"972+": "إسرائيل" تفرض النزوح في غزّة بالطائرات الصغيرة القاتلة

كشف تحقيق جديد أنّ "الجيش" الإسرائيلي يستخدم طائرات من دون طيار صينية الصنع كسلاح، لطرد الفلسطينيين في جميع أنحاء غزّة، حيث يقول الجنود إنّهم يستهدفون المدنيين عمداً حتّى "يتعلّم الآخرون عدم العودة".

  • "972+": "إسرائيل" تفرض النزوح في غزّة بالطائرات الصغيرة القاتلة

مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تحقيقاً يكشف كيف يستخدم "الجيش" الإسرائيلي طائرات درون مُزوَّدة بملحقات لتحميل قنابل يدوية، لاستهداف المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة.

ويسرد التحقيق شهادات جنود وضباط إسرائيليين شاركوا في تلك العمليات، ويبيّن أن هذه الطائرات تقصف المواطنين، ذكوراً وإناثاً وأطفالاً، بهدف إرهابهم وإجبارهم على النزوح.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

وفقاً لتحقيق أجرته مجلة "+972"، وشبكة "لوكال كول" يقوم "الجيش" الإسرائيلي باستخدام أسطول من طائرات الدرون التجارية الصينية الصنع لمهاجمة الفلسطينيين في غزة سعياً لإخلاء سكانها. وبحسب ما قاله 7 جنود وضباط إسرائيليون خدموا في القطاع في التقرير، فإنّ هذه الطائرات من دون طيار تشغّل يدوياً من قبل القوات على الأرض، وكثيراً ما تستخدم لقصف المدنيين الفلسطينيين من ضمنهم الأطفال، لإجبارهم على مغادرة منازلهم أو منعهم من العودة إلى المناطق التي نزحوا منها من قبل من كلّ أنحاء القطاع.

ويستخدم الإسرائيليون طائرات "إيفو" الصينية، وهي مصمّمة أساساً للتصوير الفوتوغرافي الجوي، وثمنها نحو 3,000 دولار على موقع "أمازون"، يضيف لها الإسرائيليون ملحقاً يعرف باسم "الكرة الحديدية" يُمكّنهم من تزويد الطائرة بقنبلة يدوية وإسقاطها بضغطة زرّ وتفجيرها على الأرض.

"س" جندي إسرائيلي خدم في منطقة رفح هذا العام، نسّق هجمات بطائرات من دون طيار في أحد أحياء المدينة الذي أمر "الجيش" بإخلائه. وخلال ما يقرب من 100 يوم عملت فيها كتيبته هناك، نفّذ الجنود عشرات الغارات بطائرات من دون طيار، وفقاً لتقارير يومية من قائد كتيبته راجعها التقرير. 

يقول "س"، إنّه باستثناء شخص واحد عثر عليه معه سكّين ومواجهة واحدة مع مقاتلين مسلحين، فإنّ عشرات القتلى الآخرين بمعدّل واحد يومياً في منطقة القتال التابعة لكتيبته كانوا غير مسلحين، وأنّ غارات الطائرات من دون طيار نُفّذت بقصد القتل، على الرغم من أنّ غالبية الضحايا كانوا على مسافة من الجنود بحيث لا يمكن أن يشكّلوا لهم أيّ تهديد.

وأضاف: "كان من الواضح أنّهم يحاولون العودة إلى منازلهم من دون أدنى شكّ. لم يكن أيّ منهم مسلحاً ولم يعثر على أيّ شيء بالقرب من جثثهم، ولم نطلق طلقات تحذيرية أبداً، ليس في أيّ وقت. ولأنّ الفلسطينيين قتلوا بعيداً عن مكان تمركز الجنود، لم تجمع جثثهم، وبدلاً من ذلك تركهم الجيش لتلتهمهم الكلاب الضالة، ولم أستطع أن أتحمّل المشاهدة من كاميرا الطائرة، لكنّ آخرين من حولي فعلوا، حيث تعلّمت الكلاب التوجّه نحو مناطق إطلاق النار أو الانفجارات، لأنّها تدرك أنّ ذلك يعني وجود جثّة هناك".

