"نيويورك تايمز": زيلينسكي تحت ضغط فضيحة فساد تهزّ وحدة أوكرانيا زمن الحرب
ائتلاف سياسي مناهض لزيلينسكي يتشكّل فيما يُتَّهَم حلفاء الرئيس بجمع الثروات لأنفسهم بينما يموت جنود البلاد على أرض المعركة.
-
"نيويورك تايمز": زيلينسكي تحت ضغط فضيحة فساد تهزّ وحدة أوكرانيا زمن الحرب
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً يتناول النص أكبر أزمة سياسية يواجهها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي منذ بدء الحرب، والمتمثّلة في فضيحة فساد واسعة تورّط فيها مقرّبون منه.
التقرير يناقش كيف ضربت فضيحة فساد ضخمة قلب الدائرة المقرّبة من زيلينسكي، وأعادت فتح الساحة السياسية في أوكرانيا، مهدّدة نفوذ الرئيس وقدرته على الحكم في وقت حرج من الحرب ضدّ روسيا.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
مع تدفّق القوات والصواريخ الروسية عبر حدود أوكرانيا في اليوم الأول من الغزو، أخذ الرئيس فولوديمير زيلينسكي لحظة لمصافحة خصمه الرئيسي، الرئيس السابق بيترو بوروشينكو. لقد هدّأ عرض الوحدة هذا السياسة الأوكرانية لسنوات وعزّز قيادته زمن الحرب.
الآن انتهت تلك الهدنة. فقد أدّى تحقيق واسع في مخطّط رشاوى بملايين الدولارات إلى تورّط مقرّبين من زيلينسكي، ما أعاد الحياة إلى السياسة في البلاد وأضعف الرئيس الأوكراني داخلياً في وقت يشتدّ فيه الضغط على ساحة المعركة.
ومع تَكشُّف أهمّ فضيحة فساد في عهد زيلينسكي، بدأ خصوم كانوا مختبئين في الظلّ بالتجمّع ليشكّلوا أوّل حركة كبرى مناهضة لزيلينسكي منذ بداية الحرب عام 2022. وتشمل هذه الأطراف المعادية وكالات مكافحة الفساد المستقلة في أوكرانيا، والأحزاب المعارضة، والنشطاء السياسيين ووسائل الإعلام.
ومع نسيان المصافحة وخلع القفازات، بات منتقدو زيلينسكي يتحدّثون بعبارات كانت في السابق غير قابلة للتصوّر، بما في ذلك اتهام حلفاء الرئيس بخيانة البلاد. وقد ردّ العديد من الأوكرانيين باشمئزاز على الاتهامات بأنّ حلفاءه حقّقوا مكاسب مالية بينما جنود البلاد يموتون في معركة من أجل البقاء الوطني.
وقال حزب بوروشينكو في بيان حول فضيحة الفساد: "لقد رأت البلاد أخيراً ما يعنيه تعبير ’مال ملطّخ بالدماء‘". وأضاف البيان أنّ حكومة زيلينسكي زمن الحرب "غير مهنية وفاسدة".
لا يدعو أيّ سياسي بارز في أوكرانيا إلى استقالة زيلينسكي، ومع تعليق الانتخابات بموجب الأحكام العرفية، لا يمكن التصويت لإخراجه من منصبه. لكنّ الحركة التي تتشكّل حول ملفّ الفساد تشكّل مخاطر جدّية عليه، وفق المحلّلين.
قد يهدّد هذا التجمّع المتنامي سيطرة زيلينسكي على البرلمان، مع انشقاق أعضاء حزبه ليصبحوا مستقلّين، ما يضعف قدرته على تمرير التشريعات، وهي قدرة كانت حيوية لاتخاذ قرارات سريعة أثناء الحرب.
يجمع حزب بوروشينكو توقيعات لإجراء تصويت بحجب الثقة عن حكومة زمن الحرب. كما تتعرّض الدائرة المقرّبة من زيلينسكي لضغط متزايد؛ إذ دعا ياروسلاف زيلزنياك، عضو حزب المعارضة "هولوس"، إلى استقالة رئيس ديوان الرئيس القوي، أندري يرماك. ويقول محلّلون إنّ زيلينسكي ويرماك ودائرة صغيرة من المستشارين يمسكون بقبضة قوية على السلطة في أوكرانيا.
وقال بالاز جارابيك، المستشار السياسي السابق للاتحاد الأوروبي في كييف: "الطريق الوحيد أمام زيلينسكي هو التخلّص فعلياً من جميع أفراد فريقه القيادي زمن الحرب".
بدأت الحركة ضدّ زيلينسكي باحتجاجات في الشوارع في تموز/يوليو بعد أن تحرّك لتحييد وكالات مكافحة الفساد التي كانت تحقّق في دائرته الداخلية. سرعان ما غيّر مساره، لكنّ فضائح الفساد التي ظهرت هذا الشهر جدّدت الاستياء من زيلينسكي، حيث يطالب العديد من الأوكرانيين بمزيد من الشفافية والمساءلة من الحكومة.
وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ الثقة بزيلينسكي انخفضت إلى نحو 50%، بعد أن كانت قد ارتفعت إلى نحو 90% بعد الحرب.
ولم يعلن زيلينسكي، الذي يشغل المنصِب منذ ما يقرب من سبع سنوات، ما إذا كان سيترشّح بمجرّد استئناف الانتخابات إذا وافقت روسيا في النهاية على وقف إطلاق النار بما يسمح برفع الأحكام العرفية.
