الوطنية، لطالما اصطدمت الخطابة بالواقع في السياسة الوطنية الأميركية، بحيث تسقط الوعود العظيمة على جانب الطريق. لكن، دفع الرؤساء الآخرون ثمن مخالفتهم وعودهم، على عكس ترامب الذي يواصل في غيّه من دون عواقب واضحة.
على سبيل المثال، لم يبنِ ترامب جداره الحدودي الذي طال انتظاره بالكامل، ناهيك بإجبار المكسيك على دفع ثمنه. ولم يقم بمحو العجز في الميزانية الاتّحادية أو تقليص العجز التجاري الوطني. ولم يصنع السلام الدائم بين "إسرائيل" والفلسطينيين، والذي قال عنه: "لن يكون صعباً كما كان تصوّر الناس منذ وقت طويل". ولم يلغِ قانون الرعاية الصحّية الذي أصدره الرئيس باراك أوباما. ولم يعزّز النمو الاقتصادي بأيّ مستوى.
لكن، يذكر أنّ الرئيس ترامب ساعد على فرض وقف موقت للقتال في غزّة، ودخل حيّز التنفيذ قبل يوم من تنصيبه، بحيث أرسل مبعوثاً للضغط على "إسرائيل" للموافقة على اتفاق وقف إطلاق للنار طويل الأمد، والذي وضعه من قبلُ الرئيس جو بايدن على الطاولة، لكنّ ضغوطات ترامب أدت دوراً حاسماً في إقراره أخيراً، وهو نجاح كبير للرئيس الجديد.
شكّلت أوكرانيا، في كثير من النواحي، تحدّياً صعباً للرئيس ترامب، ويفرض عليه أن يبدأ هذا الملفّ من الصفر، على عكس غزّة. وهو لم يرث من سلفه أيّ تَصوّر لخطّة سلام قائمة، كي يتبنّاها ببساطة ويدفعها إلى الأمام. وفي هذا الشهر فقط أرجأ مبعوث ترامب الخاصّ لحرب أوكرانيا، كيث كيلوج، أكثر من مرّة، خطّطه من أجل زيارة العاصمة الأوكرانية كييف، وعواصم أوروبّية أخرى، لبدء استكشاف الوضع. وقال لشبكة "فوكس نيوز" إنّه يأمل حلّ المشكلة خلال 100 يوم، وهو ما يزيد 100 مرّة على المدّة التي وعد بها ترامب في الأصل، حتّى لو نجح في مهمّته.
"كان وعداً سخيفاً"، هكذا قالت كاثرين ستونر، وهي زميلة بارزة في معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد. وأضافت أنّ "الشخص الوحيد، الذي يمكنه إنهاء الحرب في غضون 24 ساعة، هو فلاديمير بوتين، وكان في إمكانه فعل ذلك منذ أعوام، وأيّ مفاوضات ستستغرق أكثر من 24 ساعة بغض النظر عن متى يبدأ ترامب العد التنازلي".
وقال مؤلّف كتّاب "التصادمات" عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، مايكل كيماغ، إنّ "وعود حملة ترامب كانت تقدّم دائماً بحرية كبيرة"، وربّما كانت تتعلّق بإرسال الإشارات أكثر من تفسيرها بدقّة. وقد تكون أهدافه بهذه اللغة على هذا النحو إخطار الحكومة بأنّ نهجه تجاه روسيا والحرب سيكون مغايراً عن نهج بايدن، وأنّ هدفه الرئيس هو إنهاء الحرب وليس فوز أوكرانيا، وأنّه سيكون هو المسؤول، وليس الدولة العميقة التي تقحم الولايات المتّحدة في حروب لا نهاية لها.
لقد خلّفت هذه الإشارات ضبابية بشأن كيفية تصوّر، مفاده أنّ ترامب سيتوصّل إلى اتّفاق، لكن بالنظر إلى تقاربه طويل الأمد مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعدائه تجاه أوكرانيا، ومقاومته للمساعدات العسكرية الأميركية لكييف، يتوقّع المحلّلون أن تكون أيّ تسوية يسعى لها مواتية لموسكو. واقترح نائب الرئيس، جيه دي فانس، السماح لروسيا بالاحتفاظ بـ 20% من أراضي أوكرانيا، التي استولت عليها، وإجبار كييف على قبول الحياد عوضاً من الانحياز إلى الغرب، وهو إطار يعكس الأولويّات والتطلعات الروسية فقط.
سُئلت كارولين ليفات، السكرتيرة الصحافية المقبلة للبيت الأبيض، عن سبب عدم وفاء الرئيس ترامب بوعده الانتخابي بإنهاء الحرب قبل تنصيبه، لم تردّ، بشكل مباشر، بل كرّرت، عوضاً من ذلك، أنّه سيجعل ذلك "أولوية قصوى في ولايته الجديدة".
وبعد انتخابه، التقى ترامب الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وتحدّث عن خططه لقاء الرئيس بوتين بعد تنصيبه. كذلك، أكّد النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، مايكل والتزّ، والذي من المقرر أن يصبح مستشار الأمن القومي، أنّ إنهاء الصراع في أوكرانيا يظلّ أولوية قصوى للرئيس الجديد، واصفاً الحرب بأنّها مفرمة لحم للناس فعلياً وأشبه بحرب الخنادق في الحرب العالمية الأولى، مع عواقب تصاعدها نحو حرب عالمية ثالثة. وذكر أنّ "الصيغة لعملية إنهاء الحرب قد تستغرق بعض الوقت، لكن، كما قال الرئيس ترامب، يجب أن تتوقّف في أسرع وقت".
حتّى لو افترضنا أنّ عضوية حلف شمال الأطلسي ليست واردة لكييف، فإنّ أوكرانيا تريد ضمانات أمنية جادّة من الولايات المتّحدة وأوروبا، وخصوصاً إذا اضطرّتْ إلى التخلّي عن أراضيها، وهو الأمر الذي قد تعترض عليه روسيا.
كذلك، هناك أسئلة بشأن التعويضات والعواقب: من سيدفع ثمن إعادة بناء المدن والريف المدمّر في أوكرانيا؟ وماذا سيحدث لمذكّرات الاعتقال، التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، بحقّ الرئيس بوتين وشخصيّات روسية أخرى بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة؟ وهل ستخفّف واشنطن وبروكسل العقوبات المفروضة على روسيا منذ عام 2022؟ وإذا كان الأمر كذلك، فبأيّ شروط؟ ومن سيراقب خطّ منع تجدّد الصراع؟ وماذا سيحدث إذا انتُهك وقف لإطلاق النار؟
لم يتطرّق ترامب علناً إلى مثل هذه الأسئلة بعمق، الأمر الذي ترك الكثير للتكهن. ومع ذلك، أعرب عن حزنه بشأن استمرار سقوط الضحايا في أوكرانيا، والحاجة الملحة إلى إيجاد الإجابات، أيّاً تكن.
يقول كيماغ إنه "كلّما قلّ ما نعرفه عما يخطّطه ترامب، زادت قدرته على الارتجال".
نقله إلى العربية: حسين قطايا