ويقول الجنود بأنّ هذه الغارات الجوية غالباً ما تنفّذ ضدّ أيّ شخص يدخل منطقة يحظرها "الجيش" الإسرائيلي على الفلسطينيين، وهو تصنيف لم يحدّد قطّ على أرض الواقع. واستخدم مصدران صيغاً مختلفة لعبارة "التعلّم بالدم" لوصف توقّع "الجيش" بأنّ الفلسطينيين سيفهمون هذه الحدود التعسّفية بعد مقتل مدنيين عند دخولهم المنطقة.

يقول جندي آخر خدم في ناحية النصيرات وسط غزّة: "وقعت حوادث عديدة لإلقاء قنابل يدوية من طائرات مسيّرة. ولم تكن تستهدف مسلحين. وبمجرد أن يحدّد الضابط المسؤول الخطوط الحمر الوهمية لا يسمح لأحد بتجاوزها، ويعاقب بالموت من يفعل حتّى لو كان مجرد أنّه يمشي في الشارع".

وفي عدة حالات يستهدف الجنود الإسرائيليون الأطفال عمداً، حيث "دخل صبي المنطقة المحظورة، ولم يفعل شيئاً، حيث زعم بعض الجنود أنّهم رأوه يقف ويتحدث إلى الناس. هذا كلّ ما في الأمر ألقوا قنبلة يدوية من طائرة مسيّرة عليه. وفي حادثة أخرى، حاول الجنود قتل طفل يركب دراجة هوائية على مسافة بعيدة منهم. 

 أحد الضباط الذين شاركوا في عمليات في خان يونس هذا العام، قال إنّ الهدف الأساسي من هذه الهجمات هو ضمان إفراغ الأحياء وإبقائها فارغة من الفلسطينيين. في الشهر الماضي استخدمت وحدته طائرة من دون طيار فوق منطقة سكنية أمر "الجيش" بإخلائها في الشهر السابق، حيث وقف الجنود في ضواحي المدينة يشاهدون شاشة صغيرة تعرض لقطات حية من الطائرة من دون طيار لمعرفة من لا يزال في الحي، و"يقتلون كلّ من يرونه، بافتراض أنّ أيّ مدني لا يزال في المنطقة بعد أوامر الإخلاء ليس بريئاً أو سيتعلّم بالدم، ويجبر على النزوح".

وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشر الصحافي الفلسطيني يونس الطيراوي مقطع فيديو حصل عليه لإحدى هذه الطائرات المسيّرة، وهي تسقط قنبلة يدوية استهدفت بحسب قوله، مدنيين في ممرّ نتساريم شمال غزّة.

"يُقتل واحد أو اثنان والباقون يفهمون"

في الـ 13 من الشهر الماضي، بعد أسابيع قليلة من أمر "الجيش" الإسرائيلي بإخلاء جزء كبير من خان يونس، عاد محمد البالغ من العمر 27 عاماً إلى المدينة مع عدة شبان آخرين للاطمئنان على حالة منازلهم، وعندما وصلوا إلى وسط المدينة، أسقطت طائرة من دون طيار متفجّرات عليهم، يقول: "ركضت نحو الحائط للحماية، لكنّ بعض الشبان أصيبوا، لقد كان الأمر مرعباً والجيش الإسرائيلي يستخدم طائرات من دون طيار مسلحة لتنفيذ أوامر الإخلاء في المدينة، ممّا يؤدي إلى تهجيرنا ومنع عودتنا".

وفي شمال غزّة، قال العديد من السكان إنّهم أجبروا مؤخّراً على الفرار من منازلهم بعد أن بدأت الطائرات من دون طيار في استهدافهم عشوائياً في أحيائهم. وعادة ما يشير الفلسطينيون في غزة إلى هذه الطائرات باسم "الرباعية" بسبب عدد مراوحها.

قالت ريم 37 عاماً من حي الشجاعية، إنها قرّرت الفرار جنوباً بعد أن قتلت طائرة من دون طيار جيرانها، و"في آذار/ مارس حلّق "الجيش" بطائرات كوادكوبتر فوقنا تبثّ رسائل تأمرنا بالنزوح، وغيرها تسقط القنابل والمتفجّرات على الخيام لحرقها، لقد أرعبني ذلك وانتظرت حلول الظلام للنزوح من منزلي".