بدأ كشف فضائح الفساد الأسبوع الماضي، وقد طالت أشخاصاً مقرّبين من الرئيس.
وقالت الوكالة الوطنية لمكافحة الفساد في أوكرانيا إنّ تيمور مينديتش، الشريك التجاري السابق لزيلينسكي، قد نظّم المخطّط الذي سُرق بموجبه ما لا يقلّ عن 100 مليون دولار خلال الأشهر الـ15 الماضية من شركة الطاقة النووية الحكومية عبر رشاوى للمقاولين. وقد تأسست هذه الوكالة المستقلة عام 2015 بدعم من صندوق النقد الدولي والمانحين الغربيين.
وقال المحقّقون إنهم زرعوا أجهزة تنصّت في شقّة ومكتب في كييف، حيث ناقش مينديتش وآخرون، بينهم وزير حكومي ومسؤول تنفيذي في الشركة النووية، كيفية تقسيم مئات الآلاف من الدولارات وتحويل الأموال إلى سويسرا و"إسرائيل". وقد نشرت وكالة مكافحة الفساد التسجيلات الصوتية على الإنترنت.
كانت الاتهامات بسرقة أموال من قطاع الطاقة أكثر إثارة للاستفزاز بالنسبة للأوكرانيين، وأكثر حساسية سياسياً بالنسبة لزيلينسكي، في وقت تعاني فيه البلاد من انقطاعات كهربائية طويلة بعد هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة روسية على محطات الطاقة.
وقد ردّ زيلينسكي بطلب استقالة وزير العدل هيرمان هالوشينكو ووزيرة الطاقة سفيتلانا هرينتشوك، وقد قدّم كلاهما خطابات استقالتهما.
ووضع مجلس الأمن والدفاع الوطني عقوبات على الشريك التجاري السابق، مينديتش، وهو أحد مالكي شركة الإنتاج التلفزيوني الكوميدي التي أسّسها زيلينسكي قبل أن يصبح رئيساً. وقد فرّ مينديتش من أوكرانيا قبل وقت قصير من مداهمة منزله.
كما أعلنت الحكومة عن إصلاحات في الوكالات التنظيمية وأطر الحوكمة في الشركات الحكومية.
وقال أوليكسي تشيرنيشوف، نائب رئيس الوزراء السابق الذي قال المحقّقون إنه تلقّى أكثر من مليون دولار، إنه بريء، وإنّ المحقّقين نشروا مقاطع من التسجيلات خارج سياقها.
وفي جلسة عُقدت يوم الاثنين، قال زيلزنياك، عضو البرلمان المعارض، إنّ خطوات الحكومة لمعالجة الاتهامات بالفساد غير كافية. ووجّه انتقاداً للوزراء الذين حضروا الجلسة، وهو أمر نادر خلال الحرب.
يقول محلّلون سياسيون إنّ الاتهامات بالفساد رفيع المستوى قد تؤدّي إلى إعادة اصطفاف ضدّ زيلينسكي في البرلمان، ما يعيد البلاد إلى نمط شائع في معظم تاريخها الحديث، حيث يجد الرؤساء أنفسهم في مواجهة برلمان تسيطر عليه المعارضة. وفي ظروف الحرب، يمكن لروسيا استغلال تلك الانقسامات الداخلية.
ونقلت صحيفة "أوكرانسكا برافدا"، وهي وسيلة إعلامية أوكرانية رائدة، أنّ فصيلاً داخل حزب زيلينسكي "خادم الشعب" يضغط من أجل إقالة يرماك، رئيس الديوان، ويهدّد بمغادرة الحزب إذا بقي في منصبه.
وفي إشارة إلى أنّ زيلينسكي قد يفقد القدرة على تمرير التشريعات، تمّ تأجيل التصويت على ميزانية العام المقبل الذي كان مقرّراً هذا الأسبوع. وقالت شخصيات في المعارضة إنها تعتزم استخدام النقاش حول مشروع الموازنة للمطالبة بإضافة ضمانات جديدة لمكافحة الفساد.
حتى قبل الفضيحة، كان زيلينسكي قد فقد فعلياً السيطرة على الأغلبية في البرلمان بسبب الانشقاقات والاستقالات داخل حزبه. لكنه كان قادراً على تمرير التشريعات بتحالف مع أعضاء سابقين في حزب موالٍ لروسيا تمّ حظره الآن.
وقال فولوديمير أريف، عضو حزب بوروشينكو "التضامن الأوروبي": "الخطوات الحالية غير كافية لإقناع المجتمع الأوكراني بأنّ شيئاً ما قد تغيّر فعلاً، وليس تغيّراً تجميلياً"، وذلك في حديثه عن استقالة الوزيرين والإصلاحات التنظيمية التي تمّ الإعلان عنها بسرعة.
وقد دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضمّ شخصيات من المعارضة، لكنه اعترف بأنّ زيلينسكي من غير المرجّح أن يتنازل عن السلطة بهذه الطريقة.
وقال أريف إنّ الوقوف إلى جانب مستشارين أو وزراء أو مسؤولين آخرين متورّطين في التحقيق "لن يُضعفه سياسياً ورئاسياً فحسب، بل سيُضعف أوكرانيا".