يوسف 45 عاماً يصف حادثة مماثلة منذ شهرين عندما أسقطت طائرات إسرائيلية من دون طيار متفجرات في مناطق مختلفة في جباليا لإجبار السكان على الفرار. بعد تحدّي أوامر الإخلاء الإسرائيلية لعدة أشهر، كانت هذه هي الحادثة التي دفعته إلى مغادرة منزله نحو جنوب القطاع.

كما وردت تقارير تفيد أنّ طائرات من دون طيار إسرائيلية استهدفت السكّان بالقرب من مراكز المساعدات الإنسانية. قال محمود 37 عاماً إنه عندما ذهب من خان يونس إلى مركز لتوزيع المساعدات قرب رفح في الـ  23 من الشهر الماضي، "أسقطت طائرة كوادكوبتر قنبلة على مجموعة من الأشخاص، أصيب العشرات منّا".

وتتوافق شهادات الجنود الذين قُوبلوا في هذا التقرير مع أخرى سابقة بأنّ "الجيش" الإسرائيلي وضع علامات على مناطق معيّنة من غزّة على أنّها "مناطق قتل"، حيث يُقتل أيّ فلسطيني يدخل إليها بالرصاص. وقال الجنود إنّ استخدام الطائرات من دون طيار قد وسّع حجم مناطق القتل هذه من نطاق الأسلحة النارية الخفيفة إلى مدى رحلة طائرة من دون طيار والتي يمكن أن تمتد إلى عدة كيلومترات.

ويقول أحدهم: "هناك خط وهمي، وأي شخص يعبره يقتل. ونتوقّع من الفلسطينيين أن يفهموا هذا بالدم، لأنّه لا توجد طريقة أخرى، كما أنّ حجم هذه المناطق كان بضع كيلومترات، لكنّها تتغيّر باستمرار".

ترسل طائرة من دون طيار على ارتفاع 200 متر، يمكنها رؤية من 3 إلى 4 كيلومترات في كلّ اتجاه"، يقول جندي إسرائيلي آخر خدم في رفح: "نقوم بدوريات بهذه الطريقة، وحين نرى شخصاً يقترب نضربه أوّلاً بقنبلة يدوية، وبعد ذلك، "نحذّره عبر الميكروفون، فيقتل شخص أو اثنان، والبقية يفهمون". 

كما أنّ نيران الطائرات من دون طيار توجّه نحو الأشخاص الذين كانوا يسيرون "بشكل مريب". ووفقاً للجنود كانت السياسة العامّة في الجيش هي أنّ الشخص الذي "يمشي بسرعة كبيرة يكون مشبوهاً لأنّه يهرب. الشخص الذي يمشي ببطء شديد يكون مشبوهاً أيضاً لأنه يوحي بذلك لأنّه يعلم أنّه مراقب، لذلك يحاول التصرّف بشكل طبيعي". 

ويقول الجنود أيضاً إنّهم أسقطوا قنابل يدوية من طائرات من دون طيار على أشخاص اعتبروا أنّهم "يعبثون بالأرض" وهو مصطلح استخدمه "الجيش" في الأصل على المسلحين الذين يطلقون الصواريخ، لكنّه وسّع بمرور الوقت لتجريم الناس على شيء بسيط مثل الانحناء خلال المشي.

يوضّح أحد الجنود في التقرير أنّه في اللحظة التي يتهم فيها الفلسطيني في غزة بـ "العبث بالأرض، يمكنني فعل أي شيء. وذات مرّة رأيت أشخاصاً يحملون أمتعتهم، ويسيرون ببطء لا يصدّق، ويتخطون حافة المنطقة المحظورة، وكان يمكن للجميع أن يروا ما كانوا يفعلونه مع ذلك أطلقت عليهم النيران".

يضيف أحد الجنود: "هذه التكنولوجيا جعلت القتل أكثر بؤساً، وهي مثل لعبة فيديو. هناك علامة تصويب في منتصف الشاشة وأنت على بعد مئات الأمتار، ثمّ تلعب بعصا التحكّم، وترى الهدف وتسقط قنبلة يدوية عليه. إنّهُ عمل رائع نوعاً ما، إلّا أنّ لعبة الفيديو هذه تقتل الناس". 

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.